443
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الرابع
ذكر أخبار أحمد بن عبد الله الخجستاني
كان أحمد بن عبد اله الخجستاني من خجستان وهي من جبال هراة من أعمال باذغيس وكان من أصحاب محمد بن طاهر فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور على ما ذكرناه ضم أحمد إليه وإلى أخيه علي بن الليث وكان ينوشركب ثلاثة أخوة: إبراهيم وأبوحفص يعمر
وأبوطلحة منصور أبومسلم وكان أسنهم إبراهيم وكان قد أبلى بين يدي يعقوب عند مواقعة الحسن بن زيد بجرجان فقدمه فدخل عليه يومًا نيسابور وهويوم فيه برد شديد فخلع عليه يعقوب وبر سمور كان على كتفه فحسده عليه الخجستاني فقال له: إن يعقوب يريد الغدر بك لأنه لا يخلع على أحد من خاصته خلعة إلا غدر به.
فغم ذلك إبراهيم وقال: كيف الحيلة في الخلاص قال: الحيلة أن نهرب جميعًا إلى أخيك يعمر فإني خائف عليه أيضًا.
وكان يعمر قد حاصر أبا داود الناهجوزي ببلخ ومعه نحومن خمسة آلاف رجل فاتفقا على الخروج ليلتهم فسبقه إبراهيم إلى الموعد فانتظره ساعة فلم يره فسار نحوسرخس وذهب الخجستاني إلى يعقوب فأعلمه فأرسله في أثره فلحقوه بسرخس فقتلوه ومال يعقوب إلى الخجستاني.فلما أراد يعقوب العود إلى سجستان استخلف على نيسابور عزيز بن السري وولى أخاه عمروبن الليث هراة فاستخلف عمروعليها طاهر ابن حفص الباذغيسى وسار يعقوب إلى سجستان سنة إحدى وستين ومائتين وأحب الخجستاني التخلف لما كان يحدث به نفسه فقال لعلي بن الليث: إن خويك قد اقتسما خراسان ولي سلك بها من يقوم بشغلك فيجب أن تردني إليها لأقوم بأمورك فاستأذن أخاه يعقوب في ذلك فأذن له فلما حضر أحمد يودع
يعقوب أحسن له القول وردة وخلع عليه فلما ولى عنه قال يعقوب: اشهد أن قفاه قفا مستعص وأن هذا آخر عهدنا بطاعته.
فلما فارقهم جمع نحوًا من مائة رجل فورد بهم بشت نيسابور فحارب عاملها وأخرجه عنها وجباها ثم خرج إلى قومس فقتل ببسطام مقتلة عظيمة وتغلب عليها وذلك سنة وستين ومائتين.
وسار إلى نيسابور وبها عزيز بن السري فهرب عزيز وأخذ أحمد أثقاله واستولى على نيسابور يدعوإلى الطاهرية وذلك أول سنة اثنتين وستين ومائتين وكتب إلى رافع بن هرثمة يستقدمه فقدم عليه فجعله صاحب جيشه وكتب إلى يعمر بن شركب وهويحاصر بلخ يستقدمه ليتفقا على تلك البلاد فلم يثق إليه لفعله بأخيه وسار يعمر إلى هراة فحارب طاهر بن حفص فقتله واستولى على أعمال طاهر فسار إليه أحمد فكانت بينهما مناوشات.
وكان أبوطلحة بن شركب غلامًا من أحسن الغلمان وكان عبد الله ابن بلال يميل إليه وهوأحد قواد يعمر فراسل الخجستاني وأعلمه أنه يعمل ضيافة ليعمر وقواده ويدعوهم إليه يومًا ذكره ويأمره بالنهوض إليهم فيه فإنه يساعده وشرط عليه أن يسلم إليه أبا طلحة فأجابه أحمد إلى ذلك فصنع ابن بلال طعامأن ودعا يعمر وأصحابه وكبسهم أحمد وقبض على يعمر وسيره إلى نائبه بنيسابور فقتله واجتمع إلى أبي طلحة جماعة من أصحاب أخيه فقتلوا ابن بلال
وساروا إلى نيسابور وكان بها الحسين بن طاهر أخومحمد بن طاهر قد وردها من أصبهان طمعًا أن يخطب لهم أحمد كما كان يظهره من نفسه فلم يفعل فخطب له أبوطلحة بها وأقام معه فسار إليه الخجستاني من هراة في اثني عشر ألف عنان فأقام على ثلاث مراحل من نيسابور ووجه أخاه العباس إليهأن فخرج إليه أبوطلحة فقاتله فقتل العباس وانهزم أصحابه.
فلما بلغ خبرهم إلى أحمد عاد إلى هراة ولم يعلمه لأخيه خبرأن فبذل الأموال لمن يأتيه بخبره فلم يقدم أحد على ذلك وأجابه رافع بن هرثمة إليه فاستأمن إلى أبي طلحة فأمنه وقربه ووثق إليه وتحقق رافع خبر العباس فأنهاه إلى أخيه أحمد وأنفذه أبوطلحة إلى بيهق وبست ليجبي أموالها لنفسه وضم إليه قائدين فجبى رافع الأموال وقبض على القائدين وسار إلى الخجستاني إلى قرية من قرى خواف فنزلها وبها حلي بن يحيى الخارجي فنزل ناحية عنه.
فبلغ الخبر إلى أبي لحة فركب كجدأن فوصل إليهم ليلأن فأوقع بحلي وأصحابه وهويظنه رافعأن وهرب رافع سالمأن وعلم أبوطلحة بحال حلي بعد حرب شديدة فكف عنه وأحسن إليه وإلى أصحابه.
ثم وجه أبوطلحة جيشًا إلى جرجان وبها ثابت بن الحسن بن زيد ومعه الديلم وكان على جيش أبي طلحة إسحاق الشاري فحاربوا الديلم بجرجان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم عصى إسحاق على أبي طلحة فسار إليه أبوطلحة واشتغل في طريقه باللهو والصيد فكبسه إسحاق وقتل أصحابه وانهزم أبوطلحة إلى نيسابور فاستضعفه أهلها فأخرجوه منها فنزل على فرسخ عنها وجمع جمعًا وحاربهم ثم افتعل كتابًا عن أهل نيسابور إلى إسحاق يستقدمونه إليهم ويعدونه المساعدة على أبي طلحة فاغتر إسحاق بذلك وكتب أبوطلحة عن إسحاق كتابًا إلى أهل نيسابور يعدهم أنه يساعدهم على أب يطلحة ويأمرهم بحفظ الدروب وترك مقاربة البلد إلى أن يوافيهم فاغتروا بذلك وظنوه كتابه ففعلوا ما أمرهم.وسار إسحاق مجدا فلما قارب نيسابور لقيه أبوطلحة فغافصه فطعنه أبوطلحة فألقاه عن فرسه في بئر هناك فلم يعلم له خبر وانهزم أصحابه ودخل بعضهم إلى نيسابور وضيق عليهم أوطلحة فكاتبوا الخجستاني واستقدموه من هراة فأتاهم في يومين وليلتين وورد عليهم ليلا ففتحوا له الأبواب ودخلها وسار عنها أبوطلحة إلى الحسن بن زيد فأمده بجنود فعاد إلى نيسابور فلم يظفر بشي فسار إلى بلخ وحصر أبا داود الناهجوزي واجتمع معه خلق كثير وذلك سنة خمس وقيل ست وستين ومائتين.
وسار الخجستاني إلى محاربة الحسن بن زيد لمساعدته أبا طلحة فاستعان الحسن بأهل جرجان فأعانوه فحاربهم الخجستاني فهزمهم وأغار عليهم وجباهم أربعة آلاف ألف واتفق أن يعقوب بن الليث توفي سنة خمس وستين أيضًا وولي مكانه أخوه عمرو فعاد إلى سجستان وقصد هراة فعاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور ووافاه عمروبن الليث فاقتتلأن وانهزم عمروورجع إلى هراة وأقام أحمد بنيسابور وكان كيكان وهويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي وجماعة من المتطوعة والفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرولتولية السلطان إياه فرأى الخجستاني أن يوقع بينهم ليشتغل بعضهم ببعض وأحضر منهم جماعة من الفقهاء القائلين بمذاهب أهل العراق فأحسن إليهم وقربهم وأكرمهم وأظهروا الخلاف على كيكان ونابذوه.
وكان كيكان يقول بمذهب أهل المدينة فكفي شرهم وسار إلى هراة فحصر بها عمروبن الليث سنة سبع وستين فلم يظفر بشيء فسار نحوسجستان فحصر في طريقه رمل سي فلم يظفر بشيء منهأن فاحتال حتى استمال رجلًا قطانًا كانت داره إلى جانب السور ووعده أن ينقب من العسكر إلى داره ويخرج أصحابه إلى البلد فاستأمن رجلان إلى البلد من أصحاب الخجستاني وذكرا الخبر لصاحبه فأخذ القطان وأخربت داره وبطل ما كان الخجستاني عزم عليه.
وكان خليفة الخجستاني بنيساور قد أساء السيرة وقوى العيارين وأهل الفساد فاجتمع الناس إلى كيكان فثار على نائبه وأعانهم عمروبن الليث بجنده فقبضوا على خليفة الخجستاني وأقام أصحاب عمروبنيسابور فبلغ الخبر إلى أحمد فوافى نيسابور فخرج عنها كيكان وغيره فردهم أصحاب أحمد الخجستاني فقتل منهم جماعة وغيب كيكان فلم يظهر إلا بعد مدة ميتأن وقد بنى عليه حائطًا فمات فيه.
وأقام أحمد بنيسابور تمام سنة سبع وستين ومائتين ثم إن عمرًا أبا طلحة وهويحاصر بلخ يستقدمه إلى هراة فأتاه فأكرمه وأعطاه مالًا عظيمأن ووعده وتركه بخراسان وعاد إلى سجستان فسار أحمد إلى سرخس وبها عامل عمرو فأتاه أبوطلحة فقاتله فانهزم أبوطلحة ومر على وجه وسار أحمد خلفه فلحقه بخلم فحاربه فهزمه أيضأن وسار نحوسجستان وأقام أحمد بطخارستان.
وكان ناسرار عباس القطان قد أتى طلحة فسار نحونيسابور فأعانه أهلهأن فاخذوا والدة الخجستاني وما كان معها وأقام بنيسابور ولحق به أبوطلحة فمنعه أهل نيسابور من دخولها.
واتصل الخبر بالخجستاني وهوبطايكان من طخارستان فسار مجدًا نحونيسابور.
ولما أيس الطاهرية من الخجستاني وكان أحمد بن محمد بن طاهر بخوارزم واليًا عليهأن أنفذ أبا العباس النوفلي في خمسة آلاف رجل ليخرج أحمد من نيسابور فبلغ خبره أحمد فأرسل إليه ينهاه عن سفك الدماء فأخذ النوفلي الرسل فأمر بضربهم وحلق لحاهم وأراد قتلهم فبيمنا
هم يطلبون الجلادين والحجامين ليحلقوا لحاهم أتاهم الخبر بقرب جيش أحمد منهم فاشتغلوأن وتركوا الرسل فهربوا إلى أحمد وأعلموه الخبر فعبأ أصحابه وحملوا على النوفلي حملة رجل واحد فاكثروا فيهم القتل وقبضوا على النوفلي وأحضروه عنده فقال له: إن الرسل لتختلف إلى بلاد الكفار فلا تتعرض لهم أفلا استحيت أن تأمر في رسلي بما أمرت فقال النوفلي: أخطأت فقال: لكني سأصيب في أمرك! ثم أمر به فقتل.
وبلغه أن إبراهيم بن محمد بن طلحة بمروقد جبى أهلها في سنتين خمسة عشر خراجا فسار إليه في أبيورد في يوم وليلة فأخذه من على فراشه وأقام بمرو فجبى خراجها ثم ولاها موسى البلخي ثم وافاها الحسين بن طاهر فأحسن فيهم السيرة ووصل إليه نحوعشرين ألف ألف درهم.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق