إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

97 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


97

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال الواقدي‏:‏ وكان من قضاء الله وقدره أن صاحب أسعرد وحيزان والمعدن وياتحلسا ويمهرد وطراجر وسلواس كان بينه وبين يطالقون حرب وكان تغير بعضهم على بعض وأخربوا المملكتين فلما انتشرت الأخبار بقدوم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم على مياشارقين جفل أهل تلك البلاد وعلم بذلك حرسلو صاحب أسعرد وأنه لا طاقة له بالعرب فأخذ هديه سنية وذهب بنفسه ليطالقون بن كنعان حتى يصطلح معه ويكونوا يدًا واحدة على قتال المسلمين فبينما هو سائر والهدية معه وقد نزل على قوية أسمها أرغير وعلق على خيمه وهو معول على المسير وهو ينتظر الخيل تقطع عليقها وإذ قد كبسهم يوقنا وقد أحاط بالقرية وأخذ كل من فيها وأسر البطريق ومن معه وبات ليلته فلما أصبح عوض الأسرى وقال لهم‏:‏ إن الله قد ظفرنا بكم ونصرنا علمكم واعلموا أني ملك من ملوك الروم ملكت البلاد وقدت الجيوش وأمرت ونهيت وعبدت الصليب وقربت القربان فلما أتى الله بهؤلاء القوم أخبرتهم ونظرت ما هم عليه فعلمت أن الحق معهم فتبعتهم وقلت بقولهم وقد كنا بالشام تفزع منا ملوك العجم وكسرى بن هرمز والديلم والترك وكان لنا كرة الأرض وكنا لا نلتفت إلى العرب حتى خرجوا عليت فأذاقونا مرًا وذهبت شجاعتنا وملكوا معاقلنا وحصوننا واحتووا على ملكنا ونصرهم رب الأرض والسماء علينا لأنهم يشيرون إليه بالرحدانية فإن آمنتم بالله وحده كان لكم الربح في الدنيا والآخرة وأطلق سراحكم وإن أبيتم قتلتم عن آخركم‏.‏
فقالوا‏:‏ اتركنا يومنا هذا إلى الليل ندبر أمرنا فتركهم واختلى بحرسلو البطريق وحدثه في السر وقال له‏:‏ اعمل في خلاص نفسك ورقبتك من النار وأسلم وفاد نفسك حتى تنال ما تريد فقد بلغني من الوقائع بينك وبين صاحب الحصن‏.‏
فقال البطريق‏:‏ لقد صدقت فمن أعلمك فقال له‏:‏ ما السبب في العداوة بينك وبينه‏.‏
فقال‏:‏ إنه طلب أن يتزوج ابنتي وبعث إلي هدية فرددتها عليه فصار عدوي وأغار على بلادي وأغرت على بلاده والآن قدمت إليه بهدية حتى أكون أنا وإياه يدًا واحدة فأتيت أنت إلي وأخذتني فقال يوقنا‏:‏ إني أريد لك من الخير ما أريد لنفسي ولست أجبرك على ألا تترك دينك ولكن تعاهدني على أن لا تغدر وأنا أخلي سبيلك وتمضي إلى صاحب الحصن وتدني نفسك بين يديه وتقول‏:‏ أيها الصاحب قد ندمت على ما كان مني إذ رددتك عن تزويج ابنتي وإني كنت أخذتها وزينتها وسقت معها أموالها على أني أهديها لك فلما كنت في ذرية كذا وكذا خرج علي قوم من العرب فأخذوا المال والرجال وقد نجوت إليك بنفسي لتآخذ بيدي وتستنقذ ابنتي من العرب فإنه إذا سمع دعاه الطمع واستجره الأمل حتى يخرج إلينا ولعل الله تعالى أن يظفرنا به فإذا ملكنا الحصن إن شاء الله تعالى كنت أنت تبقى على بلادك وكنت آمنا مطمئنًا واعلم أن ذمامي هو ذمام العرب ومهما فعلته امتثلوه وأمضوه فلما سمع البطريق كلام يوقنا قال‏:‏ أفعل ذلك ولكني أخاف من المسيح أن يغضب علي إذا خامرت على أهل ديني‏.‏
فقال يوقنا‏:‏ أنا أحمل هذه الأوزار عنك ودع عيسى ابن مريم يطالبني يوم القيامة‏.‏
فقال البطريق‏:‏ إن كان هذا الذي قلته فأنا أفعل وليس يصعب علي ولكني أخاف إن فعلت ذلك الذي أمرتني به أن لا ينزل من الحصن وربما بعث معي بعض أصحابه فلا يحصل طائل من عدوكم‏.‏
فقال يوقنا‏:‏ وما يكون التدبير فقال البطريق‏:‏ الرأي عندي غير هذا‏.‏
قال‏:‏ وما هو‏.‏
قال‏:‏ تذهب مع أصحابك جريدة بالخيل وأنا أكون معك فما نصبح إلا ونحن على الحصن فإذا أشرفنا عليه تعطيني جوادي وسلاحي وأركض على فرسي في حال العجلة فإني أجده في الميدان مع أرباب دولته فإذا وقعت عيني عليه ترجلت وحثوت التواب على رأسي وأصيح‏:‏ أيها الملك العرب قد أخذوا أصحابي وغلماني وما جاء معي برسمك فإذا قال‏:‏ وأين هم‏.‏
أقول‏:‏ على فرسخ من بلدك‏.‏
فإنه إذا سمع قولي لا يمكنه التأخير عن نصرتي ولا له إلا السرعة إليكم واعلم أن أكثر جنده قد فرقهم على الحصون وما عنده إلا ألف فارس أو أقل‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع يوقنا ذلك من قوله وثق به وبعث الأسرى إلى عياض فلما وصلوا إليه قال لهم‏:‏ إن أطلقتكم أتعرفون لنا ذلك قالوا‏:‏ نعم وكيف لا نعرفه‏.‏
فأطلقهم حتى تسمع أهل البلاد فينزلوا إلى طاعته وأما يوقنا فإنه سار جريمة بقية ليلته فما برق ضياء الفجر إلا وقد أشرفوا على الحصن فعندها أطلق البطريق ووثق منه بالعهود وأعطاه جواده وسلاحه وسار كأنه قد أفلت نفسه وساق على شوط واحد إلى الحصن وكان بالقضاء المقتر أنه وجد البطريق يطالقون قد عبر إلى جانب أسعرد ومعه ألف فارس وألف راجل وكان السبب في ذلك أن قومًا من أصحاب البطريق حرسلو كانوا في كنيسة يوقنا فأتوه وحدثوه بما تتم عليهم من القوم فعبر لعله يستخلصهم من يد يوقنا فلما وصل إليه البطريق ترتجل وصقع له وحدثه فرق له وقال‏:‏ كيف تخلصت‏.‏
قال‏:‏ خلصت يدي من الكتاف وركبت هذا الفرس فلما أحسوا بي ركبوا ورائي وها هم في أثري بالقرب من باياعا‏.‏
قال فلما سمع ذلك يطالقون بن كنعان أمر بالركوب وسار من وقته طالبًا يوقنا وقال‏:‏ هذا الذي أردناه من أمر الجهاد قد قربه الله إلينا فدونكم والقوم‏.‏
ولم يمهل بعضهم بعضًا وتطاعنوا بالرماح وصبر يوقنا صبر الكرام ووقع الصائح من كل جانب ونشرت أجنحتها النوائب واستعان أصحاب يوقنا برب المشارق والمغارب فبينما هم قد أشرفوا على المعاطب إذ أشرفت عليهم غرر الخيل وهم يتسابقون فنظر إليهم يوقنا وإذا هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة آلاف فارس يقدمهم خالد بن الوليد وكان السبب في قدومهم أن عياضًا خاف على يوقنا وبني عمه فأرسل إليهم في أثرهم خالدًا فوجدهم في القتال فأطلق عنانه وقال‏:‏ يا أهل الإيمان وحملة القرآن دونكم وعبدة الصلبان ارفعوا أصواتكم بذكر ربك‏.‏
قال‏:‏ ونظر يوقنا النصرة وقد أقبلت فعظم شأنه والتقى بصاحب الحصن وقد عرفه بزيه فتطاعنا طعنًا كافيًا وتضاربا ضربًا شافيًا إلا أن يوقنا طعن صاحب الحصن فرماه إلى الأرض قتيلًا وصنع فيهم خالد رضي الله عنه والصحابة رضي الله عنهم كما تصنع النار في الحطب ولما قتل يوقنا صاحب الحصن قطع رأسه وجعله على سنانه ونادى‏:‏ عمن تقاتلون وقد قتلنا صاحبكم فلما رأوا الرأس ولوا الأدبار ومات أكثرهم وولوا الباقون نحو الجبل ووقع الصائح في الحصون بأن يطالقون قد قتل فولوا الأدبار‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وكان ليطالقون زوجة عاقلة لبيبة صاحبة رأي وتدبير فلما رأت ما حل بزوجها وأن أهل الحصن قد قتل أكثرهم وتفرقوا بالهزيمة أيقنت بزوال ملكها وخراب بيتها فجمعت المشايخ من أرباب دولتها وقالت لهم‏:‏ اعلموا أن الملك قد قتل وقد تفرق شمل من كان معه وقد وصلكم ما صنع هؤلاء العرب مع ملوك دين النصرانية وبني ماء المعمودية وكيف ملكوا الشام وأرض ربيعة وديار بكر وديار مصر وقد دانت لهم الأمور وانتشر شرعهم وعلا ذكرهم ودخل في دينهم الملوك والبطارقة وما نزلوا على حصن إلا ملكوه ولا وافوا جيشًا إلا هزموه وقد دخلوا أرضكم وحلوا ساحتكم فما ترون من الرأي الرشيد قالوا‏:‏ أيتها الملك ما تكلمت بشيء إلا فهمناه وعرفناه والأمر إليك‏.‏
فقالت‏:‏ الصواب أنكم تحقنون في ماءكم وتصونون حريمكم وأموالكم وتدخلون فيما دخل فيه أهل البلاد وتصالحون العرب فتأمنون على أنفسكم وتعيشون في ظلهم‏.‏
فقالوا‏:‏ هذا هو الصواب‏.‏
قالت‏:‏ فلينطلق منكم رجال إلى هؤلاء العرب ويعقدوا لنا منهم صلحًا‏.‏
قال فخرجوا من عندها وسار منهم ثلاثون رجلًا من خيارهم وعبروا الشط إلى عسكر خالد فلما رآهم خالد والمسلمون علموا أنهم من أهل الحصن فاستقلوهم وسلموا عليهم ورحبوا به ومشوا معهم إلى قبة خالد وإذا هو جالس على التراب ووجوه أصحابه حوله وهم يكثرون من ذكر الله وليس لهم حاجب ولا بواب فسلموا عليهم فقرأ خالد ‏{‏وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 86‏]‏‏.‏ فتقدم كبراؤهم وعلماؤهم في دينهم وقالوا‏:‏ أيكم الأمير نخاطبه‏.‏
فقالوا‏:‏ ليس فينا أمير ولا من يلحظ أخاه بعين الذل لأن الإسلام شملنا والدين جمعنا ونحن عباد الله فلما سمع القوم ذلك قالوا بأجمعهم‏:‏ والله ما نصركم الله علينا إلا باتباع نبيكم وقال خالد‏:‏ كم تبذلون لنا من المال‏.‏
فقالوا‏:‏ مهما أردتم امتثلناه‏.‏
فقالوا‏:‏ إنا لا نريد إلا ما ترضى به أهل الذمة الذين في البلد حتى تطيب قلوبهم ومن لا يرحم لا يرحم ولقد سمعت نبتنا صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏لا تنزع الرحمة من قلب شقي‏)‏‏.‏
قال فلما سمع القوم ذلك تهللت وجوههم فرحًا وقالوا‏:‏ لقد نصركم الله بحق وما نرى دينكم إلا حقًا فأسلموا عن آخرهم وعادوا إلى قومهم واجتمعوا في كنيستهم وحدثوهم بما كان وبما رأوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن سيرتهم‏.‏
فقال أهل البلد‏:‏ ما كنا بالذين نرفع أنفسنا عليكم لأنكم أولو الرأي والدين وقد رضينا بما رضيتم به لأنفسكم فأسلموا إلا قليلًا منهم وأما الملكة لما سمعت ذلك طاب قلبها وبعثت بالإقامة والعلوفة إلى خالد وسألته أن يعبروا إلى جانبهم ونصبت لهم الجسر فجبر خالد ومن معه ونزلوا بالبيعة حيث إن الملكة تشرف عليهم وتنظر إليهم فرأت أقوامًا قد طلقوا الدنيا وطلبوا الآخرة‏.‏
وليس فيهم من ينهر ولا يسفه ولا يخالف أخاه قد اشتغلوا بالذكر وتوحشوا بالصبر فلما نظرت إلى حسن عبادتهم نزلت إليهم وأسلمت على أيديهم‏.‏
فقال خالد‏:‏ تقبل الله منك ورضي عنك فالزمي قلعتك فلا سبيل لأحد عليك ونظر يوقنا إليها‏.‏
فقال‏:‏ وددت لو كانت هذه أهلي فأنفذ خالد يشاورها‏:‏ فأجابت إلى ذلك وبعث خالد إلى عياض يشاوره فبعث إليه الجواب بأن زوجه ولا تترك من فتح طنز ويمهرد وأسعرد قال‏:‏ فعول على العبور إلى جانب أسعرد ويمهرد إذ قدم عليه أهل حصن طنز للصلح وأن يكونوا طوعًا للمسلمين‏.‏
فقال خالد‏:‏ من أسلم منكم قبلناه وكان له ما لنا وعليه ما علينا ومن بقي على دينه كانت عليه الجزية من العام القابل فأجابوه إلى ذلك فكتب لهما عهدًا وعبر إلى طنز ويمهرد وأسعرد والمعدن وأرزن وقرروا صلحًا ورضوا به‏.‏
قال وانقضت عدة صاحبة الحصن وهي جانوسة وتزوجها يوقنا ولحق خالد بعياض فوجده على سوقاريا وهى مدينة جالوت فلما وصل خالد إليه أسلم الناس بعضهم على بعض وأقاموا هناك خمسة أيام وعولوا أن يسيروا إلى بدليس وأخلاط وإذ قد جاءهم الخبر أن طاريون ابنة الملك وهي زوجة الغلام يرغون الذي فتح كفر توتا وكان من أمرها ما ذكرناه قد هربت إلى أبيها ورجعت إلى دينها‏.‏
قال فصعب ذلك عليهم‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثني محمد بن يونس‏.‏
قال‏:‏ حدثني إسماعيل عن قيس قال‏:‏ إن طاريون لم تتنصر ولا عادت عن الإسلام وإنما مضت إلى أبيها لتدبر عليه حيلة وتسلم البلد للمسلمين لأنها أرادت أن تصنع كما صنع زوجها يرغون بكفر توتا فاتفق رأيها ورأي زوجها على ذلك‏.‏
فقال يرغون‏:‏ أما أنا فلا أتبعك لأنني أفزع من أبيك أن يقبض علي‏.‏
فقالت له‏:‏ الزم مكانك ولبست ثيابها وعولت على المسير وجعلت غلمانها في محل خلوة وقالت لهم‏:‏ اعلموا أني قد عزمت على أمر أفعله وأنا أبوح به إليكم قالوا‏:‏ أيتها الملك ما على العبد إلا الطاعة لمولاه فأوقفينا على سرك‏.‏
قالت لهم‏:‏ اعلموا أني كرهت المقام بين هؤلاء العرب وأيضًا قد اشتقت إلى وطني وعولت على أن أخرج بكم إلى الصيد في الجبل فإذا جن الليل طلبنا أرضنا فلما سمعوا قولها فرحوا وقالوا‏:‏ نعم الرأي‏.‏
فقالت‏:‏ إني لست أكرهكم فمن كان له رغبة أن يلبث ههنا وهو مائل إلى هذا الدين فليقم غير ملوم ومن أراد الرجوع إلى وطنه فليعزم معي فإني أمضي في هذه الليلة وحق ما أسير إليه لئن بلغني أن أحدًا منكم أفشى سري إلى يرغون أو غيره من الناس لأضربن عنقه فمن كان عازمًا على صحبتي فليتبعني فأجابوها إلى ذلك فلما جن الليل وذعت يرغون وخرجت ومعها اثنا عشر نفرًا كانوا لا يريدون الإسلام‏.‏
وكان لها بكفر توتا اثنا عشر غلامًا قد رسخ الإسلام في قلوبهم وأحبوا المسلمين‏.‏
قال وسارت نحو الجبل ومضت إلى أن تركت أرزن خلف ظهرها وأشرفت على بدليس فنزل صاحبها إليها وقدم لها إقامة وعلوفة وأقامت هناك بقية يومها‏.

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق