إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

70 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


70

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

فقال عز من قائل‏:‏ ‏{‏ويقول الذين كفروا لست مرسلًا قل كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 43‏]‏‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ ‏{‏وكفى بالله شهيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 79‏]‏ محمد رسول الله قال‏:‏ فلما سمع البترك ذلك من خالد فرح وقال‏:‏ لقد نجا من اتبعه وخسر من فارقه ثم جدد إسلامه على يد خالد وحدثهم بأمره من أوله إلى آخره ثم حذرهم من أخي صاحب برقة وأنه واصل ومعه أربعة آلاف فارس وإني قد سبقته في البحر وهذا الملك القبطي يريد صلحكم ويقرر لكم على أنكم تصالحونه أن يعطيكم شيئًا من المال ولسلم إليكم قومًا من أصحابكم قد أخذوهم من ساحل الرملة‏.‏
فقال خالد‏:‏ إن أصحابنا قد فك الله أسرهم وجمع بنا شملهم وقد نصرنا الله على القبط الألفين الذين كانوا مع الأسارى فإننا أخذنا ألفًا وثلثمائة أسير وقتلنا سبعمائة ثم إنه عرضهم عليه وعرض الإسلام عليهم فأبى أكثرهم وأسلم بعضهم فأمر خالد بضرب رقابهم بين العسكرين ثم أن البترك عاد إلى صاحب إسكندرية وقال له‏.‏
هؤلاء لا نملك غرتهم لأنهم حذرون من أعدائهم وعرفه بقصة أصحابه وأنهم هؤلاء الذين ضربوا رقابهم قبالك فقال له‏:‏ يا أبانا ومن أين هؤلاء قال‏:‏ قد وقعوا بهما وخلصوا أصحابهم وأسروا من أصحابك ألفًا وثلثمائة وقتلوا سبعمائة‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع ابن المقوقس ذلك سقط في يده وأيقن بإتلاف ملكه وقال لأرباب دولته وعسكره‏:‏ خذوا أهبتكم للقتال وكأنكم بعسكر الملك كيماويل صاحب برقة وقد أقبل عليكم ونقاتل هؤلاء العرب بقلوب قوية وأسرار نقية ويعطي الله النصر لمن يشاء وباتوا وهم معولون على القتال‏.‏
قال ابن إسحق‏:‏ ولقد بلغني أن الملك نام بقية ليلته فرأى في منامه كأن شخصًا أشقر عريض الصدر قد خرج من حمام ومعه شخص آخر مليح الوجه حسن الخلق وسيم قسيم في عينيه دعج وله نور يسطع كأنه قمر‏.‏
فقال أبن المقوقس للأشقر‏:‏ من أنت قال‏:‏ ابن العذراء البتول أنا المسيح ابن مريم وهذا الذي بشرت به من قبل مبعثه هذا محمد رسول الله العربي الأمي من آمن به فقد اهتدى ومن جحد نبوته فقد اعتدى وقد جئنا لنصرة أصحابه ومقامنا على قال ابن إسحق‏:‏ ولقد بلغني أن برج القبة مما يلي باب البحر وذلك أن الإسكندر لما بنى الإسكندرية وسماها باسمه كان الخضر وزيره وهو الذي بنى الباب الأخضر وصنع تلك القبة باسمه ورسمه وكان يأوي إليها فصار ذلك الباب مشتهرًا به إلى يومنا هذا‏.‏
قال‏:‏ ثم إن عيسى عليه السلام قال للملك في نومه‏:‏ إن كنت من أمتي فاتبع شريعة هذا النبي وذهب عنه فلما أصبح حدث أرباب دولته بما رأى في نومه فقالوا‏:‏ أيها الملك هذه أضغاث أحلام وما كان عيسى المسيح يماشي العربي وهو عدوه وإنما الشيطان قد خيل لك ذلك فلا تلتفت إليه قال‏:‏ فأصغى الملك إلى كلامهم ثم إنه أمر عسكره بالقتال فركبوا وصافوا المسلمين‏.‏
وأما الملك فإنه نظر إلى برج القبة وإذا بالقبة يسطع منها نور فدخل الوهم في قلبه مما رأى في منامه وقال‏:‏ الله ما هذا النور إلا نور المسيح ومحمد وإن هذا هو الحق لا شك فيه‏.‏
حدثنا ابن إسحق حدثنا عامر بن بشر عن الأحوص قال‏:‏ كنت في خيل خالد بن الوليد يوم قتالنا على إسكندرية قال لما وقفنا في ميدان الحرب وقف يقاتلنا فارس وهو بطريق عظيم الخلقة وعليه لبس يلمع وتحته جواده عربي فنادانا بالعربية بلسان فصيح وقال‏:‏ يا عرب انصرفوا عنا فإن لا نريد حربكم وقد ملكتم منا مصر والصعيد وأكثر الريف وقد بقي في أيدينا هذه الجهة وما نحن منازعونكم فيما أخذتموه منا ونحن لا نقلدكم في البغي ونصالحكم صلحًا نعود منه عن ظلم أنفسنا ونعدل في رعيتنا وإن أبيتم صلحنا لقيناكم بأسرار نقية وقلوب للجهاد قوية فنردكم على أعقابكم منهزمين وفي أذيال الذل متعثرين لأنه ما عدا أحد على أهل هذا الدين إلا ذل وانهزم لأننا قوم لنا الكنائس الأربع والصوامع والبيع والقسوس والرهبان والمذابح والقربان والإنجيل والصلبان ثم سكت عن كلامه‏.‏
قال الراوي‏:‏ وكان هو الملك ابن المقوقس فكان أول من بادر إلى رد جوابه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ لقد افتخرت بما يؤدي صاحبه إلى البوار ويعقبه سوء الدار يا ويلكم أفتفتخرون علينا بالشرك والطغيان وعبادة الصلبان والكفر بالرحمن ونحن أولوا التقى والإيمان والفوز والرضوان والقبلة والقرآن والحج والإحرام والصلاة والصيام والاجتهاد والاحترام ديننا أفضل الأديان ونبينا المبعوث بالمعجزات والبيان وبالآيات والبرهان والمنزل عليه القرآن ومن اتبعه نال من ربه الغفران ومن جحد صحبته باء بغضب الملك الديان الذي كان ولا مكان ولا دهر ولا زمان ولا وقت ولا أوان شهد لنفسه بالربوبية ولصفاته بالأزلية ولذاته بالأحدية ولملكه بالأبدية سلطانه قاهر وكرمه ظاهر وتدبيره محكم وقضاؤه مبرم وعرشه رفيع وصنعه بديع وليس بوالد ولا مولود ولا لذاته حد محدود ولا لبقائه أجل معدود خضعت الأعناق لعظمته وخشعت الأصوات لهيبته وعنت الوجوه لعزته وذلت الأقوياء لقوته لا يحصى نواله ولا يفنى كماله ولا تبيد نعمه وأفضاله يا ويلكم كيف طال لكم الكفر بإلهيته والإشراك بربوبيته وأن تجعلوا له ولدًا من خلقه وبريته وتسجدون للصلبان في دار مملكته ولا تفزعون من عظمته ثم إنه قرأ ‏{‏وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 19 - ا2‏]‏‏.‏
ثم قال شرحبيل‏:‏ إن لتل عبادًا لو أقسموا على الله أن يدكدك لهم هذا السور لفعل وكانت إشارتهإلى سور المدينة فغار السور في الأرض وبانت المنازل والدور‏.‏
قال فارتعدت فرائص الملك لما عاينا ذلك من عظيم القدرة فلوى عنان جواده إلى عسكره وأفئدتهم قد طارت وأفكار القبط قد حارت فلما جن الليل أخذ الملك خزائنه وأمواله وحريمه وعياله وركب في المراكب وسار يريد جزيرة أقريطش فلما أصبح الصباح وقع الصايح بالمدينة بأن الملك قد انهزم فاجتمع الأكابر وقالوا‏:‏ إن الملك قد انهزم وما لنا‏:‏ من يدفع هؤلاء العرب‏.‏
قال فخرجوا بأجمعهم إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفوا بين يدي خالد وقالوا‏:‏ إن الله قد نصركم بحق وأيدكم بصدق وإنا نريد منكم أن تعاملونا بالنصفة وتنظروا إلينا بعين الرحمة والعدل سنة من كان قبلنا معكم من الروم فقال خالد‏:‏ ما فعل ملككم‏.‏
قالوا‏:‏ انهزم بأهله وماله في البحر‏.‏
فقال قوم‏:‏ قد أسكن الله الرحمة في قلوبنا وبصرنا بمعالم ديننا وأظهرنا على أعدائنا وفضلنا على سائر من كان قبلنا من الأجناس‏.‏
فقال تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏‏.‏ ونحن نجريكم على أحسن عوائدنا مع سائر من فتحنا بلادهم وقد أمسكنا عنكم ولو أردنا أن نملك البلد بالسيف لهان علينا ولكن خير الناس من قدر وعفا ونريد منكم مائة ألف مثقال ذهبًا صلحًا عن أنفسكم وأهاليكم وندعوكم بعد ذلك إلى الإسلام فمن أجاب منكم كان له ما لنا وعليه ما علينا ومن عدل عن ذلك أخذنا منه الجزية عن السنة الآتية من كل رجل وغلام بلغ الحلم أربع دنانير ونشرط عليكم شروطًا أن لا تركبوا دابة ولا تعلوا دوركم على دور المسلمين ولا ترفعوا أصواتكم عليهم ولا اتبنوا كنيس ولا صومعة ولا ديرًا ولا تجددوا ما دثر وتلقوا المسلمين بالذل والانكسار وتسارعوا في قضاء حوائجهم وما يريدون في إصلاح شأنهم لا تعدلوا عن تعظيم أشكاله ومن أذنب منكم ذنبًا حددناه ومن ارتد عن قولنا قتلناه وأن تشدوا الدنانير على حضوركم إظهارًا لدينكم وأن لا تظهروا ناقوسًا ولا صليبًا ولو آمنتم بالله ورسوله لكان خيرًا لكم‏.‏
فقالوا‏:‏ أيها الأمير ما نترك ديننا فقرأ ‏{‏وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلًا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 21 - 24‏]‏ فقالوا‏:‏ أيها الأمير نريد أن تولي علينا رجلًا منا حتى جمع المال الذي تقرر علينا فيلمه بالعدل وليكن معه رجل منكم من أصحابكم فقال خالد‏:‏ إني لا أعرف أحدًا من أجاويدكم فاختاروا لأنفسكم برضاكم من أوليه عليكم فأشاروا إلى رجل منهم اسمه شيعا بن شامس وكان مقدمًا في القبط فولاه خالد على جمع المال ورجاسة البلد وندب معه قيس بن سعد وأوصاهم وقال‏:‏ خذوا من كل واحد ما يحتمل حاله من كان معسرًا ضعيفًا فدعوه وأحسنوا إن الله يحب المحسنين‏.‏
ولا تظلموا يتيمًا ولا فقيرًا ولا أرملة فتعجب القبط من حسن وصيته وكلامه فدخل القوم واجتمعوا في دار الأمارة وبعث شيعًا غلمانه يجمعون الناس‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق