252
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء السادس
ذكر مسير السلطان طغرلبك إلى الموصل
لما طال مقام السلطان طغرلبك ببغداد وعم الخلق ضرر عسكره وضاقت عليهم مساكنهم فإن العساكر نزلوا فيها وغلبوهم على أقواتهم وارتكبوا منهم كل محظور أمر الخليفة القائم بأمر الله وزيره رئيس الرؤساء أن يكتب إلى عميد الملك الكندري وزير السلطان طغرلبك يستحضره فإذا حضر قال له عن الخليفة ليعرف السلطان ما الناس فيه من الجور والظلم ويعظه وي
ذكره فإن أزال ذلك وفعل ما أمر الله به وإلا فيساعد الخليفة الانتزاح عن بغداد ليبعد عن المنكرات.
فكتب رئيس الرؤساء إلى الكندري يستدعيه فحضر فأبلغه ما أمر به الخليفة وخرج توقيع من الخليفة إلى السلطان فيه مواعظ فمضى إلى السلطان وعرفه الحال فاعتذر بكثرة العساكر وعزه عن تهذيبهم وضبطهم وأمر عميد الملك أن يبكر بالجواب إلى رئيس الرؤساء ويعتذر بما ذكره.
فلما كان تلك الليلة رأى السلطان في منامه النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وكأنه يسلم على النبي وهو معرض عنه لم يلتفت إليه وقال له: يحكمك الله في بلاده وعباده فلا تراقبه ولا تستحي من جلاله عز وجل في سوء معاملتهم وتغير بإهماله عند الجوار عليهم! فاستيقظ فزعًا وأحضر عميد الملك وحدثه ما رأى وأرسله إلى الخليفة يعرفه أنه يقابل ما رسم به بالسمع والطاعة وأخرج الجند من دور العامة وأمر أن يظهر من كان مختفيًا وأزال التوكيل عمن كان وكل به.
فبينما هو على ذلك وقد عزم على الرحيل عن بغداد للتخفيف عن أهلها وهو يتردد فيه إذ أتاه الخبر بهذه الوقعة المتقدمة فتجهز وسار عن بغداد عاشر ذي القعدة ومعه خزائن السلاح والمنجنيقات وكان مقامه ببغداد ثلاثة عشر شهرًا وأيامًا لم يلق الخليفة فيها فلما بلغوا أوانا نهبها العسكر ونهبوا عكبرا وغيرهما.
ووصل إلى تكريت فحصرها وبها صاحبها نصر بن علي بن خميس فنصب على القلعة علمًا أسود وبذل مالًا فقبله السلطان ورحل عنه إلى البوازيج ينتظر جمع العساكر ليسير إلى الموصل فلما رحل عن تكريت توفي صاحبها وكانت أمه أميرة بنت غريب بن مقن فخافت أن يملك البلدة أخوه أبو الغشام فقتلته وسارت إلى الموصل فنزلت على دبيس بن مزيد فتزوجها قريش بن بدران ولما رحلت عن تكريت استخلفت بها أبا الغنائم ابن المحلبان فراسل رئيس الرؤساء واستعطفه فصلح ما بينهما وسلم تكريت إلى السلطان ورحل إلى بغداد.
وأقام السلطان بالبوازيج إلى أن دخلت سنة تسع وأربعين فأتاه أخوه ياقوتي في العساكر فسار بهم إلى الموصل وأقطع مدينة بلد هزارسب بن بنكير فأحفل أهل البلاد إلى بلد فأراد العسكر نهبهم فمنعهم السلطان وقال: لا يجوز أن تعرضوا إلى بلد هزارسب فلجوا وقالوا: نريد الإقامة فقال السلطان لهزارسب: إن هؤلاء قد احتجوا بالإقامة فأخرج أهل البلد إلى معسكرك لتحفظ نفوسهم.
ففعل ذلك وأخرجهم إليه فصار البلد بعد ساعة قفرًا وفرق فيهم هزارسب مالًا وأركب من يعجز عن المشي وسيرهم إلى الموصل ليأمنوا.
وتوجه السلطان إلى نصيبين فقال له هزارسب: قد تمادت الأيام وأرى أن أختار من العسكر ألف فارس أسير بهم إلى البرية فلعلي أنال من العرب غرضًا فأذن له في ذلك فسار إليهم فلما قاربهم كمن لهم كمينين وتقدم إلى الحلل فلما رأوه قاتلوه فصبر لهم ساعة ثم انزاح بين أيديهم كالمنهزم فتبعوه فخرج عليهم الكمينان فانهزمت العرب وكثر فيهم القتل وحمل الأسرى إلى السلطان فلما أحضروا بين يديه قال لهم: هل وطئت لكم أرضًا وأخذت لكم بلدًا قالوا: لا! قال: فلم أتيتم بحربي وأحضر الفيل فقتلهم إلا صبيًا أمرد فلما امتنع الفيل من قتله عفا عنه السلطان.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق