إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 28 يونيو 2014

126 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


126

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

فقالوا‏:‏ نحن رسل فأعلموا البطريق بذلك فأمر بإحضارهم فلما حضروا بين يديه صاحت بهم الحجاب والنواب أن قبلوا الأرض للملك فلما يلتفتوا إليهم ولم ينزلوا إلا على باب سرادق الملك ووقفوا على الباب فأذن لهم في الدخول فدخلوا وأمسكوا لجم خيولهم فأراد الغلمان أن يمسكوها فامتنعوا من ذلك فأشار إليهم البطريق فتركوهم ثم دخلوا عليه فإذا هو جالس على سرير من الذهب مرضع بالدر والجوهر وحوله البطارقة جلوس والحجاب والنواب وأرباب الدولة قيام وبأيديهم السيوف والأعمدة والرماح فلما رآهم تغير لونه واندهش وأذن لهم بالجلوس‏.‏
فقالوا‏:‏ لا نجلس على هذه الفرش فإنه حرام علينا فأمر بالبسط الحرير فرفعت حتى فرش أنطاعا من الصوف ثم أشار إليهم فقالوا‏:‏ لا نجلس حتى تنزل عن سريرك‏.‏
قال‏:‏ فرطنت الروم فأشار إليهم فسكتوا وأرادوا أن ينزعوا منهم سيوفهم فامتنعوا من ذلك فتركوهم وكلمهم الملك فأبوا حتى ينزل عن سريره فنزل وكلمهم بلسان عربي وسألهم عن حالهم فأجابوا أنهم لا يفارقونه حتى يسلم هو وقومه أو يؤذوا الجزية أو القتال فامتنع عن ذلك وقال‏:‏ اذهبوا والموعد غدا للقتال وخرجوا من عنده على ذلك ورجعوا إلى خالد وأعلموه بذلك فتأهب الأمراء للحرب فلما أصبح خالد صلى بأصحابه صلاة الصبح وبادروا للحرب والقتال وصاحوا‏:‏ النصر النصر يا خيل الله اركبي وللجنة اطنبي فركب المسلمون خيولهم وركزوا راياتهم واصطفوا ميمنة وميسرة وقلبًا وجناحين وخالد في وسط الجيش وعلى الساقة ميسرة بن مسروق العبسي ومالك الأشتر النخعي في خمسمائة فارس من المهاجرين والأنصار‏.‏
قال الراوي‏:‏ فلم تكن غير ساعة حتى برزت الروم وأظهرت صلبانها‏.‏
قال‏:‏ حدثنا رافع بن مالك عن عباد بن مازن عن محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه‏.‏
قال‏:‏ لما أقبلت رايات القوم عددناها فإذا هي خمسون صليبًا تحت كل صليب ألف فارس فكان أول من افتتح الحرب بطريق عليه ديباجة حمراء وعلى رأسه بيضة معصب عليها بعصابة من جوهر فبرز إليه فارس من خثعم يقال له زيد بن هلال فقتله ثم طلب البراز فبرز إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يمهله أن ضربه بالسيف على عاتقه الأيمن فخرج يلمع من عاتقه الأيسر فانجدل عدو الله يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وطلب البراز فبرز إليه فارس من الروم فقتله ثم آخر فقتله وطلب الميمنة وشوش صفوفهم وقتل أبطالهم ثم عاد إلى القلب ثم أخرج من بعده شرحبيل بن حسنة وفعل كفعله ثم حمل من بعده الفضل بن العباس ثم حمل من بعده العباس بن مرداس ثم من بعده أبو ذر الغفاري ثم تبادر المسلمون بالحملة فلما رأى الروم ذلك أيقظوا أنفسهم في عددهم وعديدهم وتظاهروا بالبيض والدرع ولم يزل القتال بينهم حتى توسطت الشمس في قبة الفلك‏.‏
قال الراوي‏:‏ فعندها حمل خالد بن الوليد وغاص في الميمنة فقلبها على الميسرة وغاص في الميسرة فقلبها على الميمنة وقاتلت العرب قتالًا شديدًا حتى جاء الليل وحجز بين الفريقين وبات المسلمون يتحارسون وتفقد المسلمون بعضهم بعضًا فإذا قد قتل منهم اثنان وأربعون رجلًا ختم الله لهم بالشهادة الأعيان منهم ربيعة بن عامة الداودي وزيد بن ربيعة المحاربي وغانم بن نوفل المحاربي وصفوان بن مرة اليربوعي والبقية من أخلاط الناس وقتل من أعداء الله ألف وثلثمائة وأزيد ولما خلا عدو الله بأصحابه تذاكروا ما وقع في الحرب وصعب عليهم ما لقوه من العرب فأراد الملك الصلح فغلب البطارقة عليه وأعدوا للحرب والقتال فلما أصبح الله الصباح وبارق الفجر لاح صلى المسلمون صلاة الصبح ثم اصطفوا على ظهور خيولهم واصطفت الروم وبرزت البطارقة وأظهروا زينتهم وبرز بطريق عظيم يقال له صاحب طنسا وعليه لامة حربه وطلب البراز فبرز إليه الفضل بن العباس فتجاولا وتعاركا وتخالفا بضربتين فكان السابق بالضربة الفضل بن العباس فضربه بالسيف على رأسه فوصل إلى أضراسه فانجدل صريعًا يخور في دمه وعجل الله بروحة إلى النار وبئس القرار وبرز بطريق ثان فقتله ولم يزل كذلك حتى قتل أربعة من خيارهم فحملت الروم حملة واحدة وحمل المسلمون وحمل ضرار بن الأزور رضي الله عنه وأظهر شجاعته وحمل مذعور بن غانم الأشعري والفضل بن العباس ومحمد بن عقبة بن أبي معيط ومسلم وجعفر وعلي أبناء عقيل وعبد الله بن جعفر وسليمان بن خالد وعبد الرحمن بن أبي بكر وتجاهرت الأمراء وعظم الخطب وكثر الطعن والضرب وثار القتام حتى صار النهار كالظلام وتراشقوا بالنبال واشتد القتال وقطعت المعاصم وطارت الجماجم فما كنت ترى إلا جوادًا غائرًا ودمًا فائرًا واشتد الكرب وكثر الطعن والضرب وسال العرق واحمرت الحدق وجال خالد كالأسد وأرغى وأزبد فعند ذلك رفع غانم بن عياض طرفه إلى السماء‏.‏
وقال‏:‏ يا عظيم العظماء أنزل علينا نصرك كما أنزلته علينا في مواطن كثيرة وانصرنا على القوم الكافرين فآمنت جماعة من الأمراء على دعائه فما كان غير بعيد حتى رأيت الرجال والكفار يتساقطون لا ندري بماذا يقتلون فلما رأى الروم ذلك فروا إلى الباب وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون والحجارة تأخذهم من أعلى السور وهم لا يلتفتون إلى ذلك ودخلوا إلى الأبواب ودخل اللعين وصال عليهم خالد وجماعة من الأمراء واقتطعوا قطعة من الروم نحو خمسة آلاف وكان المسلمون قريبين من اللعين فاقتتلوا عند الباب ورموهم بالحجارة فقتلوا منهم نحوا من ثلاثة آلاف وخرج من الباب نحو من ألف فارس وحملوا ودخل الباقون وأغلقوا بابهم وطلعوا على الأسوار واشتد القتال والحصار ورموا بالحجارة والنبال حتى فرق الليل بينهم‏.‏
قال الراوي‏:‏ وأقام المسلمون على حصار أهناس ثلاثة أشهر وفي كل يوم يناوشونهم بالقتال والأسوار رفيعة والأبواب منيعة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم يشنون قال الراوي‏:‏ وأقام المسلمون على حصار أهناس ثلاثة أشهر وقد قلت عنهم المدد وضاقت أنفسهم وطمعت فيهم الصحابة ثم إن خالدًا استشار أصحابه ماذا يصنعون وقد أعياه فتح الباب فقال له المرزبان رضي الله عنه وكان من مرازبة كسرى وقد أسلم وخرج إلى الجهاد وحبس نفسه لله عز وجل وهو المقتول بالبهنسا قريبًا من البلد شرقي لبحر اليوسفي في وقعة صاحب طنجة ذات الأعمدة وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق