619
كيف انحرف العالم ؟
كيف جعلونا نمسك الجمر:
ثالثا - التعليم
2 الهدف الحقيقي وراء سياسات نظمنا التعليمية
1 ظلمات
في إحدى حلقات برنامج "أضواء" عرضت على القناة الثانية المصريّة في أواخر عام 2003، كان الحوار يدور بين المذيعة وإحدى مدعيات حقوق المرأة إياهنّ.. لم أكن أتابع الحوار من بدايته، ولكنّي بدأت متابعته عند نقطة تتحدّث فيها ضيفة البرنامج عن أسباب مشاكل المجتمع المصريّ.. وطبعا تعرفون الأسطوانة المشروخة: فكلّ شيء في نظرهم يبدأ وينتهي من الزيادة السكانيّة.. وكأنّهم يريدون بلدا فارغا ليثبتوا جدارتهم في حلّ مشاكله!
إنّ مصر أغنى وأقلّ كثافة سكانية من اليابان والصين ودول أخرى عديدة.. كلّها سبقتنا بينما تراجعنا نحن!!
ولو أنصفوا لعلموا أنّنا لا نحتاج لتحديد النسل.. نحتاج لتحديد النشل!!
المهم.. ردّدت الضيفة الكريمة أسطوانة الزيادة السكانية المشروخة.. فسألتها المذيعة:
- طالما تكلمنا عن هذه المشكلة.. ألا يحتاج الأمر في نظرك لتدخل الدولة لتشريع قوانين في هذا الصدد؟؟ (تعني قوانين تعاقب من ينجب أكثر من عدد معين!!)
فأسرعت الضيفة تقول:
- إنّنا لا نحتاج لمزيد من القوانين.. هناك بالفعل ثلاثة قوانين لو تمّ تفعيلها، فستحدّ من الزيادة السكانية.
وبدأتْ في الإيضاح.. وذهلتُ.. لم أصدّق أنّها من السذاجة لكي تشرح على الملأ كلّ هذه المخططات الشيطانية.. لم أصدّق أن تؤكد كلّ ما دأبتُ على قوله ليعارضني فيه الآخرون بلا بصيرة!
فلننظر إلى هذه القوانين:
1- التعليم الإلزامي:
القانون في مصر يعاقب وليّ الأمر الذي لا يلحق ابنه بالتعليم، أو الذي يسمح له بالتسرّب منه بعد التحاقه به (تخيّل أنّك لا تملك حتّى حرّيّة ألا تعلّم ابنك!!!!!.. وكأنّ كلّ ما عليك هو أن تنجبه وتنفق عليه ليربوه هم كيفما شاءوا!!!).. وكانت العقوبة غرامة مالية.. ولكنّ ثبات قيمتها مع الزمن جعلها بلا قيمة حاليا (بالمناسبة: هذا يلفت نظرنا للسرقات الخبيثة التي تتم عن طريق خفض قيمة العملة الورقية!!!).. ورأت الضيفة ((العبقريّة)) أنّ تفعيل هذا القانون وتغليظ العقوبة سيمنع تسرّب الأبناء من التعليم..
ما علاقة هذا بالزيادة السكانيّة؟.. انظر كيف قالتها:
كثير من الأسر ـ خاصة في الصعيد والأرياف ـ تدفع أولادها الصغار للعمل لتعول الأسرة.. وبهذا لا تشعر بأيّ مشكلة في زيادة الإنجاب.. ولو ألزمنا هذه الأسر بتعليم أبنائها، فلن يجد الأبناء وقتا للعمل.. وبهذا يتحوّل الابن من عائل للأسرة إلى عالة عليها!!!!.. فإذا عرف كل أب هذا منذ البداية، فلماذا ينجب هذا العالة أصلا؟!!!
وضحكتُ.. ضحكتُ في ألم وسخرية مريرة!
((العبقريّة)) لم تفهم التناقض المذهل:
هل كانت الزيادة السكانية هي سبب البطالة والمشاكل الاقتصاديّة والضغوط النفسيّة على الأسر، أم التعليم الذي ((حوّل العائل إلى عالة)) على حدّ تعبيرها؟!!!
ولو نجحوا بالفعل في تعليم كلّ سكّان مصر، فأيّ اقتصاد سيتبقى لنا؟؟
مجموعة من العالات لمدّة ربع قرن، يتخرجون لينضموا لصفوف طويلة من البطالة لا آخر لها!!
المذهل أنّهم لم يستطيعوا توفير البنية التحتية اللازمة لتعليم من يتعلّمون حاليا.. فلماذا يتسابقون بجنون لتعليم من يتسربون من هذه المقتلة، ليشاركوا في إعالة أسرهم وإنقاذ أنفسهم؟؟
لقد أعلن رئيس الوزراء في بيان الحكومة لعام 2004 أن التعليم يقدّم لسوق العمل 600 ألف خريج سنويا.. تعهد أن توفّر الحكومة لهم 150 ألف فرصة عمل.... فقط!!!!.... فإذا افترضنا أن القطاع الخاص سيوفر مثل هذا العدد من الفرص ـ وهو فرض وهميّ في ظلّ الكساد والتضخم وعدم تكدس الموظفين في القطاع الخاص بلا عمل حقيقيّ كما في القطاع العام ـ فإنّ هذا معناه أنّ نصف خريجي التعليم ((عالة)) على المجتمع.. فلماذا تلح الدولة على تعليمهم أصلا؟.. أليس عبثا؟
ولكنّها قد أجابت!
لتحويل العائل إلى عالة، حتّى لا ينجبه أبوه أصلا!!!!!!
وحتّى يتحكّموا هم في عقول وشخصيات من يبخع الآباءُ أنفسهم كدّا وقلقا ليزّجوا بهم إلى تعليمهم المريض!
كما أنّه معلوم طبعا مَن الذين يقلقهم زيادتنا العددية!
2- تشغيل الأطفال:
القانون الثاني، هو قانون دوليّ وقّعت عليه مصر في التسعينيات، ويقضي بتجريم تشغيل الأطفال تحت سنّ 15.. هذا القانون غير مفعّل حتّى الآن.. ولو تمّ تفعيله فسيسبب كوارث مذهلة لملايين الأسر، وملايين الحرف..
إنّ الذين يعتبرونهم أطفالا، يقومون بأدوار حيوية في جمع المحاصيل وشتل الأرز ومكافحة دودة القطن، والعمل بالمصايف، والمحال والورش والصناعات اليدوية.. وغيرها..
ومِن هؤلاء الأطفال ((الرجال)) مَن يعمل بجانب تعليمه لينفق على نفسه أو أسرته..
ولو تمّ تفعيل هذا القانون، فستكون ضربة قاصمة لقطاعات عديدة في المجتمع.. الذي يعيش أكثر من ربع سكانه تحت خطّ الفقر المدقع!
وضيفتنا ((العبقريّة)) تريد تفعيل هذا القانون لنفس السبب الأوّل: تحويل العائل إلى عالة.. وبالتالي لماذا أنجبه أصلا؟؟!!
وطبعا الطفل الذي لن يعمل، لن يكون أمامه سوى أن يتعلم.. وبهذا يستلمون عقله ليعبثوا به كيفما شاءوا!
(لاحظ أن نصف سكان مصر تحت العشرين.. أيّ اقتصاد هذا الذي يتحدثون عنه عندما يكون نصف السكان عالة؟؟.. هذا إذا تجاهلنا العالات الأخرى في المراحل الثانوية والجامعية، وبطالة الخريجين!!!)
3- سنّ الزواج:
القانون العبقريّ الثالث، هو القانون الذي يعتبر الإنسان طفلا إلى سنّ 18 عاما!!!!!!!
علما بأنّ البلوغ في مجتمعي يبدأ من سنّ 12 عاما، ومتوسطه 14.. وبمجرّد البلوغ ينظر الإنسان إلى نفسه كرجل وينزِع للاستقلال، ويرفض أيّ شكل من أشكال الوصاية!
ولكنّهم يقدّسون كلّ ما يأتينا من الغرب بلا نقاش.. والبلوغ في المناطق الباردة يتأخّر بعض الشيء.. لهذا يبدو سنّ 18 مناسبا جدّا لهم.
المهّم.. ضيفتنا الفاضلة استخدمت المنطق بطريقة تستحقّ الإعجاب!!:
بما أنّ الطفولة إلى سنّ 18 سنة..
إذن فمن غير المنطقيّ أن يسمح القانون بزواج الفتاة في سنّ 16 سنة! (ما زالت فتيات الصعيد تتزوج أصغر من هذا حتّى الآن، وما زال التعليم غير محوريّ في حياة الناس هناك، لهذا ما زال مجتمع الصعيد محافظا على عاداته وقيمه وهو ما يقتلهم غيظا!!)
لهذا يجب رفع سنّ زواج الفتاة إلى 18..
ورفع سنّ زواج الفتى إلى 20 أو 21 (ولا أدري لماذا ليست هناك مساواة في هذا الأمر بالذات!!)
وطبعا رفع سنّ الزواج سيقلّل العدد الذي يمكن إنجابه.. وسيدفع المرأة لخطّ: تعليم/عمل.. الذي أفضنا في الحديث عن كوارثه.
وأضيف أيضا: وسيزيد من سنّ المراهقة وضغوطها، وبالتالي الانحراف والفاحشة، وبالتالي السقوط فريسة أفكارهم المضلّلة!!
وهكذا كشفت هذه ((العبقريّة)) بوضوح تامّ، أنّ الهدف الأكبر الذي يسعون إليه من التعليم وقوانينهم المريضة، هو تغيير بنية المجتمع، وتقليص دور الأسرة في التربية، وتحويلنا طوال فترة تكويننا إلى عالات ساذجة لا تفهم الحياة وبالتالي تنجرف في مظاهر التقليد والمراهقة، وتقليل عددنا لخدمة مصالح أعدائنا، ورفع سنّ الزواج لإشاعة الفواحش!!!
فلماذا إذن يتعجّب البعض من تسارع خطّ الانهيار في كلّ مجتمعاتنا عبر نصف القرن الماضي، أخلاقيا وأسريا واقتصاديّا وعلميّا؟؟!!
أليست هذه هي الأهداف التي وضعوها وطبّقوها باقتدار؟؟!
في حين أنّ من أفلت من هذه المعمعة من عباقرتنا وعلمائنا، تمّ تجاهلهم ودفعهم للهجرة إلى الخارج لصناعة تقدّم أعدائنا!!!
الأسوأ من أن يكون من صنعوا بنا هذا عملاءَ لأعدائنا، أن يكونوا أغبياء وجهالا لهذه الدرجة!!
مرّة أخرى أقول وأكرّر:
منظومة حضارية جديدة..
نظام تعليم آخر..
إعلام بأهداف أخرى..
أسرة هي المسئول الأوّل عن أبنائها..
أمّ تربّي..
بغير هذا، دعونا نتابع مسرحيّة الانهيار!
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق