474
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الرابع
ذكر أخبار الزنج
في هذه السنة في المحرم خرج إلى الموفق من قواد الخبيث جعفر بن إبراهيم المعروف بالسحان وكان من ثقات الخبيث فاتاع لذلك وخلع عليه الموفق وأحسن إليه وحمله في سميرية إلى إزاء قصر الخبيث فكلم الناس من أصحابه وأخبرهم أنهم في غرور وأعلمهم بما وقف عليه من كذب الخبيث وفجوره فاستأمن في ذلك اليوم خلق كثير من قواد الزنج وغيرهم فاحسن إليهم ثم أقام الموفق لا يحارب ليريح أصحابه إلى شهر ربيع الآخر فلما انتصف ربيع الآخر قصد الموفق إلى مدينة الخبيث وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة منهم من النقابين جماعة لهدم السور وتدم إلى جميعهم أن لا يزيدوا على هدم السور ولا يدخلوا المدينة وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه فتقدموا إلى المدينة من جهاتها وقابلوها فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة.
ودخل أصحاب الموفق من جميع تلك الثلم وجاء أصحاب الخبيث يحاربونهم فهزمهم أصحاب الموفق وتبعوهم حتى أوغلوا في طلبهم فاختلفت بهم طرق المدينة فبلغوا أبعد من الموضع الذي وصلوا إليه في المرة الأولى وأحرقوا وأسروا وتراجع الزنج عليهم وخرج الكمناء من مواضع يعرفونها ويجهلها الآخرون فتحيروا ودافعوا عن أنفسهم وتراجعوا نحودجلة بعد أن قتل منهم جماعة وأخذ الزنج أسلابهم.
ورجع الموفق إلى مدينته وأمر بجمعهم فلامهم على مخالفة أمره والإفساد عليه من رأيه وتدبيره وأمر بإحصاء من فقد وأقر ما كان لهم من رزق على أولادهم وأهليهم فحسن ذلك عندهم وزاد في صحة نياتهم.
وفي هذه السنة أوقع أبوالعباس أحمد بن الموفق وهوالمعتضد بالله بقوم من الأعراب كانوا يحملون الميرة إلى عسكر الخبيث فقتل منهم جماعة وأسر الباقين وغمن ما كان معهم وأرسل إلى البصرة من أقام بها لأجل قطع الميرة.
وسير الموفق رشيقا مولى أبي العباس فأوقع بقوم من بني تميم كانوا يجلبون الميرة إلى الخبيث فقتل أكثرهم وأسر جماعة منهم فحمل الأسرى والرؤوس إلى الموفقية فأمر بهم الموفق فوقفوا بإزاء عسكر الزنج وكان فيهم رجل يسفر بين صاحب الزنج والأعراب بجلب الميرة فقطعت يده ورجله وألقي في عسكر الخبيث وأمر بضرب أعناق الأسارى وانقطعت الميرة بذلك عن الخبيث بالكلية فأضر بهم الحصار وأضعف أبدانهم فكان يسال الأسير والمستأمن عن عهده بالخبز فيقول: عهدي ه منذ زمان طويل.
فلما وصلوا إلى هذا الحال رأى الموفق أن يتابع عليهم الحرب ليزيدهم ضرًا وجهدا فكثر المستأمنون في هذا الوقت وخرج كثير من أصحاب الخبيث فتفرقوا في القرى والأنهار البعيدة في طلب القوت فبلغ ذلك الموفق فأمر جماعة من قواد غلمانه السودان بقصد تلك المواضع ودعوة من بها إليه فمن أبى قتلوه فقتلوا نهم خلقًا كثيرًا وأتاه أكثر منهم.
فلما كثر المستأمنون عند الموفق عرضهم فمن كان ذا قوة وجلد أحسن إليه وخلطهم بغلمانه ومن كان منهم ضعيفا أوشيخا أوجريحًا قد أزمنته الجراحة كساه وأعطاه دراهم وأمر به أن يحمل إلى عسكر الخبيث فيلقى هناك ويؤمر بذكر ما رأى من إحسان الموفق إلى من صار إليه وأن ذلك رأيه فيهم فتهيأ له بذلك ما أراد من استمالة أصحاب الخبيث.
وجعل الموفق وابنه أبوالعباس يلازمان قتال الخبيث تارة هذا وتارة هذا وجرح أبوالعباس ثم برأ.
وكان من جملة من قتل من أعيان قواد الخبيث: بهبود بن عبد الوهاب وكان كثير الخروج في السميريات وكان ينصب عليها أعلامًا تشبه أعلام الموفق فإذا رأى من يستضعفه أخذه وأخذ من ذلك مالًا جزيلا فواقعه في بعض خرجاته أبوالعباس فأفلت بعد أن أشفى على الهلاك ثم إنه خرج مرة أخرى فرأى سميرية فيها بعض أصحاب أبي العباس فقصدها طامعًا في أخذهأن فحاربه أهلهأن فطعنه غلام من غلمان أبي العباس في بطنه فسقط في الماء فأخذه أصحابه فحملوه إلى عسكر الخبيث فمات قبل وصوله فأراح الله المسلمين من شره.
وكان قتله من أعظم الفتوح وعظمت الفجيعة على الخبيث وأصحابه واشتد جزعهم عليه وبلغ الخبر الموفق بقتله فأحضر ذلك الغلام فوصله وكساه وطوقه وزاد في أرزاقه وفعل بكل من كان معه في تلك السميرية نحوذلك ثم ظفر الموفق بالدوابني وكان ممايلًا لصاحب الزنج.
لما قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني على ما ذكرناه وكان قتله هذه السنة اتفق أصحابه على رافع بن هرثمة فولوه أمرهم.
وكان رافع هذا من أصحاب محمد بن طاهر بن عبد اله بن طاهر فلما استولى يعقوب بن الليث على نيسابور وأزال الطاهرية صار رافع في جملته فلما عاد يعقوب إلى سجستان صحبه رافع وكان طويل الحية كريه الوجه قليل الطلاقة فدخل يومًا على يعقوب فلما خرج من عنده قال: أنا لا أميل إلى هذا الرجل فليلحق بما شاء من البلاد فقيل له ذلك ففارقه وعاد إلى منزله بتامين وهي من باذغيس وأقام به إلى أن استقدمه الخجستاني على ما ذكرناه وجعله صاحب جيشه.
فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش عليه وهوبهراة فأمروه كما ذكرناه وسار رافع من هراة إلى نيسابور وكان أبوطلحة بن شركب قد وردها من جرجان فحصره فيها رافع وقطع الميرة عنه وعن نيسابور فاشتد الغلاء بها ففارقها أبوطلحة ودخلها رافع فأقام بها وذلك سنة تسع وستين ومائتين فسار أبوطلحة إلى مرو وولى محمد بن مهتدي هراة وخطب لمحمد ابن طاهر بمرووهراة فقصده عمروبن الليث فحاربه فهزمه واستخلف عمروبمرومحمد بن سهل بن هاشم وعاد عنها وخرج شركب إلى بيكند واستعان بإسماعيل بن أحمد الساماني فأمده بعسكره فعاد إلى مرو فأخرج عنها محمد بن سهل وأغار على أهل البلد وخطب لعمروبن الليث وذلك في شعبان سنة إحدى وسبعين.
وقلد الموفق تلك السنة أعمال خراسان محمد بن طاهر وكان ببغداد فاستخلف محمد على أعماله رافع بن هرثمة ما خلا ما وراء النهر فإنه أقر عليه نصر بن أحمد ووردت كتب الموفق إلى خراسان بذلك وبعزل عمروبن الليث ولعنه فسار رافع إلى هراة وبها محمد بن مهتدي خليفة أبي طلحة شركب فقتله يوسف بن معبد وأقام بهراة فلما وافاه رافع استأمن إله يوسف فأمنه وعفا عنه فاستعمل على هراة مهدي بن محسن فاستمد رافع إسماعيل بن أحمد فسار إليه بنفسه في أربعة آلاف فارس واستقدم رافع أيضًا علي بن الحسين المروروذي فقدم عليه فساروا بأجمعهم إلى شركب وهوبمرو فحاربوه فهزموه وعاد إسماعيل إلى محازل وذلك سنة اثنتين وسبعين ومائتين فسار شركب إلى هراة فطابقه مهدي وخالف رافعا فقصدهما رافع فهزمهما.
وأما شركب فإنه لحق بعمروبن الليث وأما مهدي فإنه اختفى في سرب فدل عليه رافع فأخذه وقال له: تبًا لك يا قليل الوفاء! ثم عفا عنه وخلى سبيله وسار رافع إلى خوارزم سنة اثنتين وسبعين فجبى أموالها ورجع إلى نيسابور.
في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشًا مع ابنه المنذر إلى المخالفين عليه فقصد مدينة سرقسطة فأهلك زرعها وخرب بلدها وافتتح حصن روطة فأخذ منه عبد الواحد الروطي وهومن أشجع أهل زمانه وتقدم إلى دير تروجة وبلد محمد بن مركب بن موسى فهتكا بالغارة وقصد مدينة لاردة وقرطاجنة فكان فيها إسماعيل بن موسى فحاربه فأذعن إسماعيل بالطاعة وترك الخلاف وأعطى رهائنه على ذلك وقصد مدينة أنقرة وهي للمشركين فافتتح هنالك حصونًا وعاد.
وفيها أوقع إبراهيم بن أحمد بن الأغلب بأهل بلد الزاب وكان قد حضر وجوههم عنده فأحسن إليهم ووصلهم وكساهم وحملهم ثم قتل أكثرهم حتى الأطفال وحملهم على العجل إلى حفرة فألقاهم فيها.
وفيها سارت سرية بصقلية مقدمها رجل يعرف بأبي الثور فلقيهم جيش الروم فأصيب المسلمون كلهم غير سبعة نفر وعزل الحسن بن العباس عن صقلية ووليها محمد بن الفضل فبث السرايا في كل ناحية من صقلية وخرج هوفي حشد وجمع عظيم فسار إلى مدينة قطانية فأهلك زرعها ثم رحل إلى أصحاب الشلندية فقاتلهم فأصاب فيهم فأكثر القتل ثم رحل إلى طبرمين فافسد زرعها ثم رحل فلقي عساكر الروم فاقتتلوا فانهزم الروم وقتل أكثرهم فكانت عدة ثم سار المسلمون إلى قلعة كان الروم بنوها عن قريب وسموها مدينة الملك فملكها المسلمون عنوة وقتلوا مقاتليها وسبوا من فيها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق