إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

59 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


59

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

أما سمعتم ما كان من نبيكم عيسى وزهده وورعه كان لباسه الشعر ووساده الحجر وسراجه القمر وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله أوحى إلى عيسى أن نح على نفسك في الفلوات وعاتبها في الخلوات وسارع إلى الصلوات واستعمل الحسنات وتجتب السيئات وابك على نفسك بكاء من ودع الأهل والأولاد واصبح وحيدًا في البلاد وكن يقظان إذا نامت العيون خوفًا من الأمر الذي لا بد أن يكون‏)‏‏.‏ فإذا كان روح الله وكلمته خوف بهذا التخويف فكيف يكون المكلف الضعيف وأول من تكلم في المهد‏.‏
قال‏:‏ إني عبد الله فإذا كان أقر لله بالعبودية فلم تنسبون إليه الربوبية تعالى الله ما اتخذ صاحبة ولا ولدًا ولا أشرك في حكمه أحدًا جل عن الصاحبة والأولاد والشركاء والأضداد لا صاحبة له ولا ولد ولا شريك له ولا وزير ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انتهاء ولا يحويه مكان ليس بجسم فيمس ولا بجوهر فيحس لا يوصف بالسكون والحركات ولا بالحلول والكيفيات ولا تحتوي عليه الكميات ولا المنافع ولا المضرات‏.‏
ثم إنه قرأ ‏{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 93- 95‏]‏‏.‏
فقال له الوزير‏:‏ أصح عندكم معاشر العرب أن المسيح تكلم في المهد‏.‏
قال‏:‏ نعم‏.‏
قالوا له‏:‏ فهذه فضيلة قد انفرد بها عن جميع الأنبياء فقال عمرو‏:‏ قد تكلم في المهد أطفال منهم صاحب يوسف وصاحب جريج وصاحب الأخدود وغيرهم فقالوا‏:‏ يا عربي أتكلم نبيكم بغير العربية‏.‏
قال‏:‏ لا قال الله في كتابه‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 4‏]‏ قالوا‏:‏ أبعث الله منكم أنبياء غير نبيكم‏.‏
قال‏:‏ نعم‏.‏
قالوا‏:‏ من‏.‏
قال‏:‏ صالح وشعيب ولوط وهود‏.‏
قال‏:‏ فلما سمعوا كلام عمرو وفصاحته وجوابه الحاضر قالوا بالقبطية للملك‏:‏ إن هذا العربي فصيح اللسان جريء الجنان ولا شك أنه المقدم على قومه وصاحب الجيش فلو قبضت عليه لانهزم أصحابه عنا‏.‏
قال‏:‏ وغلام عمرو وردان يسمع ذلك فقال الملك‏:‏ إنه لا يجوز لنا أن نغمر برسول لا سيما ونحن استدعيناه إلينا فقال وردان بلسان آخر ما قالوه ففهم عمرو كلامه‏.‏
ثم إن الملك قال‏:‏ يا أخا العرب ما الذي تريدون منا‏.‏
وما قصدنا أحد إلا ورجع بالخيبة وإنا قد كاتبنا النوبة والبجاوة وكأنكم بهم قد وصلوا إلينا‏.‏
فقال عمرو‏:‏ إننا لا نخاف من كثرة الجيوش والأمم وإن الله قد وعدنا النصر وأن يورثنا الأرض ونحن ندعوكم إلى خصلة من ثلاث‏:‏ إما الإسلام‏.‏
وإما الجزية‏.‏
وإما القتال‏.‏
فقالوا‏:‏ إنا لا نبرم أمرًا إلا بمشورة الملك المقوقس وقد دخل خلوته ولكن يا أخا العرب ما نظن أن في أصحابك من هو أقوى منك جنانًا ولا أفصح منك لسانًا‏.‏
فقال عمرو‏:‏ أنا ألكن لسانًا ممن في أصحابي ومنهم من لو تكلم لعلمت أني أقاس به‏.‏
فقال الملك‏:‏ هذا من المحال أن يكون فيهم مثلك فقال‏:‏ إن أحب الملك أن آتيه بعشرة منهم من يسمع خطابهم‏.‏
فقال الملك‏:‏ أرسل فاطلبهم فقال عمرو‏:‏ لا يأتون برسالة وإنما إن أراد الملك مضيت وأتيت بهم‏.‏
فقال الملك لوزرائه‏:‏ إذا حضروا قبضنا عليهم والأحد عشر أحسن من الواحد ووردان يفهم ذلك ثم إن الملك قال لعمرو‏:‏ امض ولا تبطئ علي فوثب عمرو قائمًا وركب جواده فقال الملك بالقبطية‏:‏ لأقتلنهم أجمعين فلما خرج من مصر قال له وردان ما قاله الملك فلما وصل إلى الجيش أقبلت الصحابة وسلموا عليه وهم يقولون‏:‏ والله يا عمرو لقد ساءت بك الظنونا فأقبل يحدثهم بما وقع له معهم وبما قالوه وبما قاله وردان فحمدوا الله على سلامته وكان أقبل الليل فلما أصبح صلى عمرو بالناس صلاة الفجر وأمرهم بالتأهب للقتال وإذا برسول الملك قد أقبل وقال له‏:‏ إن الملك ينتظرك أنت والعشرة فقال عمرو‏:‏ إن الغدر يهلك أصحابه وأهله وإن على الباغي تدور الدوائر يا ويلكم ينفذ صاحبكم يطلب منا رسولًا فلما أتيته أراد أن يقضي علي وقال كذا وكذا فأنت يا ويلك ما الذي يمنعني عنك إذا أردت قتلك ولسنا نحن ممن يخون ويغدر ارجع إليه وقل له‏:‏ إني فهمت ما قاله وما بقي بيننا وبينه إلا الحرب‏.‏
قال ابن إسحق رحمه الله ورضي عنه‏:‏ هكذا وقع له مع القبط وكان عمرو إذا ذكر ذلك يقول‏:‏ لا والذي نجاني من القبط‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق