1277
قصة الحضارة ( ول ديورانت )
قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> مقدمة
الفصل الثلاثون
عبقرية الإسلام
1258-1520
صمد العالم الإسلامي من 1095 إلى 1291 أمام سلسلة من الحملات الدينية العنيفة، مثل تلك الحملات الدينية العنيفة التي أخضع بها فيما بعد البلقان، وحول ألفاً من الكنائس إلى مساجد. ودفعت سبع حملات صليبية حث عليها اثنا عشر من البابوات، نقول دفعت بملوك أوربا وفرسانها ورعاعها ضد قلاع المسلمين في آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين ومصر وتونس. وعلى الرغم من إخفاق هذه الهجمات آخر الأمر، فإنها أضعفت نظام هذه الدول الإسلامية ومواردها إضعافاً خطيراً. وكان الصليبيون قد نجحوا في أسبانيا حيث هزم المسلمون واخرجوا، ولكن بقاياهم تجمعوا في غرناطة التي تأخر قدرها المحتوم بعض الوقت، وكان النور مانديون الأشداء قد أخذوا صقلية من المسلمين. ولكن أين هذه الجراح والتمزيق من انقضاض المغول الوحشي المدمر (1219-1258) على بلاد ما وراء النهر وفارس والعراق؟ وتعرضت مراكز إشعاع الحضارة الإسلامية، المدينة تلو الأخرى، للسلب والنهب والمذابح والحريق- بخاري، سمرقند، بلخ، نيسابور، الري، هراة، بغداد. وأسقطت الحكومات الإقليمية والمحلية، وأهملت القنوات وتركت للرمال التي تذروها الرياح، وأكرهت التجارة على الفرار، ودمرت المدارس والمكتبات، وتشتت الدارسون ورجال العلم أو ذبحوا أو استعبدوا. وتحطمت روح الإسلام لنحو قرن من الزمان
ثم انبعثت من جديد في بطئ. ثم اكتسح تتار بتمورلنك غربي آسيا بدمار جديد، وشق الأتراك العثمانيون طريقهم عبر آسيا الصغرى إلى البسفور، ولم تعرف حضارة أخرى في التاريخ مثل هذه الكوارث عدداً وانتشاراً وشمولاً.
على أن المغول والتتار والأتراك أتوا بدمهم الجديد ليحل محل أنهار الدماء البشرية التي كانوا سفكوها. وكان الاسلام قد صار مترفاً فاتر الهمة، وكانت بغداد- مثل القسطنطينية- فقد فقدت إرادتها في امتشاق الحسام للدفاع عن النفس، وأغرم الناس هناك بالحياة اللينة الهينة الرخية إلى حد الإشراف على الموت. أن تلك الحضارة الرائعة- مثل الحضارة البيزنطية، أينعت لتذوى وتذبل،. ولكنها كانت غنية - مثل اليونان القديمة وإيطاليا النهضة - إلى حد القدرة على تمدين غزاتها، بفضل ما أنقذ من شتاتها وذكرياتها، وأنشأت فارس تحت حكم خانات المغول حكومة مستنيرة وأنتجت أدباً جيداً وفناً عظيماً، وشرفت التاريخ بعالم جليل هو رشيد الدين. وفيما وراء النهر، بنى تيمورلنك وعمر، بشكل مؤثر، قدر ما كان قد خرب ودمر. ووسط حملات السلب والنهب التي كان يشنها، توقف ليكرم حافظ الشيرازي. وفي الأناضول كلن الأتراك فعلاً متحضرين،وكان الشعراء بينهم من الكثرة قدر كثرة المحظيات أو الخليلات. وفي مصر استمر المماليك في إقامة الأبنية بناء العمالقة الجبابرة. وفي غربي إفريقية أنجب الإسلام فيلسوفاً مؤرخاً، كان يبدو إلى جانبه أعظم علماء المسيحية المعاصرة بمثابة حشرات صغيرة تقع في الشرك وتموت جوعاً وسط عناكب الفلسفة النصرانية في العصور الوسطى. وفي نفس الوقت كان الإسلام ينتشر في الهند إلى أقصى الشرق.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق