إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 16 يوليو 2014

13 أحجار على رقعة الشطرنج ( وليم جاي كار ) الثورة الأسبانية



13


أحجار على رقعة الشطرنج

( وليم جاي كار )

الثورة الأسبانية


في القرن الثالث عشر الميلادي شكّل البابا أنيوسينس الثالث محاكم التفتيش، لاعتقال الزنادقة الذين يتظاهرون بالتدين والتحقيق معهم ((الصحيح: للتنكيل بالمسلمين واليهود بمنتهى الوحشية والخسّة!!).. وكانت أسبانيا قبل ذلك قد أكرمت اليهود وعاملتهم معاملة ودية جدا ((هذا عندما كان يحكمها المسلمون)).. ومن هنا نجد أن جميع جرائم المرابين الملحدين وعملائهم في أسبانيا وفي غيرها من الدول تلصق باليهود.. واستمر عمل محاكم التفتيش أيام إيزيلا وفردينايد، أي بين عامي 1475 و 1504.

ولما جاء حكم توركومادا، وجدت محاكم التفتيش أن خلايا المرتدين والمخربين تنتشر انتشارا واسعا في البلاد وتتبع تنظيما دقيقا.. عندئذ حذت أسبانيا حذو غيرها من الدول الأوروبية وطردت اليهود من أراضيها، مما شجّع المتطرفين علي تنظيم أعمال عنف جماهيرية ضد اليهود، فوقع عدد من المذابح المؤلمة، أدانتها سلطات الكنيسة في روما وهاجمتها بشكل علني.

وفي القرن السابع عشر، بعد إعادة تنظيم رجال المصارف العالميين، عاد عملاؤهم وتسربوا إلي إدارة الخزينة الأسبانية، وكان لهؤلاء نشاط واسع إبان الثورتين الفرنسية والإنكليزية.. وبذلك حاولوا جهدهم إضعاف الاقتصاد الإسباني وتهيئة البلاد للحركات الثورية.

وقد يكون من المهم جدا أن نتعرف علي خيوط المؤامرة السياسية التي حيكت بين عام 1839 وعام 1939، لنكوّن صورة واضحة عن أسلوب العمل الثوريّ، وهو يتألف من ثلاث مراحل لا بد منها:

1- تغلغل أفراد الحزب الثوري في المناصب الحكومية, وفي مراكز الخدمات العامة والقوات المسلحة والتنظيمات العمالية، بغية الاستعداد لتحطيم الحكومة من الداخل عندما يسمح الوقت بذلك وتصدر الأوامر.

2- ربط الحزب الثوري بالحزب الاشتراكي أو الحزب اليساري، بغية الإطاحة بالحكومة، سواء أكانت ملكية أو جمهورية.

3- القيام بنشاطات تخريبية بغية اختلاق الفوضى، لزعزعة الرأي العام في حكومة الجبهة الشعبية المؤتلفة كما يسمونها عادة، فيكون الفشل حليفها، مما يمهد الطريق لقيام ديكتاتورية البروليتاريا، التي ما إن تظهر للوجود حتى تبدأ عمليات التطهير، وتظهر بعدها الديكتاتورية التوتاليتارية.. وهذا ما حدث بالفعل في روسيا عام 1917.

وسنري الآن كيف نفذت هذه المراحل الثلاث في أسبانيا، البلد الذي كان هدف لينين، ثم ستالين من بعده.

***

جري أول إضراب عامّ نظمه عملاء كارل ماركس في أسبانيا عام 1865.. وفي عام 1868 أرسل زعماء الحركة الثورية العالمية السنيور فانيلي إلي أسبانيا، ليقوم بتوحيد نشاطات الفوضويين مع الثوريين الماركسيين.. وكان السنيور فانيلي صديقا حميما لباخونين، الذي كان بدوره علي علاقة وثيقة بماركس وانجلز.. ولكن باخونين لم يبق علي صلات وثيقة مع ماركس، لأنه عارض سياسته عام 1870، فطرد من الأممية الأولي (المؤتمر الأول) لقادة الحركة الثورية العالمية.

تابع كل من باخونين وفانيلي نشاطهما كل علي حِدَة، فتمكن باخونين من التأثير علي القادة الثوريين الأسبان وإنشاء التحالف الاشتراكي الديمقراطي عام 1872.. وقد أصدرت الحكومة قرارا بمنع هذا التنظيم، ولكنه بقي يعمل سرا.

وفي نفس الوقت كان "محفل الشرق الأكبر" قد أنشأ تنظيمات قوية في داخل أسبانيا.

وفي المؤتمر العام الذي عقد في زارغوزا، وافق الجناح الأسباني للماركسية الدولية، علي التحالف مع حركة الرفض الفوضوية.. وبعد هذا التحالف ركز الفريقان جهدها علي توحيد جميع الفئات العمالية، وإنشاء تحالف واسع سمي بالكامورا.. وفي عام 1873، توّج هذا التحالف الواسع نشاطه بقيام الثورة وإنشاء الجمهورية الأسبانية الأولي.

وكالمعتاد، رافق هذا النشاط الثوري قيام عهد من الإرهاب وانتشار الفوضى بشكل مريع.. وقد حملت هذه الأعمال الفوضوية الجنرال بافيا علي القيام بحركته الانقلابية.. وعندها عاد العمل الثوري إلي السرية مرة أخرى، ولكنها لم تدم طويلا، إذ سرعان ما ساند أعضاء الحركة الثورية قادة الحركة التحررية المعتدلة، وعادوا مرة أخري إلي الظهور علي مسرح السياسة.. عندها قاموا بتغذية النزاع القائم بين الموالين لأحفاد الملك دون كارولز، وبين الموالين لأحفاد ايزبيلا.. وقد انتهي هذا النزاع بانهزام الموالين لأحفاد كارولز عام 1876.

في هذا الوقت كانت الحركات العمالية في أوجها، وأغلبها يعمل بهدف نبيل غايته تحقيق العدالة للعمال.. وكان معظم العمال يرفضون السياسة المتطرفة لحركة الرفض اليسارية، ولذلك نظموا أنفسهم في "اتحاد العمال".. ولكنّ القادة المعتدلين لهذا الاتحاد سرعان ما وجدوا أنفسهم خارجه، بعد أن تسرّب الثوريّون المتطرفون إلي داخل الاتحاد، وبدأ وعمليات التصفية من الداخل.. وبقيت أعمال التصفية مستمرة حتى عام 1888، عندما أعلن بابلو اغليسياس إنشاء "الاتحاد العام للعمال"، ليضم أكبر عدد من المعتدلين.. وكان هذا الاتحاد العام يعرف في أسبانيا بــ U. G. T.. وقد بقي دون دعم الحكومة حتى أعلنت الحكومة الاتحاد الأيبري، الذي كان يضم جميع المتطرفين والمنضمين إلي حركات الرفض الفوضوية.

ثم في سنة 1910 شكلت الاتحادات العمالية المتطرفة اتحادا نقابيا عاما، عرف في أسبانيا بـ C. N. T.. وبقي هذا الاتحاد النقابي العام يعمل هو والعديد من النقابات الأخرى حتى عام 1913، عندما تمّ تعليق هذه النقابات بسبب الإضرابات المتكررة.. وكانت الحكومة توافق وتتعاون مع الحركات العمالية وتؤيد المطالب الجماعية، ولكن المتطرفين كانوا قد بدأوا يستغلون هذه النقابات لغاياتهم الخاصة وينفذون مآربهم.. فحلت الحكومة جميع النقابات، ووجد العمال أنفسهم من جديد بدون حماية.

وعاد الثوريون المتطرفون ليستغلوا هذا الوضع الجديد للعمال، ليوجهوا أعمالهم بشكل أعنف من السابق وأشد خطورة.. فبدأوا يزيدون نشاطاتهم ضد جميع الأحزاب السياسية وضد الدولة نفسها.. وفي عام 1916 أعيد تنظيم الاتحاد النقابيّ المتطرف المعروف باسم G. R. T، وظهر علي المسرح اسم زعيمين هما: بيستاتا وسيغوي، اللذين تمكنا من توحيد العمل النقابي في مدينة برشلونة.

ومما ساعد علي إنجاح التنظيمات النقابية المتطرفة، هو الإجحاف الذي لحق بالعمال إبان الحرب العالمية الأول وما بعدها.. فقد كانت أسبانيا قد كسبت أموالا طائلة أيام الحرب لأنها كانت دول حيادية، ولكن العمال بشكل عام لم يشاركوا في الازدهار الواسع الذي عم البلاد، فتدفقوا علي التنظيمات المتطرفة يسعون إلي تحقيق مكاسبهم ورفع الظلم عنهم.. وفي نفس الوقت ثابر بعض القادة المعتدلون علي نشاطهم، وتوصلوا إلي إنشاء الاتحاد النقابي الحر عام 1920.

وفي الفترة التي تلت ذلك العام واستمرت حتى عام 1923، اشتد النزاع بين الحركات النقابية اليسارية من جهة أخري.. وعمت البلاد إضرابات محلية وعامة وأعمال عنف واغتيالات واسعة للقادة العماليين، بهدف إضعاف الفرقاء لأعدائهم.. وقد ارتكبت كل هذه الجرائم باسم "الحرية"، حتى وصلت الحالة إلي فوضي تامة.. عندئذ طلب الملك الأسباني من الجنرال بريمودي ربفيرا ضبط الأمن في البلاد، ومنحه مطلق الصلاحيات العسكرية ليمنع الشيوعيين من القيام بثورة أخري.

كانت أول نتيجة للحكم الديكتاتوري الذي تزعمه دي ريفيرا أن أنهي الحرب مع المغرب نهاية ناجحة.. وكانت شخصية الجنرال فرانكو قد تبلورت من خلال هذه الحرب، وأخذت شعبيته تزداد وتنتشر.. وقد استطاع بعدله وحزمة أن يكسب ود الشعب المغربي وصداقته وإعجابه (!!!!!!!).. وبالرغم مما قيل عن دي ريفيرا، إلا إنه من المعدل أن نقول إنه تمكّن من إعادة النظام إلي البلاد، وقام بتحسين أحوال العمال بعد أن تعاون مع اباليرو، كما قام بإصلاحات اجتماعية عديدة.. ولكن هذا النشاط الواسع أضعف الجنرال دي ريفيرا وتدهورت صحته عام 1929.. وهذا علي الأرجح ما يفسر الأخطاء في تقدير الأشخاص التي ارتكبها عام 1930.. فقد اختار في ذلك العام اثنين من زعماء الحركة الاشتراكية وهما بستيرو وسابوري. وكأنه قد شعر بثقل المسؤولية علي كاهله فأراد أن يرفعها عنه، فطلب منهما أن يعيدا تنظيم الجهاز الانتخابي للأمة، لكي يستطيع الشعب تقرير مصيره والاختيار بين الملكية أو الجمهورية.. ولم يُعرف السبب الكامن وراء اختيار هذين الرجلين وسيبقي هذا الحدث بدون تفسير.. وقد قام بيسترو وسابوريت بما يجب علي قائدين ثوريين أن يقوما به، فطوقا الجهاز الانتخابي وأعدّاه ليكون انتخاب حكومة اشتراكية أمرا حتميا.. وانتشر التزوير في الانتخابات، ليقترع في مدريد وحدها 40.000 من المتوفين ومن الناخبين المزورين.

وكانت محافل الشرق الأكبر في أسبانيا قد نظمت اتحادا خاصا سمته "الاتحاد العسكري الأخوي"، ويهدف إلي الإطاحة بالنظام الملكي.. وقد استطاع أن يحصل علي وعد 21 من أصل 23 جنرالا أسبانيا، بأن يساعدوه علي إقامة الحكم الجمهوري.. وقد ذكر هذه المعلومات الجنرال مولا، قائد قوى الأمن الداخلي في أسبانيا، وذلك في كتابه: “Tempestad Calma Intriga Y Crisis"، حيث يخبرنا فيه أن المحافل وضعت تحت تصرف الجنرالات عند انتمائهم لها، مبلغ مليون ونصف بيزفيتا، وذلك لمساعدتهم علي الهرب في حال فشل الحركة الجمهورية.. وكان فرانكو أحد الجنرالين الذين لم ينضما إلي "الاتحاد العسكري الأخوي".. ويؤكد كلام الجنرال مولا، جنرال آخر كان من بين الذين انضموا إلى "الاتحاد العسكري الأخوي" وهو الجنرال كانوا لوبيز، حيث قال في حديث له في البرلمان الإسباني (الكورتس): "لقد جمعت الماسونية منذ عام 1925 غالبية كبار ضباط الجيش، وذلك تحت شعار الاتحاد العسكري الأخوي".

ومن بين الذين دخلوا كأعضاء في هذا الاتحاد، كابانيلاس وسانجورجو وغويد ومولا ولوبيز وأوشاو كويبو دي لانا وغيرهم.

ويضيف لوبيز قائلا: "وقد صدرت الأوامر مرتين لهؤلاء الجنرالات، مرة عام 1929 للإطاحة بالديكتاتورية التي تزعمها دي ريفيرا، ومرة للإطاحة بالملكية عام 1931.. وقد نفذ الجنرالات هذه الأوامر كما جاءت".

ويخبرنا الجنرال مولا كيف حنث هو وغالبية الجنرالات بوعدهم للمحافل، وذلك عندما شعروا أنهم قد استغلوا بكل بساطة لتنفيذ المخططات السرية، التي أعدها ستالين ليحول أسبانيا إلي ديكتاتورية شيوعية أخري.

وقد نشرت المجلة الفرنسية في تقرير لها عام 1932، أن ستالين وعد بمبلغ مئتي ألف دولار، كإسهام منه في تمويل مراكز التدريب الثوري في أسبانيا.. كما تبين الكشوفات المقدمة للمؤتمر الشيوعي الدولي عام 1931، أن القادة الثوريين تسلموا مبلغ مئتين وأربعين ألف جنيه ـ بالعملة الإنكليزية ـ كما كان تحت تصرفهم مبلغ مليونين ونصف بيزيتا لشراء الأسلحة والذخائر.. ويقول الجنرال مولا إنه وصل أسبانيا عام 1938 قادما من روسيا، مئتا قائد ثوري كانوا قد تدربوا في مؤسسة لينين في موسكو.

***

ومنذ عام 1930 وحتى تاريخ بدء العمليات الانتخابية، كانت قد بدأت حملة التشهير ضد ملك أسبانيا وعائلته الملكية.. ومن بين الأكاذيب السخيفة، الزعم أنه كان يسفك دم جندي أسباني كل يوم، وذلك لإبقاء أمير استوريا علي قيد الحياة، وهو المعروف بأنه يعاني من النزيف الدموي.. واتُهم الملك بالفجور ـ تماما كما اتهمت إمبراطورية روسيا زورا بأنها كانت عشيقة لراسبوتين.

وبعد أن انتهت عمليات التزوير وأفرغت من صناديق الاقتراع أصوات الريفيين المؤيدين للملكية.. وبعد أن أعلنت نتائج الانتخابات لصالح حكومة جمهورية، أصدر الملك ألفونسو الثالث عشر بيانه الأخير إلي الشعب، الذي قال فيه: "لقد برهنت الانتخابات التي جرت يوم الأحد أنني لم أعد أحظى بمحبة وتقدير شعبي.. ولكنني مازلت مقتنعا أن هذه الأحوال ستتغير، لأني كنت دائما أجاهد في سبيل أسبانيا وأضحي مخلصا من أجلها.. قد يرتكب الملك بعض الأخطاء، وبدون شك لقد ارتكبت بعضها، لكنّ شعبي كان دائما صفوحا عن أخطاء الآخرين بدون أي حقد أو ضغينة.. لقد كان بإمكاني، وأنا الأسباني والملك علي جميع الأسبان، أن أستعمل جميع صلاحياتي للحفاظ علي حقوقي الملكية بوجه من يظهر أية مقاومة.. لكنني آثرت أن اتنحّى، خوفا من أن تنقسم البلاد فيقاتل الأسباني أخاه في حرب أهلية.. وأنا إذ أغادر البلاد، أصر علي أنني ما أزال مؤمنا بالحق الذي جاءني عبر التاريخ، والذي سأسال عنه يوميا من الأيام.. كما وأني إذ أتخلى عن جميع صلاحياتي الحالية في ممارسة الحكم ـ وفي قناعتي بأن هذا سيكون لصالح البلاد وليكون الشعب كله مسئولا عن نفسه ـ أضرع إلي الله أن يقوم كل أسباني بواجبه الذي يميله عليه حبه لأسبانيا، بنفس القدر الذي كنت أقوم به".

***

حتى ذلك الحين، كان المتآمرون قد نفذوا الخطوة الأولى، وبدءوا يعدون للخطوة التالية.. ولم يكن جميع أفراد الحكومة الجديدة من عملاء المرابين، بل كان بينهم أعداد كبيرة من المخلصين، ولكنهم كانوا جميعا بدون سلطة وبدون صلاحيات.. أما السلطة الحقيقية فقد كانت بأيدي العملاء الشيوعيين والفوضويين، الذين بدءوا يُعدون للمرحلة الثانية، وهي إنشاء ديكتاتورية البروليتاريا.. وابتغوا لتحقيق هذا الغرض طريقة اللعب علي الحبلين، فأوحت بعض الخلايا الشيوعية إلي الحكومة بارتكاب بعض الأخطاء، بينما راحت خلايا أخرى خارج الحكومة تشنّ هجوما علي الحكومة لارتكابها هذه الأخطاء، وتنعتها بالسذاجة والفساد.. وهنا بدأ عملاء موسكو بتنفيذ جميع أنواع الجرائم، لدفع الناس إلي القبول ـ بل حتى المطالبة ـ بديكتاتورية البروليتريا للحفاظ علي البلاد وعلي أمنها الداخلي.

وكان الجنرال دي ريفيرا قد استخدم لارغو كابا ليرو ومجموعته، في تخفيف حده النزاع القائم بين العمال وأرباب العمل.. ولكن ما إن ظهرت الحكومة العمالية إلي الوجود، حتى كشف كابا ليرو عن حقيقته، وأعلن بصراحة عام 1935 أنه تمكن من إنشاء "عشرات الآلاف من الخلايا الشيوعية في جميع أنحاء أسبانيا".. وهذا يفسر الاستقبال والتصفيق الحار الذي قوبل به الوفد الأسباني في المؤتمر العام الحادي عشر للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، وامتداح الوفد لأن "الإعدادات للثورة تجري بشكل سريع ومناسب تماما للخطة الثورية في أسبانيا".. وفي المؤتمر الثاني عشر للأممية الشيوعية وجهت كلمات الثناء التالية للوفد الأسباني: "لقد لا حظنا في أسبانيا بالذات، قيام أعمال ثورية وإضرابات متكررة علي مدي شهور عديدة، بشكل لم يشهده هذا البلد من قبل.. وليس هذا الصراع العمالي إلا الخطوة الأساسية لقيام الثورة الأسبانية".

***

ما حدث بعد ذلك في أسبانيا يكشف الكثير من وجوه المؤامرة، وخصوصا ما حدث ضمن التنظيم الشيوعي نفسه.. وكما يقول المثل القديم "عندما يختلف اللصوص تظهر الحقيقة"، فإن هذا ما حدث بالفعل في أسبانيا.. فقد كان الزعماء الثلاثة للحركة الشيوعية مورين وسيرجس ونين، قد أتموا دراستهم الثورية في مؤسسة لينين في موسكو، وعادوا لقيادة الحركة الثورية.

وبعد سنوات من الحياة الصاخبة والمليئة بالنشاط الثوري، جلس مورين ليكتب عام 1926 كتابة Hacia la Segunda Revolution، الذي أظهر فيه معارضته لستالين لأنه قد انحرف عن العقائدية الماركسية.. واتهم مورين ستالين بأنه يستخدم القوي الشيوعية لتحقيق مآربه الخاصة في الحكم الديكتاتوري الاستعماري.

وهكذا بدأ الصراع بين ستالين وبين الشباب الثلاثة مورين وسيرجس ونين.. وأثبت هؤلاء عن مهارتهم في تجميع العمال والسيطرة عليهم، فقرر ستالين التخلص منهم يعد أن قاموا بما عليهم حتى بداية الحرب الأهلية.. وكان أمر ستالين بتصفيتهم قد حدد بأن "يظهر موتهم للشعب وكأنه استشهاد بطولي في سبيل الشيوعية"، فأرشد الشيوعيون فرانكو علي مكان مورين، فأعدم بعد أن حوكم.. أما سيرجس فتقول التقارير إنه مات بأيدي الشيوعيين أنفسهم.. وقتل نين في ظروف غامضة.. وبعدها أعلن للملأ أن موت هؤلاء لم يتم إلا علي يد أعداء الشيوعية.

ولكن هذا الصراع لم يمرّ هكذا بدون نتائج أو فضائح.. فلقد أخذ الشيوعيون يفضحون بعضهم البعض ويبينون الحقيقة الخفية لوجودهم.. ومن بين هذه الفضائح ما كتبه سيرجس، حيث يقول: "لقد تم تطور الشيوعية عام 1936 من الثورية الأممية إلي القومية، بشكل قوة عسكرية ضخمة يقوم علي خدمتها أحزاب عديدة في دول مختلفة، وتقوم هذه الدولة القوية بتمويل هذه الأحزاب.. فبعد عام 1936 شكل الستالينيون الحزب الإسباني الاشتراكي الموحد، الذي رعاه المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية.. وكان الهدف من ذلك إنشاء قوة جديدة ذات طبيعة فاشية، تتمكن من تطويق فرنسا، الحليف المحتمل لروسيا في الحرب التي يجري إعدادها".

ويقول مورين أيضا "جرت السياسة الإنكليزية منذ القديم علي تدمير أعدائها، حتى تفرض نفسها لحمايتهم، وحتى تجعل نهوضهم من جديدا أمرا مستحيلا.. ونحن نعرف أن أسبانيا هي ضحية إنكلترا في المقام الأول، وضحية فرنسا في المقام الثاني.. وإذا مالت أسبانيا نحو إنكلترا زادت فرنسا في اضطهادها.. وما دامت فرنسا وإنكلترا كلتاهما من الدول الرأسمالية، فلن يكونا الحليف الطبيعي لأسبانيا.. لذلك كان الخط المنطقي لأسبانيا هو أن تنحاز إلي البرتغال وألمانيا وإيطاليا وروسيا، لأن مثل هذا التكتل سيجعل من فرنسا وإنكلترا بلدين محايدين بالنسبة لها".

ويشرح لنا سيرجس، كيف أن التجمع اليساري في أسبانيا تمكن من نشر دعايته بشكل واسع في الصحافة العالمية، في حين أن فرانكو لم يكن ليحظى إلا بالنذر السير من اهتمام الصحف.. وقد كتب سيرجس يقول: "لم يعرف التاريخ من قبل، طرقا وأساليب دنيئة ومنحطة، كالتي استعملها ستالين من وراء المؤتمر الأممي الثالث للشيوعية.. فقد وجه ستالين وأعوانه الدعاية الكاذبة، بشكل متواصل وبدون أي مراعاة للحقيقة والصدق.. واستعملوا أسلوب التكرار والسخرية حتى أصبح هذا الأسلوب ميكانيكا بالنسبة لهم.. ولم يستعمل هذا الأسلوب علي النطاق المحليّ، بل تمكنت البيروقراطية السوفياتية من توسيعه إلي نطاق دولي.. فما إن تطلق "الازفستيا" أكذوبة في فلنتيا، حتى تتناقلها مباشرة الصحف في باريس وستوكهولهم ووارسلو وبروكسل ولندن ونيويورك ومالبورن وبيونس آيريس.. وهكذا يتم توزيع الملايين من النسخ التي تحمل الأكاذيب المضللة.. ولا يبقي أمام المثقفين ثقافة واسعة، الذين يعادون الفاشية، إلا تصديق الصحافة لأنها الوسيلة الأولي لاستقاء المعلومات.. ومن هنا يشعر المرء بأن العالم اليوم يعاني من عملية ضخمة للتضليل الأخلاقي.. وهذا ما يجعلني أقر ـ وأنا أشعر بالأسى ـ بصدق كلمات تروتسكي، عندما اعتبر دعاية الكومنترن الستاليني "زهري" الحركة العمالية".

وهكذا يصبح الكلام الذي جاء علي لسان سيرجس ومورين بعد أن انشقا عن موسكو، مطابقا تماما لما جاء في المنشور البابوي الذي أمر بتوزيعه البابا بيوس الحادي عشر في آذار عام 1937، وجاء في أحد أقسامه: "وهناك تفسير آخر لهذا الانتشار الواسع للأفكار الشيوعية.. إنها الدعاية الشيطانية بحق، التي لم يشهد لها العالم مثيلا.. فهي تدار من مركز رئيسي واحد، وتوزع علي مختلف مناطق العالم، بشكل يناسب جميع الناس.. كما تسيطر علي مصادر مالية ضخمة جدا تبقى دائما تحت تصرفها، وتُمكّنها من السيطرة علي العديد من المنظمات والمؤتمرات الدولية، وعلي أعداد ضخمة من العمال.. وتستغل هذه الدعاية الصحف والمجلات والسينما والمسرح والإذاعة والمدارس وحتى الجامعات.. وشيئا فشيئا تتمكن من الدخول إلي عقول الناس من مختلف الطبقات أو الفئات.. وهناك عنصر آخر يسهل انتشار الشيوعية، هو الإسكات أو التضييق علي قطاع كبير من الصحافة العالمية.. ونحن نقول تضييق، لأنه التفسير الوحيد لسكوت الصحافة أو بقائها بعيدة عن جو الإرهاب الذي عم روسيا والمكسيك وحتى جزءا كبيرا من أسبانيا.. وكيف تسكت الصحافة وهي التي تبحث دائما بنهم عن الأخبار لتملأ بها صفحاتها، ولا تتغاضى عن أي خبر صغير أو كبير، فما بالك بتنظيم عالمي كالشيوعية الروسية. إن هذا السكوت يعود من جهة إلي قصر النظر للأبعاد السياسية، ومن جهة أخري لوجود القوي الشريرة العديدة التي مازالت تعمل منذ وقت طويل علي تحطيم المجتمع.. وها نحن نري النتائج المؤسفة لهذه الدعاية أمام أعيننا.. انتشار واسع للشيوعية، وتفاخر أبطالها الصريح بتحطيم الثقافة المسيحية واقتلاع كل ذكري لها من قلوب الناس، وخصوصا من قلوب الشباب.. وفي أسبانيا دمروا كل ما استطاعوا تدميره من الكنائس والأديرة، وأزالوا كل ما استطاعوا إزالته من مظاهر الدين المسيحيّ.. ولم تكتفِ نظريتهم نفسها بذبح المطارنة وآلاف الرهبان ورجال الدين من الجنسين، بل تعدتهم إلي أولئك الذين نذروا أنفسهم لخدمة العمال والفقراء، فكانت الأكثرية الساحقة من ضحاياهم من بين عامة الشعب ومن جميع الطبقات.. وقد ماتوا جميعا بحقد وحشي بربري لا يمكن أن تصدق أنه يقع في هذا العصر.. ولا يستطيع أي رجل عاقل أو سياسي مسئول، أن ينكر أن ما يحدث في أسبانيا يمكن أن يحدث غدا في أي بلد متمدن آخر.. هذا ما يحدث إذا حذفنا فكرة الله من قلوب البشر، لأنه عندها لا يمكن أن يمنعهم أي شيء عن ارتكاب أبشع الجرائم البربرية".



الحرب الأهلية في أسبانيا:

يقول الجنرال مولا Mola: "بعد انتخاب الحكومة الاشتراكية في إسبانيا ورحيل الملك عن البلاد، حدث انجراف واسع النطاق نحو الانضمام إلي محافل الشرق الأكبر الماسونية.. وقد فكر المسئولون والرسميون أنهم بطلبهم الدخول إلي هذه المحافل، سيكونون بمأمن من الظلم الذي كانت تمارسه الأكثرية الماسونية في الحكومة، وأنهم بهذا يبرهنون عن إيمانهم بالحكم الجمهوري، وبذلك ينجون من خراب محتم".

***

كتب تشرشل: "لقد ساعد الشيوعيون في إقامة الحكم الجمهوري، ليتمكنوا مرة أخري من خلق الفوضى الاقتصادية والسياسية، حتى يتوصلوا إلي جعل القادة يعلنون بالمنطق إلي شعبهم الذي عمته الفوضى، أن الطريق الوحيد لاستعادة النظام والقانون ولإنقاذ الموقف، لا يكون إلا بديكتاتورية البروليناريا".

وهكذا كانت الخطوة المنطقية بعد الإطاحة بالملكية، هي مهاجمة الدين الذي يؤمن به الشعب، فادخلوا العلمانية إلي المدارس، وقاموا بحملة واسعة ضد السلطة الأبوية والسلطة الكنسية.. وبعد خلق الآلاف من اللادينيين ومن البلاشقة الشبان المعادين للقيم الاجتماعية، لم يعد عليهم إلا الانتظار حتى تسنح الفرصة المناسبة، لدفع هذه الجماهير كي تستعمل القوة ضد القانون والنظام.

وفي اجتماع عقد في نادي اتينيو في مدريد، لدراسة البرنامج السياسي المقبل، تم الاتفاق علي النقاط الثماني التالية:

1- خلق ديكتاتورية جمهورية.

2- معاقبة كل مسئول عن عمل غير شرعي في ظل هذه الديكتاتورية فورا.

3- تسريح الحرس الأهليّ والجيش والبوليس، واستبداله الجيش الجمهوريّ به، والذي تم اختياره من الطبقات العمالية ومن أعضاء النوادي الجمهورية.

4- مصادرة ممتلكات الهيئات الدينية.

5- تأميم الأراضي. (لاحظ أنّ مصادرة الممتلكات والأراضي، تضمن تدمير كل السلطات والقوى القديمة في المجتمع ـ خاصة مع تدمير سلطة الدين ـ  لضمان سيطرة هؤلاء الطغاة على المجتمع.. وهذا هو نفس ما فعلته الثورات الشيوعية والاشتراكية في مصر والوطن العربي.. وطبعا وزعوا الأراضي على الفقراء وزجوا بالملايين في تعليم عقيم وقطاع عام خرب اقتصادنا، فقط لرشوة كلّ هؤلاء وشراء ولائهم!!.. والنتيجة هي الواقع المريض الذي نعيشه اليوم!!))

6- القضاء علي وكالات الصحافة المعادية للنظام الجمهوري الديكتاتوري.

7- استغلال المدارس التكنيكية للخدمة العامة مع بعض الأبنية الأخرى.

8- تأجيل انعقاد المجلس التشريعيّ لإسبانيا والبرتغال، حتى يتم تنفيذ هذا البرنامج.

وكان من أبرز القادة السياسيين في ذلك الوقت أزانا Azana ذو الفكر التحرري، وبريتو Prieto الاشتراكي، وكابا ليروCaballero الشيوعي.. وقد تظاهر أزانا بأنه لا يؤيد هذه الاقتراحات المتطرفة وسخر منها، مع أنه بالفعل كان يؤيدها سرا، لأنه ما إن تم انتخابه حتى قام بتنفيذها فورا.

وبعد الاتفاق هلي هذه النقاط الثماني، تم انتخاب المجلس التشريعي التأسيسي.. وتحت شعار "القانون هو الذي يعمل علي الدفاع عن الشعب"، تم إنشاء ديكتاتورية عديمة الشفقة  لم يكن فيها من مظاهر الديمقراطية إلا اسمها، وهو "الجمهورية العمالية".. ثم قام ثوري مدرب يدعي جيمينزا أسوا Jiminez Asua بوضع مسودة الدستور.. أما أزانا فقد وجه اهتمامه الأكبر نحو القضاء علي الكنيسة والتخلص من رجال الدين.. وفي كانون الأول 1932 أسس "الرابطة الإلحادية"، وقام بتمويل مجلتها "سن ديوس" Sin Dios (المنكرون للألوهية) من أموال الشعب.. وقد تم الوصول إلي هذه الأهداف جميعا تحت اسم الديمقراطية!!.. وأعلن للشعب عن طريق القادة أنهم الآن قد حرروا من سيطرة الكنيسة ورجال الدين، الذين تحالفوا مع الإقطاعيين من الملوك المستبدين.. ثم جاء الدور التالي من المخطط، وهو خلق جو من الفوضى والشغب، فبدأ النشاط الثوري في كتالونيا Catatonia.. واستطاع الجنرال بريمو أن يحيطه أول الأمر، لكن النشاط الثوري عاد للظهور من جديد.. وفي كانون الثاني 1933 كتب مراسل "المورننغ بوست" اللندنية أن "مخازن ضخمة للقنابل والبنادق والذخيرة قد تم العثور عليها في جميع أنحاء أسبانيا.. كما أن البوليس تمكّن من التأكد من أن مبالغ ضخمة من المال قد صرفت لإشعال الثورة.. وقد تبين عند تفتيش الذين قبض عليهم أنهم يحملون مبالغ ضخمة من المال".

وبعد ثورة كاتاونيا، قامت الثورة في استروريا Astruria، عندما اتُهم بعض الضباط ببيع السلاح عام 1934.

عندئذ حاول فرانكو جاهدا أن يعيد تنظيم الجيش الأسباني، وأن يضع حدا للفوضى.. لكنه لم يَلقَ مساعدة كافية من السلطات الحكومية.. وهنا يمكننا أن نشير إلي التنظيم السري المحكم للحزب الشيوعي، إذا علمنا أن أكثر من ثلاثمئة كنيسة قد تم إحراقها في وقت واحد في مئة قرية ومدينة متباعدة.. كما انتشر الاغتيال بشكل واسع، حتى ظهر احتراف القتل بشكل واضح ورخيص، بحيث صار في الإمكان قتل أي عدو للثورة وتصفيته بدفع 50 بيزيتا (أكثر بقليل من نصف دولار أميركي).. وهكذا استعمل عملاء موسكو الظروف الفوضوية التي تعيشها أسبانيا، لينفذوا خطة لينين بشأن هذا البلد.. فالتعذيب وبتر الأعضاء والاغتصاب والإحراق وإراقة الدماء والقتل، كلها وسائل استعملتها الشيوعية للوصول إلي السلطة.

وهكذا تدهورت الأحوال في أسبانيا من سيئ إلي أسوأ، ولم تأتِ بداية عام 1936 حتى عمّ الاضطراب والهيجان البلاد بأسرها.. عندئذ حل الرئيس المجلس التشريعي التأسيسي "Cortes"، وعيّن السادس عشر من شباط موعدا لانتخابات عامة.. وحتى يحين موعد الانتخابات، قام جيل روبلز وكالفو سوتيلو بحملة معادية للشيوعية، بينما كانت الدعاية للبلاشقة تتم عن طريق نشرة تدعى "أصدقاء روسيا"..

في هذه الإثناء كان لارغو كاباليرو الشيوعي يقبع في السجن، إثر فشله في تنفيذ محاولة انقلابية.. وقد أجرى معه المستر إدوارد كنوبلر مقابلة نشرها بعنوان "مراسل في أسبانيا"، يقول فيها: "وسنحصل علي 265 مقعدا، فنغير النظام تغييرا شاملا.. ولن تمضي سنوات خمس إلا ونكون قد قمنا بالاستعدادات لتحقيق هدفنا النهائي، وهو اتحاد الجمهوريات الايبرية.. وهكذا ستعود شبة الجزيرة الايبرية لتكون بلدنا الأوحد.. ونحن نأمل أن تنضم البرتغال بالطرق السلمية، غير أننا قد تستعمل القوة إذا احتاج الأمر.. ويمكنك أن تري من خلال هذه القضبان حاكم أسبانيا القادم.. لقد أعلن لينين أن أسبانيا ستكون الدولة السوفياتية الثانية في أوروبا، وستتحقق نبوءته هذه، وسأكون أنا لينين الثاني الذي سيقوم بتحقيقها".

وبعد انتخابات متحيزة تماما، لم تشهد أسبانيا لها مثيلا في تاريخها، كتب الرئيس زامورا يقول: "وصلت الجبهة الشعبية إلي السلطة في 16 شباط، بفضل نظام انتخابي سيء جدا وغير عادل أبدا.. وبفضل هذا النظام توصلت الجبهة الشعبية لنيل أكثرية تقريبية، بينما هي في الحقيقة لا تشكل إلا أقلية بعيدة عن الفوز" (((لاحظ أنّ هذه دائما هي نتيجة أيّ انتخابات!! فهي لا يسيطر عليها إلا الأقوى سلطة ونفوذا ومالا وإعلاما!!!))).

علي أن النتائج لم تكن في صالح الجبهة في التصويت الأول، لأنها نالت 200 من أصل 465 صوتا.. وهذه النسبة لا تؤهلها لتشكيل حكومة، فكان لا بد لهم من أن يتحالفوا مع أقليات برلمانية، فتحالفوا مع الباسك وغيرهم، وشكلوا مجلسا يتولي إعادة الانتخابات في جميع المحافظات.. ولقد تأكدوا من نجاحهم هذه المرة، بعد أن تمكنوا من تشويه سمعة بعض المرشحين اليمينيين وتشكيك الناس بكفاءتهم.. وجاءت النتائج النهائية لينالوا 265 صوتا ـ تماما كما تنبأ كاباليرو!.. ومع هذا فقد جاء تقسيم الأصوات علي الشكل التالي:

أحزاب الوسط والأحزاب اليمينية 4.610.000 صوتا.

حزب الجبهة الشعبية 4.356.000 صوتا.

وبهذا تكون زيادة الوسط واليمين علي الجبهة 554.000 صوتا.

ويستطيع القارئ أن يري أن نجاح الجبهة الشعبية جاء بسبب توحيد القوي اليسارية بشكل واضح وعجيب، حتى إنها جمعت لواءها من الاشتراكي المعتدل حتى الشيوعي البلشفي.

وهكذا نري كيف أعد الشيوعيون الستالينيون الوضع العام في أسبانيا حتى وصلوا إلي هذه النتائج.. لقد جاء في السجلات الحكومية للفترة التي سبقت انتخابات شباط 1936 ما يلي: "منذ نهاية ديكتاتورية الرئيس دي رييرا عام 1931، قامت ثورة واحدة قتل فيها 2.500 شخص، و 7 انتفاضات و 9.000 إضراب، و 5 تأجيلات للميزانية، وزيادة بليوني بيزيتا علي المصارف الداخلية، وحُلت 1000 بلدية، وتوقفت 114 جريدة، وعاشت البلاد سنتين ونصف من الحكم العسكري".

أما في الأسابيع الستة التي تلت إنشاء حكومة الجبهة الشعبية برئاسة ازانا وكابا ليرو وبريتو، فقد حدثت الأمور التالية:

أولا: اغتيالات وسرقات: في مراكز القيادة السياسية 58 حادثا، في المؤسسات الخاصة 105 حوادث، في الكنائس 36 حادثا.

ثانيا: حرائق: في مراكز القيادة السياسية 12 حريقا، المؤسسات الخاصة 60، الكنائس 106.

ثالثا: أعمال شغب: إضرابات عامة 11، انتفاضات 169، قتلي 76، جرحي 364.

وجاء في حديث لكاباليرو في منطقة زاراغوزا: "يجب أن ندمر أسبانيا حتى تصبح لنا.. وفي يوم الانتقام لن نترك حجرا علي حجر".. وأعلن في مكان آخر: "قبيل الانتخابات كنا نسأل عما نريده، ولكن الآن وبعد الانتخابات سنأخذ ما نريد بأي وسيلة كانت.. ويجب علي اليمينيين أن لا يتوقعوا أي رحمة من العمال، لأننا لن نخلي سبيل أحد من أعدائنا".

وأعلن ازانا هو الآخر، وقد ظهرت السعادة عليه: "أن أسبانيا لم تعد بلدا كاثوليكيا أبدا".

وقد جاء في تقرير مراسل جريدة "التايمز" عن أوضاع برشلونة في شباط 1936 ما يلي: "أنذر أحد المجالس الحكومية عددا من الرسميين بضرورة التخلي عن مناصبهم في شباط، وقد نفذ الإنذار فورا".. وبعد شهر كتب يقول: "أصبح الآن هم جميع الشيوعيين أن يقيموا ديكتاتورية البروليتاريا".. ثم كتب بعد مدة أيضا: "بدأت الاشتراكية الأسبانية تسير بسرعة نحو الشيوعية.. ويلاقي ماركس ولينين تأييدا شديدا من قبل الشبان، الذين يعتبرون أنفسهم تلاميذ لهما.. ويعتقد هؤلاء الشباب أن الحصول علي السلطة هو المطلب الثوري للاشتراكية الأسبانية، وأن العنف والقسوة هما الوسيلة الناجحة للحصول علي هذه السلطات.. ويعتقدون أيضا أن الطريق الوحيد للمحافظة علي السلطة هو ديكتاتورية البروليتاريا.. وهكذا تنتشر تعاليم هذه المبادئ الهدامة بصورة واسعة".. وفي آذار 1936 كتب هذا المراسل أيضا يقول: "لقد أنشد النواب في البرلمان الإسباني نفسه، النشيد الوطني السوفيتي وهم يرفعون قبضات أيديهم مؤدين التحية الشيوعية".

والآن نسأل أنفسنا: لماذا تحوّل الشباب الإسباني بإعداد كبيرة إلي الشيوعية؟

تشير التحريات إلي أن أزانا ـ أحد قادة الثورة المذكورين سابقا ـ ظهر للشعب علي أنه صاحب أفكار تحررية، يؤمن بالاشتراكية ولا يعادي الدين.. وكان يحتج علي الإرهاب الذي يقوم به الهدامون والشيوعيون.. ولكن هذه الصورة تغيرت تماما عندما وصل إلي السلطة السياسية، حيث استعمل هذه السلطة للقضاء علي المجالس الدينية وعلي مدارسها، ثم عهد إلي فرانسيسكو فرار بتأسيس المدارس العلمانية.. وهكذا أصبح التلاميذ ينشدون الأناشيد العلمانية عند بدء دروسهم، بدل أن ينشدوا لله خالقهم وخالق الكون بأسره.. ومن هذه الأناشيد:

"نحن أبناء الثورة نحن أبناء الحرية.. بنا ظهر فجر جديـــد للإنسانية"

كما أنشدوا أيضا تراتيل أخرى في مدارس برشلونة منها:

"اقذف المتفجرة، ركز اللغم جيدا، تمسك بقوة المسدس، وأنشد كلمات الثورة.. قف مستعدا بسلاحك حتى الموت، ودمر بمسدسك وديناميتك الحكومة"!!

وهناك أناشيد أخري مماثلة، كانت تذاع بالإنكليزية من إذاعة موسكو، موجهة للشيوعيين الإنكليز بين عامي 1937 و 1938.. هذا وقد رفض ناشرو الصحف البريطانية والأمريكية أن ينشروا الحقيقة لأنها ظهرت غريبة لا تصدق.. ومع هذا فإن الحقيقة المرة جاءت في رسالة من فرانسيسكو فرار إلي أحد الرفاق، كتب فيها يقول: "وحتى لا نخيف الناس ونعطي مبررا لإغلاق مؤسساتنا، كنا نسميها المدارس الحديثة وليس مدارس لتعليم مبادئ الرفض والتغيير.. ومع أنني أرغب بإقامة الثورة، إلا أنني كنت أكتفي في ذلك الوقت بزرع الأفكار الثورية في عقول الشباب، بحيث يصبح عندهم الاعتقاد الجازم بضرورة استعمال العنف ضد البوليس ورجال الدين، وبحيث تصبح وسائلهم الوحيدة هي القنابل والسموم".

وقد استعملت هذه الرسالة كدليل ضد فرار، عندما ألقت عليه القبض قوات فرانكو خلال الحرب الأهلية.. ولما حكم علي فرار بالإعدام بتهمة الخيانة، ثارت ثائرة محفل الشرق الأكبر في باريس، واحتج لدي جميع المحافل في العالم، مدعيا أن فرار هذا قتل لنشاطاته المعادية للكاثوليكية.

ويكفينا أن ننقل قول لينين: "إن أفضل الثوريين هو شاب متحرر من المبادئ الأخلاقية".. ونحن نعلم أن كلمات لينين هي بمثابة قانون بالنسبة للشيوعيين، لذلك عمل جميع أفرادهم علي خلق جيل من الشباب من الجنسين، لا يؤمن بالقيم الاجتماعية والخلقية.

تشمل الخطوات الأولي لبرنامج تربية الشباب الثوري تفكيك روابط الأسرة، وإثارة الأولاد علي سلطة آبائهم حتى قبل بلوغهم سن الرشد.. ولقد أدخل هؤلاء المخربين في روع الأطفال أن آباءهم هم جيل رجعيّ متأخر، وأنهم يربون أولادهم علي الكذب والأساطير، كما هي الحال في قصة بابا نويل والمكان الذي يخرج منه المولود!

وعلّل المخربون هذا التأخر عند الآباء، بأنه نتيجة للاستغلال الرأسمالي، وأن الجيل القديم هو ضحية التعاليم الرجعية.. ومن هنا كان علي الولد أن يعلّم والدية الأفكار التقدمية الحديثة، وألا يسمح لهما أبدا بالسيطرة عليه وتوجيهه كما يشاءان.. وكان الهدف من هذه الحملة الهدامة هو تقويض قدسية ووحدة الحياة العائلية.

وتأتي الخطوة التالية وهي: إزالة احترام رجال الدين من نفوس الأطفال.. وحتى يتوصلوا إلي ذلك صوروا رجال الدين وكأنهم الفئة الأقل ذكاء والأضعف بنية في المجتمع، وأنهم في الحقيقة خدام للطبقات الحاكمة.. وتعلّم الأولاد قول ماركس المعروف: "الدين أفيون الشعوب، لأنه يعلم الخنوع والقبول بالفقر والمرض والعمل المرهق، بهدف إصلاح الروح".. وهكذا صار الرهبان بالنسبة للأطفال "ذئابا في ثياب حملان" و "غربانا" تأكل من جهل وسذاجة العامة من الشعب.. وإذا حدث أن تورط أحد الرهبان في فضيحة، استعملت جميع وسائل الدعاية للنيل من الدين ككل.

حتى إذا اتضحت هذه الصورة البشعة لرجال الدين عند الشباب، بدأ الهجوم الفعليّ علي الدين، وانطلقت عمليات السخرية من الدين بشكل مقرف للغاية.. فصوروا المسيح علي أنه ابن غير شرعي لمريم، تلك الشابة اليهودية التي خدعت يوسف وأوهمته أن ابنها هو هدية الروح القدس.. ووصفوا المسيح بأنّه مخادع يخفي الضعف في شخصيته بالسحر والشعوذة التي يسميها معجزات.. وقالوا إن التلاميذ الاثنى عشر للمسيح هم أعوانه الشريرون!!.. ولم يقفوا عند هذا الحد، بل اتخذوا من أحب الحكايات عن المسيح ـ وهي أنه كان صانع أحذية في سن مبكرة جدا ـ ليستعملوها بمعني آخر، وهو انه كان يستعمل السحر لبيع الخمور في حفلات الزفاف.. واتهموا المسيح أيضا وجميع أتباعه من الكاثوليك بأنهم من آكلي لحوم البشر، واعتمدوا في ذلك علي النص التوراتي الذي عاتب فيه المسيح أتباعه على أنهم إذا لم يأكلوا من لحمه ويشربوا من دمه فإنهم لن يحظوا بالخلود!!

وكان يجري تدريب المراهقين عن طريق المرافقة والمصاحبة، فيصاحب أحد المدربين مراهقا يعلمه التحرر، الذي يتحول فيما بعد إلي تحلل من جميع القيم، وانفلات كامل من جميع القوانين.. ويتعلم المراهقون أن الخطيئة الوحيدة هي في عدم طاعة قادتهم، وأن هناك جريمتين فقط يمكن أن يرتكبهما الفرد: إهمال الواجب، وخيانة أسرار الحزب.

بعد كل هذه الخطوات يأتي دور الاحتكاك الفعلي مع البوليس.. وحتى يعتاد الشباب المدربون حديثا علي هذه الأعمال، يدخلونهم في مجموعات أو عصابات يقودها قادة شيوعيون.. ويدرب هؤلاء القادة الشباب علي الأعمال المخلة بالنظام والقانون، ويرغمونهم علي الاقتتال حتى يتعرفوا علي مقدارتهم الجسدية.. ثم يدفعونهم إلي ارتكاب جرائم صغيرة تكون الخطوة الأولي إلي جرائم أخرى، وبعدها يسمحون لهم بالتعرف أكثر فأكثر علي التنظيم السري للشيوعية.

ويستعمل الشيوعيون قصص الإجرام والتمثيليات الجنسية المريضة كجزء من حربهم النفسية.. وتقوم هذه التمثيليات المعدة بشكل خاص، بإثارة الدوافع الشريرة الكامنة عند الأطفال، كالميول السادية.. كما أنّها تضعف من الدرع الأخلاقي الذي يصون بعض الأولاد.. فحتى اللعب صارت تمثل مسدسات وجنودا وبنادق، بالإضافة إلي الأفلام السينمائية التي صارت تكثر من تصوير الجرائم وإطلاق النار.. وكل هذا يعمل علي تحطيم الروح المسيحية العادية عند الناشئة، ويجعلهم يتأقلمون مع المناظر القاسية والموت المفاجئ واستعمال الأسلحة.. وهناك أيضا كتب ومجلات الدعارة التي وزعها ونشرها الشيوعيون بشكل واسع وبأسعار رخيصة.. وهذه المنشورات أعدت خصيصا لتحطيم ذلك الوجه الأخلاقي الذي أوجدته وطورته قيم الثقافة المسيحية.

أما تأثير السينما فقليلا ما يدركه الناس.. فلقد لعبت السينما الحديثة دورا كبيرا جدا في انقلاب الشباب علي بيوتهم وأوطانهم وأديانهم.. فدور السينما تعرض أفلاما تدور فيها لأكثر من ساعة جميع الأعمال الإجرامية التي يقوم بها الفاسقون من الرجال والنساء، والتي يعاقبها الضمير ويحرمها القانون.. وفي النهاية تخصص دقيقة واحدة فقط لعقاب هؤلاء، بأن يموتوا أو يقبض عليهم رجال القانون!!.. ولما عرض فيلم الثورة المكسيكية في مدينة غالفستون في تكساس، وهو يصور تصويرا حقيقيا تلك الثورة، حيث يقتل الرجال أو يجرون من منازلهم ويذبحون علي يد الثوار، كانت نتيجة هذه المشاهد أن أغمي علي المشاهدات.. أما المشاهدون فقد تقيا أكثرهم من هذه الصور.. ولقد أدي هذا إلي منع الفيلم.. ولكننا اليوم نجد أن أفلاما كهذا الفيلم تعرض في حفلات خاصة يطلبها الأطفال والناشئة!!.. وهذا مثال علي مدى ما حققته السينما تدريجيا من سيطرة علي شبابنا، بحيث أصبحوا قساة لا تهمهم المناظر الدموية المؤذية، وأصبحوا يشاهدون ـ بدون أي انزعاج ـ مناظر القتل والاغتصاب.. كل هذا التخطيط يؤكد المبدأ الثوري الذي يقول "لا يمكننا أن نحقق بسرعة إصلاحا ملحا جدا، إلا عن طريق عمل ثوري".

وفي البلاد التي لم تخضع بعد لقادة الحركة الثورية العالمية تقوم، وكالات أفلام خاصة بتوزيع آخر ما يتصوره خيال، من مشاهد الدعارة والرذيلة، لتعرض سرا علي مجموعات من الناس.. وتصور هذه الأفلام جميع الانحرافات الجنسية التي عرفتها البشرية ((الآن صارت هذه المواد الإباحية تبث في القنوات الفضائية بل والأرضية!!!)).. وتستعمل هذه الأفلام لإفساد الشباب، مما يشجعهم علي الانخراط في صفوف المنظمات الثورية.

وهكذا تتم عملية تربية الشباب الثوري.. حتى إذا برهن الشاب عن عدائه للدين وللقيم الاجتماعية، وبدت عليه ملامح القسوة والشدة، أرسل إلي موسكو، حيث يتم تعريفه "بالحرب الثورية وبحرب الشوارع".. وهذا بالطبع يختلف عن التدريبات التي تعطي لقادة المثقفين والعمال.

ولقد حققت الحرب النفسية الثورية دورها في العالم الغربي كما حققته في أسبانيا، فالانسان هناك أصبح يسمع آخر التطورات العالمية وأخبار الجرائم وحوادث الطائرات والسيارات والاغتيالات الوحشية، ثم يذهب لينام بهدوء دون أن يرفّ له جفن.. بينما كانت أخبار مثل هذه، لو حدثت قبل خمسين سنه تمحو النوم من الجفون.

لقد أصبحت هذه الأعمال الإرهابية أمورا عادية تحصل كل يوم، وأصبحت عندنا مناعة ضد الانفعال والاضطراب الذي كان يصيبنا عندما كنا نشاهد في الماضي عملا غير عادي.. أصبحنا لا نكثرث عندما نسمع خبر الإطاحة بحكومة ما عن طريق القوة، ولو كنا نكثرت، لفعلنا شيئا ما لوقف ما يحدث.

وعندما كانت الشيوعية تتوغل في أسبانيا، كان الناس يقولون "لن تستطيع الشيوعية أن تسبب أي ثورة هنا"، لأن معظم الناس يوجهون أسماعهم إلي من يحدثهم عن الأمن والاستقرار المزعومين.. إنهم كالنعامة يضعون رؤوسهم في التراب عندما يشاهدون اعداءهم ويظنون أنهم بمأمن منهم.. ولكن عليهم أن يتذكروا أنهم بوضع رؤوسهم تحت التراب لا ينقذون إنسانا من قاتل أو مغتصب، ولا يبعدونه عن قنبلة متفجرة.

***

عندما اقترب موعد الانتفاضة الثورية في أسبانيا، تشجع موزعو الأدب الخليع والصور العاهرة، حتى إنهم كانوا يقفون علي أبواب الكنائس يعرضونها علي المصلين عند دخولهم وخروجهم منها!!.. وتصور أغلفة هذه المناشير الرهبان والراهبات في أوضاع مخلّة.. ويذكر المراسل المستر أضرار كنوبلو الذي يعتبر بحق مرجعا عن الحرب الأهلية في أسبانيا، كتابه "مراسل في أسبانيا": "بين الفينة والفنية، كانت وقود رجال الدين البروتستانت تأتي لتحتج علي بعض الكتابات المعادية لرجال الدين.. فيتم استقبالهم علي أحسن وجه، ثم يأخذهم مرشد خاص إلي حيث تريد السلطات الشيوعية.. وبعد يوم أو يومين يعودون إلي بيوتهم وقد تم التأثير عليهم بالشكل المناسب.. ولكن حدث في أحد الأيام أن دخل وفد من رجال الدين إلي إحدى المكتبات للبحث عن بعض المؤلفات.. وقبل أن يستطيع موظف المكتبة منعهم، شاهدوا بعض نسخ مجلتي "La Traca" و"Bicharracos".. وظهر علي أغلفة هذه المجلات صور مخلة بين رهبان وراهبات شبه عاريات.. كما اشتملت المجلتين على العديد من الصور البذيئة.. وخرج الوفد وكأن بهم مسا".

ويمكننا أن نعقد مقارنة بين حالة أسبانيا خلال أعوام 1923 ـ 1936، وبين حالة كندا في الوقت الحاضر.. حيث الخلاف قائم فيها بين السكان الذين ينطقون الإنكليزية والسكان الذين ينطقون الفرنسية.. فهناك في أسبانيا يعيش شعب الباسك المتميز بلغته وثقافته وعاداته التي ترجع إلي عهود سحيقة جدا.. كما أن هذا الشعب يعرف بكبريائه وتدينه الشديد.. ويعتقد الباسك ـ كما يعتقد الكنديون الفرنسيون ـ أنهم يستحقون استقلالا قوميا.. وحتى يحققوا هذا الاستقلال نظموا حركة انفصالية لتحرير الباسك وفصله عن بقية أسبانيا.. وكان طبيعيا بالنسبة لمخططي الحركة العالمية في أسبانيا، ألا يهملوا هذا الوضع، فالباسك شعب كاثوليكي شديد الإيمان، وهو يؤمن أنه سيكون علي حق عندما يحارب من أجل الاستقلال.. ولكن الأكثرية من هذا الشعب عملت مع الشيوعيين لتحقق أهدافها، دون أن تعلم إنها متحالفة معهم.. وحدث هذا عندما تسرب الشيوعيون إلي المجتمع الباسكي وأخفوا حقيقتهم، حتى صاروا قادة "الانفصال".. وعندئذ قادوا شعب الباسك نحو المذبحة، تحت شعارات الوطنية والحماس الديني.. وكان هؤلاء القادة مثل الرئيس اغويير Aguirre، وغيرال Giral، ونيرجنNergin، يعملون علي الحبلين، رابطين بين شعار الصليب المسيحي وشعار المنجل والمطرقة الشيوعيين.. ولما اشتعلت الثورة تركت الجماهير لتلاقي مصيرها.. وبينما كان المئات يلاقون حتفهم، كان اغوييرAguirre رئيس دولة الباسك وقائد جيشها يجلس في مكتبه في بلباو Bilbao.

وقد جاء مقدمة كتاب "الظلم الأحمر في بلاد الباسك" The Red Persecution in The Basque Country، التي كتبها F. J. Olondriz ما يلي:

"وعندما جاء اليوم المحدد، شعر الانفصاليون الباسك وقد أثارتهم العاطفة العمياء، أنهم متحدون بقوة مع الشيوعيين.. مع الملحدين الهدامين.. ودخل الباسك الحرب وتحملوا مسؤولية الذبح والقتل، معتقدين بشرعية جميع الأساليب الوحشية.. لقد تجاهل هؤلاء كلمات رئيسهم الديني البابا بيوس الحادي عشر، التي جاءت في الأمر العام الذي وزع علي جميع أبرشيات الروم الكاثوليك، والتي تقول: الشيوعية هي ارتداد عن الدين لا جدال فيه.. ولا يسمح أبدا لمن يرغب في خدمة الثقافة المسيحية أن يتعاون مع الشيوعية بأي شكل من الأشكال".

***

بدأت الحرب الأهلية في أسبانيا 1936.. وقد أعلن كالفو سوتيلو في المجلس التشريعي Cortes أنه في الفترة بين شباط وحزيران من عام 1936، حدث 113 إضرابا عاما، 218 إضرابا جزئيا، بينما أحرق 284 بناية و 171 كنيسة، و69 ناديا و10 مكاتب صحيفة، كما ارتكبت 3300 عملية اغتيال.

وبسبب هذا الإعلان، قفز رئيس الوزراء كساريس كويروغا علي قدميه وأجابه بغضب: "ستكون أنت المسئول شخصيا عن الانفعالات التي سيسببها خطابك".. أما الشيوعية دولوريز إباروري فقد وقفت في المجلس وأشارت إلي سوتيلو صارخة: "لقد لفظ هذا الرجل خطابه الأخير".

وبالفعل كان هذا خطاب سوتيلو الأخير، لأنه سحب من منزله علي يد جنود يقودهم الكابت دون أنجل مورينو، وجره هؤلاء إلي باحة إحدى الكنائس القريبة وقتلوه.. ولقد كان هذا الحادث السبب وراء ترك بعض الجنرالات لمحفل الشرق الأكبر، وطلبهم من فرانكو أن يتسلم قيادة البلاد.. ويجب أن نعلم أن دولوريز إباروري كانت عملية لستالين، وكانت مهمتها إفساد ضباط الجيش، وتنظيم وتدبير غارات علي القوات الحكومية.. وقد أدت مهمتها المتعددة الجوانب علي الوجه الأكمل.

وبعد اغتيال سوتيلو أغار حرس الطوارئ علي منازل العديد من الشخصيات البارزة المعادية للشيوعية، ولكن أكثرهم تمكن من الفرار بعد أن تم إخطارهم بالأمر مسبقا.

وفي يوم الانتخابات (شباط 1936)، اتصل فرانكو تلفونيا بالجنرال بوزاس ـ قائد الحرس الشعبي ـ وأخطره بأن الشيوعيين المنتخبين للمجلس التشريعي يخططون لإثارة الشغب وأعمال العنف، بهدف الإطاحة بالحكومة الجمهورية.. ثم اتصل بالجنرال موليرو وزير الحربية، وأخبره بالأمر وبالخطر الداهم.. واقترح فرانكو أن يُسمح له بإعلان الأحكام العرفية في البلاد.. وقد استطاع فرانكو أن يحصل علي موافقة أكثر القيادات للعمل علي إيقاف موجة العنف والشغب، ولم يبق عليه إلا توقيع مجلس الوزراء، ليستعيد النظام وليمنع قيام الحركة الثورية ضد الحكومة الجمهورية.. ولم يتمكن فرانكو من الحصول علي هذا التوقيع، لأن رئيس الوزراء طلب إعفاءه من مهمة تصديق مثل هذا القرار.. وكانت إجابة فرانكو له صريحة، إذ قال: "أنت السبب فيما آلت إليه الحالة في أسبانيا.. وعليك الآن أن تحاول إنقاذها".

عندئذ صدرت الأوامر للجنرال فرانكو أن يذهب إلي جزر الكناري.. وكان هذا بمثابة نفي له من أسبانيا.

وقبل أن يغادر فرانكو البلاد، اجتمع بالجنرالين مولا وفاريلا، اللذين أكدا له أن بقية الجنرالات سيتركون المحافل الماسونية العسكرية عندما يعرفون الحقيقة.

وقبل أن ينتهي الاجتماع، تم الاتفاق علي طريقة اتصال سرية بين مولا وفرانكو.. وما أن غادر فرانكو أسبانيا إلي جزر الكناري، حتى جدد عملاء ستالين نشاطهم في البلاد.

وفي 23 حزيران 1936، بعث فرانكو وبرسالة مطولة إلي وزير الحربية، يعيد فيها تحذيره من أخطار محددة.. ولكن هذه التحذيرات لم تنل إلا الإهمال، لأن الوزراء الشيوعيين في الحكومة الجمهورية كانوا يسيطرون علي سياستها وتحركاتها.

حتى إذا جاء مقتل كالغو سوتيلو في 13 تموز، قرر فرانكو أن يبدأ العمل، فأرسل رسائل بالشفرة إلي بعض الجنرالات، الذين أقسموا أن يحاربوا من أجل إنقاذ أسبانيا من براثن الشيوعية ومن الانخراط في فلك الروس.. ومن بين الذين اتصل بهم فرانكو، مولا وغوديد وفانجول وسانجورجو وساليكويت، وبعض الضباط في البحرية الأسبانية.. كما اتصل بكويبو دي.. وبعد إرسال الرسائل، طار فرانكو من جزر الكناري إلي تطوان، حيث يمكنه الاعتماد علي القوات المغربية.

وفي 21 تموز، أصدرت فرانكو بيانه الذي حدّد القضية بأقل عدد من الكلمات: "من واجب الجميع أن يدخلوا هذا الصراع الواضح بين روسيا وأسبانيا".. وهكذا بدأت الحرب الأهلية، فانقسمت البلاد إلي فئتين: الموالون Loyalists وهم جميع الفئات اليسارية التي جمعتها الجبهة الشعبية تحت لوائها، و الوطنيون Nationalists وهم جميع الفئات التي انضمت تحت قيادة فرانكو، وضمّت كل الأحزاب اليمينية.. وكانت الدعاية التي سرت في ذلك الوقت قد أقنعت الرجل الإسباني العادي، أنّ مجموعة صغيرة من الجنرالات قد دبرت انقلابا عسكريا لتحويل، حكومة الجبهة الشعبية الجمهورية إلي ديكتاتورية عسكرية.

وانقسم الشيوعيون إلي مجموعتين.. الأولي تريد تحويل ديكتاتورية البروليتاريا إلي حكم مطلق علي الطريقة التي اتبعها ستالين، والثانية كانت ترغب في جعل أسبانيا جزءا لا يتجزأ من الجمهوريات السوفياتية التي تدعو لها الماركسية.

وأما القوميون الأسبان فقد ضموا فيمن ضموا، الحركة الملكية التي كانت تنادي بإعادة الملك إلي أحفاد دون كارولز منذ 1837.. وقد ساعد هؤلاء فرانكو، فقط لأنهم لا يتحملون أن يروا الشيوعية تنتشر في أسبانيا.. وإلي جانب الملكين ضم جيش فرانكو حزب الكتائب الأسبانية، وهو حزب يميني متطرف كان يضم مجموعة من النازيين الألمان، الذين يؤمنون بالحرب الشاملة لإبادة أعدائهم اليساريين.. وفي حالة من الانقسام كهذه، كان لابد من أن يتهم اليمينيون جميع اليساريين بالشيوعية، وأن يتهم اليساريون جميع اليمنيين بالفاشية.. ومن جراء هذا الانقسام أيضا، صارت البلاد عرضه لأعمال الإرهاب، وخصوصا التي ارتكبها الشيوعيون، الذين عذبوا واغتصبوا وأعدموا الآلاف، كجزء من خطة إرهابية للسيطرة علي الوضع.. ولكن بعض الفئات المتطرفة التي عملت مع فرانكو لم تسكت، وعاملت أعداءها بالمثل.. وهكذا نجد أن الحروب الأهلية تنخفض بالإنسان إلي درجة أحط من الوحوش.. وهنا يقع اللوم كله علي أولئك الذين يثيرون مثل هذه الحروب.

والعجيب أن خطة فرانكو ومحاولته هزيمة الشيوعيين لم تفشل، مع العلم بأن التحريات التي تلت الحرب الأهلية أثبتت أن مجموعات كبيرة من الخونة كانت قد تسربت إلي الجيش وتسلمت مراكز حساسة، وذلك بمساعدة عملاء موسكو من أعضاء حكومة الجبهة الشعبية في أسبانيا.

وقبل قيام الحرب الأهلية، كان جوليو الفيريز ديل فايو، وزيرا للخارجية في حكومة الجمهوريين ورئيسا عاما لشؤون الجيش الأسباني، وكانت الأغلبية العظمي من هؤلاء تنتمي إلي الحزب الشيوعي، فعملت علي إجبار الجنود علي الانضمام للحزب.. وقد نشر السفير السابق للجمهورية الأسبانية في باريس هذه الحقيقة، في مجلة "نيويورك تايمز" في 19 أيار 1939.

وهناك دليل آخر نورده علي لسان انداليكو بريتو، أحد النواب الاشتراكيين، الذي كان يشغل أيضا منصب وزير الدفاع أيام الحرب الأهلية، وهو نفسه الذي كان يوجه الحرب ضد فرانكو.. يقول في تقرير نشرة في باريس عام 1939 بعنوان: "كيف ولماذا تركت وزارة الدفاع الوطني؟": "لقد كان تحمل المسؤولية صعبا جدا، وذلك لأن الشيوعيين كانوا يشغلون مراكز حساسة، وقد أخفوا بسرية تامة حقيقة أمرهم وانتماءاتهم، وتمكنوا من دخول الأحزاب الأخرى.. وأذكر علي سبيل المثال واحدا منهم، وهو الدكتور جوان، الذي كان له سلطة قوية خلال الحرب الأهلية.. ولأنني رفضت إطاعة الأوامر الصادرة من موسكو، طردني جوان نرجن من الحكومة التي ترأّسها في الخامس من نيسان 1938.. واستطاع طردي من مركز وزير الدفاع الوطني، بعد أن وجه ضدي مؤامرتين في وقت واحد.. الأولي قامت بها قوات البوليس السري الروسي ورجاله العسكريون في بلادنا، والثانية ثم تنفيذها علي يد الشيوعية الأسبانية.. فالروس كانوا يأمرون والشيوعية الأسبانية كانت تنفذ".

ويدّعي الدكتور جوان هذا انه ليس شيوعيا وإنه لم يكن يوما من الأيام كذلك، ولكنه هو الذي أمر بتسليم سبعة آلاف صندوق من الذهب الأسباني إلي ستالين.. وقد حملت هذه الصناديق علي السفن: كين، ونيف وفولجيلز التي رفعت العلم الروسي.. ورافق هذه السفن جوزية فيلاسكو وأرتورو كانديلا كأمناء ورجال ثقة، حتى وصلت السفن الثلاث إلي أوديسا في روسيا.. وتم كل شيء في الخفاء.. حتى أعضاء حكومة الجبهة الشعبية لم يكونوا علي علم بذلك.. وفي عهد جوان أيضا تم تعيين ثلاثة من الشيوعيين في مناصب مساعدي "سكرتيريا" الدفاع، وكانوا هم المسيطرون الفعليون علي القوات الإسبانية، برا وبحرا وجوا.

ومع أن لارغو كاباليرو كان شيوعيا، إلا إنه لما رفض إطاعة الأوامر الصادرة إليه من الموفدين العسكريين، تجاهل الشيوعيون أوامره وهو في مركز الرئاسة.. وكان كاباليرو يحاول أن يكفر عن أخطائه التي ارتكبها، ولكنه وجد أن الوقت أصبح متأخرا جدا.

وهناك إشارة لثيو روجرز في كتابة "أسبانيا في الرحلة المأسوية"، إلي وقوع وثائق في يد فرانكو والجنرال مولا، عن قيام ثورة واسعة النطاق، أكيدة الوقوع.. يقول روجرز: "تم العثور علي وثائق وخطط من بعض الشيوعيين والفوضويين.. وهي تظهر أن هناك خطة مدروسة بدقة قد وضعت للانقلاب علي الحكومة المركزية في مدريد، وإنشاء ديكتاتورية سوفياتية"

وقد تأجل تنفيذ الخطة الشيوعية ثلاث مرات، حتى تستكمل القوات العميلة ترتيباتها النهائية الأخيرة.

وكان علي العالم بأسره أن يلم بالخطة التي أعدتها موسكو ضد أسبانيا، لأن الوثائق التي كانت تحمل الأمر النهائي بالثورة من الكومنترن إلي الحركة الثورية الأسبانية، تم كشفها ونشرت في "صدي باريس" في نيسان 1936.

وجاء في هذه الجريدة ما يلي:

"نص التعليمات الموجهة إلي الميليشيا الحمراء".

"هذه التعليمات الموجهة إلي الميليشيا الحمراء الأسبانية، ليست صادرة من تنظيم مركزي أسباني، ولكنها صادرة من فرع الخدمات التكنيكية التابع للحزب الشيوعي الفرنسي، الذي بتعاون مع الكومنترن وموفدية في فرنسا.. هذه الوثيقة التي ننشرها الآن قد وقعت في أيدي الحكومة، ونحن مقتنعون بان المسيو دالادير وزير الحربية والدفاع قد أعطي الأوامر لأخذ الاحتياطات الدفاعية والوقائية اللازمة".

وجاء في النص الذي اختصرناه ما يلي:

1. تقوية فرق الصدام والحرس في الثكنات وتزويدهم بالمسدسات الأوتوماتيكية.. هذه الفرق هي أفراد الحزب الشيوعي التي تخدم في القوات العسكرية الدائمة وفي القوات الاحتياطية.

2. سيتم الاتصال بين هذه الفرق وبين من سيهاجمون الثكنات.. وسيلبس المهاجمون اللباس الموحد، ويكونون تحت إمرة ضباطنا الذين نثق بهم كل الثقة.

3. عندما يبدأ القتال، سيتم إدخال ضباطنا وجنودنا إلي الثكنات سرا.. وعندما تستقبلهم لجنة خاصة ويعملون سوية معنا داخل الثكنات حسب الخطة المتفق عليها.

4. ستقوم اللجنة المؤمّنة داخل الثكنات، بإعداد لوائح كل يومين، تشمل العناصر المعادية والحيادية والمؤازرة والخبراء.. وعندما تقع الثكنات في أيدينا، سنتخلص بسرعة وبدون تردد من المصنفين كأعداء لنا، وخصوصا الضباط والقادة.

5. سيزود كل عنصر من عناصر اللجان بلائحة تشمل أسماء الأفراد الذين يجب عليه قتلهم شخصيا.

6. بعد التخلص من الأعداء، يتعرض الحياديون لامتحانات قاسية للتخلص من التردد الذي يصيب هؤلاء عادة.

7. تعمل اللجنة المسئولة عن الحياديين، الترتيبات اللازمة للسماح لمجموعات الحراسة الموجودة خارج الثكنات بالدخول إليها، بحجة المساندة لوضع حد للثورة.

8. تتألف المجموعات المكلفة بتصفية الجنرالات المعادين المسجلين علي اللوائح، من عشر رجال مسلحين بالمسدسات الحربية.. ولكل جنرال مساعدان وسكرتير يجب أولا قتلهم في بيوتهم.. وعلي هذه المجموعة المكلفة بتنفيذ هذه العملية المهمة ألا تتراجع أمام أيّ صعوبة كانت وإن اضطرت للتخلص ممن يقف في وجهها مهما كان عمره أو جنسه.

9. أما الجنرالات المسرحون من الخدمة والذين تشملهم اللوائح، فتجري تصفيتهم بمجموعات تتألف من ثلاثة عناصر، تقوم بمهمتها علي الشكل المذكور في المقطع السابق.

10. تفاصيل عن كيفية احتلال بعض البيوت والعقارات في المراكز الستراتيجية وتحصينها بالأسلحة، بحيث تتمكن الميليشيا الشيوعية من نصب كمائن للقوات الهاربة من الثكنات.. وجاء في التعليمات "بينما يقوم ضباط الميليشيا بحماية السيارات، تقوم مجموعات الميليشيا بالتقدم إلي المراكز الاستراتيجية كمفارق الطرق بسياراتهم ودباباتهم، وهم يحملون الأسلحة الرشاشة لمنع أي مساعدة من أن تصل إلي المدن.. ستحمل الشاحنات كميات من القنابل اليدوية".

11. عندما تبدأ الثورة، تقوم مجموعات الميليشيا وهي ترتدي لباس الحرس الأهلي والحرس الهجومي، باعتقال رؤوس الأحزاب السياسية، بحجة الاحتياطات الضرورية لحمايتهم.. وبعد الاعتقال تتم عملية تصفية الجنرالات المسرحين.. وتقوم هذه المجموعات ذات اللباس الموحد باعتقال الرأسماليين البارزين الواردة أسماؤهم في اللائحة "ب" من القرار المعمم رقم 32.

12. يجب ألا يستعمل العنف مع هؤلاء الرأسماليين، إلا عندما يبدون مقاومة.. ولكن يجب إجبارهم علي تسليم أموالهم الموجودة في البنوك وسنداتهم المالية.. بعدها يتم التخلص منهم ومن عائلاتهم ولا يترك منهم أحد.

13. يستعمل نفس الأسلوب الذي استعمل في روسيا، في معاملة أفراد القوات المسلحة الذين يظهرون ولاءهم وتعاطفهم معنا.. فنستغل خدماتهم أولا، ثم يتم التخلص منهم كالأعداء تماما.. لأنه حتى تتكلل مساعينا بالنجاح ويكون لها صفة الدوام، يجب أن ننظر إلي الجندي المحايد علي أنه أفضل من الذي يخون القوانين العسكرية عندما يواجه الخطر، فهذا لا يمكن أن نتوقع منه إلا الخيانة إذا تركنا له الفرصة المناسبة.

14. تتم عمليات الاتصال ونقل الأوامر بواسطة سيارات صغيرة أو دراجات نارية تكون مسلحة بمسدسات حربية.

15. يجب وضع تقارير دقيقة جدا عن حياة المحايدين والمؤازرين، تشمل كل شيء عنهم، حتى أمورهم العائلية، والأفراد الذين تربطهم بهم روابط الحب والتعلق.. هذه الأشياء تهمنا عند الضرورة.. وإذا حدث أن أظهر أحد عناصرنا أوحد الموالين أو الحياديين ضعفا أو مقاومة للأوامر أو رفضا لها، عندئذ يجب أن تنقل فورا الشكاوى بحقه إلي اللجنة العليا.

16. يجب تنظيم الميليشيا وتوزيع عناصرها، بشكل يبعد الفرد عن منطقة سكنه أو المحلة التي يوجد له فيها أقارب، لأن التجارب الماضية علمتنا أنه في اللحظة الأخيرة كان الأفراد يرفضون الأوامر الصادرة إليهم بسبب العاطفة التي تربطهم بأقاربهم وأهليهم.. كما أن الصداقات كانت السبب في كثير من التلكؤ في تنفيذ الأوامر حسب الخطط التي كنا نعدها. ((يذكرني هذا بقوات الأمن المركزي التي تطلق الرصاصات على شعبها في الانتخابات!!!))

17. يجب اعتبار أصحاب عنابر البضائع والمخازن التجارية من الفئة الرأسمالية المهمة.. ويتم تنظيم هذه العنابر والمخازن لخدمة الحكومة العمالية عن طريق لجان إدارية.

18. يتطرق هذا المقطع لقضية استعمال المجاعة كوسيلة للقضاء السريع علي المعارضة.. وفي النص ما يلي: "يمنع تزويد الطبقة البرجوازية بالطعام والشراب خلال الأسبوع الأول، وحتى تتشكل اللجنة التأسيسية بشكل طبيعي.. أما الأطعمة المخزنة في الثكنات والتي لا يمكن الاستيلاء عليها فيجب إفسادها بالبرافين وغيره من المواد المفسدة للأطعمة".

ومنذ أن صدرت هذه التعليمات، بدأت القيادات الثورية في جميع الدول بوضع الخطط اللازمة للتصرف مع رجال البوليس والطوارئ، لأن التجارب أظهرت أن أفراد هذين التنظيميين الرسميين "يبقون مخلصين لسادتهم البورجوازيين".. وشملت هذه الخطة الخطوات الثلاث التالية:

1. التسرب داخل هاتين القوتين.

2. إفساد التنظيم الداخلي في هذين التنظيميين.

3. يطلب من أفراد الحزب أن يشتروا أو يستأجروا الأماكن المشرفة علي مراكز البوليس وسرايا الطوارئ، حتى يتم القضاء علي الأفراد وهم يبدلون الدوريات.. وبهذا يأتي توقيت بدء الثورة، في الوقت الذي يتم فيه تبديل الدوريات.

وهكذا حددت هذه المعلومات التفاصيل اللازمة حتى تتمكن قيادة الحزب الشيوعي من الاستيلاء علي المرافق العامة والإدارات الرسمية في أسبانيا.. وكان الغرض من هذا هو السيطرة التامة بأقصر وقت علي جميع مخازن المواد الغذائية ووسائل المواصلات.



الحكم الثوري الإرهابي:

استعمل القادة الثوريين خلاياهم السرية، لكي يسيطروا علي مراكز رئيسية في السجون والمعتقلات ومستشفيات الأمراض العقلية، لإطلاق سراح العناصر المخربة في المجتمع واستعمالها في الصدامات التي تجري عند قيام الثورات، لإنارة الرعب بين الجماهير وإراقة الدماء، تمهيدا لقيام "حكم إرهابي" يمكن القادة الثوريين من السيطرة علي عامة الشعب في أسرع وقت ممكن.

هذا وكانت سياسة سجن مدريد تتأثر بنصائح الجنرال كلبير ـ وهو الكندي الذي تم تدريبه تدريبا نظريا في مؤسسة لينين في موسكو ـ ثم أرسل إلي أسبانيا ليخدم ستالين وليحصل علي التدريب العملي في الحرب الثورية.

وما إن تسلمت حكومة الجبهة الشعبية أعمالها في آذار 1936، حتى أصر اليساريون المتطرفون علي إصدار عفو عام يمنح الحرية لجميع الذين اعتقلوا إبان الثورة الاستورانية.. وهكذا أطلق سراح هذا الجيش الصغير ـ ثوار أستوريا ـ ومعه سراح أربعين ألفا من المجرمين العاديين، شرط أن يحملوا السلاح مع جيش الموالين.. وقد تخلص القادة الثوريون من معظم هؤلاء المجرمين بعد أن أدوار خدماتهم.. وبذلك استطاعوا إقناع الناس بأن الأعمال الإرهابية التي ارتبت إبان الثورة، كانت أعمالا إجرامية فردية، وليست حسب خطة إرهابية مدروسة مسبقا.

هذه هي الأحوال التي واجهها فرانكو عندما عزم علي إنقاذ أسبانيا من الظلم الشيوعي.. ولقد صنفت العديد من الكتب التي تروي كيف استطاع فرانكو مع حفنة قليلة من الجنرالات، من إحباط المخطط الشيوعي... فما إن أصدر فرانكو بيانه، حتى صدرت الأوامر من المسئولين الشيوعيين في سكرتيرتا الجيش البري والبحري والجوي، إلي الخلايا الشيوعية، بتصفية جميع الضباط الموجودة أسماؤهم علي اللائحة كأعداء.. وقد نفذت هذه الأوامر بدقة متناهية، لأن الخلايا الشيوعية السرية كانت قد ركزت نفسها وسيطرت علي وسائل الاتصال بأنواعها الميكانيكية والسلكية واللاسلكية.

وهكذا اغتيل ثلثا ضباط أسبانيا علي حين غرة، وببرودة متناهية، في المراحل الأولي للهجوم.. وكان المتمردون يقنعون المسؤولين وبقية الرتباء بأنهم ينفذون أوامر الحكومة، وأنهم يتخلصون ممن ثبتت أدانتهم كأعداء.

وقد حدثت أشياء لا يمكن تصديقها عندما نشبت الحرب الأهلية.. فقد أصبح مألوفا أن تري سفينتين حربيتين تتبادلان إطلاق النيران وهما علي بعد أمتار فقط.. وفي إحدى المرات كانت إحدى السفن تتلقي المدافع الشيوعية في مقدمتها، وفي نفس الوقت تتلقي مدافع خصوم الشيوعيين من الخلف.. وامتدت المجازر من السفن إلي المواني ثم إلي المدن القريبة منها.

وقد يبرر البعض هذه المجازر، علي أنها كانت أعمالا ضرورية ضد من يمكن أن ينضموا إلي فرانكو، ولكن ليس بوسع أحد أن يبرر الإرهاب الشيوعي الذي فرضوه علي الشعب الآمن الأعزل من السلاح.. ولكن الواقع برهن بمقتل مئات الآلاف من الأبرياء، أن سياسة لينين هي التي اتبعت.. فلينين يصر علي أن الإرهاب يجب أن يتبع كل محاولة للإطاحة بالحكومات عن طريق القوة، لأن الإرهاب هو الوسيلة الاقتصادية للسيطرة علي الجماهير بسرعة وبشكل كامل.. وأيضا قال ستالين: "الأفضل أن يموت مئة من الأبرياء من أن يهرب مناهض واحد".. ونفذ هذا الأمر بعناد شيطاني.

***

في السابع عشر من تموز 1936، وصلت فرقة من الشيوعيين الذين يلبسون الزي الحكومي إلي دير الراهبات الدومينيكان في برشلونة.. وأخبر قائد الفرقة رئيسة الدير أنه نظرا لخوف السلطات من أن تصل أعمال العنف إلي الدير، فإنه يحمل الأوامر بمرافقة الراهبات إلي مكان أمين.. وجمعت الراهبات ممتلكاتهن الدنيوية القليلة، ورافقن الجنود بدون ارتياب إلي ضواحي المدينة، حيث لقين حتفهن جميعا.. وأعلن القادة بعد ذلك ببرود: "لقد كنا بحاجة إلي البناء، ولم نشأ أن ندمره قبل أن نقوم باحتلاله".

وهناك أيضا قصة السنيور سالفانز، الذي عرف بعدائه للشيوعية.. لقد زارت سرايا التطهير منزله في برشلونة ثلاث مرات.. ولما يئست في المرة الثالثة من استقاء معلومات عن مكانه، قام الشيوعيون بقتل جميع أفراد عائلته المؤلفة من ثمانية أشخاص!

ومن أكثر الأعمال وحشية وعنفا التي ارتكبت تحت شعار "الحرية والمساواة والأخوة" هو مقتل ستة عشر رجلا تطوعوا كممرضين في إحدى مستشفيات برشلونة.. وكانت الجريمة الوحيدة التي ارتكبها هؤلاء، أنهم ينتمون إلي تنظيم ديني، جعلهم يعاملون جميع المرضى بالمساواة، دون مراعاة للطبقة أو اللون أو الطائفة!!

ويقول ي. م. غودن في الصفحة 72 من كتابه "الصراع في أسبانيا": "وتبع ذبح الأحياء تمثيل بالأموات.. ففي الأسبوع الأخير من تموز 1936، أخرجت جثث الراهبات من القبور وأسندت إلى حيطان الأديرة، وعلقت علي أجسادهن لوحات تحمل عبارات بذيئة ومهينة".

وكان لي ابن عم، هو توم كار، كان يعمل مهندس مناجم في أسبانيا بين عامي 1919 و 1938.. وقد تزوج بابنه القنصل الاميركي في هولفا، السيد الكوك.. وقد نقل لي توم أنه لما تم انتخاب أحد أفراد طابور كاباليرو الخامس محافظا علي هولفا، وصدرت الأوامر من موسكو، سلم هذا جميع السلطات الرسمية إلي الشيوعيين.. وأول عمل قام به هؤلاء هو تعذيب جميع الرهبان ثم قتلهم.. أما الراهبات فكن يعرين من ملابسهن ويدفع بهن إلي الشوارع، ليكن عنصر تسلية للثوريين!!

وينقل غودن أيضا مقابلة أجراها مع امرأتين إنكليزيتين، تمكنتا من التخلص من الاعتداءات والمشاكل لأنهما أجنبيتان.. وتقول هاتان المرأتان إنهما أجبرنا علي مشاهدة جمهور غفير من النساء والرجال وهم يتصرفون كالدراويش المتعصبين.. فقد شاهدتا أول الأمر مجموعة من الشيوعيين وهم يعذبون أحد الرهبان، ثم علقوا جسمه وأطرافه بعد بترها علي تمثال السيدة العذراء.. ثم شاهدنا الناس وهم يحفرون ثقبا في جسم أحد الرهبان وهو لا يزال علي قيد الحياة، بعدما قاموا بتثبيته علي صليب.

وفي شهر أيلول 1936، نقل الكاتب الفرنسي المشهور بيرفان روي عن ديمتروف قوله: "ويلوموننا علي أننا ندمر الكنائس والأديرة في أسبانيا.. وماذا يهم إذا دمرنا بعض الكنائس والأديرة؟.. إننا نبني عالما جديدا".

وفي عام 1936، قامت لجنة رسمية لتقصي الجرائم الوحشية التي ارتكبها الشيوعيون في أسبانيا، فوجدت أن أكثر المراقبين تحفظا، يقدر عدد المواطنين الذين تمت تصفيتهم في برشلونة بين عامي 1936 ــ 1937 بخمسين ألفا.. أما في فالنسيا فقد وصل العدد إلي ثلاثين ألفا.. ووجدت اللجنة أن ما يقارب عشر سكان مدريد لاقوا حتفهم في سبيل قيام دولة دكتاتورية أخري.

ويقول الكاتب الفرنسي المعروف مارسيل دوتراي: "تسلم القيادة العسكرية الشيوعية في كاستر أورديالز، رجل كان شرطيا سابقا طرد من عمله لأنه ارتكب جريمة السرقة.. أما القائد الأعلى للبوليس فكان يعيش قبل ذلك علي تصوير وبيع صور الرذيلة.. كما تسلم منصب رعاية الشؤون العامة ابن غير شرعي لامرأة عرفت ببغائها وتسكعها في الشورع.. وكان هذا يكني بابن أمه.. أما منصب رئيس القضاة فقد تسلمه عامل مناجم يساعده رجلان لا يعرفان عن هذا العمل شيئا.. وكان جميع هؤلاء من الساديين، الذين يسرهم أن ينفذوا الأحكام التي يصدونها بأنفسهم.. لقد بقروا بطن فنسنت مورا، وأعدموا جولي يانكو في الساحة العامة، وبتروا أطراف فاريز بطل سباق الدراجات النارية الأسباني الشهير، لأنه رفض أن يخون رفاقه ويوقعهم في أيديهم.

ويشير المستر أرثر بريانت، الذي كتب مقدمة البحث الموضوعي المدعم بالوثائق والشواهد "وحشية الشيوعيين في أسانيا" إلي أن "العملاء السوفيات تمكنوا من السيطرة علي وسائل الاتصال بشكل سمح لهم بتوجيه الإعلام لصالحهم، ولم يسمحوا بتسرب أي خبر ضدهم.. وكذلك كانوا يبثون الأكاذيب ويختلقونها عن فرانكو وقواته، دون أن يقف بوجههم أحد.. ولم يقف محاضر في أي جامعة أو أي معلق إذاعي في الإذاعة البريطانية B.B.C ليعلن أي شيء عن حقيقة ما لاقاه نساء سان مارتن فالديغلازير، اللواتي تعرضن لأبشع أنواع الإهانات، علي يد خمسة وعشرين رجلا من المليشيا الحمراء.. وكانت الجريمة الوحيدة التي ارتكبها هؤلاء البنات، أنهن كن يحملن في قلوبهن شعورا دينيا.. ولم يمنع أفراد المليشيا من هتك أعراضهن أن يكون آباؤهن في السجون، وأن تكون أمهاتهن تشاهدن بأم أعينهن ما يجري لهن من إهانات، بل نفذوا الحكم دون مبالاة.. وقد أثرت هذه الأعمال الإجرامية علي عقول هؤلاء النسوة، حتى إن بعض اللواتي قدر لهن أن يبقين علي قيد الحياة، قلن إنهن تمنوا علي جلاديهن أن يقتلوهن بدل أن يفعلوا بهن ما يفعلون.. والأسوأ من هذا أن هذه الأعمال الإجرامية حدثت أما أعين بعض الأطفال، لأن بعض النسوة كن يحملن أطفالهن بين أيديهن عندما كان جنود المليشيا يتبادلون النساء بينهم".

وهنا لا بد من ذكر هذه العبارة التي كررها مرارا لينين: "لا يوجد شيء في السياسة اسمه أخلاق.. ولكن هناك مصالح.. وقد تكون المصلحة بالتعاون مع لئيم لا أخلاقي، فقط لأنه كذلك".. ويقول لينين أيضا في مناسبات أخرى: "علي الثوري الشاب أن يبدأ بالتدرب علي القتال فورا، وذلك عن طريق عمليات فعلية، كتصفية خائن أو قتل جاسوس أو نسف مركز بوليس أو سرقة بنك واستعمال أمواله في الثورة … الخ.. ولا تتوانوا عن مثل هذه الهجمات التجريبية.. قد تؤدي هذه الأعمال إلي التطرف وهذا شيء طبيعي، ولكن المشاكل التي تسببها ستكون مشاكل المستقبل وليس الوقت الحاضر".

ويخبرنا أحد "الأولاد" كيف سمحت له الظروف أن يسخر ويتلاعب بعواطف أحد الرهبان قبل قتله فيقول: "وليلة بعد ليلة، كنا نأخذه مع المجموعات التي قررنا التخلص منها، ثم نضعه في آخر الصف، حتى يتمكن من مشاهدة رفاقه وهم يموتون.. ثم كنا نعيده إلي قصر البيل أرت.. وفي كل ليلة كان يتوقع أن يلاقي حتفه.. ولكن الموت السريع هو شيء كثير بالنسبة له.. لذلك مات هذا الراهب سبع مرات قبل أن نتخلص منه في النهاية".

وينقل المستر كنوبلو في الصفحة 87 من كتابه "مراسل في أسبانيا" قصة شابين شيوعيين كانا يتفاخران أمام أحد الأطباء بقتلهما لاثنين من الرهبان.. لقد أخبراه كيف جاءا متنكرين بلبلس الرهبان إلي هذين المسكينين، وهما يعملان خوفا من القتل في جمع الفحم في أحد المناجم، ثم أخذاهما إلي أحد الأمكنة، حيث طلبا إليهما حفر قبورهما.. وبعد ذلك جلسا يتفرجان بسرور علي الراهبين وهما يموتان ببطء.

ونعود لننقل بعض ما حدث في مدينة الكالا، لنؤكد ما قلناه سابقا، عن اطلاق سراح المجرمين والمجانين والمهووسين.. لقد أطلق الشيوعيون جميع المساجين في مدينة الكالا في 20 تموز 1936، حتى بلغ عددهم ألف رجل وألفي امرأة، تم تسليحهم جميعا في ثكنة المدينة.. وبعد أن أدوا واجبهم علي أحسن وجه في هجومهم علي مدريد، أرسلوا الي سيكونزا، حيث قتلوا مائتين من المواطنين ليقضوا علي مقاومة الآخرين.. وبقي هؤلاء المجرمون في سيكونزا ستة عشر أسبوعا حتى استردها منهم فرانكو.. ولما تم لفرانكو طردهم من سيكونزا، وجد أن جميع النساء من سن الحادية عشر إلي سن الخمسين، قد اعتدي عليهن وهتكت أعراضهن.. وكان بينهن من حمل سفاحا أو أصيب بأمراض خبيثة، أو أصيب بالمصيبتين معا.

وننقل أخيرا ما نشره الكاتب مارسيل دوتري عن مدينة كيمبوزيولوس، حيث ربط مئة راهب ورجل دين إلي مجموعة من المجانين، وهم يحملون في أيديهم السكاكين.. ويستطيع القارئ أن يتخيل الرعب الذي تلا هذا العمل.

(((سؤال: بعد ما فعله الأمريكان بالشعب الأفغاني والشعب العراقي (وخاصة في سجن أبي غريب).. فهل ترى أنّ هناك فارقا بين الشيوعية والليبرالية في شيء؟.. أليس الكفر ملة واحدة؟!!!)))


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق