إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

94 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


94

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

فلما رأوا منهم صدق القول أسلموا إلا قليلًا منهم وعملوا البيعة الكبيرة جامعًا وأقاموا ثلاثة أيام وتركوا عندهم الحكم بن هشام ومعه عشرة من أصحابه ليعلموهم شرائع الدين وأتى ضبة ومن معه إلى عياض وأخبره بما جرى ففرح بذلك وقال‏:‏ وان أهل آمد لم يفتحوا بابًا ولا باشروا قتالًا وضاق صدر عياض ومن معه من ذلك‏.‏
قال الواقدي‏:‏ ومكثوا خمسة أشهر وكان خالد بن الوليد كما ذكرنا على باب الماء وكان في يوم يركب بجيش الزحف ويدور حول المدينة فإذا أتى الليل نزل في منزله وكان غلامه همام يخبز له في كل ليلة أقراص شعير ويتركها له في قبته‏.‏
فإذا صلى المغرب كل تلك الأقراص عند الإفطار وأنه استمر ثلاث ليال لم يجد شيئًا يفطر عليه فقال لغلامه همام‏:‏ أنت يا ولدي ما عندك ما تفطرني عليه ولك بهذه الليلة ثلاث ليال لم تصنع لي شيئًا‏.‏
فقال‏:‏ والله يا مولاي إنني في كل ليلة أصنعها وأضعها لك ولم يكن عندي منها علم وما ظننت إلا أنك تأكلها فلما كانت الليلة الرابعة وضع همام الأقراص على عادته وأخفى نفسه وجلس لينظر من يأخذها فإذا هو بكلب قد أقبل من نحو المدينة ودخل القبة وأخذ الزاد وخرج فتبعه همام وإذا به قد دخل من مسرب الماء في جانب السور‏.‏
قال فتركه همام وعاد فلما أتى خالد من صلاته أقبل وطلب الفطور فقال له همام‏:‏ يا مولاي كان من الأمر ما هو كذا وكذا قال خالد‏:‏ يا همام أرني الموضع فمضى همام أمام خالد وأراه الموضع الذي دخل منه الكلب فلما رآه قال‏:‏ الله أكبر فتح الله ونصر وعاد وطلب أصحابه وأعلمهم بالقصة‏.‏
وقال لهم‏:‏ قد عولت أن أدخل المدينة من مسرب الماء وأريد منكم مائة رجل يهبون نفوسهم لله تعالى وتعلمون أن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار وفاء لمن أخذ منها بحقها ودار رجاء لمن تزود منها ودار نجاة لمن فهم عنها الدنيا مهبط وحي الله ومصلى ملائكته ومسجد أحبابه وأوليائه اتخذوها مزرعة فرحمنا الله وإياكم وكان لنا ولكم فمن أراد الزاد من هذه الدنيا الفانية إلى يوم حشره فليبادر إلى التجارة الرابحة ولا يغزه طول الأجل فيطمئن إلى التقصير في العمل ألا وإني در وهبت نفسي لله وقد اشترى‏.‏
ثم قرأ ‏{‏إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 111‏)‏‏.‏ فمن باع فليبادر ولا يجزع مما يحاذر فالموعد بيننا في عرصات القيامة وموقف الحسرة والندامة فاتبعوا سلفكم الطاهر والدين الباهر فعولوا على بركة الله وعونه واختار من أصحابه مائة وأمرهم بلبس السلاح وركب إلى عياض وأعلمه بما عزم عليه من دخوله المدينة من المسرب وقال له‏:‏ كن على أهبة إذا سمعت التكبير والتهليل‏.‏
فقال‏:‏ علمت ذلك وأنا على أهبة بحمد الله امض أعانك الله ونصرك وسر على بركة الله وعونه‏.‏
قال‏:‏ فودعه خالد ورجع إلى أصحابه فوجدهم قد استعدوا فسار أمامهم وهم رجالة إلى أن أتى إلى باب المسرب وكان نصف الليل وأمر الله سلطان النوم فاستولى على من كان على السور والحرس لأنه جل شأنه إذا أراد أمرًا بلغه وهيأ أسبابه‏.‏
قال‏:‏ فأول من دخل من المسرب خالد رضي الله عنه وتبعه عامر بن الأحوص وحذيفة بن ثابت وعمران بن بشر وتمام المائة رضي الله عنهم وما منهم إلا من تسرب ودخل ومن كان جسيمًا لا يقدر على الدخول رجع وهو متأسف على الشهادة فحصل في المدينة ثمانون رجلًا ولم يصحبهم إلا من دخل من المسرب‏.‏
ثم إن واحدًا من الذين تأخروا عالج في حجر فقلعه فاتسع المكان ودخلوا بأجمعهم وأدركوا أصحابهم وقد توسطوا المدينة وارتخت بها الأصوات واستيقظ الراقد وارتعد القاعد‏.‏
وقصد خالد مطلع السور ومنع الناس من النزول وأخذتهم الأحجار وأرسل خالد عشرة من أصحابه إلى الباب فكسروا الأقفال وفتحوا الباب وكان عياض قد ركب وأيقظ الناس وقد تهيأ للحرب فلما كبر خالد ومن معه بادر عياض ومن معه إلى الباب فوجده مفتوحًا فدخلوا وأقبل أهل المدينة يهربون إلى السور والليل قد غسق والظلام اتسق والقتام قد أطبق فما بقي أحد يقوم من مرقده إلا والسيف قد رمى رأسه عن جسمه وهذا خرج من عند أولاده والسيف قد قطع في فؤاده وخالد ومن معه يكبرون وقد تقطعت بأهل آمد الأسباب وأحاط بهم العذاب‏.‏
قال‏:‏ ولم تزل الأبطال تبطح وتطرح وصدور المسلمين تشرح ولنحور الكفرة تذبح والعوائق تقطع والشجعان للرؤوس تقرع والصوارم تقطع والأنوف تجدع وقلب الذليل يفزع والجبان يجزع والعيون تدمع والصائح لا يسمع ولا شافع يشفع ولا مانع يمنع ولا دافع يدفع ولا قلب يخشع حتى إذا ولى الليل ونزع والصباح عول على أن يطلع وخالد يصيح صياح السميذع حتى انطوى الليل بمطارف الدجى عند انتشار رايات الضيا فنظر أهل البلد إلى ما حل بهم ونزل عليهم‏.‏
فأقبلوا إلى دار الإمارة يطلبون الملكة مريم فلم يجدوها‏.‏
قال وكان السبب في ذلك أنها سمعت بأن الصحابة قد حصلوا على المدينة فعلمت أنها لا خرج من أيديهم فأخفت نفسها ومن معها ونزلت في سرب في دار الإمارة وأخذت ما تقدر على حمله وخرجت من ذيل الجبل وطلب بلاد الروم‏.‏
قال الواقدي‏:‏ فلما علم أهل المدينة أن ملكتهم هربت نادوا الغوث الغوث فرفعوا عنهم السيف وجمعهم الأمير إليه فاجتمعوا في ميدان المدينة‏.‏
فقال لهم عياض‏:‏ أما بعد‏:‏ فإن الله تعالى قد نصرنا عليكم وصبرنا وظفرنا بكم ولولا أن الله جعل نبينا نبي الرحمة وأسكنها قلوب المؤمنين لأبدناكم بالسيف عن آخركم ولكن قد أمرنا ربنا في كتابه بكظم الغيظ والعفو فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 134‏]‏‏.‏ ثم نظر فيهم فمن أسلم ومن لم يسلم ضرب الجزية عليه من عامه‏.
  قال الواقدي
‏:‏ وكان شاهد الجمع في فتح آمد زيد بن حالوك اليهودي وكان عالمًا بدين اليهودية والنصرانية وكان يزعم أنه من أولاد داود عليه السلام وكان بنو إسرائيل يعظمون شأنه ويأتونه بالهدايا والتحف وأنه لما دخل عياض بن غنم رضي الله عنه إلى آمد وجمع أهلها في الميدان وتكلم المشايخ بما تكلموا به قام هو من وسط قومه وكان اسمه مليا بن حنيتا وعرف المسلمين بمكانه وأنه مقدم على بني إسرائيل وأنه من ذرية داود‏.‏
قال‏:‏ أنتم أصحاب نبي الرحمة وأن الله خلق الرحمة وأسكنها في قلوبكم وأن الله فضلكم على سائر الأمم وقد أنزل في صحف إبراهيم وموسى يقول‏:‏ إني أبعث في آخر لزمان نبيًا أميًا وأجعل أمته أفضل الأمم وأسكن الرحمة في قلوبهم وبهم أباهي ملائكتي وأبعثهم غرًا محجلين من آثار الوضوء وإن داود عليه السلام لما أصاب الذنب ونفر عنه الوحش خرج إلى فلاة من الأرض وقال‏:‏ إلهي بحق النبي العربي الذي تبعثه في آخر الزمان إلا غفرت لي فأجاب دعوته‏.‏
فقال عياض‏:‏ إن الله يحب العفو وقد عفونا عنكم‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق