إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 28 يونيو 2014

123 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


123

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

ثم رمى الرمح من يده وتواخذا بالمناكب وتصارعا وكان عدو الله كأنه قطعة من جبل وضرار نحيف الجسم غير أن الله أعطاه حولًا وقوة فلما طال بينهما العراك ضرب ضرار بيده في بطن عدو الله فقلعه وجلد به الأرض فصاح يستنجد بالبطارقة وتصارخت الروم والسودان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمهله ضرار دون أن ركب عليه وهو يعج كالبعير فعندها أظهر ضرار سيفه ومكنه من نحره فقتله فزعق زعقة سمعها العسكران فحملت الروم والسودان هذا وضرار قد احتز رأسه وقام عن صدره وهو ملطخ بالدماء‏.‏
ثم كبر المسلمون ودنا الفريقان بعضهم من بعض والتحمت الأبطال وقوي القتال وعظم النزال وسال العرق وازورت الحدق وعظمت الرزايا وأظلمت الدنيا ودارت رحى الحرب وقوي الطعن والضرب وضاقت الصدور واشتدت الأمور وضاقت المذاهب وقطعت المناكب وما كنت ترى إلا دمًا فائرًا وكفا طائرًا وجوادًا غائرًا هذا وقد زحفت السودان وأصحاب السلاسل ذوو الكفر والطغيان وضربوا بالأعمدة الحديد ويومهم يوم شديد وبانت الشجعان وفر الجبان وبقي حيران وعمرو بن العاص يحرض الناس على القتال ويقول‏:‏ يا أيها الناس ويا حملة القرآن اذكروا غرف الجنان فسر الناس بقوله ونشطوا وصارت السودان يضربون الفارس مع الفرس بالعمد الحديد فيقتلونهما جميعًا وكذلك أصحاب الفيلة يرمون بالنشاب ويضربون بالحراب إلى أن جاء وقت العصر وقد قتل من الفريقين خلق كثير وظفر خالد بخصمه شاول لعنه الله وضربه بالسنان في صدره فخرج السنان يلمع من ظهره ووقع على الأرض يخور بدمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار‏.‏
قال ولما عظم القتال والبلاء قال رفاعة المحاربي وقد انتخب من بني محارب ولبيد ومالك خمسمائة فارس وقصد الفيلة وقاد‏:‏ يا وجوه العرب دونكم وأعينها ودنا من الفيل الأبيض وهو قائدها وهي خمسمائة فيل وتقدم إليه والسيف في يده وهو ينشد ويقول‏:‏ يالك من ذي جثة كبيرة لقيت كل شدة خطيرة اليوم قد ضاقت بك الحظيرة حتى ترى ملقى على الحفيرة قال‏:‏ ثم ضربه بالسيف فولى هاربًا‏.‏
ثم برك وكان عليه عدة من السودان في قبة من الأديم فلما سقط الفيل إلى الأرض قام علج على ظهره وفي يده عمود فضرب به رفاعة فزاغ عنه وضربه رفاعة على عاتقه الأيمن فأطلع السيف يلمع من عاتقه الأيسر فسقط عدو الله يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار فتلاحقت العرب بأعجاز الفيلة وصاروا يطعنون الفيلة في أعينها كما ذكرنا فولوا منهزمين‏.‏
قال‏:‏ وقصد خالد والمقداد وأجواد الأمراء القواد الذين تقدم ذكرهم وطلبوا من الله النصر والثبات وصاروا يأتونهم وهم فارس عن اليمين وفارس عن اليسار فيقتلون مساك السلاسل ثم يمسكون أطراف السلاسل ويطلقون الأعنة فينقاد معهم كالبعير الشارد فيأخذون العمود من يده ويقتلونه شر قتلة ولم يزل القوم في قتال ونزال وأهوال حتى جاء الليل وحجز بين الفريقين وقد قتل من الفريقين خلق كثير فأما المسلمون فقد قتلوا منهم اثني عشر ألفًا من الملوك والبطارقة خمسة عشر بطريقًا وملكًا من السودان وغيرهما وبات المسلمون يتحارسون إلى الصباح‏.‏
قال الراوي‏:‏ وكان قد أثخن بالجراح جماعة من المسلمين في ذلك النهار وكان المسلمون طائفة يدفنون القتلى وطائفة يداوون الجرحى وطائفة يقرؤون القرآن وطائفة يصلون وطائفة نيام من كثرة ما لحقهم من التعب وخالد بن الوليد والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم يدورون حول العسكر إلى الصباح فلما لاح الفجر أذن المؤذنون وصلى عمرو بن العاص بالناس الصبح بسورة الفتح‏.‏
ثم دعوا الله عز وجل أن يرزقهم النصر‏.‏
ثم تبادروا إلى خيولهم فركبوها ورتبوا صفوفهم كما ذكرنا فيما تقدم بالأمس فلما فرغ المسلمون من تعبية الصفوف أقبل الأمراء يحرضون الناس على القتال وقد جعلوا على الساقة رافع بن عميرة الطائي والحرث بن قيس ورفاعة بن زهير في خمسمائة فارس‏.‏
قال الراوي‏:‏ قال عبادة بن رافع حدثنا سالم بن مالك عن عبد الله بن هلال وكان في خيل رافع‏.‏
قال‏:‏ لما رتبت الصفوف والتقى الجمعان وكثر القتال وكل واحد اشتغل بنفسه ونحن نذب عن النساء والصبيان والنساء اللاتي تقدم ذكرهن يقاتلن أشد القتال إذ جاءنا كردوس عظيم من البطارقة والسودان والبجاوة ومعهم زهاء من ستمائة فيل وغافلونا ونحن مشغولون بالقتال واقتطعوا قطعة كبيرة من الإبل والرجال والنساء والصبيان زهاء من ألف بعير ومائتي امرأة وغير ذلك وكان في ذلك زائد بن رباح البكري وعباد بن عاصم الغنوي ومعهما مائتا فارس فقاتلوا قتال الموت حتى أثخنوا بالجراح وقاتلت النساء بالأعمدة والخناجر فلله در عفيرة بنت غفار وسلمى بنت زاهر ونظائرهما من النساء لقد قاتلن حتى ضربن بالسيف على رؤوسهن وسالت الدماء على وجوههن وهن يقلن‏:‏ الله الله يا نساء العرب قاتلن عن العسكر وعن أنفسكن وإلا صرتن بأيدي الأعلاج الغلف والسودان فقاتلن قتال الموت وقتل من المسلمين خمسة عشر نفرًا ختم الله لهم بالشهادة وساقوا النساء والصبيان‏.‏
فرجع فارس إلى خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأعلمهما بذلك وهم في أشد القتال فتصايح المسلمون وخرج جماعة من الأمراء من وسط المعركة وهم الفضل بن العباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وزياد بن أبي سفيان وعبد الله بن أبي طلحة وضرار بن الأزور وجماعة من الأمراء وتبعهم ستمائة فارس من العرب من صناديد القوم وأدركوهم عند أول الجبل وهم يريدون جهة الفيوم فعند ذلك زعق ضرار والفضل بن العباس‏:‏ إلى أين يا أعداء الله‏.‏
فتراجعت الروم والسودان عنهم واقتتلوا قتالًا شديدًا فابتدر ضرار إلى مقدم السودان وطعنه في صدره فأطلع السنان يلمع من ظهره وكذلك الفضل بن العباس تقدم إلى بطريق عظيم وطعنه في لبته فأطلع السنان يلمع من قفاه فانجدل يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار‏.‏
قال واستمروا يقاتلون حتى قتلوا مقتلة عظيمة فلما عاينوا ذلك ألقوا ما بأيديهم من الغنيمة وولوا وتواثب المسلمون وردوا السبي والحريم وردوا الأسارى وحلوهم وساعدتهم النساء بالأعمدة والسيوف والخناجر فكانت النساء يضربن وجوه الخيل بالعمد فيكبو الجواد بصاحبه فتتعلق المرأة بالفارس وتجذبه إلى الأرض فتجلد به الأرض ثم تضربه فتقتله حتى قتلن جماعة من الروم والسودان والبجاوة وغيرهم‏.‏
فلما رأوا ذلك ولوا منهزمين من بين أيديهم وتبعتهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم نحو ستمائة أسير من الروم والسودان وزحفوا وقد غنموا أسلابهم وخيولهم‏.‏
قال الواقدي‏:‏ هذا ما جرى لهؤلاء وأما العسكر فإنهم لم يزالوا في قتال شديد وأمر عتيد وضرب وطعان وقتل رجال وجندلة أبطال وفرسان وقد قامت الحرب على قدم وساق وضربت الأعناق وصالت الشجعان وولى الجبان حيران ودارت رحى الحرب واشتد الطعن والضرب وقطعت المعاصم وطارت الجماجم وحامت طيور المنايا وعظمت الرزايا واشتد الزحام وعظم المرام وضاقت الصدور وعظمت الأمور واشتد الغبار وقل الاصطبار وقاتلت الأمراء بالرايات وبربرت السودان بلغاتها ورفعت الروم أصواتها وضربت ببوقاتها وطعنت برماحها ورمت بنشابها وحارت الأفكار وعميت الأبصار وثار الغبار وأظلم النهار وكان شعار المسلمين‏:‏ يا نصر الله انزل وصبر المسلمون لهم صبر الكرام فلله در الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود والفضل بن العباس وعقبة بن عامر والمسيب بن نجيبة الفزاري ونظائرهم من الأمراء فلقد قاتلوا قتالًا شديدًا وأبلوا بلاء حسنًا وصبروا صبر الكرام‏.‏
وأما عمرو وخالد والقعقاع بن عمرو وسعيد بن زيد فلقد كانوا يقاتلون قتال الموت وزحفت الفيلة برجالها وقاتلت الروم بأبطالها والسودان بأفيالها وقد كانت أصحاب الفيلة تعطف على خيل العرب ويرمون بالنشاب فيخرج كالجراد المنتشر حتى قلعت أعين كثيرة في ذلك اليوم فما كنت تسمع إلا من يصيح وايداه والفيلة تحطم والسودان يرمون الأبطال فعندها وثب رفاعة بن زهير المحاربي وأتى إلى خالد وعمرو وقال‏:‏ أيها الأمراء إن دام هذا الأمر هكذا هلكنا عن آخرنا‏.‏

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق