66
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
قال: حدثني عبد الرزاق بن يحيى عن سليم أن بن عبد الحميد عن سفيان الأعمش عن أوس بن ماجد وكان ممن شهد فتوح مصر والإسكندرية.
قال: لما نزل خالد بن الوليد على مريوط بجيشه تفقد يوقنا وقال لأصحابه: إنه من وقت أن بعثته برسالتي إلى مريوط للموبذان ما عاد قالوا: أيها الأمير إنه من وقت ما دخل إليه ما خرج ونحن في انتظاره فعلم خالد أن يوقنا مقبوض عليه فبات مهمومًا من أجله وإن خالد صاحب همة وعزيمة لا ينام من خوفه على المسلمين وكان معه جواسيس قد أخذهم معه من كل أقليم وقد اصطفاهم لنفسه وهو يحسن إليهم وأينما ذهب يكونوا معه ليأتوه بالأخبار فبينما هو في غم بسبب يوقنا وإذا هو بواحد منهم قد دخل عليه وأعلمه أن ولد الموبذان قد أتى من إسكندرية من عند ارسطوليس ومعه خلع وهدايا لأبيه ومعه خمسمائة فارس وقد بلغه أنكم محاصرون أباه فترك العسكر وما معه بالبعد وانفرد ومعه خادمان وأتى وما نعلم ما يريد.
قال فلما سمع خالد ذلك قام وأخذ معه غلامه همامًا وأربعة ممن يعتد بهم وأبعد وقعد على سفح التل من نحو إسكندرية ونظروا إلى التل وإذا بولد الموبذان ومعه الخادمان قصدوا إلى وراء التل عند تلك المقابر التي وصفتي رينا ليوقنا وقصدوا القبة فمشى خالد وراءهم وفرق جماعته من أربع جهات القبة وكبسهم وإذا هم قد فتحوا طبقًا في وسط القبة فأخذهم خالد فلما رآهم الموبذان ارتعدت فرائصه وخاف فقال خالد: إن صدقتموني أمنتكم وإن لم تصدقوني رميت رقابكم.
فقال الغلام: أنا أصدقك أنا ولد الموبذان وكنت عند الملك في إسكندرية وقد أنفذ معي خمسمائة فارس عونًا لأبي وحفظًا لهذه المدينة فنحن في الطريق وإذ قد جاءتني الجواسيس بأنكم نازلون على البلد فأوقفت العسكر وأتيت إلى هذه القبة فقال له خالد: وما الذي تريد من هذه القبة ألكم فيها سلاح أم مطلب فيه مال.
قال: لا.
قال: فما تريد منها.
قال الغلام: إن أمنتني قلت لك الحق.
فقال له خالد: قد أمنتك على نفسك فقبل يده وقال: يا مولاي أريد أمانًا لأبي ومن يلوذ به فأعطاه فقال: اعلم أن هذه القبة على سرب والسرب ينتهي إلى دار الإمارة ودار الإمارة في وسط هذه المدينة قال فلما سمع خالد ذلك تهلل وجهه فرحًا وسرورًا وقبض على الغلام وعلى الخادمين وأمرهما مع واحد آخر ممن معه أن يفتحوا السرب ففتحوه فأرسل همامًا إلى العسكر وأمره بأن يأتي بهم في السرب وأن يأتوا معهم بالنار والزيت والقناديل وأن يسرع بذلك وكان ذلك التل عاليًا والذين في المدينة لا ينظرون ما وراءه فلما أقبل همام بما طلبه خالد أوقدوا المسارج ونزلوا في السرب وابن الموبذان أمامهم فوصلوا إلى الباب وإذا برينا عند الباب تريد فتحه ليوقنا ومن معه فلما سمعت حسهم قالت: من أنتم.
فقال خالد لابن الموبذان: كلمها فقال: أنا فلان بن الموبذان افتحي ولا تعلمي أبي.
قال فلم يبق لها بد أن تفتح الباب ففتحت فصعد خالد ومن معه فقبضوا على رينا.
فقالت لهم: يا قوم دعوني فإني أردت أن أخلص أصحابكم وجئت لأفتح لهم هذا الباب وأنزلهم إليكم وتملكوا هذه المدينة من ههنا وقد أتى بكم رب العالمين وأنا رينا أخت مارية زوجة نبيكم فلما سمع خالد فرح وقال لها: وأين أصحابنا فأتت بهم عندهم فحلوا وثاقهم وأتوا إلى دار الإمارة فوجموا الموبذان لا يشعر بنفسه من الخمر فوكل به جماعة وأمر الباقي أن يملكوا السور وقبضوا على الحرس ونزلوا إلى الأبواب وكان لها بابان فكسروا أقفالها وفتحوهما وأرسل إلى بقية العسكر فدخلوا المدينة والكل في حالك الليل فلما أصبح الصباح استيقظ الموبذان ومن معه وإذا بالمسلمين حولهم وكل من في المدينة قد أسر.
فقال له خالد: يا عبد الله لولا أني أعطيت ولدك الأمان كنت قتلتك شر قتلة ولكن خذ أهلك وانصرف فإننا قوم إذا قلنا قولا نعمل به وفهم الموبذان أن ولده قد دلهم على السرب فلما خرج الموبذان بأهله قال ولده لخالد: يا مولاي إن أنا مضيت معه قتلني ولست أريد بغيركم بدلًا وأنا أقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فقال له خالد: إن قصر أبيك وما فيه لك وعرض خالد الإسلام على أهل مريوط فأسلم أكثرهم ثم إن خالدًا قال ليوقنا رحمه الله: أبشر من الله بالرضوان والغفران والثواب فبصبرك على الشدائد فتح الله علينا هذه المدينة فقال: والله ما فتحها إلا بفضله وببركة نبيه صلى الله عليه وسلم فكتب إلى عمرو بن العاص يبشره بفتح مريوط ونحن معولون على الدخول إلى إسكندرية وأرسل الكتاب إليه.
قال ابن إسحق: وأقام خالد بمريوط لأجل ذي الكلاع الحميري لأنه مرض معه وكان مرضه شديدًا فجلسوا عنده شهرًا ولم يفارقه خالد فقدر الله بالوفاة فحزنوا عليه حزنًا شديدًا عظيمًا فكان ذو الكلاع ملك حمير وكان قبل دخوله في الإسلام يركب له اثنا عشر ألف مملوك سود سوى غيرهم.
قال أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه: واغد رأيته بعد تلك الحشمة يمشي في سوق المدينة وعلى كتفه جلد شاة لما قدم عليه من اليمن إلى الجهاد في أيام أبي بكر الصديق رضي الله كنه فلما مات رثاه ولده تنوخ بما رثى به حمير أباه سبأ بن يشجب في الزمن المتقدم وهو: عجبت ليومك ماذا فعل وسلطان عزك كيف انتقل وسلمت ملكك ذا طائعًا وسلمت للأمر لما نزل فيرمك يوم رفيع النزال ودورك في الدهر دور رحل فلا يبعدنك فكل امرئ سيدركه بالسنين الأجل لئن صحبت نائبات الزمان وشت مع الدهر وجه الأمل لقد كنت بالملك ذا قوة لك الدهر بالعز عان وجل بلغت من الملك أقصى المدى نقلت وعزك لم ينتقل فطحطحت آفاقه والمدى وجئت من العرب حول الدول حويت من الدهر إطلاقه ونلت من الملك ما لم ينل وحملت عزمك ثقل الأمور فقام بها حازم واستقل صحبت الدهور فهنأتها وما مر عيشك فيما فعل تؤمل في الدهر أقصى المنى ولم تدر بالأمر حين نزل فزالت لعزمك شم الجبال ولم يك حزمك فيها هبل
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق