113
فتوح الشام ( للواقدي )
قال الواقدي: وكان بحمص قسيس كبير السن عظيم القدر عند الروم قد حنكته التجارب وعرف أبواب الحيل والخداع وكان عالمًا من علماء الروم وقد قرأ التوراة والإنجيل والزبور والمزامير وصحف شيث وإبراهيم وأدرك حواري عيسى ابن مريم عليه السلام فلما أشرف ذلك القسيس ونظر إلى العرب وقد ملك الروم سوادهم جعل يصيح ويقول وهو ينادي: وحق المسيح إن هذه خديعة ومكر ومكيدة من مكايد العرب وإن العرب لا تسلم أولادها وإبلها ولو قتلوا عن آخرهم.
قال وجعل القسيس يصيح وأهل حمص قد وقعوا في النهب وليس يغنيهم سوى الزاد والطعام والبطريق هربيس قد ألح في طلب المسلمين في خمسة آلاف فارس فلما أبعدوا عن المدينة صاح الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه برفيع صوته: اعطفوا على الروم كالسباع الضارية والعقبان الكاسرة فردوا عليهم كردوسًا واحدًا حتى أحاطوا بالبطريق وأصحابه من كل جانب وداروا بهم مثل الحلقة المستديرة وأحدقوا بهم كإحداق البياض بسواد العين وبقيت الروم في أوساطهم كالشامة السوداء في الثور الأبيض فعند ذلك نصبت العلوج نشابها على العرب والمسلمون يكرون عليهم مثل الأسود الضارية ويحومون عليهم كما تحوم النسور ويضربونهم بالسيوف ويصرعونهم يمينًا وشمالًا حتى انكسر أكثرهم.
قال عطية بن فهر الزبيدي: فلما نظرت الروم إلى فعلنا بهم تكالبت علينا فلما حميت الحرب ابتدر خالد بن الوليد رضي الله عنه من وسط العسكر وهو على جواد أشقر وعليه جوشن مذهب كان لصاحب بعلبك أهداه له يوم فتح بعلبك وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه قد عمم نفسه بعمامة حمراء وكانت تلك العمامة عمامته في الحرب وجعل يهدر كالأسد الحردان وقد انتضى سيفه من غمده وهزه حتى طار منه الشرر ونادى برفيع صوته: رحم الله رجلًا جرد سيفه وقوى عزمه وقاتل أعداءه فعندها انتضب المسلمون سيوفهم وصدموا الروم صدمة عظيمة ونادى الأمير أبو عبيدة: يا بني العرب قاتلوا عن حريمكم ودينكم وأموالكم فإن الله مطلع عليكم وناصركم على عدوكم.
قال: وكان معاذ بن جبل قد انفرد في خمسمائة فارس إلى السواد والأموال وانقض على الروم فما شعرت الروم والعلوج ممن انغمس في الغارة وحمل الزاد والرحال والأمتعة إلا والطعن قد أخذهم بأسنة الرماح من كل جانب كأنها ألسنة النار المضرمة ونادى مناد: يا فتيان العرب اطلبوا الباب لئلا ينجو أحد من الروم برجالنا وأولادنا فجعل المسلمون يطلبون الأبواب وكانت علوج الروم قد غرقت كي رحال المسلمين فلما نظروا إلى معاذ وقد حمل عليهم في رجاله عادت وقد رمت الرحال وطلبت الهرب فانفلت منهم من انفلت وقتل من قتل.
قال صهيب بن سيف الفزاري: فوالله ما انفلت من الخمسة آلاف الذين كانوا مع هربيس صاحب حمص إلا ما ينوف عن مائة فارس.
قال واتبعنا القوم إلى الأبواب فكان اعظم المصيبة قتلنا إياهم على الأبواب لأن أكثر الرجال من العواصم وغيرهم كانوا في المدينة.
قال سعيد بن زيد: شهدت يوم حمص وكنت ممن أولع بعدد القتلى فعمدت خمسة آلاف وستة غير أسير وجريح فدنوت من الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وقلت: البشارة أيها الأمير فإني عددت خمسة آلاف وستة غير أسير وجريح.
فقال الأمير أبو عبيدة: بشرت بخير يا سعيد يا ابن زيد فهل ترى قتل بطريقهم هربيس.
فقال سعيد بن زيد: أيها الأمير إذا كان قتل بطريقهم هربيس فما قتله.
غيري.
فقال الأمير أبو عبيدة: وكيف علمت أنه قتيلك يا سعيد.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق