إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1250 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هنري الثامن والكاردي -> ولزي والكنيسة 3- ولزي والكنيسة





1250


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هنري الثامن والكاردي -> ولزي والكنيسة

3- ولزي والكنيسة


وأدرك المساوئ التي لا تزال باقية في حياة رجال الدين في إنجلترا، ضرب لها مثلاً عظيماً: أساقفة غائبين ورجال دين متعلقين بالدنيا،


ورهباناً كسالى، وقساوسة وقعوا في شرك الأبوة. وكانت الدولة التي طالما دعت إلى إصلاح الكنيسة، مسئولة إلى حد ما عن الشرور، لأن الملوك كانوا يعينون الأساقفة. وكان بعض الأساقفة من أمثال مورتون، وواهرام وفيشر رجالاً على خلق رفيع، ذوي مقدرة عظيمة، وكان كثير من الآخرين منغمسين جداً فيما تتيحه لهم الأسقفية من حياة وادعة، فلم يستطيعوا أن يدربوا اتباعهم من رجال الدين على الكفاءة من الناحية الروحية، وكذلك على المثابرة في تدبير المال. وربما كانت أخلاقيات الجنس عند القساوسة أفضل مما هي عند زملائهم في ألمانيا، ولكن لم يكن ثمة مفر من وجود حالات من التسري بين رجال الدين، ومن الزنا والسكر والجريمة في الأبرشيات البالغ عددها 8.000 في إنجلترا - وهي حالات - كثيرة دفعت كبير الأساقفة مورتون إلى أن يقول (1468): "إن ما يقترن بحياتهم من فضائح يعرض للخطر استقرار نظامهم(23)"، وأبلغ رتشارد فوكس، حوالي عام 1519، ولزى بأن رجال الدين في أسقفية ونشستر كانوا قد تردوا إلى هاوية كبيرة من الفسق والفساد، إلى حد أنه يئس من أن يشهد في حياته أية محاولة لإصلاح ديني(24). وارتاب القساوسة بالأبرشيات في أن ترقياتهم تتوقف على مقدار مقتنياتهم، فأخذوا يغتصبون ضرائب العشور أكثر مما فعلوا في أي وقت مضى. وكان البعض يستولي كل عام على عشر دجاج الفلاح وإنتاجه من البيض واللبن ولجبن والفاكهة، بل حتى من كل الأجور التي كانت تدفع لمعاونته، وكل إنسان لا يترك في وصيته ميراثاً للكنيسة يتعرض لخطر عظيم بحرمانه من الدفن طبقاً للطقوس المسيحية مع ما يترتب على ذلك من نتائج متوقعة مروعة إلى حد لا يمكن التفكير فيها. وبعبارة موجزة فرض رجال الدين مكوساً لتمويل مصالحهم في إصرار مثل الدولة الحديثة. وما أن حل عام 1500 حتى كانت الكنيسة تملك، وفقاً لتقدير كاثوليكي محافظ، حاولي خمس

الأملاك بأسرها في إنجلترا(25). وحسد النبلاء هناك كما في ألمانيا رجال الدين على هذه الثروة وتلهفوا على استعادة الأراضي والدخول التي تنازل عنها لله أسلافهم الأتقياء أو الخائفون.
وأجمل دين كوليه حالة رجال الدين العلمانيين مع مبالغة واضحة في خطاب وجهه إلى جمعية رجال الكنائس عام 1512 فقال: "أود أخيراً وأنا عالم بشهرتكم ومهنتكم، أن تفكروا في إصلاح أمور الكهنوت لأنه لم يحدث من قبل أن كان الأمر محتوماً كما هو الآن... لأن الكنيسة - زوجة المسيح - التي تمنى ألا تشوبها شائبة أو تدب فيها الشيخوخة قد أصبحت دنسة مشوهة"، وكما يقول إشعيا: "كيف صارت القرية الأمينة زانية ". وكما يقول أرميا: "أما أنت فقد زنيت بأصحاب كثيرين" . وقد حملت بكثير من بذور الظلم وهي تنجب كل يوم أعظم الذرية دنساً. ولم يشوه شيء وجه الكنيسة مثل ما شوهته المعيشة العلمانية والدنيوية لرجال الدين... أي لحفة وجوع يشيعان في هذه الأيام بين رجال الدين بعد الشرف والوقار. وأي سباق تنقطع فيه الأنفاس من صدقة إلى صدقة ومن منفعة أقل إلى منفعة أكبر.
ألم تغرق الشهوة إلى الجسد، ألم تغرق هذه الرذيل الكنيسة بالفيضان... ولهذا فليس هناك ما يسعى إليه في حرص الجانب الأكبر من القساوسة أكثر مما يهيئ لهم اللذة الحسية؟ إنهم لينصرفون إلى المآدب والولائم... ويقفون حياتهم وينصرفون إلى القنص والصيد بالصقور، وهم غارقون في مباهج هذه الحياة الدنيا.
وقد تملك الجشع أيضاً... قلوب كل القسس... إلى حد أننا اليوم


لا نرى شيئاً سوى ما يخيله لنا أنه كفيل بأن يعود علينا بمغنم، ونحن نعاني في هذه الأيام من الهراطقة - وهم رجال يتصفون بحماقة عجيبة، إلا أن هرطقتهم ليست وبائية خبيثة بالنسبة لنا وللناس مثل حياة رجال الدين الفاسدين الغاوين. ولابد أن يبدأ الإصلاح الديني بكم(26).
وصاح نائب الأسقف مرة أخرى وهو يتميز غيظاً: "أيها القساوسة... يا طائفة القسس... أواه! إن الضلال المقيت الذي يسدر فيه هؤلاء القساوسة التعساء، الذين يضم منهم عصرنا عدداً كبيراً لا يخشون الاندفاع من أحضان بغي دنسة إلى حرم الكنيسة، وإلى مذبح المسيح، وإلى أسرار العشاء الرباني(27)".
بل إن رجال الدين النظاميين أو الرهبانيين تعرضوا لاستنكار شديد، فقد اتهم كبير الأساقفة مورتون عام 1489 الراهب وليام من دير البانز بـ "الاتجار في المقدسات والرتب والوظائف الدينية والربا والاختلاس والعيش علناً وباستمرار مع العاهرات والعشيقات داخل أرياض الدير وخارجه" واتهم الرهبان بأنهم يحيون حياة داعرة... كلا بل يدنسون الأماكن المقدسة، حتى كنائس الرب بالذات مضاجعة الراهبات الممقوتة، ويحولون ديراً ثانوياً مجاور إلى "ماخور عام"(28).
وترسم سجلات الجولات التفتيشية الأسقفية صورة أقل إكفهراراً. فمن بين اثنين وأربعين ديراً تم التفتيش عليها بين عامي 1517 و 1530 وجد خمسة عشر ديراً لم تقترف فيها خطيئة كبيرة، وفي معظم الأديار الأخرى كانت جرائم التعدي على النظام أكثر منها على العفة(29). وكانت بعض الأديار لا تزال تمارس نظام الصلاة في القرون الوسطى والإقبال على العلم والضيافة والبر وتعليم الشباب. واستغل بعضها السذاجة وجمعت النقود من العامة لمخلفات وهمية نسبوا إليها شفاء معجزاً من الأمراض، وشكا أساقفة


من "الأحذية المنتنة والأمشاط القذرة... والزنارات الرثة وخصلات الشعر والخرق القذرة المقررة والموصى بها للجهلة من الناس. باعتبارها مخلفات صحيحة لنساء أو رجال مقدسين(30).
وعلى الجملة فإن الأديار الستمائة في إنجلترا أظهرت، طبقاً لتقدير آخر مؤرخ كاثوليكي، سوء سلوك على نطاق واسع وكسلاً متلافاً وإهمالاً يكلف غالياً في رعاية أملاك الكنيسة(31).
وفي عام 1520 كان في إنجلترا نحو 130 ديراً للراهبات. منها أربعة فقط تضم ما يزيد على ثلاثين نزيلة(32). وألغى الأساقفة ثمانية أديار، وقال الأسقف في إحدى الحالات بسبب "الأخلاق الداعرة لنساء البيت وتبذلهن بسبب مجاورتهن لجامعة كمبرج(33)". وتمت ثلاث وثلاثون جولة تفتيشية لواحد وعشرين ديراً للراهبات في أبرشية لنكولن وقدمت عنها تقارير من بينها ستة عشر تقريراً مشجعاً، وأربعة عشر تقريراً تضمنت ملاحظات عن الافتقار إلى النظام أو الأخلاق وتقريران تحدثا عن راهبات كن يعشن في الخنا، وتقرير وجد راهبة حاملاً من قسيس(34). وكانت مثل هذه الانحرافات عن القواعد الصارمة تعد طبيعية في المناخ الأخلاقي السائد في تلك العصور، ولعل الخدمات الكريمة في التعليم والبر كانت ترجحها.
وكان رجال الدين لا يتمتعون بالشعبية. وكتب يوستاس شابويس السفير الكاثوليكي لشارل الخامس في إنجلترا إلى مولاه عام 1529 فقال: "إن كل الناس يكرهون القساوسة"(35). وندد كثير من الناس، من المتشبثين بعقيدة المحافظين تماماً بقسوة الضرائب التي فرضها رجال الدين وتبذير الأساقفة وثراء الرهبان وكسلهم. وعندما اتهم كاتب سر أسقف لندن بقتل هرطيق (1514) توسل الأسقف إلى ولزى أن يمنع المحاكمة أمام محلفين مدنيين "لأني واثق أن كاتب سري لو حوكم أمام أي أثنى عشر


رجلاً في لندن فإنهم سوف ينحازون في حقد إلى صف الهرطيق إلى حد أنهم سوف ينبذون كاتبي ويدينونه على الرغم من أنه بريء مثل هابيل"(36).
وأخذت الهرطقة تشتد مرة أخرى. وفي عام 1506 اتهم خمسة وأربعون رجلاً بالهرطقة أمام أسقف لنكولن وتراجع ثلاثة وأربعون عما قالوا، وأحرق أثنان. وفي عام 1510 حاكم أسقف لندن أربعين هرطقياً وأحرق أثنين، وفي عام 1521 حاكم خمسة وأربعين وأحرق خمسة، وتورد السجلات قائمة تضم 342 محاكمة مثل هذه في خلال خمسة عشر عاماً(37).
ومما كان يعد بين الهرطقات الجدل حول القربان المقدس وهل يظل يقدم من الخبز فحسب، وأن القساوسة لا حول لهم ولا قوة أكثر من الآحاد الآخرين من الناس في التكريس أو الحل، وأن القرابين المقدسة ليست ضرورية للحصول على الخلاص، وأن رحلات الحج إلى المزارات المقدسة والصلاة من أجل الموتى لا قيمة لها، وأن الصلوات يجب أن توجه لله وحده، وأن في وسع الإنسان أن يظفر بالنجاة بالإيمان وحده، بغض النظر عما يقدم من صالح الأعمال، وأن المسيحي المخلص فوق كل القوانين ما عدا شريعة المسيح، وأن الكتاب المقدس والكنيسة يجب أن يكونا القاعدة الوحيدة التي يحتكم إليها في العقيدة، وأن كل الرجال يجب أن يتزوجوا، وأن الرهبان والراهبات يجب أن يجحدوا اقسامهم بالتزام العفة.
وكانت بعض هذه لهرطقات أصداء لمذهب لولارد، وكانت بعضها انعكاسات لنفخات من بوق لوثر.
وفي أواخر عام 1251 كان الثائرون الشبان في أكسفورد يتلقفون في لهفة أنباء الثورة الدينية في ألمانيا، وآوت كامبردج في أعوام 1521-25 أثنى عشر من زعماء هراطقة المستقبل، وليام تيندال وكيلز كوفردال وهيولاتيمر وتوماس بلني وأدوارد فوكس ونسكولاس ردلي وتوماس


كرانمر... لقد هاجر كثير منهم: وهم يتوقعون الاضطهاد، إلى القارة، وطبعوا كراسات دينية مناهضة للكاثوليكية وبعثوا بها سراً إلى إنجلترا.
وأصدر هنري الثامن عام 1521 كتابه المشهور "قضية المقدسات السبعة ضد مارتن لوثر"، ولعله أصدره كرادع لهذه الحركة أو ربما لإظهار سعة علمه في اللاهوت، واعتقد الكثيرون أن ولزى هو المؤلف الخفي، ولعل ولزى هو الذي اقترح تأليف الكتاب، وصاحب ما ورد فيه من أفكار رئيسية كجزء من دبلوماسيته في روما، بيد أن أرازموس ادعى أن الملك قد فكر في الرسالة من أولها لآخرها وألفها، ويميل الحكم الآن إلى هذا الرأي. وهذا الكتاب له سمات المبتدئ، وهو لا يكاد يحاول تقديم رد عقلي يدحض به الآراء الأخرى، ولكنه يعتمد على فقرات منقولة من الكتاب المقدس والروايات الكنسية والتعسف الشديد، وكتب الثائر المنتظر ضد البابوية يقول: "إي ثعبان سام يصل إلى درجة مَن يصف سلطة البابا بأنها مستبدة؟... وأي جارحة من جوارح الشيطان تحاول أن تمزق أعضاء المسيح وتفصلها عن رأسها". ما من عقوبة يمكن أن تكون جسيمة عندما توقع على مَن يعصى القس الأكبر والقاضي الأعلى على الأرض لأن الكنيسة بأسرها ليست رعية للمسيح فحسب... بل لكاهن المسيح الوحيد، بابا روما(38). وكان هنري يغبط ملك فرنسا على ألقاب التشريف التي تسبغها الكنيسة عليه مثل: "أكثر المسيحيين مسيحية" وفردينان وايزابلا على لقب العاهلين الكاثوليكيين. وعندما قدم وكيله وقتذاك الكتاب إلى ليو العاشر طلب منه أن يمنح هنري وحلفاءه لقب - حامي العقيدة - ووافق ليو ووضع مَن استهل الإصلاح الديني في إنجلترا الكلمات على سكنه.
وتمهل لوثر في الإجابة. ورد عام 1525 رداً فريداً على ذلك "الحمار الأحمق"، و "ذلك المجنون الهائج... ملك الأكاذيب، الملك


هيتز، ملك إنجلترا يغضب الله... ولما كانت تلك الدودة اللعينة العفنة قد افترت كذباً بشر مبيت على مليكي في السماء فإنه يحق لي أن ألطخ هذا الملك الإنجليزي بقذره"(39) و "لم يتعود هنري على هذا الرشاش فاشتكى إلى أمير سكسونيا المختار الذي قال له بتأدب جم ألا يتطفل على الأسود، ولم يصفح الملك قط عن لوثر على الرغم من اعتذاره فيما بعد، ونبذ البروتستانت الألمان حتى عندما تمرد تماماً على البابوية.
وكان أعظم رد مفحم للوثر هو نفوذه في إنجلترا ففي ذلك العام نفسه 1525 نسمع عن "جمعية الاخوان المسيحيين"، في لندن التي انطلق وكلاؤها المأجورون يوزعون كراسات دينية لوثرية وهرطقية أخرى وأناجيل بالإنجليزية كلها أو بعضها.
وفي عام 1408 انزعج كبير الأساقفة أروندل بسبب توزيع نسخة الكتاب المقدس التي ترجمها ويكلف، فمنع القيام بأي ترجمة له باللغة الوطنية دون الحصول على موافقة من الأسقف، على أساس أن أي نسخة تترجم بدون ترخيص قد يحدث فيها تحريف للفقرات الصعبة، أو تلون التعبير لتأييد هرطقة. ولم يشجع كثير من رجال الدين قراءة الكتاب المقدس بأي صيغة، واحتجوا بأن الترجمة الصحيحة تستلزم معرفة خاصة، وأن المنتخبات من الكتاب المقدس كانت تستخدم لإثارة الفتنة(40). ولم تبدِ الكنيسة أي اعتراض رسمي على الترجمات السابقة لويكلف بيد أن هذا الإذن المفهوم ضمناً لم تكن له أهمية لأن كل النسخ الإنجليزية قبل عام 1526 كانت مخطوطة.
ومن ثم تأتي الأهمية الزمنية للعهد الجديد الإنجليزي الذي نشره تندال عام 1525-26. وكان قد فكر مبكراً في أيام دراسته في ترجمة الكتاب المقدس، لا من النسخة اللاتينية له كما فعل ويكلف، بل من الأصلين



العبري واليوناني. وعندما لامه كاثوليكي غيور وقال له: "خير لك أن تعيش بلا شريعة الرب، أي الكتاب المقدس من أن تعيش بشريعة البابا"، رد تندال بقوله: "إذا مد الله في عمري فلن تمضي بضع سنين حتى أجعل الصبي الذي يدفع المحراث يعرف من الكتاب المقدس أكثر مما تعرف أنت(42)". ومنحه أحد معاوني بلدية لندن الفراش والمأوى لمدة ستة شهور عكف الشاب أثناءها على العمل. وذهب تندال عام 1524 إلى فنتبرج واستمر في العمل تحت إرشاد لوثر. وبدأ في كولونيا يطبع نسخة العهد الجديد المترجمة من النص اليوناني كما حققه أرازموس. وأثار وكيل إنكليزي السلطات عليه، ففر تندال من كولونيا الكاثوليكية إلى ورمز البروتستانتية، وهناك طبع 6.000 نسخة، أضاف لكل منها مجلداً منفصلاً ضمنه تعليقات ومقدمات عدوانية، اعتمد فيها على مقدمات أرازموس ولوثر. وهربت كل هذه النسخ إلى إنجلترا وكانت بمثابة الوقود، الذي أشعل نار البروتستانتية الأولى، وزعم كوثبرت تونستال، أسقف لندن أن هناك أخطاءً شنيعة في الترجمة، وتحاملاً مغرضاً في التعليقات، وهرطقات في المقدمات، وحاول أن يمنع تداول الطبعة بشراء كل النسخ المكتشفة وأحراقها علناً في ميدان سانت بول كروس، بيد أن نسخاً جديدة ظلت ترد من القارة، وعلق مور على ذلك بقوله إن تونستال كان يمول مطبعة تندال. وكتب مور نفسه حواراً مستفيضاً (1528)، انتقد فيه النسخة الجديدة فرد عليه تندال، ورد مور على الرد في "تفنيد" يتألف من 578 صفحة من القطع الكبير. ورأى الملك أن يخمد الفتنة بمنع قراءة الكتاب المقدس بالإنجليزية وتداوله، إلى أن تصدر ترجمة معتمدة من ذوي الشأن (1530)، وفي غضون ذلك حرمت الحكومة كل طبع أو بيع أو استيراد أو حيازة للمؤلفات الهرطقية.


وبعث ولزى بأوامره بالقبض على تندال، إلا أن فيليب، حاكم لاندجراف هس أسبغ حمايته على المؤلف، وتابع في ماربورج ترجمته للأسفار الخمسة (1530). وترجم الجانب الأكبر من العهد القديم إلى الإنجليزية في أناة، بجهده الخاص أو تحت إشرافه. غير أنه سقط في أيدي الموظفين الإمبراطوريين في لحظة لم يتخذ فيها احتياطاته وسجن لمدة ستة عشر شهراً في فلفورد (قرب بروكسل)، وأعدم في المحرقة (1536) على الرغم من تشفع توماس كرومويل وزير هنري الثامن. وتحدثنا الرواية أن آخر كلماته كانت: "رباه، افتح عيني ملك انجلترا(43)" وقد عاش ما يكفي لإتمام رسالته، فالصبي الحارث يستطيع الآن أن يسمع المبشرين الإنجيليين الآن وهم يروون له بإنجليزية ثابتة واضحة قوية قصة المسيح الملهمة. وعندما ظهرت النسخة التاريخية المعتمدة (1611) كان 90 في المائة من أعظم ما كتب في الأدب الكلاسي الإنجليزي وأشدها تأثيراً كانت لتندال بلا تغيير(44).
وكان موقف ولزى تجاه هذا الإصلاح الديني الإنجليزي الوليد يتسم باللين، كما يمكن أن يتوقع من رجل على رأس الكنيسة والحكومة على السواء. فاستأجر شرطة سرية لكشف الهرطقة، وفحص الأدب المشكوك فيه والقبض على الهراطقة. غير أنه سعى إلى إغراء هؤلاء بأن يسكتوهم لا أن يعاقبوهم، ولم يصدر أوامره قط بإرسال هرطيق إلى المحرقة. وفي عام 1528 سجن ثلاثة من طلبة جامعة أكسفورد بتهمة الهرطقة، وترك أسقف لندن واحداً منهم يموت في الحبس وأنكر آخر ما قاله وأطلق سراحه، أما الثالث فأخذه ولزى ووضعه تحت رعايته وسمح له بالفرار(45). وعندما ندد هيو لاتيمر، أفصح المصلحين المدينيين الأوائل في القرن السادس عشر بإنجلترا، بفساد رجال الدين وطلب أسقف أيلي من ولزى منعه، منح ولزى لاتيمر ترخيصاً بالوعظ في أي كنيسة بالبلاد.


ورسم الكاردينال خطة ذكية لإصلاح الكنيسة. وفي رواية لأسقف برنت أنه كان يحتقر رجال الدين وبخاصة... الرهبان الذين لا يؤدون خدمة للكنيسة أو الدولة، ولكنهم بسبب حياتهم الفاضحة وصمة عار في جبين الكنيسة وحملاً على الدولة. ومن ثم قرر أن يوقف عدداً منهم ويحولهم إلى مؤسسة أخرى(46). ولم يكن إغلاق دير لا يؤدي وظيفته على ما يرام بالأمر الذي لم يسمع به من قبل، فقد حدث في كثير من الحالات قبل ولزى بأمر صدر من الكنيسة. وبدأ (1519) بإصدار تشريعات لإصلاح القوانين الكنسية نموذجية للغاية. وفوض كاتم سره توماس كرومويل في زيارة الأديار بنفسه أو بواسطة وكلاء له وأن يقدم له تقارير عن الأحوال الموجودة، وأتاحت هذه الجولات التفتيشية مهارة متمرسة لكرومويل في تنفيذ أوامر هنري فيما بعد بتقصي الحياة في الأديار بإنجلترا بشدة. وارتفعت الأصوات بالشكوى من قسوة هؤلاء الوكلاء ومن تلقيهم "الهدايا" أو أخذها كرها، وعن مشاطرتهما كرومويل والكاردينال(47) في هذه الهدايا. وحصل ولزى عام 1524 على إذن من البابا كليمنت السابع بإغلاق الأديار التي تضم أقل من سبعة نزلاء وإنفاق دخول هذه الممتلكات على إنشاء كليات. وشعر بالسعادة عندما مكنته هذه الأموال من فتح كلية في موطنه ابسويتش وأخرى في أكسفورد وراوده الأمل في أن يستمر على هذا المنوال فيغلق المزيد من الأديار عاماً بعد عام ويستبدل بها كليات(48). إلا أن نياته الطيبة ضاعت في غمرات السياسة، وكانت أعظم نتيجة لإصلاحاته المتعلقة بالأديار هي أنه زود هنري بسابقة جديرة بالإجلال لخطة أبعد مدى، وتدر ربحاً أكثر.

وفي غضون ذلك كانت سياسة الكاردينال الخارجية قد أدت إلى نتيجة تدعو إلى الأسى. ولعله سمح لإنجلترا بالانضمام إلى شارل في حربه مع فرنسا (1522) لأنه كان يسعى إلى الحصول على تأييد الإمبراطور لترشيحه للبابوية (1521). ومنيت الحملات الإنجليزية بالفشل وتكلفت أموالاً طائلة، وأزهقت فيها أرواح كثيرة.
ودعا ولزى (1523) أول مجلس نيابي في سبع سنوات، لتمويل الجهود الجديدة وصدمه بطلب إعانة مالية لم يسبق لها مثيل قدرها 800.005 جنيه - أي خمس ما يملكه كل علماني. واحتج أعضاء مجلس العموم ثم صوتوا على سبع فقط، واحتج رجال الدين بيد أنهم سلموا دخل نصف عام من كل الصدقات. وعندما وصلت الأنباء بأن جيش شارل قد تغلب على الفرنسيين في بافيا (1525) وأخذ فرانسيس أسيراً. رأى هنري وولزى أن من الحكمة أن يسهما في تقطيع أوصال فرنسا الذي يوشك أن يحدث. ووضعت خطة للقيام بغزو جديد واقتضى الأمر تدبير المزيد من الأموال وخاطر ولزى بآخر ما تبقى له من شعبية، بأن طلب من كل الإنجليز الذين يتجاوز دخلهم 50 جنيهاً (500 دولار) أن يسهموا بسدس أموالهم في "هبة ودية"، لمتابعة الحرب والوصول بها إلى غاية مجيدة، "ودعونا نتبرع ودياً حتى نمنع شارل من ابتلاع فرنسا بأسرها".
وقوبل الطلب بمقاومة انتشرت على نطاق واسع اضطر ولزى إلى أن يتحول إلى وضع برنامج للسلام. ووقعت معاهدة للدفاع المتبادل مع فرنسا كمحاولة أخرى لاستعادة توازن القوى... ولكن جنود الإمبراطور استولوا عام 1527 على روما وأسروا البابا وبدا أن شارل


قد أصبح وقت ذاك سيد القارة الذي لا يقهر، وقضى على سياسة ولزى القائمة على الصد والتوازن. وانضمت إنجلترا إلى فرنسا عام 1528، في الحرب ضد شارل.
وكان شارل ابن أخي كاثرين الأراجونية التي كان هنري شديد الرغبة في الطلاق منها، وكان كليمنت السابع، الذي يستطيع أن يمنحه لأسباب تتعلق بمصلحة الدولة، أسيراً لشارل بشخصه وسياسته.


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق