إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 يوليو 2014

33 أوراق ذابلة من حضارتنا دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية القسم الرابع ‏:‏ سقوطنا في العصر الحديث 1- سقوط آخر خلافة إسلامية


33

أوراق ذابلة من حضارتنا

دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية

القسم الرابع ‏:‏ سقوطنا في العصر الحديث

 1- سقوط آخر خلافة إسلامية

عندما تتشقق الحضارة تتحول إلى ذرات متناثرة متنافرة ، شأنها شأن الجدار المتداعي الذي أصابه التآكل فتحولت لبناته إلى لبنات منفصلة تسقط عقب بعضها لبنة لبنة ‏.‏

ويأخذ الانهيار في العملية الحضارية شكلا غريبا ‏.‏ وبدلا من الانسجام الذي كان سمة الحضارة الناهضة تتنافر أجزاء الحضارة الساقطة أو السائرة في طريق السقوط ، ويكاد ينطبق على عملية السقوط التاريخي قول الله ‏(‏ كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ‏)‏ ‏.‏

وعجيب كل العجب أمر هذا العصر، وليس العجب في هذا العصر كثرة ما بليت به الأمة الإسلامية من هزائم أو انتكاسات ‏.‏ وليس العجب كذلك أن الأمة أصبحت تطلب دواءها من عدوها ، وترفض ‏"‏ الصيدلية والطبيب ‏"‏ الحقيقيين ، كذلك ليس العجب في إصرار عناصر من هذه الأمة ـ بيدهم الأمر ـ على أن يتجنبوا الصواب ـ ويلهثوا وراء طريق الفناء والدمار ‏.‏

نعم ‏:‏ ليس أمر كل هذا بعجيب ‏.‏‏.‏ فعملية السقوط التاريخي تشهد مثل هذه الانقلابات في المعايير ‏.‏

تشهد انقلاب الحق ـ في العقول ـ إلى باطل ، وانقلاب المعروف ـ في السلوك ـ إلى منكر ، وانقلاب السفلة إلى قادة ، وارتفاع السخافة وانخفاض العلم والنور ‏.‏‏.‏ نعم ‏:‏ ليس كل هذا بعجيب في العملية التاريخية ‏.‏

وإنما العجيب أن تتنكر أمة لليد الكريمة التي أنقذتها ، وأن تبحث جادة عن نفسها، عن طريق لعن الذين أنقذوها لمدة خمس قرون ، كأنها كانت تريد الغرق من قديم ‏.‏‏.‏ وبدلا من البحث عن حلول عملية ، وشكر الذين وقفوا معها في دورانها التاريخي والذين تربطهم بها صلات عقيدة وتاريخ وحضارة ‏.‏

بدلا من هذا تحرف تاريخا لتلعنهم ، وتزيف الحقائق لتحيل إليهم وحدهم أسباب تخلفها ‏.‏‏.‏ مع أنها لم تستطع بعدهم أن تتقدم شيئا ‏.‏ بل وقعت في أحابيل أشرار البشر ‏.‏

كان هذا بالتحديد هو موقف بعض العرب من الدولة العثمانية ، التي حمت الحضارة الإسلامية والعرب خمسة قرون من الزمان ‏!‏‏!‏

يرجع نسب الأتراك العثمانيين إلى قبائل الغزو التركية في بلاد تركستان ، وعندما اجتاح المغول تركستان لجأت هذه القبيلة التركية إلى جنوب القوقاز حيث توفي زعيمها ‏"‏ سليمان ‏"‏ وتسلم القيادة بعده ابنه ‏(‏ أرطغول ‏)‏ الذي أنجب عثمان بن ‏(‏ أرطغول ‏)‏ الذي تنتسب الدولة إليه ‏.‏

وعلى يد عثمان هذا تحولت الجماعات العثمانية من أسلوبها القبلي إلى أسلوب ‏"‏ الدولة ‏"‏ على حساب أملاك الدولة البيزنطية ، وخلف عثمان ابنه ‏"‏ أورخان ‏"‏ سنة 726 هـ واستمر ملوكها يتتابعون ‏"‏ مراد الأول ‏"‏ بايزيد ابنه ، محمد بن بايزيد ، مراد الثاني بن بايزيد ، محمد الثاني ‏"‏ ‏(‏ ومحمد الثاني هذا هو المعروف في التاريخ بمحمد الفاتح الذي ولي الأمور سنة 854 هـ ‏(‏ 1451م ‏)‏ والذي نجح في الاستيلاء على القسطنطينية وقتل الإمبراطور البيزنطي ‏"‏ قسطنطين الحادي عشر ‏"‏ سنة 1453 م فقضى بذلك على الإمبراطورية البيزنطية ‏)‏ ‏.‏

في ذلك الوقت كان المماليك في البلاد العربية في حالة اجترار ماضيهم ولم يعد لديهم ما يمكن أن يعطوه للوجود الإسلامي ، وكان رأس الرجاء الصالح قد اكتشف ، وبدأت مصر تفقد جزءا كبيرا من أهميتها ، كما أن قانصوه الغوري لم يستطع إيقاف البرتغاليين الذين بدأوا يسيطرون على البحر الأبيض المتوسط عند حدود احترام الأمة الإسلامية ‏.‏

وفي عهد سليم الأول سنة 1516م ـ 922 هـ ‏"‏ وزحف على مصر وقتل قانصوه الغوري ‏(‏ تحت سنابك الخيول ‏)‏ وشنق طومان باي ـ على باب زويلة ـ بعد أن هزمه سليم في موقعة الريدانية ‏.‏‏.‏ واستولى على مصر والشام ‏.‏

ولم يتوان سلطان الحجاز ، فأرسل مفاتيح الكعبة للسلطان سليم ، وحكم الحجاز باسم العثمانيين ‏.‏‏.‏ وفي عهد خليفة سليم الأول ‏(‏ سليمان القانوني ‏)‏ دخلت معظم البلاد العربية ‏(‏ اليمن ـ الجزائر ـ تونس ، مراكش ـ العراق ـ ليبيا ‏)‏ في حوزة العثمانيين ‏.‏

ولم تمض أكثر من عشرين سنة على اتجاه العثمانيين نحو البلاد العربية حتى كان المشرق العربي كله خاضعا لهم ، نعم ‏:‏ المشرق العربي الذي كان آيلا للسقوط ومفكك الوصال في مطلع العصر الحديث وبداية النهضة الأوروبية ، والذي لولا ظهور العثمانيين الذين كانوا يخيفون أوروبا ويتقدمون في أراضيها ، لولا ظهورهم هذا لتحول المشرق العربي إلى أرض بكر لمغامرات الغرب الأوروبي الخارج من أوحال العصور الوسطى كما فعل بعد ذلك بأربعة قرون بعد أن أسقط الخلافة العثمانية ‏.‏‏.‏ أو بعد أن انتهى مما كان يسميه تهويلا لأمره وخوفا منه ‏:‏ ‏"‏ المسألة الشرقية ‏"‏ ‏.‏

خمسة قرون في حماية المسلمين ‏:‏

لمدة خمسة قرون ظلت الخلافة العثماني تؤدي الدور الأول والوحيد في حماية المسلمين والعرب ‏.‏

والغريب أن هذه القرون الممتدة من القرن الخامس عشر حتى مشارف القرن العشرين لم تحظ من المؤرخين باهتمام كاف ، بل إنها ووجهت بتفسيرات غريبة عنصرية أو جدلية مادية أو شعوبية متطرفة ‏.‏ ولم يحدثنا هؤلاء المتطرفون عن حالة العرب مثلا لو لم تكن هناك دولة عثمانية ‏.‏ أو لم يكن من المحتم أن تقع الدولة الإسلامية ـ والعربية ـ تحت براثن الغزو الصليبي قبل وقوعها المعروف بهذه القرون ‏؟‏ ‏!‏‏!‏

لقد كان الأوروبيون قد سيطروا على البحر الأبيض المتوسط ، وقد نجحوا في إخفاء صوت الشرق ، وبدأ النهضة تنطلق من أوروبا ‏.‏‏.‏ من مصانعها ، ومن تطور وسائل التقنية بها ، وتقدم الفكر الاجتماعي والسياسي ‏.‏

ولم يكن بقدرة العروبة النائمة، والتي لم تستطع إلى الآن أن تستيقظ اليقظة المرجوة ـ أن تقف في وجه هذا الزحف ‏.‏ وعلى الرغم من تخلف العثمانيين في بعض النواحي ـ كما هو معلوم ـ فقد كانت قوتهم العسكرية تدوي في أوروبا ، وكانت هذه القوة بالنسبة للأوربيين هي القوة التي لا تغلب ولا تهزم ، حتى إن أوروبا لم تجتمع على مسألة إلا على اجتماعها على المسألة الشرقية أو مسألة التهام الرجل المريض ‏(‏ الخلافة العثمانية ‏)‏ ‏.‏ وبالطبع فإن العثمانيين لم يستطيعوا ـ شأنهم شأن العالم الذي كان قد بدأ يدخل في طور عملية انقلاب داخلية جديدة ـ تمهيدا لميلاد جديد ـ لم يستطع العثمانيون ـ بدورهم ـ أن يواجهوا هذه الثورة العلمية الزاحفة ‏.‏

وكما هي عادة المتخلف حضاريا ، والمتقدم عنصريا وعشائريا ‏.‏‏.‏ ذهب العرب ‏.‏‏.‏ وذهب غيرهم ‏.‏ إلى رمي الخلافة العثمانية ـ حاميتهم ـ بأنها المسئولة عن تخلفهم الذريع ‏.‏ وعندما ماتت هذه الخلافة موتها الحضاري قبل موتها التاريخي سرعان ما سقط هؤلاء في وهدة الغزو الصليبي ولم تنفعهم عنصريتهم القومية ، ومع ذلك لا يزالون يكيلون للخلافة العثمانية الطعنات ‏.‏

لقد كانت الدولة العثمانية قوية بلا شك طيلة القرون التي حكمت فيها وإلي بداية اضمحلالها ، فلما بدأت سنوات الاضمحلال تحولت أسباب قوتها إلى أسباب ضعف ‏.‏ وهذا هو الشأن في قوانين الحضارة ‏.‏‏.‏ إن عوامل القوة تتحول برتابتها وعدم تجديدها لنفسها إلى عالة على حركة التطور ، ولقد أصبحت الإنكشارية ، وأصبحت وسائل الحرب التقليدية عالة على حركة التقدم العثماني ، وانقلبت العسكرية العثمانية التي قدمت ما قدمت للحضارة الإسلامية إلى عبء تنوء به الدولة ‏.‏ وفي ظل قرون القوة التي عاشتها الدولة تمتعت بأنظمة ممتازة من حكومة مركزية ، إلى مجلس وزراء يرأسه الصدر الأعظم، إلى ديوان سلطاني مكون من الوزراء وكبار الموظفين ، على القضاء الذي يرأسه شيخ الإسلام ، على نواب عن الجيش ‏.‏ أما في الولايات فكان يتولى أمر كل ولاية والي ‏(‏ الباشا ‏)‏ الذي يعين من قبل الخليفة ، ويعاونه في أعمال إدارة الولاية ‏(‏ الديوان ‏)‏ ‏.‏ أما القضاء فكان يتولاه قاضي القضاة ‏(‏ قاضي العسكري ‏)‏ ‏.‏ وقد قسمت الولايات إداريا إلى سناجق ، عين على كل منها حاكم سمي بالسنجق، مهمته الإشراف على شئون الأقاليم والحفاظ على الأمن ، وجمع الضرائب ، وفي كل ولاية كان يوجد حاكم عسكري وحامية عسكرية تساعد الباشا على حفظ النظام والأمن ‏.‏‏.‏‏.‏

كانت هذه هي خلاصة تنظيمات الدولة ، وكانت هذه التنظيمات وسائل قوة ، فلما انقلبت دفة الحضارة ، وظهر أن حركة التاريخ لم تكن في صف الدولة العثمانية تحولت هذه التنظيمات من أدوات قوة إلى أدوات ضعف ‏.‏‏.‏ وقد ساعد هذا الضعف على تحقيق أغراضه في  تعجيز الدولة عن حماية الأراضي الخاضعة لها عدة عوامل ‏:‏

أولا ‏:‏ ضعف بعض السلاطين وانغماسهم في الترف ‏.‏
ثانيا ‏:‏ فساد أجهزة الدولة وانتشار الرشوة ‏.‏
ثالثا ‏:‏ تدخل رجال الحاشية في شئون الحكم ‏.‏
رابعا ‏:‏ وثمة عوامل أخرى كثيرة عملت عملها في إفساد الحياة السياسية والعقائدية والفكرية ‏.‏‏.‏ وجرت على الخلافة الويلات ‏.‏
خامسا ‏:‏ ومما لا شك فيه أن ‏"‏ الأعداء ‏"‏ الصليبين ، والأعداء اليهود ـ كجماعات الدونما والماسونية ـ لا شك أن هؤلاء جميعا كانوا عوامل إضعاف للخلافة العثمانية ‏.‏

وكان أكبر عوامل نجاح اليهود والصليبيين في ضرب الخلافة العثمانية الإسلامية ‏.‏‏.‏ هو بعثهم لما يسمى بالنزعات العنصرية ‏.‏ القومية ، الطورانية للترك ، والقومية الكردية ، والبربرية وعشرات القوميات المعروفة الأخرى ‏.‏

وجروا هؤلاء جميعا إلى ترك الخلافة العثمانية في محنتها ، بل جروا إلى ضرب الخلافة والتجمع ضدها تحت قيادات قومية عميلة للجمعيات اليهودية ، وقد نجح بعض أفراد هذه القيادات نجاحا كبيرا في تبوؤ مناصب كبرى ، وبالتالي في ضرب العثمانيين والإسلام في الصميم ‏.‏

 الصراع العنصري كان سببا في انهيار آخر خلافة إسلامية ‏:‏

تعتبر قصة سقوط الدولة العثمانية من القصص الغامضة التي لا زالت تحتاج إلى الدرس العميق والتمحيص الموضوعي ‏.‏‏.‏ ونحاول إجمال أبرز عناصر هذه القصة في هذه السطور ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ في خلال القرن الثامن عشر كانت أوروبا تكتل أحقادها للانقضاض على الخلافة العثمانية واقتسام أملاك ‏"‏ الرجل المريض ‏"‏ تركيا ـ وأطلقت على هذه النزعة اسم ‏"‏ المسألة الشرقية ‏"‏ باعتبار تركيا العقبة ‏"‏ الشرقية ‏"‏ الوحيدة التي تشكل خطرا على الصليبية الدولية ‏.‏ وحماية حقيقية لبلاد الإسلام المتناثرة ‏.‏

ولم يكد ينتهي هذا القرن حتى كانت القوى الصليبية الكبرى في ذلك الوقت ‏"‏ بريطانيا وفرنسا والروسيا ‏"‏ تحاول الوصول إلى صيغة ملائمة للانقضاض واقتسام الغنائم ‏.‏ لا سيما وقد اكتشفوا ضعف الجانب التركي في معركة ‏"‏ سان جوتار ‏"‏ وعلى أبواب ‏"‏ فيينا ‏"‏ عموما ‏.‏‏.‏ عندما ظهر تخلف العسكرية العثمانية ‏.‏

وفي سنة 1798 م كان صبي الثورة الفرنسية التي وقف اليهود وراء مبادئها ‏"‏ نابليون بونابرت ‏"‏ يزحف على مصر ليلقنها بمدافعه وخيوله وتحويله الأزهر الشريف إلى إسطبل لخيوله ، وتدميره القرى والمدن على امتداد الطريق بين القاهرة والإسكندرية ‏.‏‏.‏ يلقنها بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل الهمجية الأوروبية كالخمور والتحلل الخلقي وإغراء الخادمات المصريات ‏.‏‏.‏ يلقن مصر والعالم الإسلامي أو دروس القومية ، والمدنية والمبادئ الثلاثة الماسونية المزيفة التي رفعتها الثورة الفرنسية ‏!‏‏!‏

ولم يكد يمضي على ذلك الحادث أكثر من ست سنوات حتى كانت بريطانيا تحاول غزو العالم العربي مستهلة وجودها فيه بغزو مصر سنة 1807 فيما يسمى بحملة فريزر ‏"‏ ‏.‏‏.‏ وبين هذه السنوات ، وبالتحديد في سنة 1803 نجح عميل فرنسي في أن يصل إلى الحكم ، ويعلن أكبر محاولة للانفصال عن الدولة العثمانية ‏.‏‏.‏ وكان هذا العميل الفرنسي ‏"‏ محمد علي باشا ‏"‏ صدى باهتا رديئا للغزو النابليوني لمصر ‏.‏‏.‏ وكما أهان نابليون بونابرت الأزهر ـ بدل إيقاظه لو كان قائد ثورة ، كذلك أهان محمد علي ـ الأزهر وعلماءه ـ وعلى الرغم من أن محمد علي كان مجرد ‏"‏ عبد ‏"‏ مملوك لا ينتمي إلى الدم العربي ، إلا أنه رفع راية القومية باعتبارها السلاح البراق الذي يمكن به ضرب الوحدة الإسلامية والشعور بالمصير الإسلامي الواحد ‏.‏‏.‏ ثم يتبع ذلك وضع العرب على انفراد ـ كما حدث فعلا ـ ، ولعل بعث ‏"‏ محمد علي ‏"‏ غير العربي للفتنة القومية لضرب الخلافة العثمانية ـ لمصلحة فرنسا ـ أكبر دليل على حقيقة جذور هذه اللعبة التي اخترعها تطور الفكر الأوروبي في عصر النهضة ، لكي يقضي على الشعوب ذات الوحدة الأيديولوجية كي تنفرد أوروبا بالتقدم وحدها ، بينما تضيع الدول والأيديولوجيات الأخرى في زحمة الانشقاقات القومية والجنسية ، وهذا ما حدث ‏!‏‏!‏

وبعد أن كانت دولة الخلافة المسكينة تقف على تخوم القرن التاسع عشر تحاول أن تفيق من سكرة لقائها المفاجئ لمنتجات الحضارة الصناعية ، وتحاول أن تبحث عن حل حضاري مضاد ‏.‏‏.‏ وجدت دولة الخلافة نفسها متخمة بالمشاكل العنصرية التي أثارها عملاء الغرب ‏.‏‏.‏ هؤلاء العملاء الذين أنهكوا قواها ، وحاولوا أن يفرضوا عليها الدواء الأوروبي لعلاج أمراضها دون تبصر بحقيقة أمراضها ‏.‏ وبحقيقة اختلاف بنائها المادي والمعنوي ، ودون وعي بالعلاج الحضاري الناجع‏!‏

وامتدادا للخروج الشاذ الذي أعلنه المملوك الآبق ‏"‏ محمد علي ‏"‏ ظهرت محاولات أخرى للخروج وقام بها ‏"‏ بشير الشهابي ‏"‏ في لبنان ، وحركات في المغرب العربي ، بل وحركات داخل تركيا نفسها ترفع القومية الطورانية ‏.‏

هذا فضلا عن حركات الخروج التي سبقت حركة ‏"‏ محمد علي ‏"‏ تحت تأثير دوافع انفصالية مختلفة ، كحركة علي بك الكبير سنة 1773م في مصر ، وحركة الشيخ ضاهر العمر سنة 1775م في فلسطين ، وفخر الدين المعنى في لبنان قبل سنة 1635م ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا ‏.‏‏.‏ كانت الدولة العثمانية تعاني من الداخل أشد المعاناة ، وتواجه من الخارج بتحديات صليبية غربية ‏.‏‏.‏ ففقدت على الطريق ـ بالتالي ـ أملاكها في أوروبا ‏"‏ هنغاريا ، وبلغراد ، وألبانيا ، واليونان ، ورومانيا وصربية ، وبلغاريا ‏"‏ ‏.‏

وأكبر الظن أن بعض أتباع ‏"‏ لورانس ‏"‏ في ذلك الوقت قد فرحوا لسقوط هذه البلاد من يد الإمبراطورية الإسلامية الكبرى ‏.‏

فهذا هو الهدف الحقيقي الذي ساقهم إليه أسيادهم من الصليبيين والماسون ‏!‏ ‏.‏‏.‏

سقطوا حين ساعدوا على سقوطها ‏:‏

يدرج بعض الكتاب في العالم العربي على وصف الحركات المناهضة للدولة العثمانية ‏(‏ بالحركات الاستقلالية ‏)‏ ‏.‏‏.‏ ‏!‏‏!‏

وهذا التعبير يوازي بين حركات الاستقلال عن الاستعمار الإنجليزي والفرنسي مثلا وبين حركات التمرد على الخلافة العثمانية ‏.‏ وفي تصور أصحاب هذا التعبير أن الدولة العثمانية لا تعدو أن تكون استعمارا ‏.‏ تماما كالاستعمار الإنجليزي ، وبالتالي يعتبر الانفصال عنها استقلالا ، والانشقاق عنها تحررا دون أية تفرقة بينها وبين الاستعمار الأوروبي ‏.‏

وهؤلاء الكتاب الذي يفرضون هذه الروح على دراسة ‏(‏ الخلافة الإسلامية العثمانية ‏)‏ يتعمدون الوقوع في عدة أخطاء ‏!‏

أولها ‏:‏ التجاهل التام لوشيجة ‏(‏ الإسلام ‏)‏ التي تربط العثمانيين بالعرب ، وهي وشيجة غير متوفرة في الاستعمار الأوربي ‏.‏

ثانيها ‏:‏ ويتجاهل هؤلاء كذلك أربعة قرون ‏(‏ أربعة أخماس ‏)‏ ويذكرون قرنا واحدا هو فترة وقوف الدولة العثمانية في موقف الدفاع عن حياتها ، وتعلقها في سبيل ذلك بأي خيط ، وتخبطها تخبط المشرف على الغرق ‏!‏‏!‏

ثالثها ‏:‏ وهؤلاء يتجاهلون كذلك أن الانفصال عن العثمانيين كان لحساب الاستعمار الأوروبي ، وأنه هو الذي كان يقوده مغذيا في العرب روح الانفصال لمصلحته ‏!‏‏!‏ وأن الوعي الديني والقومي الصحيح لو كان موجودا لأوجب التمسك بالخلافة وقيادتها في هذه المرحلة على الأقل كضربة للاستعمار الأوربي ‏!‏‏!‏

لقد قدمت حركات الانفصال هذه أكبر خدمة للاستعمار الأوربي ، وفي الوقت نفسه جرت على الأمة العربية أكبر الويلات ‏.‏ وكان أكبر ويلاتها مأساة فلسطين ثم ما تبعها من هزيمة سنة 1967م ‏.‏

ولم يقف أمر خطأ هذه الحركات عند هذا الحد ، بل إنها وقعت في خطأ ‏(‏ أيديولوجي ‏)‏ آخر ، فتركيا الإسلامية لم تكن أبدا حين بدءوا ينشقون عنها في مرحلة ‏(‏ استعمار ‏)‏ فالاستعمار مرحلة تاريخية معينة بحسب تعريفهم له ، تقف في قمة الهرم الرأسمالي أي أنها مرحلة اقتصادية تعني توفر رءوس الأموال لدرجة تتطلب فتح أسواق جديدة وتوفير أيد عاملة ومواد خام ، فهل كان العثمانيون يعيشون ‏(‏ مرحلة الاستعمار ‏)‏ هذه ‏؟‏ أم أنهم كانوا بحاجة إلى مجرد إصلاح اقتصادي بداخل تركيا نفسها ‏؟‏

إن كثيرا من المصلحين لم تفتهم هذه الحقيقة وعلى رأسهم ‏:‏ ‏"‏ الزعيم مصطفى كامل ـ في مصر ، وعبد العزيز جاويش ، ومحمد فريد ، وغيرهم ، بل إنني أشك كثيرا في أن أكثر الزعماء الإسلاميين الإصلاحيين كجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ‏.‏‏.‏ أشك في أن هذه الحقيقة فاتتهم ‏.‏ وما كانت دعوة هؤلاء دعوة انفصالية عن الخلافة ، وإنما كانت دعوة إلى إصلاح أمر الخلافة الذي كان يميل إلى التداعي بفعل مؤثرات خارجية كثيرة ، ومؤثرات أخرى داخلية ‏.‏

وقد وقعت هذه الحركات في خطأ آخر كبير ‏.‏

فمنذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت الحركة الصهيونية التي بدأت تأخذ شكلا تنظيميا واضحا مرتكزا على الأيديلوجية ‏"‏ الصهيونية ‏"‏ محاولة الوصول إلى أهدافها في إقامة دولة يهودية ‏.‏

وفي سنة 1897م ‏(‏ والسلطان عبد الحميد رحمه الله ـ هو الحاكم ‏)‏ عقد المؤتمر الصهيوني بزعامة هرتزل في مدينة ‏"‏ بال ‏"‏ بسويسرا وهو المؤتمر المعروف باسم ‏"‏ مؤتمر بال ‏"‏ ووضعت خطة إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ‏.‏

وقد حاول الصهاينة بقيادة هرتزل إقناع ‏(‏ السلطان عبد الحميد ‏)‏ العثماني عدو القوميين العرب ـ بالسماح لهم بالهجرة إلى فلسطين ‏.‏‏.‏ فرفض السلطان رفضا قاطعا ولم يكتف بهذا ، بل وأصدر قانونا بمنع الهجرة اليهودية وبمنع إقامة مستعمرات لليهود في فلسطين ‏.‏

وكان هذا هو ‏(‏ قشة البعير ‏)‏ كما يقولون التي قصمت ظهر الرجل المظلوم ، فقد حرك الصهاينة ‏.‏‏.‏ حركات التحرر والحركات القومية ، والاستعمار الإنجليزي ، ووجدت الإمبراطورية العثمانية نفسها أمام طوفان من المشاكل لا ينتهي ، كان أشدها وأبعدها أثرا حركات التمرد الداخلي ، ومن الغريب جدا أن يكون مشعلو الثورات ضد الخلافة الإسلامية في داخل البلدان العربية من الطوائف الإسلامية أو الإسلامية المتطرفة التي تحركها أيديولوجيا وحركيا ـ أيد أجنبية ، لكن مع ذلك ، وبتأثير شعارات براقة صنعها اليهود ، بتأثير هذا وغيره من الوسائل اندمج في هذه التجمعات المضادة للخلافة بعض العناصر الإسلامية ‏.‏

ولم تأت سنة 1918م إلا وكان السلطان عبد الحميد المظلوم قد سقط ، ووقعت جميع الأٌقطار العربية كمناطق نفوذ لبريطانيا وفرنسا ‏.‏‏.‏ وأيضا صدر ‏(‏ وعد بلفور ‏)‏ المشئوم في 2 نوفمبر 1917م ، وبدأت فلسطين تقع تحت الظروف الممهدة للزوال ، وكانت أولى الخطوات في ذلك وقوعها تحت الانتداب البريطاني في عام 1920م ‏.‏

وبين الحربين العالميتين ‏"‏ 1918م ـ 1939م ‏"‏ كان التطبيق العملي للمؤامرة العالمية ، وأيضا في الجانب الآخر الحركات الداخلية الممتصة للطاقة والمبددة لها والصارفة عن الخط الحقيقي لاستهلاكها ‏.‏‏.‏ كان ذلك كله يعمل على سقوط الخلافة

العثمانية ، وسقوط العرب بدءا من فلسطين ‏!‏‏!‏

 وطوى اليهود ‏.‏‏.‏ آخر صفحاتنا المشرقة ‏!‏

كان رفض السلطان العظيم ‏"‏ عبد الحميد ‏"‏ تهويد فلسطين لطمة لم ينس اليهود أن يردوها للخلافة ردا سخيا لم يكن بوسع السلطان عبدالحميد أن يتخيله ‏!‏1

فإلى جانب ما ذكرناه من تحريك للقوى المناوئة للدولة ، ومن غرس لبذور الفكرة العنصرية المحاربة للراية الإسلامية الموحدة لربع البشر ‏!‏‏!‏

إلى جانب هذا ‏.‏‏.‏ هجم اليهود من الداخل على الدولة العثمانية بواسطة الأسلحة نفسها التي استعملوها في كل بلدان العالم الإسلامي، وهي أسلحة العنصرية والتحضرية، والحرية ، والإخاء ، والمساواة ‏.‏‏.‏ وهلم جرا من الشعارات التي اصطنعها الماسون ، وروجوا لها ، واستعملوا بعض المخدوعين لإذاعتها وتفتيت راية الأمة وقبلتها وأهدافها ‏!‏‏!‏

وكانت جماعة تركيا الفتاة ثم الاتحاد والترقي هما الأداتين اللتين سخرهما اليهود وطوعوهما لهذا الغرض ‏.‏ وكانت الكاتبة ‏"‏ خالدة أديب ‏"‏ إحدى المروجات على المستوى الأدبي والفكري لفكرة القومية الطورانية ، بينما كان زعماء تركيا الفتاة هم المنفذون على المستويات الأخرى لعملية إحداث الانقلاب نحو تخلي تركيا عن هويتها ورسالتها الإسلامية ‏.‏‏.‏

وقد أقحم هؤلاء تركيا في الحرب العالمية الأولى دون مبرر معقول أو سبب يتعلق بها ‏.‏ فلما هزم الألمان ، أذعنت تركيا للهزيمة بنفسها ، وسجل رسميا سقوط الكرامة العثمانية الإسلامية بهدنة رودس في 1918م ‏.‏

وقد غادر زعماء تركيا الفتاة البلاد ، فقصد أحدهم ‏"‏ أنور باشا ‏"‏ روسيا ، وقصد ‏"‏ طلعت باشا ‏"‏ ألمانيا ، ولقد شاء الله أن يقتص منهم قصاصا دنيويا عاجلا ، فلم يلبث ‏"‏ أنور باشا ‏"‏ أن قتل اغتيالا في تركستان ، وأن يصرع طلعت في برلين ، ويغتال جمال في تفليس ‏"‏ أما الكاتبة خالدة أديب ‏.‏‏.‏ التي طال بها العمر فترة ‏.‏‏.‏ فلم تلبث أن طردت شر طردة ، من تركيا بعد خلاف حاد بينها وبين الزعيم اليهودي الكبير مصطفى كمال أتاتورك ‏!‏‏!‏

ولم تكد الحرب العالمية الأولى توشك على الانتهاء حتى كانت الدول الأوروبية قد أتمت المسرحية الهزلية ‏.‏‏.‏ لاقتسام أملاك الخلافة الإسلامية الأخيرة ، ولإبراز رجل ينفذ مخططاتهم وأطماعهم بحذافيرها ‏.‏‏.‏ وعلى الرغم من أن الكتابات الاستشراقية والكتابات الصليبية واليهودية والشيوعية تجمع على إخفاء هذه الحقيقة ، فإن الأحداث بطبيعة تطورها تثبت هذه الحقيقة ، ويكاد يصرح بهذه الحقيقة المستشرق ‏"‏ كارل بروكلمان ‏"‏ على الرغم من ذكائه الحاد في تطويع الحقائق ، وبترها وإضفاء جو إنشائي حماسي عليها ، نعم ، يكاد يصرح بهذا في كتابه الشهير ‏"‏ تاريخ الشعوب الإسلامية ـ الدولة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى ‏"‏ وهو يقول ‏:‏ ‏"‏ عند ذلك ‏.‏‏.‏ هيأت الدول الحليفة لتركيا ـ لاحظ الحليفة ـ الفرصة السانحة للرجل الذي قدر له أن ينشئ تركية الحديثة ـ يقصد اليهودي الدونمي أتاتورك ـ ‏"‏ ولنا أن نتساءل ‏:‏ أي دول حليفة لتركيا تلك التي حولتها من زعيمة روحية ـ على الأقل ـ لربع البشرية إلى دولة هزيلة تعيش بلا ماض وبلا حاضر وبلا مستقبل ‏؟‏ وأي دول هذه التي ساعدت هذا اليهودي على إلغاء الحروف العربية ، وإزالة الأوقاف ، وإغلاق المساجد ، وقصر علماء الدين على ثلاثمائة واعظ في طول البلاد وعرضها ، وتحويل مسجد ‏"‏ أياصوفيا ‏"‏ الشهير إلى متحف ، ومسجد محمد الفاتح إلى مستودع ، وإلغاء الشريعة الإسلامية ، واستبدال القبعة بلباس الرأس الوطني السابق ‏"‏ الطربوش ‏"‏ وفرض اللباس الأوربي بالقوة ،وحذف اللغة العربية واللغة الفارسية من مناهج التعليم بالمرة ، وبيع الكتب والمخطوطات العربية بأبخس الأثمان ، فضلا عن التعليم العلماني الأوروبي ، ليس في المجال التقني كما يجب أن يكون ، بل ـ فقط ـ في المجال الإنساني والأدبي والديني ‏!‏ ‏.‏

إن إلغاء الخلافة الإسلامية وإعلان الجمهورية التركية في 29 أكتوبر سنة 1923م ، وانتخاب مصطفى كمال أتاتورك من قبل جمعية لقبت نفسها ‏"‏ بالجمعية الوطنية ‏"‏ ، إن هذا كله لم يكن يعني سقوط تركيا الإسلامية في الحقيقة ، فكم من شعارات براقة زائفة ترفع ثم لا تلبث أن تزول ‏.‏ لكن تمكن الأتاتوركي ‏"‏ الغازي ‏"‏ من السيطرة على البلاد ، بمساعد ‏(‏ الدول الحليفة لتركيا ‏)‏ كما يقول بروكلمان وأمثاله ، ثم الاجراءات الخطيرة التي ذكرناها والتي اتخذها أتاتورك بعد ذلك ‏.‏

هذه في الحقيقة كانت الإلغاء الحقيقي لتركيا الإسلامية وللخلافة العثمانية ‏.‏

ولم يكن الخليفة العثماني محمد السادس الذي عاصر هذا الانقلاب ، كما لم يكن الخليفة الذي وضعه الانقلابيون مكانه عبد المجيد بن عبد العزيز ‏"‏ لم يكن هذا وذاك أكثر من تحفتين تاريخيتين ‏.‏‏.‏ تحملان معالم صورة هزيلة مهتزة ، لحقيقة كانت ـ يوما ما ـ عظيمة قوية ترعب أوربا كلها ‏.‏

ومع ذلك فلقد أدرك مصطفى كمال الدونمي اليهودي أن البقاء الرمزي الصوري لهذه الحقيقة القوية العظيمة يشكل في حد ذاته خطرا على مخططاته الصهيونية ‏.‏‏.‏ ولذا فلم يكد يملك السلطة في يده ويتربع بتؤدة على عرش السيطرة لمدة خمسة أشهر ، حتى أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية ، ثم طرد آخر خليفة للمسلمين من البلاد في اليوم الثالث من مارس سنة 1924م ‏.‏

ولعل العقلاء وحدهم هم الذين يسألون ‏:‏ ماذا استفادت تركيا من هذه الخطوة ‏؟‏ وماذا كان يمكن أن تكسب لو أنها مضت في طريق الإصلاح مبقية على مركزها كزعيمة روحية إذا كانت هناك نية إصلاح حقيقية ‏؟‏ ‏.‏

ولعل هذا وذاك يفسران للعقلاء وحدهم أن هناك أمرا كان مبيتا ، وأن العالم الإسلامي والعالم العربي كانا من الأهداف الرئيسية لضرب الخلافة الإسلامية ، ولم تكن أبدا تركيا هي المقصودة وحدها ‏.‏

وفعلا تداعت تركيا وسقطت ، فلم تقم لها قائمة حتى اليوم وتداعى بعدها ومعها العالم الإسلامي بلدا بلدا ، وفكت أواصر الحب والوحدة ‏.‏‏.‏ ونال العرب حظهم من كل ما أصاب العالم الإسلامي ‏.‏‏.‏ ولعل الأقدار قد لقنتهم أقسى الدروس ، حين زرعت في قلبهم شوكة الصهيونية ‏.‏

تؤرق مضجعهم ، وتنتقم للخلافة الإسلامية وتطلعهم بجلاء على حقيقة كمال أتاتورك ، وحقيقة مخططاته ‏.‏‏.‏ وأيضا على حقيقة الذين ساروا على هدى أتاتورك في فلسطين العربية وفق انقلابات يقف وراءها اليهود مستترين في كلمات الشيوعية أو الحرية أو ‏"‏ القومية ‏"‏ ‏.‏‏.‏ ليزرعوا في القلب العربي أشواكا أخرى ‏!‏‏!‏‏.‏




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق