إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 24 يوليو 2015

602 كيف انحرف العالم ؟ كيف جعلونا نمسك الجمر: ثانيا - الإعلام 1 التلفازُ في حياةِ الأمريكيّين[1]


602

كيف انحرف العالم ؟

كيف جعلونا نمسك الجمر:

ثانيا - الإعلام

1 التلفازُ في حياةِ الأمريكيّين[1]



حتّى عامِ 1947 لم يكُنْ هناكَ إلا 14 ألفَ بيتٍ أمريكيٍّ بها أجهزةُ تلفزيون.. ولكنْ في العامِ التالي مباشرةً بدأتْ ظاهرةُ التلفاز، وأصبحَ عددُ الأجهزةِ التي تُباعُ شهريًّا أكثرَ من 200 ألفِ جهاز، وفي يناير 1950 امتلكَ الأمريكيّونَ ثلاثةَ ملايين جهاز، وبنهايةِ العامِ تضاعفَ الرقمُ أكثرَ من ثلاثِ مرّات.

ولقد كانتْ تغطيةُ الأحداثِ السّياسيّةِ من البرامجِ العاديّةِ منذُ بدايةِ عهدِ التلفاز، نظرًا لقلّةِ تكلفتِها، فأصبحَ للتلفزيونِ تأثيرٌ عميقٌ على الحملاتِ الانتخابية، حتّى لقد أصبحَ على المرشّحينَ للمناصبِ السياسيّةِ الأخذُ بأساليبَ جديدةٍ، إذ أنَّ ملابسَهم وابتسامتَهم وحركاتِهم صارتْ تحدّدُ شعبيّتَهم![2]



أثرُ التلفاز:

  · أخذ التلفاز يغزو حياةَ المُشاهدينَ في بيوتِهم.. وقد علّقتْ أمٌّ من حيِّ (مانهاتن) على ذلك بقولِها: "إنَّ التلفاز هو أفضلُ ممرّضةٍ في العالم".

  · وقالَ أحدُ مديري شبكةِ (سي. بي. إس): "لقد تحدّثتُ مع رجلٍ لديه جهازُ تلفزيون، تقومُ ابنتُه المراهقةُ الآنَ باحضارِ صديقِها إلى البيت".

  · هذا بجانبِ أنَّ التلفازَ لمْ يُؤدِّ تمامًا إلى شيوعِ الوفاقِ الأسريِّ كما كانَ يُتوقّع.. وكتبَ النّاقدُ (لويس كرون برجر) معلّقًا على ذلك بقولِه: "إنَّ أعضاءَ الأسرةِ يجلسونَ لساعاتٍ متجاورينَ كتفًا بكتف، ومع ذلك لا يتبادلونَ النظراتِ إلا فيما ندر، وإذا ما خاطبَ بعضُهم البعضَ فإنّهم يفعلونَ ذلك بغضبٍ وهم يتعاركونَ حولَ مشاهدةِ هذا البرنامجِ أو ذاك".

  · كما اقتطعَ التلفازُ من الوقتِ الذي يقضيه الناسُ في القراءةِ أو الذهابِ إلى السينما أو الاستماعِ إلى الراديو.. بل سلبَ التلفازُ الوقتَ الذي يزورُ الناسُ فيه أقاربَهم، فأوّلُ شيءٍ ستفعلُه عندَ الشعورِ بالمللِ هو فتحُ التلفاز، بدلا من الخروجِ للبحثِ عن الأقاربِ والأصدقاء.. وفي تجربةٍ أقنعَ الباحثونَ فيها مدينةً أمريكيّةً صغيرةً بالامتناعِ عن مشاهدةِ التلفازِ لمدّةِ شهر، لوحظَ ارتفاعُ نسبةِ الزياراتِ العائليّةِ عمّا مضى.

  · ولقد اختطفَ التلفازُ الأضواءَ من الإذاعة، حتّى أصبحتْ برامجُ الإذاعةِ ذاتُ الميزانيّاتِ الكبيرةِ تعيشُ على وقتٍ مُستعار، ولجأَ مديرو الشبكاتِ الإذاعيّةِ إلى استخدامِ أرباحِ البرامجِ الإذاعيّةِ في إنتاجِ البرامجِ التلفزيونيّة.

  · وعلى عكسِ الروايةِ والعملِ الإذاعيِّ اللذينِ يتركانِ لجمورِهما حرّيّةَ الخيال، جاءَ التلفازُ ليفرضَ على جمهورِه خيالَ المخرجينَ، ومصمّمي المشاهدِ والديكورات، وشخصيّاتِ الممثّلين.

  · الأهمُّ من هذا، أنَّ التلفازَ قد ساهمَ في تنظيمِ طبقاتِ المجتمعِ الأمريكيِّ المتنوّعةِ ذاتِ الأصولِ العرقيّةِ المختلفةِ في نمطيّةٍ واحدة، فهم الآنَ يُشاهدونَ نفسَ البرامجِ التلفزيونيّة، ويُردّدونَ نفسَ الألحان، ويشترونَ نفسَ المنتجات.. تلك النمطيّةُ التي تركتْ أثرَها على كلِّ شيءٍ، من منظّفاتِ الملابسِ إلى السّيّارات.



التلفازُ والسينما:

كانتْ معدلاتُ انتشارِ التلفازِ في الستيناتِ تزدادُ باطّراد، الأمرُ الذي أدّى إلى تقلّصِ جمهورِ السينما.. كانَ هذا ما دفعَ صناعةَ السينما إلى البحثِ عن أساليبَ جديدة، لإغواءِ زبائنِها بالعودةِ إليها، مثلِ استخدامِ تكنولوجيا السينيراما والسينما سكوب ذاتِ الشاشاتِ الكبيرة، واستخدامِ التصويرِ ثلاثيِّ الأبعادِ للإيحاءِ بالتجسيمِ والعمق، وإنتاجِ الأفلامِ الملوّنة.. كما تمَّ التّوسّعُ في إنشاءِ دورِ العرضِ المفتوحةِ التي تسمحُ للمشاهدينَ بمشاهدةِ الأفلامِ وهم في سيّاراتِهم.. ولجأتْ بعضُ دورِ السينما إلى تقديمِ خصوماتٍ لأفرادِ الأسرة، فجذبتْ هذه الدورُ المراهقينَ حيثُ كانوا يقابلونَ صديقاتِهم.. وفي الوقتِ الذي مالَ فيه التلفازُ إلى الابتعادِ عن الموضوعاتِ المثيرةِ للجدل، إذ وجدَ المعلنونَ أنَّ مبيعاتِهم تروجُ أكثرَ إذا ضُمّنتْ إعلاناتُ منتجاتِهم وسْطَ برامجَ تتركُ مشاهديها سعداءَ بأنفسِهم، بدلا من القلقِ بشأنِ المشاكلِ الاجتماعية، في هذا الوقتِ أصبحتِ الأفلامُ السينمائيّةُ أكثرَ جسارة، وتناولتْ موضوعاتٍ كالتّعصّبِ العنصريّ، وإدمانِ المخدّرات، بل بدأتْ في استخدامِ الألفاظِ التي تصدمُ المشاهدينَ أكثر، والمشاهدِ الغراميّةِ الخاصّةِ التي لا يمكنُ عرضُها على التلفاز.. وكانَ ذلكَ تغيّرًا كبيرًا، حيثُ كانتْ صناعةُ السينما في الماضي تمارسُ رقابةً ذاتيّةً صارمة، وكانَ قانونُ الإنتاجِ حتّى الخمسيناتِ لا يحرّمُ فقط استخدامَ ألفاظٍ معيّنة، بل يفرضُ كذلك أن تحتوي الأفلامُ مكافأةً على الأعمالِ الطّيّبة، ومعاقبةً على الأعمالِ الشريرة.



انتقاداتٌ لاذعة:

في أواخرِ الخمسيناتِ كانَ عددُ البرامجِ الجادّةِ في التلفازِ الأمريكيِّ قد انخفض، وفي عامِ 1958 هاجمَ (إدوارد آر. مارو) في خطابٍ له أمامَ مخرجي الأخبارِ في الإذاعةِ والتلفزيون ما أسماه "النزعةَ الهروبيّةَ" لبرامجِ التلفاز، وحذّرَ من استخدامِ التلفازِ بغرضِ "توزيعِ انتباهنِا وخداعِنا وتسليتِنا وعزلِنا".. وأطلقَ نقّادٌ آخرونَ وصفَ "صندوقِ الغباءِ" على التلفاز، وعبّروا عنِ اشمئزازِهم من برامجَ مثلِ: "64 ألفَ سؤال" و"زورو" و"هيلا هوب يا ريجان".. وقد ردّدَ المحامي (نيوتون مينو) بوصفِه رئيسًا لهيئةِ الاتصالِ الفيدراليّة، نفسَ ما قالَه (مارو)، ودعا رؤساءَ الشبكاتِ التلفزيونيّةِ إلى الجلوسِ أمامَ التلفازِ والاستمرارِ في المشاهدةِ حتّى نهايةِ الإرسال، وأكّدَ أنّهم سوفَ يلاحظونَ أرضًا قاحلةً شاسعة، واعترضَ على السلسلةِ التي لا تنتهي من المبارياتِ والعنفِ.. الدماءِ والرعدِ.. الساديّةِ والقتل.. رجالِ المباحثِ ورجالِ العصابات.. والأهمّ: السأم.. وقد تسبّبتِ الملاحظاتُ التي أبداها في دفعِ شبكاتِ التلفازِ إلى توجيهِ اهتمامٍ أكبرَ لبرامجِ الأخبارِ والوقائعِ الخاصّة، والتقليلِ من البرامجِ الإعلانيّة.



الإعلامُ الأمريكيُّ والعربُ والمسلمون:

ليسَ سرًّا أنَّ معظمَ الإعلامِ الأمريكيِّ واقعٌ بينَ براثنِ اليهود، يملكونَه أو يديرونَه، وهذا على مستوى دورِ النشرِ والصحفِ والإذاعاتِ والسينما والتلفاز[3].

وليسَ سرًّا أيضًا، التحاملُ الإعلاميُّ على العربِ والمسلمين، فهم في المسلسلاتِ والأفلامِ دائمًا يلعبونَ دورَ الأشرارِ الإرهابيّينَ المتعصّبينَ الجهلةِ الأغبياءِ الشواذِّ جنسيًّا أعداءِ الحضارةِ والمدنيّة!.. هل تتخيّلُ إذن أن ينشأَ الطفلُ الأمريكيُّ وهو يعتبرُ أنَّ العربَ أو المسلمينَ هم (ميكي ماوس)؟

أمّا (إسرائيلُ) فهي جنّةُ اللهِ في الأرض، وهي حاميةُ المدنيّةِ والحرّيّةِ وسْطَ بلادِ الهمجِ الأغبياءِ المجرمين!

ومن تابعَ أحداثَ ضربِ برجي مركزِ التجارةِ العالميِّ يومَ 11/9/2001، وجدَ أنَّ شبكاتِ الأخبارِ الأمريكيّةَ سارعتْ بإلصاقِ التهمةِ بالعربِ والمسلمينَ فورًا، وبدونِ أيِّ دليل، وكأنّهم هم الوحيدونَ الذينَ يكرهونَ (أمريكا)!.. بل إنَّ الفضيحةَ الكبرى، هي أنَّ شبكةَ (سي.إن.إن) الإخباريّةَ بثّتْ أثناءَ الأحداثِ مشاهدَ لبعضِ الفلسطينيّينَ يرقصونَ في الشوارعِ ويلوّحونَ بالأعلامِ ويتبادلونَ التهنئةَ، باعتبارِ أنَّ هذا مشهدٌ حيٌّ يمثّلُ فرحةَ وشماتةَ الفلسطينيّينَ بالاعتداءِ على (أمريكا) ـ ولا أحدَ يلومُهم لو فعلوا! ـ مع أنَّ هذا المشهدَ مشهدٌ مسجّلٌ من سنواتٍ طويلة، ويعودُ لأيّامِ حربِ الخليج!

إنَّ شبكةً إخباريّةً شهيرةً مثلَ (سي.إن.إن) لم تهتمَّ بسمعتِها ومصداقيّتِها أمامَ جماهيرِ العالم، بقدرِ ما اهتمّتْ ببثِّ الكراهيةِ والبغضاءِ في نفوسِ الأمريكيّينَ ضدَّ الفلسطينيّينَ والعربِ أجمع، لخدمةِ مصالحِ (إسرائيل).. وبالتأكيدِ نجحتْ في تحقيقِ هدفِها هذا، فالشعبُ الأمريكيُّ والعالمُ بأسرِه قد شاهدوا هذه الصورةَ المدسوسة، أثناءَ متابعتِهم للأحداثِ التاريخيّةِ الجديدةِ من نوعِها.. ولكنْ كم فردًا في العالمِ عَرَفَ بعدَ ذلك أنَّ هذه المشاهدَ المُغرضةَ ملفّقة؟!!



مطاردةُ العنف:

بعد تكرّر حادثة اعتداء تلاميذ مسلّحونَ على زملائهم ومدرّسيهم وقتلهم لهم، نجح الرئيسُ الأمريكيُّ (كلينتون) في مطاردةِ العنفِ في البرامجِ والأفلامِ التي تقدّمُها قنواتُ التلفزيونِ الأمريكية، فقد ثبتَ أنَّ الإفراطَ في مشاهدِ العنفِ تؤثّرُ في الأطفالِ، فتدفعُهم للعنفِ وتُزيّنُه في قلوبِهم، فيندفعونَ لتقليدِ ما يفعلُه أبطالُهم المحبوبونَ من قتلٍ وضربٍ واعتداءٍ على الأرواحِ والأعراضِ والممتلكات.. وبالفعلِ تمَّ إخضاعُ شبكاتِ التلفزيونِ الأمريكيّةِ لما يُعرفُ بـ (مقياسِ جربنر)، الذي يُحدّدُ إذا ما كانَ الفيلمُ يُشجّعُ على العنفِ، فيُمنعُ عرضُه على المشاهدينَ أم لا.. وتبعًا لهذا المقياس، فإنَّ هناكَ أفلامًا لا يُسمحُ بعرضِها لأقلَّ من 12 سنة، وهناكَ ما لا يُسمحُ بعرضِه لأقلِّ من 16 سنة، وهناكَ الفيلمُ (+) الذي يُحظرُ عرضُه بالنسبةِ للجميع!

وقد شكّلتْ أوروبّا الموحّدةُ لجنةً خاصّةً بقرارٍ من البرلمانِ الأوروبّي لدراسةِ معايير (جربنر) ومدى صلاحيتِها للتطبيقِ على التلفزيونِ والسينما في أوروبّا.

إنَّ ممّا يُساعدُ على نشرِ مثلِ هذه الأفلامِ للعنف، هو أنّكَ لا تستطيعُ أن تتعاطفَ مع كلِّ من يقتلُهم البطلُ بالعشراتِ وفي ثوانيَ معدودة، فهم مجرّدُ ديكورٍ لإكمالِ مشهدِ المغامرةِ المبهر، أمّا تعاطفُكَ وانحيازُكَ كلُّه فللبطلِ وحْدَه، الذي ترى الأحداثَ بعينيه، وتبرّرُها بمنطقِه، وما دامَ يقتلُ كلَّ هؤلاءِ فلا بدَّ أنّه مُحقٌّ في ذلك، ولا ريبَ أنّهم يستحقّونَ القتل.. ولكنَّ الغريبَ أنّكَ في نفسِ الفيلمِ، يمكنُ أن تبكيَ بحرقةٍ إذا ماتَ كلبُ البطل، تضامنًا مع أحزانِ البطل، خاصّةً إذا أضافَ المخرجَ المؤثّراتِ المناسبةَ للمشهد، من موسيقى وذكرياتٍ حزينةٍ وخلافِها!.. الخلاصةُ هي أنّنا نتعاطفُ في الفيلمِ مع من نعرفُه فقط، ولا يمكنُ أن نسعدَ أبدًا بمقتلِ كلِّ هؤلاءِ الذينَ يُقتلونَ، إذا وضّحَ الفيلمُ أنَّ لكلٍّ منهم عائلةً تحبُّه سيمزّقُ أفئدتَها فقدُه.. ولكنَّ هذا بالطبعِ سيدمّرُ بناءَ السيناريو، وقد يُفسدُ الفيلمَ كلُّه ويُعرّضُه للخسارة!.. والربحُ بالطبعِ هو أوّلُ همِّ من ينتجونَ مثلَ هذه الأفلام!

[1] أنا أستفيدُ هنا من كتاب " تاريخُ الولاياتِ المتّحدةِ منذ 1945 "، تأليف (دانيال ف.دافيز) و(نورمان لنجر)، ترجمة (عبد العليم إبراهيم الأبيض)، الصادرِ عن " الدار الدولية للنشرِ والتوزيع ".

[2] يستدعي هذا التساؤل: هل تكونُ الديمقراطيّةُ حقيقيّةً، عندما تقترنُ بأساليبِ الدعايةِ وغسيلِ الأدمغة؟.. إنَّ الحقيقةَ تتوهُ بينَ عشراتِ المحطّاتِ التلفزيونيّةِ ومئاتِ الإذاعاتِ وآلافِ الصحف، والتي يدينُ معظمُها بالولاءِ لمن يدفعُ أكثر!!.. إذن: هل تعني الديمقراطيّةُ أن أقولَ ما أريدُه أنا، أم ما يُرادُ لي أن أقولَه؟!!

[3] لمزيد من التفاصيل، اقرأ مقالَيْ "التغلغل اليهودي في أمريكا" و"هل يحكم اليهود هوليود".





 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق