إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

408 فتوح الشام ( للواقدي )


408

فتوح الشام ( للواقدي )


قال الواقدي‏:‏ هذا ما جرى لهؤلاء وأما العسكر فإنهم لم يزالوا في قتال شديد وأمر عتيد وضرب وطعان وقتل رجال وجندلة أبطال وفرسان وقد قامت الحرب على قدم وساق وضربت الأعناق وصالت الشجعان وولى الجبان حيران ودارت رحى الحرب واشتد الطعن والضرب وقطعت المعاصم وطارت الجماجم وحامت طيور المنايا وعظمت الرزايا واشتد الزحام وعظم المرام وضاقت الصدور وعظمت الأمور واشتد الغبار وقل الاصطبار وقاتلت الأمراء بالرايات وبربرت السودان بلغاتها ورفعت الروم أصواتها وضربت ببوقاتها وطعنت برماحها ورمت بنشابها وحارت الأفكار وعميت الأبصار وثار الغبار وأظلم النهار وكان شعار المسلمين‏:‏ يا نصر الله انزل وصبر المسلمون لهم صبر الكرام فلله در الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود والفضل بن العباس وعقبة بن عامر والمسيب بن نجيبة الفزاري ونظائرهم من الأمراء فلقد قاتلوا قتالًا شديدًا وأبلوا بلاء حسنًا وصبروا صبر الكرام‏.‏

وأما عمرو وخالد والقعقاع بن عمرو وسعيد بن زيد فلقد كانوا يقاتلون قتال الموت وزحفت الفيلة برجالها وقاتلت الروم بأبطالها والسودان بأفيالها وقد كانت أصحاب الفيلة تعطف على خيل العرب ويرمون بالنشاب فيخرج كالجراد المنتشر حتى قلعت أعين كثيرة في ذلك اليوم فما كنت تسمع إلا من يصيح وايداه والفيلة تحطم والسودان يرمون الأبطال فعندها وثب رفاعة بن زهير المحاربي وأتى إلى خالد وعمرو وقال‏:‏ أيها الأمراء إن دام هذا الأمر هكذا هلكنا عن آخرنا‏.‏

قالا‏:‏ فما الرأي يا أبا حازم قال‏:‏ الرأي أن نجمع ثيابناونغمسها زيتًا ودهنًا ونجعلها على رؤوس الرماح ونجعل في أعلاها نارًا ثم نأمر رجالًا يجمعون القيصوم وغيره ونجعله في غرائر على ظهور الجمال عريًا ونشغلهم بالقتال ثم نأتي الفرسان تمانعم وتساق عليهم الجمال فإنها إذا أحست بالنار حطمتهم فلا يصبرون على ذلك والمعونة من الله تعالى فاستصوبوا رأيه وأعدوا رجالًا لذلك وناوشوهم القتال فلم يكن إلا ساعة حتى تهيأت المكيدة وجعلوا من الفرسان ألف فارس وصبغوا تلك الثياب بالدهن والزيت وأطلقوا النيران برؤوس الأسنة وحملوا الغرائر بالقيصوم وغيره وأشعلوا فيه نارًا ووضعوا الحراب في أجناب الإبل فلما أحست بالحراب في أجسامها والنار في ظهورها فعندها حطمت الروم والسودان فلما رأت الفيلة ذلك طارت عقولها وقطعت سلاسلها وداست قوادها ورمت ما على ظهورها من الرجال وداستهم بأخفافها ورجعت خيل الروم وبراذينها وهرب بغالها وذابت قلوب رجالها وضربت الأمراء في الأعداء بسيوفها وطعنت برماحها ورمت بنشابها‏.‏

قال المسيب بن نجيبة‏:‏ ولقد رأينا طيورًا أظلتنا في زي النسور وكان الطائر يرفرف بجناحه على وجه الكافر ورأسه ثم يضع مخاليبه في عينيه فيرميه إلى الأرض فلم تكن إلا ساعة بعد صلاة العصر حتى ولت الروم الأدبار وركنوا إلى الفرار وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى جاء الليل وأظلم النهار ووصلت الهزيمة إلى القرية المعروفة بالدير وإلى اللاهون وإلى أهناس وإلى ميدوم وتبعتهم المسلمون الليل كله إلى الصباح وقد تفرق شملهم وشرد جمعهم وأسر منهم جماعة كثيرة نحو خمسة آلاف وقتل قال رافع بن أزد الجهني‏:‏ لما رجعنا إلى مكان المعركة وجدنا الأرض قد امتلأت من قتلى الروم والسودان والبجاوة وغيرهم واختلط جماعة من قتلى المسلمين بهم ما عرفناهم من الروم إلا أن الروم كان بأيديهم صلبان والمسلمون ليس لهم ذلك فميزناهم منهم بذلك وجمعنا جريد النخل والقصب ووضعنا على كل قتيل جريدة أو قصبة وذلك في مكان المعركة ثم جمعناها وحصرناها فإذا الكفار تسعون ألفًا وقتل في الجبال والطرقات ما لا يحصى وتفقد المسلمون من قتل منهم فإذا هم خمسمائة وثلاثون رجلًا وجمعت المسلمون الغنائم والأموال ثم قسمت وأخرج عمرو منها الخمس وكتب كتابًا بالفتح وما جمعه من الخمس واستدعى بالأمير هاشم بن المرقال رضي الله عنه وندب معه ثلاثين رجلًا من خيار الجند وأمره بالمسير إلى المدينة وأقام المسلمون بالمرج بعد الوقعة خمسة أيام حتى استراحوا ورجع من كان خلف المنهزمين ثم اجتمعوا إلى عمرو واستأذنوه في المسير إلى الوجه القبلي فأذن لهم وودعهم ودعا لهم وقال‏:‏ يعز علي فراقكم ولو أن أمير المؤمنين لم يأمرني بالمسير ما فارقتكم ثم رجع معه ثلاثة آلاف ومائة وعشرون وكان جملة من قتل ثمانمائة وثمانين ختم الله لهم بالشهادة وقيل‏:‏ ألف وقيل‏:‏ تسعمائة وأربعون على اختلاف الرواة والله أعلم أي ذلك كان‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق