إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

72 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي ) فتح مدينة دمياط


72

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

  فتح مدينة دمياط

وما والاها قال الراوي‏:‏ وأتت إليه أهل رشيد وفوة المحلة ودميرة وسمنود وجرجة ودمنهور وأبيار والمجيرة وصالحوه على بلادهم‏.‏
ثم إنه بعث المقداد ومعه أربعون فارسًا وهم ضرار وشاكر ونوفل وراجح وعاصم وفارس وعروة وسهل وعمير وكعب وسعيد ويزيد وصعصعة وغيرهم وأمرهم بالمسير إلى دمياط وأمر عليهم المقداد بن الأسود الكندي فساروا إلى البرلس ودمياط كان بها خال الملك المقوقس وكان عسكره اثني عشر ألفًا وكان قد حصن البلد وجمع فيها من آلة الحصار من الزاد وغيره قال فلما أشرف عليه الصحابة ونظر إلى قلتهم ضحك وقال‏:‏ إن قومًا ينفذون إلينا منهم أربعين ليملكوا بلدنا إنهم لفي عجز وقلة عقل قال‏:‏ وكان ولده الأكبر فارسًا مشهورًا في جميع بلاد النيل وكان اسمه هريرًا وكان يثق به وبشجاعته وبراعته وليس في عينيه الفرسان شيئًا فلما رأى الصحابة وهم أربعون قفز إليهم وهو لابس لامة حربه وطلب البراز فخرج إليه ضرار نجن الأزور وحمل عليه فطعنه فقتله وحمل على عسكر دمياط فألجأهم إلى حيطان البلد وهو كأنه النار في الحطب فاستعاذ منه الجيش‏.‏
ثم إن خال الملك وكان اسمه البامرك اجتمع بأرباب دولته وقد صعب عليه قتل ولده وكان عندهم حكيم يثقون به وبرأيه ويعتمدون على عقله فأحضروه وقالوا له‏:‏ أيها الحكيم العالم ما الذي تشير به علينا في أمر هؤلاء العرب فقال‏:‏ أيها الملك إن جوهر العقل لا قيمة له وما استضاء به أحد إلا هداه إلى سبيل نجاته وقاده إلى معالم مصالحه وهؤلاء القوم لا تذل لهم راية ولا تلحق لهم غاية قد فتحوا البلاد وأذلوا العباد واشتهر أمرهم وعلا ذكرهم وفشا خبرهم وعلت كلمتهم وطافت الأرض دعوتهم فما أحد يقدر عليهم ولا يصل إليهم وما نحن بأشد من جيوش الشام ولا أمنع بلدًا وهؤلاء القوم قد أيدوا بالنصر وغلبوا بالقهر وإن الرحمة في قلوبهم فعاهدهم فما عاهدوا عهدًا وخانوا وما حلفوا يمينًا فكذبوا وقد بلغك ما هم عليه من الدين والصيانة والصدق والأمانة والرأي عندي أن تصالحهم لتنال بذلك الأمن وحقن الدماء وصون الحريم ودفع الأمر العظيم ونكون قد صالحناهم ودفعناهم بشيء من مالنا‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع البامرك ذلك من الحكيم أمر بضرب عنقه فلما عرف الحكيم أن المنية قد غشيته قال‏:‏ اللهم إني بريء مما يشركون بك لا شريك لك ولا ولد ولا صاحبة لك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏.‏
قال فلما سمع البامرك كلامه ضربه فقتله وأملهم بأن يأخذوا على أنفسهم للحرب فلما كان الغد خرجوا إلى ظاهر دمياط ونصبوا خيامهم‏.‏
قال وكان للحكيم ولد ورث فضائل أبيه وكان فيه فطنة وعقل وتدبير‏.‏
فلما قتل أبوه أظهر الفرح والدعة للملك البامرك وقال‏:‏ لقد أراحني الملك منه ومن شره فبلغ البامرك ما قاله ابن الحكيم فأرسل إليه وخلع عليه وطيب قلبه فلما كان الليل قال‏:‏ والله لآخذن بثأر أبي من هذا اللعين ومن أولاده وكانت داره ملاصقة للسور فنقب نقبًا واسعًا وخرج منه وقصد الصحابة فلما رأوه قالوا له‏:‏ من أنت‏.‏
قال‏:‏ إن أبي قد قتل من أجلكم وقد نقبت نقبًا وخرجت منه فقوموا على بركة الله في عونه حتى تملكوا المدينة منه‏.‏
فقال له ضرار‏:‏ يا ويلك وإن الذي بعثك بهذه الحيلة أراد قتلك أما علمت أن الحذر شعارنا واليقظة دثارنا وهم بقتله فقال له المقداد‏:‏ أمهل يا ضرار ورفقك الله إلى الخير ووقاك الألم والضير‏.‏
ثم قال المقداد‏:‏ إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يشير إلى شخص بين يديه وكأنما يقول على زي هذا الغلام وكأنما أتأمل إلى هذا الغلام فرأيته على ما هو عليه الآن وكان على وسطه منطقة من الأديم وفيها جلق فضة وهي تحت أثوابه‏.‏
ثم إن المقداد قال‏:‏ يا غلام اكشف عن أثوابك فكشف عن أثواب وإذا المنطقة بعينها فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام المسلمون فصافحوه ومضى الغلام أمامهم إلى أن دخل بهم النقب ووسعوه بأيديهم حتى دخلت خيولهم ثم ردوا الحجارة والطين والبناء على حاله وأعمى الله أبصار القوم عنهم فلما كان الغد نظر أعداء الله فلم يروا للصحابة أثرًا ولا خبرًا فضجوا بمكلمة كفرهم وماجوا وقالوا‏:‏ هربت العرب ووقع الصائح في العسكر فظهر أهل البلد ليقفوا على صحة الخبر ولم يبق في البلد سوى النساء والأطفال‏.‏
قال ابن إسحق‏:‏ وكان للحكيم بنو عم ثمانون رجلًا وأن ولده طاف عليهم بالليل وأعلمهم بما فعل فأقبلوا معه وأسلموا عن آخرهم فلما كان الغد وخرج كل من في البلد بادر بنو عم الحكيم وإخوته إلى الأبواب فأغلقوها وأعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير فوقعت الخمدة على النساء والصبيان واستوثق القوم من المدينة بالثمانين رجلا فأمسكوهم الأبواب وخرج الصحابة رضي الله عنهم ورفعوا أصواتهم يكبرون ويدعون الله عز وجل فلما نظر لهم أهل البلد علموا أنهم قد ملكوها وأن الذي فعل ذلك بنو عم الديرجان الحكيم وقد أغلقوا الأبواب وقفلوها وملكوا السور فوقف الملك ينظر إلى ما فعله الصحابة وعلم أن المدينة أخذت منهم وكان في أولاده ولد عاقل لبيب كامل الذات والصفات وافر العقل وكان منذ نشأ يتبع العلماء ويجالسهم ويطلب العلم ومنذ ملك عقله ما أكل لحم خنزير ولا كشف ذيله على محرم ولا سجد لصورة ولا لصليب وكان هم أن يبني صومعة وينفرد فيها فلم يمكنه أبوه من فرط محبته له وكان لا يستطيع فراقه وهذا الغلام اسمه شطا وكان يحب أن يسمع أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبحث عنها فلما نظر إلى لصحابة وقد ملكوا منه البلد وشطا عن يمين أبيه قال‏:‏ فشخص شطا نحو السماء ببصره وصاح وسقط عن قربوس فرسه بوجهه‏.‏
قال ارتاع أبوه وجميع عسكره من تلك الصيحة فلما أفاق قال له أبوه‏:‏ يا بني ما وراءك قال‏:‏ ظهر والله والحق وبان وقد تبينت لي حقيقة الإيمان وقد نظرت إلى عسكر هؤلاء العرب وعليهم نور عظيم ومعهم رجال عليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب وبينهم قبتان معلقتان في الجو بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها وفيها رجال ما رأيت أحسن من وجوههم ولا شك أنهم الشهداء ورأيت في إحدى القبتين حورًا لو برزن لأهل الدنيا لماتوا شوقًا إليهن وإن الله تعالى ما كشف عن بصري وأراني ذلك إلا وقد أراد لي الخير وما كنت بالذي بعد هذه الرؤيا أبقى على الضلال ولا أتبع المحال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وحرك جواده وقال‏:‏ من أحبني من رجالي وغلماني فليتبعني‏.‏
قال‏:‏ فتبعه من القوم ألف رجل ولحقوا بالصحابة وألقوا سلاحهم وأعلنوا بكلمة التوحيد‏.‏
قال‏:‏ فلما نظر البامرك إلى ما فعل ولده شطا‏.‏
قال‏:‏ والله ما فعل ولدي شطا ذلك إلا وقد رأى الحق ولست أشك في عقله ودينه‏.‏
ثم إنه أسلم ولحق بولده فلما نظر أرباب دولته ذلك قالوا‏:‏ إذا كان الملك وولده قد أسلما فما وقوفنا نحن‏.‏
فأسلموا جميعًا على يد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا المدينة فمن أسلم تركوه ومن أبى أخرجوه إلى بلاد الأرياف‏.‏
قال‏:‏ وفتح المقداد النقب الذي دخلوا منه وأمر ببنائه بابًا فسماه باب اليتيم وهو ابن الحكيم وترك عندهم المقداد رجلًا من الصحابة يعلمهم شرائع الإسلام وهو يزيد بن عامر رضي الله عنه ورجع المقداد وأصحابه إلى إسكندرية وحدثوا عمرًا بما فتح الله عليه من دمياط ففرح بذلك وكتب كتاب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح مريوط والإسكندربة ودمياط ورشيد وفوة والمحلة ودميرة وسمنود وجرجة ودمنهور وأبيار والبحيرة وبعث الكتاب مع عامر بن لؤي‏.‏
فتح الجزيرة تنيس قال‏:‏ حدثني زياد عن حميد الطويل عن يونس بن الصامت عن نصر بن مسروق‏.‏
قال‏:‏ لما فتحت دمياط وكان من أمرها ما كان‏.‏
قال البامرك لولده‏:‏ يا بني إن الله قد أنقذنا من نار الجحيم وقد هدانا إلى الصراط المستقيم وذلك لسابقة سبقت لنا في القدم وهذه تنيس بالقرب منا وهي جزيرة ولا يمكن التوصل إليها إلا في المراكب والصواب أننا نكاتب صاحبها أبا ثوب وندعوه إلى الله وإلى دين نبيه‏.‏
فإن أجاب وإلا قصدناه والله ينصرنا‏.‏
فقال شطا‏:‏ هذا هو الرأي وأنا أكون الرسول إليه بنفسي‏.‏
فقال‏:‏ يا بني أعزم على بركة الله وعونه‏.‏
قال‏:‏ فركب شطا في مركب وأخذ معه أربعة من غلمانه الخواص فلما نظر يزيد بن عامر إلى ذلك‏.‏
قال‏:‏ وأنا أسير معك إلى صاحب تنيس‏.‏
فإنه لو سألك عن ديننا ومعالمه لم يكن عندك به علم بأن تكلمه ونحن بحمد الله ما فينا من يتكبر ولا من يتجبر وما طلبتنا إلا الآخرة والعمل بما يقربنا إلى الله‏.‏
ثم سار معه يزيد بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا إلى جزيرة تنيس وفيها رجال يحفظونها فلما نظروا إلى شطا وغلمانه وبينهم رجل بدوي قالوا‏:‏ من أنتم قال لهم شطا‏:‏ أنا ابن الملك البامرك صاحب دمياط ومعنا هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئناكم رسلًا قال‏:‏ فأرسلوا منهم واحدًا يستأذن لهم فأذن لهم أبو ثوب‏.‏
قال‏:‏ فنزلوا في الزورق وإذا به قد أرسل لهم دوابًا ليركبوها فامتنع يزيد من الركوب ووافقه شطا على ذلك وساروا كلهم رجالًا إلى أبي ثوب فاستأذنوا عليه فأذن لهم فلما دخلوا قصر أبي ثوب وإذا به في حشمه وخدمه وزينته والحجاب والغلمان بين يديه وهو في مرتبة إمارته وكان قد تكبر وتجبر منذ نزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصر ومنع المال والخراج أن يؤذيه للمقوقس وولده وقد اجتمع عنده مال عظيم فلما دخل عليه يزيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشطا وغلمانه ونظروا إلى أبي ثوب وغلمانه وتجبره بدأ يزيد بالسلام فقال‏:‏ السلام على من اتبع الهدى ‏{‏إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 48‏]‏‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثنا ابن سالم عن جرير بن أحمد عن أبيه عيينة عن ابن جرير وكان أعلم الناس بقصة فتوح مصر والمغرب‏.‏
قال‏:‏ كان أبو ثوب هذا من أرض العريش من متنصرة العرب من آل غسان وهو قريب جبلة وكان صاحب مال ورجال وأنه لما وقعت الهزيمة على الروم وفتح الشام وانهزم الملك هرقل وهرب معه جبلة هرب معهم أبو ثوب هذا بماله وأهله وإخوته إلى أرض الجفار ونزل في البرية ما بين العريش ورفح وأن المقوقس خرج في بعض الأيام يريد الصيد في عسكره فانتهى في سرحته إلى أرض العريش فانطرد قدامهم وحش كبير فطلبه الملك وتبعه ولم يتبعه أحد من عسكره وهو وراءه وحده إلى أن رماه في حلل العرب في حلة أبي ثوب فقام إليه وعظمه وبجله وعلم أنه الملك فأمسك ركابه وأنزله في بيته وذبح له الأغنام ووضع له الطعام وتلاحق الجيش‏.‏
قال‏:‏ فأضافهم أبو ثوب ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع ركب في خدمة الملك وشيعه وعاد فلما دخل المقوقس إلى مصر أمر وزيره بأن يكتب إلى أبي ثوب بولاية تنيس وأعمالها وأرسل له الخلع والأموال والمماليك والغلمان فلما وصل إليه منشور الملك وخلعه فرح أبو ثوب وركب وسار إلى الفرمة وركب منها في المراكب إلى تنيس فلما مكث في ولايته بعث إلى أهله وإخوته فأتوا إليه فولى أخاه أبا سيف على جزيرة الصدف وولى أخاه الثاني أبا شق على جزيرة الطير وولى ولده على دنيوز فلما طال عليه الأمر طغى وتجبر ومرت الأيام والليالي حتى قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض مصر فمنع دفع الخراج إلى مصر وإلى المقوقس وولده ورأى نفسه في تلك الجزيرة فتحصن بها وقال‏:‏ ما أحد يقدر أن يصل إلي فلما قدم شطا ويزيد بن عامر ونظر إليهم أبو ثوب أظهر الإعجاب والتكبر ولم يلتفت إليهم ولم يجسر أحد من جماعته أن يأذن لهم بالجلوس فلما نظر إلى ذلك يزيد بن عامر قرأ ‏{‏إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 128‏]‏‏.‏ وجلس إلى جانبه شطا ونظر يزيد إلى سرير أبي ثوب فإذا هو من الذهب وفيه صورة النخلة ومن تحتها صورة مريم والمسيح في حجرها فقرأ ‏{‏فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيا فكلي واشربي وقري عينًا فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 24 - 26‏]‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيًا وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 30 - 33‏]‏‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع أبو ثوب كلام يزيد التفت إليه بغضب وحنق وقال‏:‏ ما هذا الكلام الذي نطقت به‏.‏
قال يزيد‏:‏ هذا كلام الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا تفنى عجائبه ولا تنفذ غرائبه ولا تبدل كلماته ولا تمل آياته‏.‏
فقال‏:‏ ما معنى الذي ذكرت ونطقت به وما تفسيره‏.‏
فقال يزيد‏:‏ أما قول الله إخبارًا عن عيسى حين قال‏:‏ ‏{‏إني عبد الله‏}‏ فإنه يعلم الخلق أنه عبد الله وليس بولد جل الواحد الأحد الفرد الصمد‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق