إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

428 فتوح الشام ( للواقدي )


428

فتوح الشام ( للواقدي )


قال الراوي‏:‏ حدثنا عوف بن سعد عن سعيد بن طارق الثقفي عن أبي يزيد عن مالك الأشتر قال بينما نحن نسهر تلك الليلة والمسلمون قد هجعوا في مراقدهم من شدة البرد وكثرة السهر ووضعوا أسلحتهم ومنهم من له ورد يقرؤه ومنهم من يصلي إذ رأينا فتح الباب وخرجوا كالسلاهب وبأيديهم الفوانيس ومشاعل النار وحملوا على الجيش فتبادرنا إليهم وصحنا النفير دهينا يا مسلمون ثوروا فقد غدركم القوم فلما سمع المسلمون الصياح تبادروا وثاروا من مضاجعهم كالأسود الضارية هذا يأخذ سيفه وهذا يأخذ رمحه وهذا عاري الجسد لم يمهل حتى يلبس ثيابه وهذا يشد وسطه بمئزره وهذا عليه قميص واحد وثاروا في صدور الرجال هذا وعدو الله قد عطف على جماعة من المسلمين قبل أن ينتهوا ووضع السيف في عراضهم فما أفاق بعض القوم إلا والسيف قد أطاح رأس هذا وقطع زند هذا وطعن نحر هذا وهكذا وكثر الصياح وعظم البلاء وكثر القتال وعدو الله كراكر عليه ديباجة حمراء مقصبة بالذهب تلمع من فوق الدروع وعلى رأسه بيضة عليها جوهرة تضيء كالكواكب وهو يهدر كالجمل الهائج وهو يرطن بلغته وخلفه جماعة والذين على الأسوار يصيحون ويزعقون بشعارهم ويضربون بقرونهم وبوقاتهم وطبولهم وأوقدوا مشاعلهم من أعلى السور حتى بقي مثل النهار هذا وقد ثارت الأمراء أصحاب النجدة وذوو المروءات واعتقلوا بسيوفهم وركبوا خيولهم فمنهم من ركب جواده عريانًا ومنهم من ركب بسرج بغير لجام ومنهم من أسرع ماشيًا فلله در الفضل بن العباس وابن عمه الفضل بن أبي لهب وعبد الله بن جعفر وزياد بن أبي سفيان والقعقاع بن عمرو والمسيب بن نجيبة الفزاري والمغيرة ومسلم وأبي ذر الغفاري وأبي دجانة وأبي أمامة وغفار بن عقبة وأبي زيد العقيلي ومثل هؤلاء السادات رضي الله عنهم لقد قاتلوا قتالًا شديدًا وأبلوا بلاء عظيمًا وطعن جماعة من المسلمين وجرح جماعة من المسلمين‏.‏

وأما الذين هاجموهم في أول الوقعة فقتل منهم جماعة نحو المائتين وثمانين رجلًا واقتتل الناس قتالًا شديدًا وأقبل الفضل بن العباس إلى البطريق كراكر لعنه الله بالسيف على عاتقه الأيمن فأطلع السنان يلمع من عاتقه الأيسر فوقع يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار وأتبعه بالجملة ابن عمه عبد الله بن جعفر فقتل بطريقًا آخر ولم تكن إلا ساعة وقد جاءتهم بقية الأمراء من على أبوابهم وتركوا مكانهم من يثقون به وساروا إلى أن وصلوا إليهم وحملوا عليهم حملة منكرة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة نحوًا من ثلاثة آلاف من الروم والنصارى فلما رأى الروم ذلك فروا نحو الباب وتبعهم المسلمون إلى الباب فخرج كردوس عظيم من الروم وحملوا المنهزمين وأسر المسلمون من الروم نحو ألف ومائتين وخمسين وأتوا إلى مكان المعركة يتفقدون من قتل منهم‏.‏

فإذا هم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلًا ختم الله لهم بالشهادة فلما رأى المسلمون ذلك شق عليهم وكبر لديهم وأسرعوا تحت الليل وجمعوا الشهداء ودفنوهم في ثيابهم ودمائهم مكان يعرف بالبطحى عند مجرى الحصى ومنقع السيل فدفنوهم هناك كل اثنين وكل ثلاثة وكل أربعة وكل خمسة في قبر وقدموا عليهم أهل السابقة وأصحاب القرآن وكان يعرف ذلك المكان بقبور الشهداء الأخيار والدعاء هناك مستجاب مجرب مرارًا وتحط هنا الأوزار لمن يكثر من الدعاء والتطوع والاستغفار‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ما حدثت في هذا الكتاب إلا على قاعدة الصدق وأذكر ما وقع من الأمور وحدث عن أصحاب التواريخ وثقات المحدثين من أصحاب السير ومن سماع كلامه كالدر فهذا كالعقد النفيس في السلوك والتأسيس لا يليق سماعه إلا لذوي البصائر والعلماء والملوك فإنه نزهة الناظر ويشرح الخاطر لم يجمع أحد مثله من أهل السير لما فيه من الأمثال والعجائب والأخبار الصحيحة المنقولة عن ثقات المحدثين يتلذذ بذلك المستمعون ولنرجع إلى سياق الحديث‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق