إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 25 يوليو 2015

652 كيف انحرف العالم ؟ كيف جعلونا نمسك الجمر: ثالثا - التعليم 4 هل توجد بدائل لنظام التعليم الحاليّ؟ 3 اقتراح لنظام تعليم بديل



652


كيف انحرف العالم ؟

كيف جعلونا نمسك الجمر:

ثالثا - التعليم
 
4 هل توجد بدائل لنظام التعليم الحاليّ؟

3 اقتراح لنظام تعليم بديل



يجب تغيير منظومة التعليم من جذورها.. والعودة بها للنظام القديم العبقريّ، الذي صنع حضارتنا الإسلاميّة:

مؤسّسات غير إلزاميّة، تقدّم العلم لمن يريد.. في أيّ وقت.. وباختياره هو.. يختار المكان والزمان والمنهج والطريقة والمدرّس..

وكلّما تعلّم شيئا، حصل على إجازة فيما تعلّمه.

هكذا كان الأزهر.. أعرق جامعات العالم.. حسرة على ما آل إليه بسب تحويله لنظام الجامعات الأوروبيّة!!!!!!

***

بعد تحليل المشاكل القائمة بالفعل في نظام التعليم، وضعت بعض التصوّرات لنظام بديل يحاول تلافيها.. والفكرة تقوم على الموازنة بين ثلاث قوى:

1- الدولة: التي يجب أن تتخلّص من بقايا السيطرة الشمولية على التعليم والفكر.. ولكنها يجب ألا تتخلى عن دورها الحيوي في وضع خطط التعليم وتوفير مقوّمات الإبداع والتقدم.

2- الأسرة والفرد: وحقهم في اختيار الأنسب لهم مما يتماشى مع ميولهم وواقعهم وظروفهم.. مع حق كل أسرة في اختيار الطريقة التي تربي بها أبناءها.

3- السوق: الذي لا يمكن فصله عن العملية التعليمية ـ كما هو حادث حاليا فالتخصصات بالدرجات وليس باحتياج السوق!! ـ حتى لا يكون التعليم كارثة على الاقتصاد!

ويجب ألا تطغى قوة من هذه على الأخرى.. وهذا لا يكون إلا بترك الأمور للعرض والطلب.

ولكن.. كيف يمكن أن نحقّق هذه المواصفات؟

***

هنا أنا أطرح هذا النموذج:

تطرح الدولة خطط شهادات غير إجبارية وغير متلازمة، وتوفر المرونة الكافية للمتعلم لاختيار ما يحب أن يدرسه في الوقت الذي يناسبه والمكان الذي يناسبه والطريقة التي تناسبه.. وأسرع وقت ممكن.

يختار الفرد الموادّ التي يريدها طبقا لميوله أو ظروفه المادية أو لاحتياجات السوق.

يتحكم العرض والطلب في الإقبال أو الإحجام عن شهادات معينة (للغالبية التي لا تنحو للإبداع والعلم حبا في العلم.. وهذا لن يؤثر على الصفوة المبدعة بل سيفسح لها الطريق).. مع ملاحظة أن الشهادات المفتتة ستعطي قابلية هائلة لتغيير مجال العمل بأسرع وقت (دراسة شهادة أو اثنتين في فترة محدودة كلما تطلب الأمر ذلك ليعيد الإنسان تأهيل نفسه لمهنة معينة) وبهذا يكون وقت التعلم مفتوحا في أي عمر بدون تحديد.

وهذا سيؤدي لانقراض مصطلح البطالة تماما.. فالدولة غير ملزمة بتوظيف أحد.. ولكنها تطرح العلم ليساعدك في تطوير حياتك، دون أن تجبرك عليه ـ على عكس الموجود حاليا ـ وبذلك لا يضيّع التعليم نصف عمرك ويعطلك عن العمل ويفسد شخصيتك ويجعلك سلبيا في انتظار وظيفة الحكومة التي لا تجيء!

وطبعا سيساند هذا النموذج إعلام تربوي هادف تثقيفي تعليمي.

***

فلنفصّل الأمر أكثر:

ماذا لو تمّ تفتيت الشهادات، بحيث يصير من حقّ كلّ إنسان أن يتقدّم في أيّ فترة للحصول على شهادة في علم معيّن، بغضّ النظر عن سنّه وإجادته للعلوم الأخرى.. هذا أشبه بالشهادات العالمية في البرمجة (مثل شهادات مايكروسوفت)، وهي لا تشترط عمرا معينا.. فقط تدفع المصاريف وتتسلّم المنهج وتدرسه كما يروقك (في مراكز خاصة أو تذاكره بنفسك) ثمّ تحدّد موعد الامتحان الذي يناسبك.

تعالوا نتخيّل شيئا مشابها تقوم به الدولة.. طبعا مع بعض التطوير:

ستظلّ قيادة التعليم من اختصاص الدولة.. فهي التي ستحدّد مستوى كلّ شهادة من الشهادات المقترحة في العلوم المختلفة، والمعلومات الأوّليّة المطلوب توافرها لكلّ شهادة..

فمثلا: لكي تدرس شهادة في الهندسة الفراغيّة، لا بدّ أن تكون لديك شهادات من مستوى معيّن في الهندسة المستوية والجبر.. وهو ما يناظر الترتيب الطبيعيّ للدراسة في الصفوف.. ولكنّ به ثلاث ميزات:

1-  لا دخل للدولة بسِنّ الطالب.. فهو يقدّم ما يثبت أنّه مؤهل لهذه الشهادة، ويدفع المصروفات المطلوبة وفقط.. وهذا يعطيه حرّيّة ترتيب أولوياته وتنظيم وقته، واختيار المواعيد التي تناسبه، والتوفيق بين الدراسة والعمل والهوايات وظروفه الخاصة أو أيّ مشاكل تطرأ عليه تعطّله عن الدراسة لفترة.

2-  سترحم الطالب من دراسة علوم يكرهها.. سنفترض أنّه يحبّ الرياضة ويكره الكيمياء.. لماذا يجب أن نطالبه بدراسة عشرات المناهج في الكيمياء وهو غير مهتم بها؟

3-  سترحمه من الرسوب وإعادة عام كامل، لمجرّد فشله في مادة واحدة.. فهنا لا توجد أعوام دراسية، ولا يوجد وقت مخنوق يحاصره!

عندئذ ستدفع المصروفات اللازمة للشهادة.. هذه المصروفات ستجعل الطالب أكثر حرصا خوفا على ضياع ماله لو رسب (لأنّه في الغالب سيدفع المال من عمله هو وليس من نقود أهله).. ويمكن دعم المتفوقين من الطلاب، بإعفائهم من رسوم الشهادات، إذا كانت شهاداتهم السابقة متميزة.. وبهذا نضمن أنّ التعليم ليس طبقيّا، ففيه فرصة للمجتهد.

وستقوم الدولة بتوفير ما يلي:

1-   كتب مبدئيّة تناسب المنهج المحدّد.

2-   المعامل المناسبة للتدريب.. (سأعود لهذه النقطة).

3-   مراكز مخفّضة المصروفات لتدريس هذه المادة (لدعم الطالب الفقير.. ولكنّ الميزة أنّها غير إلزاميّة لأحد).

4-   قنوات تعليميّة ومواقع إنترنت للتصفح وجلسات فيديو تفاعلية.

5-   امتحانات دوريّة في هذه المادة (ولتكن كلّ أربعة أشهر).. بحيث يستطيع كلّ طالب أن يحدد الوقت الذي يمتحن فيه.

وبهذا نرى أنّ منح الشهادة هو حقّ للدولة وحدها.. وهذا يدفعني للتنبيه لخطورة المدارس الخاصة الموجودة حاليّا.. فهي تهدف للربح.. وترك تقييم الطالب خاضعا لها يجعلها تتلاعب بالنتائج، لإشعار أولياء الأمور بأنّ نتائجها أفضل، وبالتالي جذب المزيد من ((الزبائن))!

ولا يكفي أن تضع الوزارة الامتحان.. فما زالت لجان الامتحان موجودة داخل هذه المدارس، وهي عرضة للغش والتلاعب!

لهذا يجب الفصل بين التعليم والتقييم.. بحيث يكون للمتعلّم والقطاع الخاص حرّيّة صياغة العمليّة التعليميّة.. لكن يظلّ للدولة وحدها سلطة التقييم لضمان أعلى جودة.

ومع فكرة الامتحانات الدوريّة في شهادات مفتتة، لن تكون هناك تلك الكثافة الضخمة في كلّ مادة.. مما يسمح للدولة بتوفير أماكن للامتحان.. (ستكون هناك امتحانات طيلة العام، بحيث توزع المواد المختلفة على أشهر السنة)

وهذا يحيلنا لمباني المدارس الحكوميّة الموجودة حاليّا.. وهذا سيكون أحد استخداماتها: كلجان للامتحان.. وفي توفير دروس مخفضة للطلاب الفقراء.

وأهمّ استخدام هو تحويل معظمها إلى معامل (ومع النقود التي ستتوفّر بعد تخلص الحكومة من عبء دفع رواتب المدرسين ـ وهي تمثل 60% من ميزانية التعليم!! ـ بالإضافة لما يدفعه الطالب للحكومة من مصاريف الشهادة، فلن تكون هناك مشكلة في التوسّع في المعامل).. مع تخصيص مواعيد لكلّ طالب مشترك في الشهادة لحضور المعمل.. وطبعا يمكن تشغيل المعامل من الشروق إلى الغروب، بنظام الورديات، ليختار كلّ طالب المواعيد التي تناسبه.

***

بالمناسبة:

فكرة إعطاء المتعلم حقّ تأجيل المواد على حسب رغبة المتعلّم ليوفّق بين الدراسة والعمل والهوايات وممارسة باقي حياته، نوقشت في مؤتمر الحزب الوطني المصري.. وذلك بهدف كسر الانتظام الذي يراه البعض حتميّا.. يجب أن نعرف أنّ معظم ما أطرحه هنا هو مطلب من المختصّين.. حتّى وزير التعليم المصري السابق تحدّث عن التعليم عن بعد.

ولكنّ كلّ ذلك لن يجد أذنا صاغية أبدا ولن يدخل حيّز التنفيذ في أيّ مرحلة قريبة!.. أظنّكم تعرفون السبب!

***

طبعا هناك معلومات أساسيّة يجب تلقينها للطفل قبل سنّ 10 سنوات.. وهي الخاصة باللغة والدين والحساب وبعض تاريخ الوطن وجغرافيته.. وبعض أساسيات العلوم.

وهي معارف أساسيّة يجب تنميتها لدى كلّ طفل.. ولن تكون هناك مدرسة لتنميتها (لأنّ الخلل كلّه ينشأ من هذه البيئة غير الانتقائيّة).. يمكن اعتماد نفس النموذج الذي طرحته.. ولكن سيغيب منه فقط عامل اختيار المناهج، لأنّها كلّها أساسيّة.

ولكن سيظلّ للأسرة حقّ اختيار الزمان والمكان.. (يعني قد يتأخّر طفل لظروف معينة، وقد يستطيع طفل آخر متوهج الذكاء الحصول على هذه الشهادات في فترة أقلّ.. طبعا مع اختيار المدرّس المناسب).

وهذا النموذج سيعيد للأسرة دورها في تربية الطفل في أعوامه الأساسيّة.. حيث ستختار له أنسب وسيلة للدراسة.. وأفضل مدرس أو مؤسسة تثق بها.. ولن يكون ذلك بالشكل اليوميّ الممل الموجود حاليا.. حيث تجد ملايين الأطفال يوميّا يملأون الشوارع باكرا في برد الشتاء، ليذهبوا إلى مدرسين يكرهونهم وفصول كالحة كئيبة!.. ويمضون نصف اليوم في رعب من هذا وفي ملل من هذا... إلخ!

***

ولكن.. ألن يشكّل دراسة كلّ المناهج في مراكز متخصصة أو عند مدرس خصوصي عبئا ماليا كبيرا؟

بخلاف أنّ كلّ الطلاب صاروا يتعاطون التعليم الخصوصي في النظام الحاليّ، فإنّ الاعتماد الأساسيّ في التعلّم سيكون على الوسائط المتعدّدة:

لماذا يجب على البنت أو الولد أن يذهبا لمدرس في مكان مخصص، ولماذا يجب أن تكون لدينا جيوش جرارة من المدرسين تعيد ـ دون أن تزيد ـ في نفس المنهج، ما دام بإمكاننا تسجيل المحاضرات ودعمها بالأفلام والوثائق وكلّ وسائل الإيضاح، ثمّ بثّها على الفضائيّات وبيعها على أفلام فيديو وأسطوانات ضوئيّة وتحميلها عبر الإنترنت؟

ألن يوفّر هذا الجهد البشريّ والوقت والمال على كلّ من التلميذ والمدرّس.. والأسرة والدولة، ويساعد الطالب في الاستذكار بنفسه، أو بمساعدة الأمّ والأب؟

وإذا كان البعض لا يفهم جيدا بهذه الطريقة، فيمكن عمل جلسات فيديو تفاعلية عبر الإنترنت لمتابعة المدرس وسؤاله.. هذا بخلاف قدرة البرمجة على إيجاد برامج تفاعلية عالية الجودة.

أمّا من لا يستسيغ إلا الوسائل التقليدية، فما زال لديه مدرسون خصوصيون ومراكز تعليمية ومجموعات خاصة حكومية، يمكنه أن يلجأ إليها.

ولو اعتمدت الدولة هذه الطرق ودعمتها، فسيتم إنشاء الكثير من الشركات لتوفير المواد التعليميّة وتحسين عرضها، مع إنشاء الكثير من مواقع الإنترنت المقروءة والتفاعليّة.

وهذا سيكون أكثر إفادة للاقتصاد من الشكل المريض الموجود حاليّا.. فبينما يتمّ إهدار مجهود المدرس مرارا وتكرارا عبر الشرح، وتتكدس المواصلات نتيجة تحريك جيوش من التلاميذ والمدرسين للمدارس، وإلقاء أطنان من الأوراق والكتب في الزبالة بعد انتهاء العام، فإنّ هذا الشكل سيضمن تراكم الخبرات المسجلة مع الزمن، وتوفّر مئات الآلاف من المحاضرات لخيرة المدرسين في مختلف المواضيع، مما يسمح للطالب بحرية الاختيار.

هكذا سنجد أنّ كلّ البدائل متوافرة، ولكلّ حرّيّة اختيار الأنسب والأجود والأكثر ملاءمة لظروفه المادية.

مع ملاحظة أنّ الفقراء ما زالوا إلى الآن عاجزين عن دفع تكاليف هذا التعليم ((المجاني)) العابر لقارات السنوات!!.. ويفضلون تشغيل أبنائهم مبكرا على حساب تسربهم من التعليم.. لا أعتقد أنّ النظام المقترح سيشكّل لهم عبئا، بل على العكس، سيسمح لهم بتشغيل أبنائهم والحصول على بضع شهادات على فترات متباعدة لتغيير وضعهم الاجتماعيّ.

***

نصل الآن لفكرة التخصص:

لو تمّ تأسيس مثل هذا النظام، فلا بدّ أن يماشيه تغيّر في آليّات السوق وشكل العمل..

فسنحصل على الكثيرين من الطلاب عابري التخصص..

فشخص مثلا سيكون مؤهلا في اللغة العربية والبرمجة ممّا يجعله مناسبا للعمل في معالجة اللغات الطبيعيّة NLP..

وشخص آخر سيكون مؤهلا في الفيزياء والرياضيات والقانون، ممّا يجعله مناسبا للعمل في لجان براءات الاختراع وحماية الملكيّة الفكريّة..

وشخص يجيد أيّ شهادة، يستطيع أن يعمل داخل المراكز الخاصة التي تشرحها للطلبة.. وهكذا..

كما أنّ السوق سوف يطرح احتياجاته.. وعلى أساسها ستتوجّه اهتمامات الدارسين..

فمصنع معين يريد حاملا لشهادة في بعض علوم الاتصالات والديناميكا الحراريّة وشهادة في الإدارة والتسويق..

ومؤسسة أخرى تحتاج لحامل شهادة في البرمجة واللغة الفرنسية للعمل في برامج ترجمة..

وهكذا..

وهذا سيقلل من مشكلة البطالة إلى حدّ مذهل.. بل سيلغيها تماما!!

فالعمل لن يكون مرتبطا بالسن.. ولا بإنهاء 16 عاما من التعليم.. يكفي أن يسعى المرء لتأهيل نفسه في بعض الشهادات المطلوبة.. فلو لم يجد عملا بها أخذ شهادات غيرها.. وهكذا.

***

ولكن ماذا لو أدّى السوق إلى زيادة  الطلب على شهادات بعينها؟.. ألن يفقر هذا الدولة في المتخصصين في علوم كثيرة؟

حتّى لو حدث هذا، فإنّ نوعا من التشبع سرعان ما يحدث، حيث سيكتفي السوق بعدد معين، في حين سينتج طلب آخر على تخصص آخر.. وهكذا..

كما أنّ علينا ألا نغفل عن وجود أشخاص ينزعون إلى العلم والمعرفة بالفطرة.. وتستخدم الدولة النقود التي ستتوفّر من تفكيك النظام العقيم الحالي، في التوسع في المعامل والمختبرات والبحوث من أجلهم.

***

لكن.. هل سيُقبل الأفراد على التعليم بهذه الصورة؟.. ألن تدفعهم الحرية المطلقة للإهمال؟

طالما ظللنا ننظر لأجيالنا الجديدة باعتبارها أوعية غير واعية يجب ملؤها، فلن يتغير شيء في مجتمعاتنا!

لماذا نفترض أنّ الناس أغبياء وجهلة بطبعهم؟

لماذا لا نضع في اعتبارنا أنّ الله أودع في الكثيرين الشغف للمعرفة، والطموح إلى العلم؟

وأنّ الذي قتل ذلك هو ذلك الشكل المتعفّن من التعليم الإجباريّ، الذي تكون أسعد لحظة فيه حينما يخرج الطالب من لجان الامتحان ويلقي الكتب في الزبالة؟!!!!

كيف تريدوننا أن نشترك في صنع القرار، ونحن لا نستطيع تقرير ما يناسبنا؟

كيف تثقون بآرائنا ودورنا في منظومة الديمقراطيّة والانتخاب (مع تحفظي عليها)، ما دمتم لا تثقون بقدرتنا على اختيار ما ينفعنا؟؟

ثمّ دعنا نثق بأنّ إهمال الطلاب للتعليم أمر غير وارد.. فوراءهم أسرة.. وعندهم هدف في الحياة!

الأسرة ستدفعهم من صغرهم للعمل (لأنّ الدولة لا تضمن وظيفة لأحد)، كما ستدفعهم على التوازي لتحصيل بعض الشهادات الأساسيّة.. ومع تربية الطفل بهذه التناغم منذ صغره، لن نجد أبدا مراهقين فاسدين متمردين كما نراهم اليوم!.. فلا أحد عالة على أهله بلا مسئولية، ولا مناهج مفروضة على أحد.

وطبعا سيعود للوجود الزواج المبكّر، وستتقلص مظاهر العري وحبّ المراهقة، وستختفي العنوسة مع اختفاء البطالة.. لتعود مجتمعاتنا للاستقرار كما كانت طوال التاريخ.

***

ولا مانع من إيجاد نمط آخر للمرحلة الجامعيّة في هذه المنظومة، خاصة في مهنة الطبّ لخطورتها.. (على ألا تكون دراسة الطب كما هي حاليا في مصر: 6 سنوات تعليم طبي شامل.. سنة امتياز للتدريب.. سنة تكليف (لمن ليس لهم تجنيد إجباري).. 3 سنوات ماجستير للتخصص.. هذا انتحار وليس دراسة!!!)

مع مسار مستقلّ للباحثين وحملة الماجستير والدكتوراة.. والذين سيضمنون أفضل إمكانيات، فلا توجد أعداد مذهلة تنافسهم في مسارهم العلميّ لمجرّد أنّ هذا مفروض عليهم، بل إنّ الغالبية ستكون قد اختارت ما يناسب قدراتها، ووجدت نفسها في العمل والزواج والحياة، تاركين للمبدعين والعلماء فرصتهم في التخصّص والابتكار.. كما كان يحصل طول التاريخ.

***

وبالنسبة للبنات في هذه المنظومة..

يسهل أن تمتحن البنت الشهادات التي تريدها.. دون أن تبتعد عن بيتها ورقابة أهلها معظم حياتها.. وبهذا سيتمّ تدعيم الشكل الذي اقترحته لتعليم البنات سابقا، بإضافة شهادات موثقة رسمية إليه، فيما لو احتاجت المرأة للعمل لظروف خارجة عن إرادتها.. وإن كان الأفضل لو وفرت الدولة الآليات التي تحمي نساءها من تقلب الظروف، بحيث تتكفّل الدولة بإعالة اليتيمة والأرملة والمطلقة.

***

والآن لو تأملت هذا النموذج، فستجد أن به ميزة هامة:

فلا توجد فيه جهة تسيطر على مسار حياة الأفراد.. فكل جهة تطرح ما لديها وتترك للأفراد حق تقرير مصيرهم!

لهذا فإن مثل هذه المنظومة قابلة لتطوير نفسها باستمرار.

ولكنّ ما يعنيني في هذا الطرح هو معالجة عيوب نظريّة التعليم الحاليّة.. فالنظرية التي أطرحها تقدم ما يلي:

1-   لا إلزام ولا إكراه ولا تلقين لمناهج يكرهها الطالب.

2-   هناك حرّيّة كاملة في اختيار الوقت والمكان والمدرس (أو الوسيلة البديلة للمدرس).

3- يمتلك المدرس يومه كاملا لإعطاء دروس خصوصية، أو العمل في مراكز متخصصة تشرح الشهادات.. وهذا سيرفع دخله ـ فراتب الحكومة لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يستحقّ عناء اليوم الدراسيّ!

4-   ليس على الدولة أن تتكلف ميزانيات مرعبة لتلقين كلّ الناس كلّ المعارف في عملية عقيمة!

5- ستنتهي مهن النظار والموجهين، لأنّها ستعود مرّة أخرى للاسرة، ممّا سيعيد التلاحم الاجتماعي والتواصل التربوي والثقافي.

6- هناك تفاعل بين السوق والتعليم.. ولن يتعطل الطالب عن العمل.. فلديه الحرية الكاملة للاشتراك في أيّ نشاط تجاري منذ صغره، مع تنظيم تعلّمه طبقا لما يناسبه ولما يتطلبه السوق.. وهذا سيخفف العبء عن والده، وسيسمح للشباب بالزواج المبكر لو أرادوا.

7-   ستقلص مشاكل المراهقة، وسيعود الزواج المبكر مع انتعاش الاقتصاد.

8-   سيتمّ تجاوز حواجز التخصص، وهي ضرورة ملحّة في العصر الحاليّ.

9- سيتمّ غربلة غير الموهوبين، حيث سيقتصرون على بعض الشهادات السهلة أو المطلوبة للعمل.. أمّا المبدعون فلن يوقف نهمهم للمعرفة حد أو عائق.. وهذا سيعطينا الأمل في حدوث طفرة علمية وتكنولوجية طال انتظارها.

***

عموما ما زالت هذه التصورات تحتاج لدراسة شاملة.. ولو افترضنا أن أحدا أراد أن يبدأ تطبيقها، فلا بد أن يفعل ذلك كنموذج تجريبي.. ولو نجح النموذج وأقبل الناس عليه، يمكن التوسع فيه باطراد.

كما أنني لست مع فكرة شكل التعليم الواحد..

في كل الأحوال أفضّل بقاء النظم الأخرى للتعليم، مع حق الأفراد في اختيار المنظومة التي يرون أنها تفيدهم أكثر، بناء على النتائج القائمة على أرض الواقع.. فليس ممكنا صبّ كلّ الناس في قالب واحد!

وعلى أيّ حال، النظام الذي أقترحه لن يوجد بين عشية وضحاها.. فسيتم تدريجيّا، بينما تتقلص المدارس القديمة التقليديّة.. فهناك مرحلة انتقاليّة يمكن تحديدها حتّى لا تحدث أيّ نتائج غير متوقعة.. وهو ما يحدث الآن فعليا في مصر:

فقد قررت الحكومة تحويل 10% من المدارس في كلّ محافظة إلى مدارس نموذجية، و10% أخرى إلى مدارس تعاونية.. (بدأ هذا من العام 2004)..

مع إنشاء جامعة القاهرة الأهليّة (بالمصاريف وليس الدرجات)..

وكلّ ذلك سيدخل فيه النقود والمصاريف.. أيّ أنّه لشريحة معينة من المجتمع (ومن أبسط حقوق الغنيّ أن يستمتع بنقوده ويستفيد بها.. وإلا فما الهدف من امتلاك النقود؟؟).. ولكنّ كلّ ذلك لن يحقق نتائج تختلف كثيرا.. فكما قلت مرارا: الخطأ في النظريّة قبل أن يكون في التطبيق.. فما دامت هذه الأنواع تنتمي للشكل الإلزاميّ العقيم الحاليّ، فلا تتوقّعوا إلا فشلا ذريعا.. ولكن كالعادة: لن نكتشف ذلك إلا بعد خمسين عاما أخرى!!

***

بالمناسبة:

علّقت أخت سعودية على هذه المقترحات قائلة إنّها تعيدنا للوراء ولا تدفعنا للأمام.. فرددت عليها قائلا:

أرجو أن تُعرّفي لي بالضبط، ما هو (الوراء)) الذي سنعود إليه؟؟

وهل التعليم في بلدك هو الذي دفعكم ((للأمام)) أم شراء السلع الاستهلاكيّة بنقود النفط؟؟

وهل ما فيه بلدي وباقي البلاد العربيّة، يمكن أن يسمّى ((أماما)) بأيّ شكل من الأشكال؟؟

إذا كان هذا هو الأمام الذي يقدّمه لنا التعليم الإلزاميّ، فحبّذا العودة إلى نقطة الصفر.. أو ما تحت الصفر!

وكانت حجّتها في قولها هذا، أنّني أغفلت "ما حققه العمل المؤسسي المتكامل من قفزات في العلوم بشتى أنواعها، وذلك إذا قارناه بالعمل الفردي الذي كان معمولا به طول هذه القرون".

فرددت على ذلك قائلا:

هذا غير حقيقيّ بالمرّة..

ليس عندنا فقط (فنحن خارج أيّ إنجازات حضاريّة منذ حوالي 4 قرون!!)

ولكن حتّى في الغرب..

فالمؤسسات تالية للتكنولوجيا (وجدت الآلة أولا، ثمّ وجد المصنع، ومن ثمّ وجد التعليم الإلزاميّ لتخريج من يحتاجهم المصنع!!)

والحضارة الغربية لم تكن لتزدهر بتلك الصورة من دون الاعتماد على الاستعمار لسلب ثروات الشعوب الأخرى وتصريف المنتجات الغربيّة في أسواقها.. وهذا ما ثبت في العقود الأخيرة، حيث اختنقت الحضارة الغربيّة بعد انتهاء الاستعمار، ومنافسة دول شرق آسيا، واتجاه الدول النامية نحو التصنيع أو التجميع.

ويكفيك أن تعرفي أنّ فوائد ديون الولايات المتحدة الأمريكية (وهي أكبر دولة عليها ديون في العالم!!) في عام 2010 ستفوق حجم الناتج المحلي لها!

لعلك تفهمين إذن لماذا سارعت بغزو أفغانستان والعراق!

إنّها منظومة محكوم عليها بالفشل مسبقا.. إلا لو لجأت للسرقة والتسلط!!

أرجو قراءة هذا الموضوع: "احتضار المجتمع الصناعيّ".

وقالت أيضا:

"ثم إننا بحاجه إلى أن نصعد الفضاء وأن نلحق بالعالم المتقدم ونجاريه في علومه واختراعاته وأبحاثه وما ذلك إلا بنسق طويل المدى نعلم فيه الكيمياء مع الفيزياء مع الرياضيات إلى آخر ذلك".

فقلت لها:

عجيب هذا؟

لنا نصف قرن نردد هذا الكلام ولم يحدث إلا أن تراجعنا للخلف!

نحن لن نعيد اختراع العجلة!

هناك ما يسمى بالهندسة العكسيّة Reverse Engineering، وبواسطتها يمكن تحليل أيّ نظام أو جهاز أو مرّكب لمعرفه تفاصيله.. وبهذا يمكن نقل التكنولوجيا بطريقة أخرى غير إعادة اختراعها!

وفي هذا لا نحتاج لتعليم كلّ الشعب هذه العلوم.. نحتاج لصفوة مبدعة.. وهي ستزداد في ظلّ النظام الذي أوضحته لك.. وستعرف أكثر ممّا يمكنك أن تتخيّليه!

فلن يعوقها عن هذه العلوم حفظ نسب الجغرافيا أو تاريخ بعض العلمانيين!!

كما أنّ العلوم الأساسيّة منشورة بالفعل، ويعرفها كلّ من يريد.. فهي ليست أسرارا سنعيد اكتشافها.

ولدينا حشود من المتخصصين فيها... فماذا فعلنا بهم؟

المشكلة في تطبيق هذه العلوم..

وهذا التطبيق يحتاج لميزانيات لتوفير المعامل ورعاية المبدعين والإنفاق على البحوث..

ولكنّ هذه الميزانيات تضيع على تعليم عقيم، يحشد فيه الجميع كالقطيع، فلا يحصلون إلا على عقد نفسية وفشل وتمرد على الأهل وانحرافات غريزية لطول فترة المراهقة وبطالة وعنوسة و.. و...

وفي النهاية تكتشفين أنّ معظم خريجي الجامعة جهلة!.. حتّى بعلوم تخصصهم!.. ولا صبر لهم على القراءة أو المعرفة؟

فأيّ فضاء هذا الذي تريدين الصعود إليه؟

إنّنا نسبح بطلاقة في عدم مطلق!





 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق