إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 17 يوليو 2014

11 أوراق ذابلة من حضارتنا دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية القسم الثاني ‏:‏ سقوط خلافات ودول شرقية 2- سقوط الدولة الطولونية في مصر


11

أوراق ذابلة من حضارتنا

دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية

القسم الثاني ‏:‏ سقوط خلافات ودول شرقية

 2- سقوط الدولة الطولونية في مصر

الانتصار في معركة ‏.‏‏.‏ والحصول على مكسب وقتي ‏.‏‏.‏‏.‏ والوصول إلى السلطة‏.‏‏.‏ هذه كلها ليست هي قضية التاريخ ‏.‏‏.‏ ولا معركة التقدم البشري ‏.‏‏.‏ بل هي عموما ليست من عوامل تحريك التاريخ إلى الأمام أو الخلف على نحو واضح وضخم‏.‏‏.‏ إن الانتصار في معركة ‏.‏‏.‏ قد لا يعني الهزيمة الحقيقية للأعداء ، فحين لا تتوافر العوامل الحقيقية للنصر ‏.‏‏.‏ يصبح أي نصر مرحلي عملية تضليل ، واستمرارا للسير الخطأ ، وتماديا في طريق الوصول إلى الهزيمة الحقيقية ‏.‏‏.‏ هكذا سار التاريخ في مراحل كثيرة من تطوراته ‏.‏‏.‏ كان النصر بداية الهزيمة ، وكانت الهزيمة بداية للنصر ‏!‏

وحين يصل إنسان ما إلى الحكم ‏.‏‏.‏ دون أن يكون معدا إعدادا حقيقيا للقيادة ، ودون أن يكون في مستوى أمته ‏.‏‏.‏ يكون وصوله على هذا النحو هو المسمار الأخير الذي يدق في نعش حياته وحياة الممثل لهم ‏.‏‏.‏ ‏!‏

والتاريخ في دوراته غريب وهو يعلمنا أنه لا توجد قاعدة ثابتة للتحول ترتكز على أسس متينة ، اللهم إلا قاعدة التغيير من الداخل المرتكزة على عقيدة لها جذورها في أعماق النفس ، ولها انسجامها مع حركة الكون ولها صلاحياتها في البقاء والانتشار والخلود ‏!‏

وعندما أعلن ‏"‏ أحمد بن طولون ‏"‏ مؤسس الدولة الطولونية في مصر انفصاله عن الدولة العباسية بعد سنة 254هـ ، كان ينقصه الوعي بحركة التاريخ والشروط الضرورية للتغيير ، وكان بإنشائه هذه الدولة ليس أكثر من ‏"‏ انقلابي ‏"‏ سيطر على الحكم في ظل أوضاع معينة مرت بها الدولة العباسية ، سمحت له ولأمثاله بإظهار مطامحهم في مزيد من السلطة والشهرة والرغبة الجامحة في السيطرة ‏.‏ لم يحاول هذا الرجل - ما دام قد وصل إلى مستوى الثقة لدى الجهاز العباسي الحاكم - أن يتقدم بإصلاحاته ، وأن يبحث عن السبل المؤدية لحماية الدولة الإسلامية الجامعة ، وإنما راح في إغراق في عبودية الذات يبحث عن استغلال الظروف لصالحه ‏.‏

ومنذ استقر في مصر سنة 254هـ وهو يحاول جمع كل مقاليد السلطة في يده ، فيتخذ من الإجراءات ما يجعله الرجل الوحيد في مصر ، وليس الرجل التابع لدولة إسلامية كبرى تستطيع عزله وتولية غيره ‏.‏ وقد عزل - في سبيل ذلك - عامل الخراج الذي عينه العباسيون على مصر - وتمكن من التحكم في الشئون المالية إلى جانب الشئون الإدارية والعسكرية ‏.‏

ودخل أحمد بن طولون في صراع مع الدولة العباسية الجامعة وانتصر على أخي الخليفة أبي أحمد ‏"‏ الموفق ‏"‏ واتخذ من الإجراءات الثورية ما يكفل له الوقوف على قدميه لصد أي هجوم عباسي ‏.‏

لكنه في الحقيقة لم يكن في حاجة إلى هجوم ‏.‏‏.‏ فنشأته على النحو السابق تحمل في أحشائها النهاية الطبيعية العاجلة ‏.‏ ورأت الخلافة من الحكمة أن تستغله ‏.‏ بدل أن تدخل معه في صراع ، وكلفته بمهام جديدة ، منها حماية الثغور الشامية ‏.‏‏.‏ ومات أحمد بن طولون تاركا دولة تقف كلها على أقدامه وحده وليست لها أقدام أخرى ‏.‏‏.‏ من عناصر الحياة التاريخية والحضارية ولذا فإنها بموته وقعت على الأرض‏.‏‏.‏ وعلى الرغم من كل ما أبداه ‏"‏ خمارويه ‏"‏ ابنه من اتباع لسياسة أبيه ، ومن تمسك بمعالم استقلال وقوة دولته المستقلة ‏.‏‏.‏ إلا أنه لم يعد أن يكون مرحلة عبرها التاريخ ليدخل بالدولة - فورا - في مرحلة الأفول والفناء ‏.‏

فبعد خمارويه انغمس الأمراء الطولونيون في لهوهم ، وتفشت ظاهرة حب السلطة والاستقلال لدى عمالهم في الأقاليم ‏.‏ وانقلب الثوريون على أنفسهم ، أو بالتعبير الدارج ‏.‏‏.‏ بدأت طلائع الثورة يأكل بعضها البعض ‏.‏ وقد ولي الأمر بعد خمارويه ثلاثة من آل طولون لم يزد حكمهم على عشر سنوات ، ولم تستفد البلاد المصرية أو الشامية منهم شيئا غير الفوضى والتنافس بين الطامعين في السلطة أو الفساد الذي نجم عن الترف ، وعن الاستبداد وغيبة الأمة عن الرقابة أو الحكم ‏.‏‏.‏ وفي هذه الحال ‏.‏‏.‏ لم يكن الأمر متعبا بالنسبة للدولة العباسية ‏.‏‏.‏ فتقدمت جيوشها لاسترداد مصر من خامس الولاة الطولونيين وهو ‏"‏ شيبان ‏"‏ الذي كانت الفوضى قد وصلت في عهده قمتها وأعلى معدلات خطورتها ، وشهدت سنة 292 هـ دخول هذه الجيوش إلى القطائع في القاهرة ‏.‏‏.‏ ومن فوق المنبر أعلن إزالة الدولة الطولونية التي لم تستطع أن تحكم أكثر من أربعين سنة عاشتها في صراع خارجي وعاشت معظمها في صراع داخلي ، مع شعب لم يهضم حركتها التي لم يكن لها المبرر الحضاري الهام لإحداث التغيير ‏.‏

وعادت مصر إلى حظيرة الدولة العباسية ‏.‏‏.‏ وعلى امتداد تاريخنا سجلت صفحاته عشرات من الانقلابات وسجلت أسماء مئات الانقلابيين ‏.‏‏.‏ ولكنهم - جميعا وبلا استثناء - لم يقدموا ما يتوازى مع أحجام الخسائر التي كبدوها لأمتهم ‏.‏‏.‏ لأن الانقلاب ليس الوسيلة التاريخية المهيئة للتغيير ، إذ هو موجة انفعالية سرعان ما تنحسر محدثة رد فعل انحساري عنيف ‏.‏‏.‏ ودائما ‏.‏‏.‏‏.‏ دائما أثبتت كل تقلبات تاريخنا كما أثبتت كل تطورات الحضارة ‏"‏ أن الانقلاب يدفع إلى انقلاب ‏.‏‏.‏ وأن حركة التاريخ لا تندفع بالعنف والانفعال ‏"‏ ‏!‏‏!‏



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق