69
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فقال البترك: سأفعل ذلك وإني قد قرأت في الكتب السالفة فوجدت فيها أن الله يبعث نبيًا من أرض تهامة تعرض عليه مفاتيح الأرض وكنوزها فلا يلتفت إليها ولا يعيرها نظره ولا يختار إلا الفقر على الغنى وأن أصحابه يتبعون سنته وأنا أستخبر حالهم قبل سيري إليهم.
فقال الملك: وكيف تستخبر حالهم يا أبانا.
قال: أيها الملك أرسل بغلة من مراكبك وعليها مركب من ذهب وهو مرضع بالمعادن وتأمر غلمانك أن يسيروا بها ويرسلوها نحو عسكر المسلمين فإن أخذوها فنعلم أنهم يحبون الدنيا ولا يريدون الآخرة وإن ردوها فنعلم أنهم يطلبون ما عند الله.
فقال ففعلوا ذلك وأرسلوها كانوا في حندس النيل وكان في الحرس شرحبيل بن حسنة فلما رأى البغلة وما عليها من الزينة ضحك وقال: إن أعداء الله يريدون اختبارنا ومعرفة أحوالنا إن كنا نطلب الدنيا أو الآخرة فوالله ما منا من يميل إلى ما يفنى وإنما بغيتنا فيما يبقى ثم قرأ {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًا ثم يكون حطامًا وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 20]. ثم أمسك بعنان البغلة وأطلقها نحو عسكر القبط.
قال فلما رأوها صلبوا على وجوههم وقال الملك: والله بهذا نصروا وخذلنا الله إن أبي كان على بصيرة من أمرهم ثم أمر البترك وسطيس أن يتوجه إليهم فمضى فلما قرب منهم رأى أقوامًا قد هجروا الدنيا فمنهم القارئ ومنهم الذاكر لباسهم الصوف صغيرهم يوقر كبيرهم وكبيرهم يرحم صغيرهم وصوت أحدهم لا يعلو على الآخر الذكر كلامهم والقرآن شعارهم والتقوى لباسهم والخوف من الله أنيسهم فلما دخل على عسكرهم سأل عن أميرهم وصاحبهم فدلوه على موضع خالد فقصده فلما وصل إليه وجده في ذكر الدين والقيامة فنزل عن بغلته ووقف أمامه وأومأ إليه بالسجود فمنعه خالد.
فقال له: أنت أمير هؤلاء القوم قال: كذا يزعمون أني أميرهم ما دمت على الحق واتباع العدل والإنصاف والخوف من الله محسنًا للمحسنين منهم مشدادًا على المسيئين منهم فمتى حدت عن هذه الأشياء فلا إمارة لي عليهم.
فقال البترك: أنتم والله القوم الذين بشر بكم عيسى ابن البتول وإن الحق معكم لا يفارقكم قال: فأمره خالد بالجلوس فجلس وقال: يا معاشر العرب أخبروني عن نبيكم.
فقال خالد: إن الله اختار من ولد آدم العرب واختار من العرب مضر وأختار من مضر كنانة واختار من كنانة قريشًا واختار من قريش بني هاشم واختار من بني هاشم عبد المطلب واختار من عبد المطلب عبد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وقال: (كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين) وقال: لما خلق الله العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما وقع آدم في الزلة رأى على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فقال: يا رب من هذا.
قال: ولدك يا آدم الذي لولاه مما خلقتك.
قال: يا رب فبرحمه هذا الولد ارحم هذا الوالد.
فقال: يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السموات والأرضين لشفعناك ثم إن الله جعل اسمه مقرونًا باسمه وذكره مع ذكره ووسمه بما وسم به نفسه.
فقال: {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} [البقرة 143] وقال في حقه: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة: 128] وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء]: 0 وقال: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب 6]. وقال: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]. وإن الله عز وجل رفع ذكره وعظم فخره وأعز قدره فقال تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4]. وهذا غاية الشرف والتعظيم والتبجيل والتكريم وقال: يا محمد لا أذكر حتى تذكر فمن أحبك فقد أحبني ومن سبك فقد سبني ومن جحدك فقد جحدني ومن أنكر نبوتك فما عرفني وها أنا أشهد على نبوتك.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق