153
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث
ذكر بعض سيرة الوليد
وكان الوليد عند أهل الشام من افضل خلائفهم بنى المساجد مسجد دمشق ومسجد الميدينة على ساكنها السلام والمسجد الأقصى ووضع المنائر وأعطى المجذمين ومنعهم من سؤال الناس وأعطى كل مقعد خادمًا وكل ضرير قائدًا وفتح في ولايته فتوحًا عظامًا منها: الأندلس وكاشغر والهند.
وكان يمر بالبقال فيقف عليه ويأخذ منه حزمة بقل فيقول: بكم هذه فيقول: بفلس.
فيقول: زد فيها.
وكان صاحبن بنا واتخاذ المصانع والضياع وكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضًا عن البناء وكان سليمان صاحب طعام ونكاح فكان الناس يسأل بعضهم بعضًا عن النكاح والطعام وكان عمر بن عبد العزيز صاحب عبادة وكان الناس يسأل بعضًا عن الخير ما وردك الليلة وكم تحفظ من القرآن وكم تصوم من الشهر ومرض الوليد مرضة قبل وفاته وأغمي عليه فبقي يومه ذلك كأنه ميت فبكوا عليه وسارت البرد بموته فاسترجع الحجاج وشد في يده حبلًا إلى أسطوانة وقال: اللهم لا تسلط علي من لا رحمة له فقد طال ما سألتك أن تجعل منيتي قبله! فإنه كذلك يدعو إذ قدم عليه البريد بإفاقته.
ولما أفاق الوليد قال: ما أحد أشد سرورًا بعافيتي من الحجاج ثم لم يمت حتى قفل الحجاج عليه.
وكان الوليد أراد أن يخلع أخاه سليمان ويبايع لولده عبد العزيز فأبى سليمان فكتب إلى عماله ودعا الناس إلى ذلك فلم يجبه إلا الحجاج وقتيبة وخواص من الناس فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه فأبطأ فعزم الوليد على المسير إليه ليخلعه وأخرج خيتمة فمات قبل أن يسير إليه.
ولما أراد أن يبني مسجد دمشق كان فيه كنيسة فهدمها وبناها مسجدًا فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكوا إليه ذلك فقال لهم عمر: إن ما كان خارج المدينة فتح عنوةً ونحن نرد عليكم كنيستكم ونهدم كنيسة توما فإنها فتحت عنوةً ونبنيها مسجدًا.
فقالوا: بل ندع لكم هذا ودعوا كنيسة توما.
وكان الوليد لحانًا لا يحسن النحو دخل عليه أعرابي فمت إليه بصهر بينه وبين قرابته فقال له الوليد: من ختنك بفتح النون وظن الأعرابي أنه يريد الختان فقال: بعض الأطباء.
فقال له سليمان: إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك وضم النون.
فقال الأعرابي: نعم فلان وذكر ختنه.
وعاتبه أبوه على ذلك وقال: إنه لا يلي العرب إلا من يحسن كلامهم.
فجمع أهل النحو ودخل بيتًا فلم يخرج منه ستة أشهر ثم خرج وهو أجهل منه يوم دخل.
فقال عبد الملك: قد أعذر.
فقيل: إنه لما ولي الخلافة يختم القرآن في كل ثلاث وكان يقرأ في رمضان كل يوم ختمة وخطب يومًا فقال: يا ليتها كانت القاضية وضم التاء فقال عمر بن عبد العزيز: عليك وأراحتنا منك.
وفي هذه السنة بويع سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي توفي فيه الوليد وهو بالرملة.
وفيها عزل سليمان بن عبد الملك عثمان بن حيان عن المدينة لسبع بقين من رمضان واستعمل عليها أبا بكر بن محمد بن حزم وكان عثمان قد عزم على أن يجلد أبا بكر ويحلق لحيته من الغد فلما كان الليل جاء البريد إلى أبي بكر بتأميره وعزل عثمان وحده وأن يقيده.
وفيها عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق واستعمل يزيد بن المهلب وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج وأمره بقتل بني عقيل وبسط العذاب عليهم وهم أهل الحجاج فكان يعذبهم ويلي عذابهم عبد الملك بن المهلب وكان يزيد بن المهلب قد استعمل أخاه زيادًا على حرب عثمان.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق