إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1249 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هنري الثامن والكاردي -> ولزي 2- ولزى



1249


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هنري الثامن والكاردي -> ولزي

2- ولزى


كان هنري، الذي قدر له أن يصبح تجسيداً لأمير مكيافيلي، لا يزال بعد حدثاً بريئاً في السياسة الدولية. وعرف حاجته إلى الإرشاد وجعل من الرجال حوله نماذج. وكان مور ذكياً بيد أنه لم يتعدَ الحادية والثلاثين، وكان يميل إلى الطهارة والتقوى. وكان توماس ولزى يكبره بثلاثة أعوام فحسب، وكان قساً إلا أن اتجاهه بأكمله للسياسة، والدين عنده جزء من

السياسة. وقد ولد توماس في ابسوتش من "أصل وضيع ودم خسيس" (هكذا وصفه جويكيا رديني المعتز بنفسه)(8). وقد استوعب مقرر شهادة البكالوريا في أكسفورد وهو في الخامسة عشرة من عمره، وعندما بلغ الثالثة والعشرين عمل صرافاً في كلية مجادلين، وأظهر كفاءته باستخدام مبالغ مناسبة، تتجاوز السلطة المخولة له، لإتمام البرج الرائع لتلك القاعة. وعرف كيف ينجح. وأظهر فطنة في الإدارة والمفاوضة فقام بالوعظ في سلسلة من الكنائس ليخدم هنري السابع بتلك المقدرة والدبلوماسية.
وعندما ارتقى هنري الثامن العرش عينه موزعاً للصدقات - مديراً للبر والإحسان. وسرعان ما أصبح القس عضواً في المجلس الخاص. وأفزع واهرام كبير الأساقفة بدفاعه عن عقد حلف عسكري مع أسبانيا ضد فرنسا، وكان لويس الثاني عشر يغزو إيطاليا، ومن المحتمل أن يجعل البابوية تابعة لفرنسا من جديد. وعلى أية حال فإن فرنسا لابد أن تصبح قوية جداً. وخضع هنري في هذا الأمر لولزى وحميه فرديناند ملك أسبانيا، وكان هو نفسه يجنح في هذا الوقت للسلم. وقال لجيوستنياني: "إني راضٍ بما أملك، ولا أود أن أحكم إلا رعاياي، ولكني من جهة أخرى لا أقبل أن يبلغ أحد من القوة ما يجعله يتحكم في"(9)، ويكاد هذا يلخص حياة هنري السياسية. فقد ورث ادعاء الملوك الإنجليز أن لهم الحق في تاج فرنسا، ولكنه عرف أنه ادعاء أجوف. ووهنت الحرب سريعاً في موقعة المهاميز (1513). ودبر ولزى للسلام وأغرى لويس الثاني عشر بالزواج من ماري شقيقة هنري، وسر ليو العاشر لنجاته فعين ولزى رئيساً لأساقفة يورك (1514). وكاردينالاً (1515)، وعينه هنري، المنتصر، حاجباً (1515). وفاخر الملك لأنه حمى البابوية، وعندما رفض أحد البابوات أن يتولى فيما بعد تيسير زواجه عد هذا جحوداً.


وكانت السنوات الخمس الأولى التي قضاها ولزى في منصب الحاجب من أعظم السنوات توفيقاً في سجل الدبلوماسية الإنجليزية. وكان يهدف إلى تنظيم السلام في أوربا باستخدام إنجلترا وسيلة لحفظ التوازن في القوى بين الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة وفرنسا، وكان المفروض أن مما يدخل أيضاً في دائرة سلطانه أن يصبح حكماً لأوربا وأن يكون السلام في القارة في مصلحة تجارة إنجلترا الحيوية مع الأراضي المنخفضة. وتفاوض كخطوة أولى، لعقد حلف بين فرنسا وإنجلترا (1518)، وخطب ماري ابنة هنري البالغة من العمر عامين (أصبحت ملكة فيما بعد) إلى ابن فرانسيس الأول البالغ من العمر سبعة شهور، ولا شك أن ميله للضيافة الكريمة قد كشف عنه ما حدث عندما حضر المبعوثون الفرنسيون إلى لندن لتوقيع الاتفاقيات، فقد أقام لهم وليمة في قصر وستمنستر، قدم لهم فيها عشاء، قال عنه جيوستنياني: "أن مثيله لم يقدم قط، على مائدة كليوباترة وكاليجولا، وأن قاعة المأدبة بأسرها زينت بزهريات ضخمة من الذهب والفضة(10)". غير أن الكاردينال المحب للدنيا يلتمس له العذر، فقد كان يقامر ليكسب رهاناً عظيماً، فكسب. وأصر على أن يكون الحلف مفتوحاً لينضم إليه الإمبراطور مكسمليان الأول وشارل الأول ملك أسبانيا والبابا ليو العاشر، ودعوا للانضمام إليه فقبلوا، وابتهج أرازموس ومور وكوليه، إذ داعبهم الأمل في أن يكون فجر عهد للسلام قد أشرق على العالم المسيحي بأسره. وتلقى ولزى التهاني حتى من أعدائه. وانتهز الفرصة لرشوة المندوبين الإنجليز(11) في روما لكي يضمن تعيينه قاصداً رسولياً للبابا في صف بريطانيا والعبارة تعني "في صف" وموضع ثقة، وكان أرفع تعيين لمبعوث بابوي. وكان ولزى وقتذاك الرئيس الأعلى للكنيسة الإنجليزية وحاكم إنجلتري - مع ولاء استراتيجي لهنري.

وعكر صفو السلام بعد عام تنافس فرانسيس الأول وشارل الأول على العرش الإمبراطوري. بل إن هنري رأى أن يقذف بقلنسوته في الحلبة غير أنه لم يجد رجلاً مثل فوجر. وزار الفائز، وهو وقتذاك شارل الخامس، انجلترا زيارة قصيرة (مايو سنة 1520) وقدم إحتراماته لعمته كاترين الأراجونية، الملكة زوجة هنري، وعرض أن يتزوج الأميرة ماري (التي كانت مخطوبة بالفعل لولي عهد فرنسا)، إذا وعدت إنجلترا أن تؤيد شارل في أي نزاع بينه وبين فرنسا، وهكذا السلام، أمر غير طبيعي، فرفض ولزى ولكنه قبل من الإمبراطور مرتباً قدره 7.000 دوكات، وانتزع منه تعهداً بأن يساعده على أن يصبح بابا.
وحقق الكاردينال الذكي أعظم انتصار باهر له بتدبير لقاء بين العاهلين الفرنسي والإنجليزي في ميدان كلوث أف جولد (يونيو 1520). وهناك في أرض فضاء مكشوفة بين جين وآردر قرب كاليه برز فن العصر الوسيط والفروسية في روعة الغروب. وانطلق أربعة آلاف نبيل إنجليزي، اختارهم الكاردينال وعينهم، وكانوا يرتدون الملابس الحريرية والمزركشة والمخرمات من أزياء القرون الوسطى المتأخرة، في صحبة هنري بينما امتطى الملك الشاب ذو اللحية الحمراء صهوة فرس صغيرة لملاقاة فرانسيس الأول. وأخيراً وليس آخراً، أقبل ولزى نفسه مرتدياً ثياباً قرمزية من الأطلس ينافس بها أبهة الملوك. وقد شيد على عجل قصر لاستقبال صاحبي الجلالة ومرافقيهما من السيدات والموظفين، وأقيمت سقيفة يكسوها قماش تتخلله خيوط ذهبية، وتتدلى منه طنافس ثمينة ليظلل المؤتمر والمآدب، وكانت هناك نافورة يسيل منها النبيذ، وأخليت مساحة لألعاب الفروسية الملكية، وتدعم الحلف السياسي والعسكري بين الأمتين، وتبارى العاهلان السعيدان في المبارزة بل تصارعا، وخاطر فرانسيس بسلام أوربا بطرحه الملك الإنجليزي، وأصلح خطواته الخاطئة بكياسة فرنسية لا نظير لها بالذهاب مبكراً ذات

صباح وهو مجرد من السلاح مع بعض الأتباع غير المسلحين، لزيارة هنري في المعسكر الإنجليزي - وكانت لفتة تدل على الثقة الودية فهمها هنري. وتبادل الملكان الهدايا الثمينة والأيمان المغلظة.
والحق أن أحداً منهما لم يستطع أن يثق بالآخر، لأن التاريخ علمهم درساً مفاده أن الرجال يكذبون كثيراً عندما يحكمون دولاً. وبعد سبعة عشر يوماً أمضاها هنري ينعم بالولائم مع فرانسيس، انطلق ليمضي ثلاثة أيام في مؤتمر مع شارل في كاليه (يوليه سنة 1520). وهناك أقسم الملك والإمبراطور، في حضور ولزى، على الصداقة الأبدية واتفقا على ألا يقدما على خطوات أخرى لتنفيذ خطتيهما للزواج من الأسرة المالكة في فرنسا. وكانت هذه الأحلاف المنفصلة أساساً أشد قلقلة للسلام الأوربي من الاتفاق الودي متعدد الجوانب الذي كان ولزى قد دبر له قبل وفاة مكسمليان. وإن كان قد ترك إنجلترا في وضع الوسيط، والحكم في الواقع - وهو وضع أسمى بكثير من أي وضع يمكن أن يعتمد على ثروة الإنجليز أو سلطانهم. وكان هنري راضياً. وأمر رهبان سانت البانز باختيار ولزى رئيساً لديرهم ومنحه صافي دخلهم، وذلك مكافئة لحاجبه، لأن "سيدي الكادينال قد تحمل الكثير من التكاليف في هذه الرحلة". وأذعن الرهبان ووصل دخل ولزى إلى ما يقرب من احتياجاته.
وكان، على نطاق أوسع بكثير من معظمنا، مزيجاً من الفضائل والنقائض المركبة، وكتب جيو ستنياني يقول: "إنه وسيم جداً، فصيح للغاية، واسع المقدرة، لا يكل ولا يمل(12)". وكانت أخلاقه لا تخلو من الشوائب، فقد انزلق مرتين إلى الأبوة غير الشرعية، وكانت تعد من الهفوات التي تغتفر في ذلك العصر الطروب.
ولكن إذا صدقنا ما قاله اسقف، فغن الكاردينال كان يعاني من


"الزهري(13") وقبل ما يمكن، أو ما لا يمكن أن يسمى بالرشا - هدايا عظيمة من المال تلقاها من فرانسيس وشارل على السواء، وحرص على أن يجعلهما يتنافسان على أن يأمرا له بمرتبات وهبات سخية قدماها، وكانت هذه من آداب مجاملة العصر، وأحس الكاردينال المبذر، الذي شعر بأن سياسته تخدم أوربا بأسرها، بأن أوربا كلها يجب أن تخدمه. وليس من شك في أنه كان يحب المال والترف والأبهة والسلطان. وكان جانب كبير من دخله يصرف في الحفاظ على مؤسسة قد يكون تبذيرها السطحي أداة من أدوات - الدبلوماسية، صممت لكي تعطي السفراء الأجانب فكرة مبالغاً فيها عن الموارد الإنجليزية. ولم يدفع هنري أي مرتب لولزى ولهذا كان على الحاجب أن يعيش ويولم لضيوفه على حساب موارده الكنسية ومرتباته التي يتقاضاها من الخارج. وحتى لو كان الأمر على هذا النحو فإننا قد نعجب لأنه احتاج لكل الدخل الذي كان يحصل عليه باعتباره صاحب الحق في دخل أبرشيتين، وست رواتب للقسس، ومرتب رئيس جامعة، ومرتب باعتباره رئيساً لدير سانت البانز وأسقفاً لباث وولز، ورئيساً لأساقفة يورك ومديراً لأبرشية ونشستر وشريكاً لأسقفي ورسستر وسالزبوري الإيطاليين الغائبين(14).
وكان له تقريباً الحق في الرئاسة الدينية والسياسية بأسرها في المملكة والمفروض أنه كان ينال مكافئة عن كل تعيين يتم. وقدر مؤرخ كاثوليكي أن ولزى كان يتلقى في أوج مجده ثلث دخول الكنيسة في إنجلترا(15). كان أغنى وأقوى الرعايا في الأمة. ومن رأي جيوستنياني أنه كان "أقوى من البابا- بسبعة أضعاف(16)" ويقول أرازموس: "إنه الملك الثاني" ولم يبقَ أمامه إلا خطوة واحدة- يقوم بها- البابوية. وحاول ولزى الحصول عليها مرتين، ولكن شارل الداهية فاقه في تلك اللعبة، متجاهلاً وعوده.

واعتقد الكاردينال أن التمسك بالمراسيم دعامة القوة، ويستطيع المرء بالقوة أن يبوأ السلطة ولكنه لا يستطيع أن يدعمها بثمن بخس وفي هدوء وسلام إلا بالتعود عليها أمام الجمهور، والناس تحكم على سمو المرء بمقدار تمسكه بالرسمية التي يحتمي بها. ولهذا فإن ولزى كان يظهر في الحفلات العامة والرسمية مرتدياً أفخر الملابس الرسمية التي خيل إليه أنها مناسبة لمثل كل من البابا والملك. قبعة كردينال حمراء، وقفازين حمراوين، وأردية من التافتاه القرمزة وحذاء من الفضة أو مموهاً بالذهب، ومرصعاً باللآلئ والأحجار الكريمة - ها هو ذا أنوسنت الثالث وبنيامين دزرائيلي وبروفل الجميل اجتمعوا معاً في شخص واحد. كان أول مَن لبس الحرير(17) بين رجال الدين في إنجلترا. وعندما كان يردد القداس (وهو أمر نادر) كان شمامسته من الأساقفة والرهبان، وفي بعض المناسبات كان النبلاء من حملة ألقاب دوق وايرل يصبون الماء الذي يغسل به يديه المقدستين. وأذن لتابعيه أن يركعوا وهم يخدمونه على المائدة. وخدمه في مكتبه وبيته خمسمائة شخص(18)، كثير منهم من ذوي النسب العريق. وكانت قلعة هامبتون التي شيدها لتكون مقراً له باذخة جداً إلى حد أنه أهداها للملك (1525) ليتقي شر حسده.
ومهما يكن من أمر فإنه نسي أن هنري كان ملكاً. وكتب جيوستنياني إلى عضو شيوخ من البنادقة: "لدى وصولي لأول مرة إلى إنجلترا اعتاد الكاردينال ان يقول لي إن جلالته سوف يفعل كذا وكذا". وبعد ذلك - بالتدريج نسي نفسه وبدأ يقول: "سوف نفعل كذا وكذا" أما الآن يقول: "سأفعل كذا وكذا"(19)، وكتب السفير مرة أخرى يقول: "إذا كان لابد من إغفال أمر الملك أو الكاردينال فمن الأفضل التغاضي عن الملك، فالكاردينال قد يستاء من السبق الذي يسلم به للملك(20)" وقلما كان الأشراف والدبلوماسيون يحصلون على الأذن بالمثول في حضرة الحاجب قبل تقديم


الالتماس الثالث. وكلما مر عام كان الكاردينال يحكم صراحة حكماً مطلقاً يشتد يوماً بعد يوم، واستدعى المجلس النيابي مرة إبان رئاسته، وكان قليل الاهتمام بالأشكال الدستورية، وقابل المعارضة بالاستياء والنقد والزجر. وكتب المؤرخ بوليدر فرجيل يقول: "إن هذه الوسائل سوف تؤدي إلى سقوط ولزى" فأرسل فرجيل إلى البرج، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن تشفع له ليو العاشر مراراً. واشتدت المعارضة.
ولعل مَن عزلهم ولزى أو أدبهم هم الذين اعتصموا بآذان التاريخ، ونقلوا آثامه كما هي بلا غفران، إلا أن أحداً لم ينازع في مقدرته، أو انصرافه في مثابرة لكثير من مهامه. وقال جيوستنياني لعضو الشيوخ من البندقية المعتز بنفسه "إنه ينجز من العمل قدر ما يشغل كل القضاة وموظفي المكاتب والمجالس في البندقيو، في المحاكم المدنية والجنائية على السواء، وهو يدير كذلك كل شئون الدولة مهما كانت طبيعتها(21)".
وكان محبوباً من الفقراء، مكروهاً من الأقوياء بسبب عدم تحيزه في تطبيق العدالة. وفتح بلاطه لكل مَن يشكون من الاضطهاد، ولا تكاد توجد سابقة لهذا في التريخ الإنجليزي بعد الفرد. وكان ينزل العقاب بالجاني الأثيم، مهما كان رفيع القدر(22)، دون خوف ولا وجل. وكان كريماً مع العلماء والفنانين وبدأ إصلاحاً دينياً بإحلال كليات محل أديار عديدة. وكان بصدد القيام بإصلاح مثير في التعليم الإنجليزي عندما تآمر ضده كل الأعداء الذين خلقهم اندفاعه في أعماله وقصر منظم كبير رائع، فتآمروا بخلق قصة خيالية ملكية لتدبير خطة لسقوطه.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق