إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 يوليو 2014

19 أوراق ذابلة من حضارتنا دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية القسم الثاني ‏:‏ سقوط خلافات ودول شرقية 10- سقوط دولة الفاطميين



19


أوراق ذابلة من حضارتنا

دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية

القسم الثاني ‏:‏ سقوط خلافات ودول شرقية

10- سقوط دولة الفاطميين

حين تستعين بعدوك التاريخي وتفقد القدرة على الرؤية الصحيحة ‏.‏‏.‏ فلا ضير في أن تموت ‏.‏‏.‏ فأنت ـ في البدء ـ إنسان منتحر ‏.‏‏.‏ ‏!‏‏!‏

والتسامح قضية كبرى من قضايا حضارتنا ، ومبدأ عظيم من مبادئ إسلامنا ، لكن هذا التسامح ـ بترك الناس يحيون وفق معتقداتهم ـ شيء ، وتسليمك مقاليد الأمور لهذا الذي ينتمي روحيا إلى أعدائك ، ويشعر بتعاطف نحو من تحارب ، وتقل حضانته ـ مهما يكن ـ عن أخيك المسلم ‏.‏‏.‏ تسليمك هذا شيء آخر بعيد عن التسامح ‏.‏‏.‏ إنه نوع من الغفلة والحماقة ‏.‏‏.‏ أو بتعبير آخر نوع من الانتحار‏!‏‏!‏

وفي الدولة الفاطمية التي قامت في المغرب العربي سنة 298هـ وانتقلت قيادتها إلى مصر سنة 362هـ ‏.‏‏.‏ كانت ظاهرة الاعتماد على اليهود والنصارى سمة من سمات الحكم في الدولة ، فمن هؤلاء كان كثير من الوزراء وجباة الضرائب والزكاة، والمستشارين في شؤون السياسة والاقتصاد والعلم ، ومنهم الأطباء والثقات لدى الحكام، وإليهم تحال معظم الأعمال الجسام ‏.‏

ولقد أحدثت هذه الظروف انفصاما بين الفاطميين والشعب ـ إلى جانب عوامل أخرى هامة ـ حتى لقد كان الناس يستجيرون من تسلط اليهود في البلاد فلا يجارون ، وقد ظهرت في ذلك أشعار كثيرة معروفة ، بل إن الناس قد اضطروا إلى أن يلفتوا نظر العزيز ‏(‏ الحاكم الثاني في مصر ‏)‏ إلى هذه الظاهرة التي كان يبدي تغافلا عنها ، وقد وضعوا له صورة من الورق لرجل يطلب حاجة أثناء مرور موكبه ‏.‏‏.‏ وقد مد الرجل يدا بورقة مكتوب فيها ‏:‏ ‏"‏ بالذي أعز اليهود بمنشا، وأعز النصارى بعيسى ، وأذل المسلمين بك إلا ما قضيت ظلامتي ‏"‏ وقد لمعت في سماء الدولة الفاطمية أسماء كثيرة من هؤلاء ، فقد لمع يعقوب بن كلس ‏(‏ وسنورد تفصيلا عنه بعد ‏)‏ ، ومنصور بن مقشر النصراني الطبيب صاحب الكلمة السامية في قصر العزيز ، وعيسى بن نسطورس الكاتب ، والمنجم ابن علي عيسى ، ويجين بن وشم الكواهي ، ومنشا اليهودي الذي كان نائب العزيز في الشام ‏.‏‏.‏ وغيرهم كثير ‏.‏ وعندما وصل الحاكم بأمر الله إلى الحكم ‏.‏‏.‏ وهو رجل أجمع المؤرخون على اضطراب عقله حتى أنه كان يأمر بالشيء وينهى عنه ـ أمر بهدم الكنائس التي بمصر ، لكنه سرعان ما عاد فأمر ببنائها ، وأطلق من جديد يد اليهود في البلاد ، واستمر أمر اليهود والنصارى في عهد الظاهر ، وعندما قدر للحاكم الفاطمي السادس في مصر ‏"‏ المستنصر بن علي الظاهر ‏"‏ أن يصل إلى الحكم سنة 427هـ كانت الحالة قد بلغت قمتها من التدهور ‏.‏ وفي ظل سياسة اليهود وتحكمهم في مرافق البلاد أصبح قصر هذا الحاكم زاخرا بالدسائس التي يحيكها القواد ورجال البلاط والخصيان والنساء ، ويقف وراء كل هؤلاء هذه الطوائف يديرون المعارك لصالحهم، ويرقبون الفائز، ويفسحون في شقة الخلاف‏.‏

وقد ذاقت البلاد من الجوع والبؤس والنزاع على السلطة ما أحالها إلى فوضى لم يشهد تاريخ مصر مثلها ‏.‏ وقد صور المقريزي هذه الحالة في قوله ‏:‏ ‏"‏ لم تجد البلاد صلاحا ولا استقام لها أمر ، وتناقضت عليها أمورها ، ولم يستقر عليها وزير تحمد طريقته ‏.‏‏.‏ ‏"‏ على آخر كلامه الطويل الذي قال في آخره بأنه ‏:‏ ‏"‏ تلاشت الأمور واضمحل الملك ‏"‏ وقد فكر ابن حمدان زعيم الأتراك في مصر في تغيير الخلافة الفاطمية إلى العباسية ، وكانت حال البلاد والفاطميين تسمح بتحقيق كل ذلك ‏.‏‏.‏ لولا سوء سياسة ابن حمدان لأتباعه وانقلابهم عليه ‏.‏‏.‏ وفي هذه السنوات أكل الناس بعضهم بعضا ، وبيع الرغيف بمائة دينار ، وأكل الناس لحوم الكلاب والحمير ، ولم ينته الأمر إلا بسقوط الدولة الفاطمية السقوط الحقيقي حين ترك حكامها السلطة تماما وقبعوا في قصورهم ، وحمل أمانة الحكم الوزراء العظام الذين كان أولهم وأعظمهم ‏"‏ بدر الجمالي ‏"‏ ‏.‏

وقد أصبح بيد هؤلاء الوزراء كل مقاليد الأمور حتى أنهم لم يدعوا للخلافة ولا للخليفة في أغلب الأوقات إلا بالاسم ، وكانوا يتحكمون في اختيار الخلفاء وفي عزلهم ، والمؤرخون المنصفون يعتبرون سقوط الدولة هو تاريخ تولية بدر الجمالي أمور مصر سنة 464هـ ‏.‏‏.‏ ولم يفعل صلاح الدين الأيوبي حين أسقط الخطبة للفاطميين دون أية معارضة أو مقاومة حقيقية سنة 567هـ ـ إلا إسقاط عهد الوزراء العظام الذين كان آخرهم شاور ‏.‏‏.‏ أما الفاطميون فقد سقطوا منذ مدة طويلة أي قبل ذلك بقرن ‏.‏

ومن الغريب أن العزيز الفاطمي ‏.‏‏.‏ بلغ من حبه لوزيره يعقوب بن كلس اليهودي أن ترك له أمر الدعوة إلى المذهب الفاطمي ، وكان هذا الأخير يجلس بنفسه يعلم الناس فقه الطائفة الإسماعيلية ، وقد ألف نفسه كتابا يتضمن الفقه على ما سمعه من المعز والعزيز الذي قال له ‏:‏ ‏"‏ وددت لو أنك تباع فأبتاعك بملكي ‏"‏ ولم يدرك العزيز أن ملكه كان قد بيع فعلا بهذه السياسة التي جعلت عهد الفاطميين في مصر عهد شدة وتناطح وبؤس ‏.‏ ووقف هؤلاء يستثمرون كل هذا ويتملقون الغرائز ‏.‏‏.‏ وبقيت عبرة التاريخ عبرة للذين يطلبون النصر من الأعداء ، والذين يطلبون الحياة من السم ، والذين ينسون ‏"‏ الاستراتيجية الإسلامية العالية ‏"‏ ‏:‏ ‏"‏ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ‏"‏ ‏!‏‏!‏ ‏.‏



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق