286
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السابع والاخير
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة في شهر رمضان انكسفت الشمس جميعها وأظلمت الأرض حتى بقي الوقت كأنه ليل مظلم وظهرت الكواكب وكان ذلك ضحوة النهار يوم الجمعة التاسع والعشرين منه وكنت حينئذ صبيًا بظاهر جزيرة ابن عمر مع شيخ لنا من العلماء أقرأ عليه الحساب فلما رأيت ذلك خفت خوفًا شديدًا وتمسكت به فقوي قلبي وكان عالمًا بالنجوم أيضاَ وقال لي:
وفيها ولي الخليفة المستضيء بأمر الله حجابة الباب أبا طالب نصر بن علي الناقد وكان يلقب في صغره قنبرًا فصاروا يصيحون به ذلك إذا خرج فأمر الخليفة أن يركب معه جماعة من الأتراك ويمنعوا الناس من ذلك فامتنعوا فلما كان العيد خلع عليه ليركب في الموكب فاشترى جماعة من أهل بغداد من القنابر شيئًا كثيرًا وعزموا على إرسالها في الموكب إذا رأوا ابن الناقد فأنهي ذلك إلى الخليفة وقيل له يصير الموكب ضحكة فعزله وولى ابن المعوج.
وفيها في ذي الحجة يوم العيد وقعت فتنة ببغداد بين العامة وبعض الأتراك بسبب أخذ جمال النحر فقتل بينهم جماعة ونهب شيء كثير من الأموال ففرق الخليفة أموالًا جليلة فيمن نهب ماله.
وفيها زلزلت بلاد العجم من حد العراق إلى ما وراء الري وهلك فيها خلق كثير وتهدمت دور كثيرة وأكثر ذلك كان بالري وقزوين.
وفيها في ربيع الآخر استوزر سيف الدين غازي جلال الدين أبا الحسن علي بن جمال الدين محمد بن علي وكان ابوه جمال الدين وزير البيت الأتابكي وقد تقدمت أخباره وهو المشهود بالجود والأفضال ولما ولي جلال الدين الوزارة ظهرت منه كفاية عظيمة ومعرفة تامة بقوانين الوزارة وله مكاتبات وعهود حسنة مدونة مشهورة وكان جوادًا فاضلًا خيرًا عمره لما ولي
وفيها في ذي الحجة استناب سيف الدين أيضًا عنه بقلعة الموصل مجاهد الدين قايماز وفوض إليه الأمور وكان قبل ذلك قد فوض إليه الأمر بمدينة إربل وأعمالها وكان رحمه الله من صالحي الأمراء وأرباب المعروف بنى كثيرًا من الجوامع والخانات في الطرق والقناطر على الأنهار والربط وغير ذلك من أبواب البر وكان دائم الصدقة كثير الإحسان عادل السيرة رحمه الله.
وفيها قبض الخليفة علي عماد الدين صندل المقتفوي أستاذ الدار ورتب مكانه أبا الفضل هبة الله بن علي بن هبه الله بن الصاحب.
وفيها في رمضان قدم شمس الدولة توارنشاه بن أيوب الذي ملك اليمن إلى دمشق لما سمع أن أخاه صلاح الدين قد ملكها وقد حن إلى الوطن والأتراب ففارق اليمن وسار إلى الشام وأرسل من الطريق إلى أخيه يعلمه بوصوله وكتب في الكتاب شعرًا من قول ابن المنجم المصري: وإلى صلاح الدين أشكو أنني من بعده مضنى الجوانح مولع جزعًا لبعد الدار منه ولم أكن لولا هواه لبعد دار أجزع فلأركبن إليه متن عزائمي ويخب بي ركب الغرام ويوسع ولأقطعن من النهار هواجرًا قلب النهار بحرها يتقطع وأقدمن إليه قلبي مخبرًا أني بجسمي من قريب أتبع حتى أشاهد منه أسعد طلعة من أفقها صبح السعادة يطلع وفي هذه السنة في المحرم برز صلاح الدين من دمشق وقد عظم شأنه بما ملكه من بلاد الشام وبكسره عسكر الموصل فخافه الفرنج وغيرهم وعزم على دخول بلدهم ونبه والإغارة عليه فأرسلوا إليه يطلبون الهدنة معه فأجابهم إليها وصالحهم فأمر العساكر المصرية بالعود إلى مصر والاستراحة إلى أن يعود طلبهم وشرط عليهم أنه متى أرسل يستدعيهم لا يتأخرون فساروا إليها وأقاموا بها إلى أن استدعاهم للحرب مع سيف الدين على ما نذكره.
وفيها مات أبو الحسن علي بن عساكر البطائحي المقرئ وكان قد سمع الحديث الكثير ورواه وكان نحويًا جيدًا.
وفي ذي الحجة منها توفي أبو سعد محمد بن سعيد بن محمد بن الرزاز سمع الحديث ورواه وله شعر جيد فمن ذلك أنه كتب إليه بعض أصدقائه مكاتبة وضمنها شعرًا فأجابه: يا من أياديه تغني من يعددها وليس يحصي مالها من لها يصف عجزت عن شكر ما أوليت من كرم وصرت عبدًا ولي في ذلك الشرف أهديت منظوم شعر كله درر فكل ناظم عقد دونه يقف
وإن أتيت أنا بيت يناقضه أتيت ولكن ببيت سقفه يكف ما كنت منه ولا من أهله أبدًا وإنما حين أدنو منه أقتطف وقيل كانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وهو الصحيح.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق