إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1248 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هنري الثامن والكاردي -> ملك واعد الفصل الثالث والعشرون هنري الثامن والكاردينال ولزي 1509 - 1529 1- ملك واعد 1509 - 1511





1248


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> هنري الثامن والكاردي -> ملك واعد

الفصل الثالث والعشرون


هنري الثامن والكاردينال ولزي


1509 - 1529


1- ملك واعد


1509 - 1511


لم يكن أحد ممن رأوا الفتى الذي ارتقى عرش إنجلترا عام 1509 يتنبأ بأنه هو البطل والغد معاً في أكر حكم درامي في التاريخ الإنجليزي. وعندما كان غلاماً في الثامنة عشرة من عمره كانت بشرته الرقيقة وتقاطيعه المنتظمة تجعله جذاباً كالفتاة أو يكاد، بيد أن ما يتمتع به من قوام رياضي وجرأة سرعان ما قضى على أي مظهر للأنوثة فيه. وتبارى السفراء الأجانب مع المادحين والطنيين في الثناء على شعره الأصحم، ولحيته الذهبية و "ربلة ساقه الفائقة الجمال" وفي تقرير كتبه جيوستنياني إلى مجلس شيوخ البندقية قال: "إنه مغرم بالتنس، وإن أجمل شيء في الوجود أن تراه وهو يلعب، وبشرته الجميلة تتألق من خلال قميص نسيجه جد رقيق(1)"، وكان في الرمي بالسهام والمصارعة يضارع أحسن الأبطال في مملكته ولم يكن يبدو عليه في الصيد قط أي تعب، وكان يخصص يومين كل أسبوع للمبارزات، ولم يكن في وسع أحد أن ينافسه إلا الدوق سفولك. وكان موسيقياً مثقفاً أيضاً، و "غنى وعزف على كل ضروب الآلات وأظهر موهبة نادرة"، (كما كتب القاصد الرسولي للبابا) ولحن قداسين لا يزالان باقيين، وكان يعشق الرقص وحفلات المساخر ومظاهر الأبهة

والثياب الجميلة. ويروقه أن يكسو نفسه ثياباً من فرو الفاقوم أو أردية أرجوانية، وكان القانون ينص على أن له وحده الحق في ارتداء الديباج الأرجواني أو الذهبي، وكان يأكل بتلذذ، ويصل أحياناً مآدب الغذاء الرسمية إلى بع ساعات، ولكنه في السنوات العشرين الأولى من حكمه كبح جماح شهيته. وكان كل الناس يحبونه ويعجبون بسماحة أخلاقه اللطيفة وسهولة الوصول إلى قلبه ومرحه وتسامحه وحلمه. ورحب الناس بارتقائه العرش وكأنه إيذان بفجر عصر ذهبي.
واغتبطت الطبقات المتعلمة أيضاً لأن هنري في أيام السكون تلك كان يطمح أن يكون عالماً بطلاً رياضياً على السواء وموسيقياً وملكاً، ولما كان قد أعد في الأصل ليكون من رجال الدين فقد أصبح على دراية بعض الشيء باللاهوت، وكان في وسعه أن يستشهد بآيات من الكتاب المقدس لأي غرض. وكان له ذوق جميل في الفن، واقتنى مجموعة تدل على درايته، وكان حكيماً في اختياره هولبين لتخليد كرشه. وقام بدور فعال في أعمال الهندسة وبناء السفن والتحصينات والمدفعية. وقال عنه سير توماس مور: "إنه أعلم من أي ملك انجليزي قبله(2)" - وليس هذا بالثناء العظيم. وتابع مور كلامه قائلاً: "ما الذي لا نتوقعه من ملك غذي بلبان الفلسفة وربات الفنون التسع(3)؟" وكتب مونتجومري مبهوتاً إلى أرازموس، وكان حينذاك في روما، يقول: "ما الذي لا تعلل به نفسك من أمير تعلم جيداً ما فطر عليه من موهبة خارقة وخلق يكاد يكون إلهياً؟ ولكن عندما تعرف أي بطل يقيم الآن الدليل عليه، وكيف يتصرف بحكمة، وأي محب للعدالة والخير، وأي مودة يحملها للمتعلمين، فإني أتجاسر وأقسم لك بأنك لن تكون في حاجة إلى جناحين تطير بهما لتشهد هذا النجم الجديد السعيد.

أواه يا أرازموس العزيز. لو أنك استطعت أن ترى كيف أن العالم بأسره هنا مبتهج لأن عنده أميراً عظيماً كهذا، وكيف أن حياته هي كل ما يبتغون فلن تتمالك نفسك من أن تذرف دموع الفرح. إن السموات لتضحك والأرض لتبتهج(4)".
وجاء أرازموس وشارك في هذا الهذيان لحظة. وكتب يقول: "فيما مضى كان قلب المعرفة بين مَن يزعمون أنهم من رجال الدين، والآن بينما ينصرف هؤلاء في الأغلب الأعم إلى شهوات البطون والترف والمال فإن حب العلم ذهب منهم إلى الأمراء العلمانيين والحاشية والنبلاء وإن الملك لا يقبل في بلاطه رجالاً مثل مور فحسب، بل إنه يدعوهم ويجبرهم - على أن يرقبوا كل ما يفعل وأن يشاطروه تبعاته وملذاته. وهو يفضل صحبة رجال مثل مور على صحبة الأغبياء من الفتيان أو الفتيات أو الأغنياء(5)". وكان مور أحد أعضاء مجلس الملك وليناكر طبيب الملك وكوليه واعظ الملك في كنيسة القدّيس بولس.
وفي السنة التي ارتقى فيها هنري العرش، أنفق كوليه الجانب من الثروة التي ورثها عن أبيه لتأسيس مدرسة القدّيس بولس. واختير نحو 150 طبيباً لكي يدرسوا هناك الأدب الكلاسي واللاهوت المسيحي وعلم الأخلاق، وخالف كوليه التقاليد بتعيين مدرسين علمانيين في المدرسة، وكانت أول مدرسة غير أكليروسية في أوربا. وعارض "الطرواديون" الذين كانوا ينددون في أكسفورد بتدريس الكلاسيات، برنامج كوليه بحجة أنه يؤدي إلى الشك الديني، بيد أن الملك حكم ضدهم ومنح كوليه تشجيعه الكامل. وعلى الرغم من أن كوليه نفسه كان محافظاً في عقيدته ومثالاً للتقوى،

فإن أعداءه اتهموه بالهرطقة، فأخرسهم وارهام كبير الأساقفة وأذعن هنري. وعندما رأى كوليه أن هنري يميل إلى الحرب مع فرنسا ندد علناً بسياسته وأعلن، كما فعل أرازموس، أن سلاماً ظالماً خير من أعدل الحروب. وندد كوليه بالحرب، حتى وهو مجتمع بالملك في الصلاة، باعتبارها صفعة في وجه تعاليم المسيح، ورجاه هنري على انفراد ألا يضعف معنويات الجيش، ولكن عندما حرض الملك على أن يخلع كوليه أجاب قائلاً: "ليكن لكل إنسان قسيسه الخاص... إن هذا الرجل هو قسيسي(6)". واستمر كوليه يفسر تعاليم المسيحية تفسيراً جاداً. وكتب إلى أرازموس (1517) يقول بروح توما أكمبي: آه يا أرازموس لا حد هناك لكتب المعرفة، وليس هناك أفضل من أن نعيش حياة طاهرة مقدسة في هذا الأجل القصير الذي كتب علينا وأن نبذل جهدنا في حياتنا اليومية، وأن نتطهر ونتثقف... بالحب المتأجج والاقتداء بيسوع. ولهذا فإن أعظم رغباتي إلحاحاً هي أن نسير قدماً، معرضين عن كل السبل غير المباشرة مؤثرين بطريقة قصيرة توصل إلى الحقيقة. وداعاً(7).
وفي عام 1518 أعد قبره البسيط ولم ينقش عليه إلا اسم جوهانس كوليتس ودفن فيه، بعد عام، وأحس كثيرون أن قديساً قد مات.


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق