إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 28 يونيو 2014

104 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


104

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال الواقدي‏:‏ حدثنا أحمد بن عامر‏.‏
قال‏:‏ أخبرنا علي بن مسهر عن أبان عن الحسن‏.‏
قال لما استوت الصفوف وترتبت كل قبيلة جعل الأمير سعد يتخلل الصفوف ويعظ من فيها من عرب بجيلة وطيء وبني هلال والنخع وغيرهم ويقول‏:‏ هذا يوم لا نرى بعده مثله أما بلغكم ما فعل إخوانكم بالشام لما تكاثرت عليهم جموع اللئام فاستيقظ المسلمون بقول سعد‏.‏
وقالوا‏:‏ نحن نحمل عليهم بشدة العزائم ولعل الله أن ينصرنا عليهم فصاحوا بخيولهم فخرجت كالرياح العواصف ولم يزالوا في القتال الشديد إلى أن توسطت الشمس في قبة الفلك وقد ثبتت أصحاب النعمان بن المنذر للضرب والطعان‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وإن القعقاع بن عمرو التميمي أو بشر بن ربيعة التميمي أحدهما التقى مع النعمان في كبكبة من الخيل والإزدهارات على رأسه فحمل القعقاع أو بشر على الكبكبة ففرقها وعلى الكتيبة فمزقها ورمى النعمان بطعنة في صدره فأطلع السنان يلمع من ظهره‏.‏
فلما نظرت جيوش الحيرة إلى الملك النعمان مجندلًا ولوا الأدبار يريدون القادسية نحو جيش الفرس وغنم المسلمون رحالهم وأموالهم وباتوا فرحين وافتقدوا من قتل من المسلمين فكانوا خمسمائة وثلاثين غالبهم من أهل نخع وقد ختم الله لهم بالشهادة وفي ذلك قالت خزانة بنت خالد بن جعفر بن قرط ترثي من قتل من المسلمين‏:‏ فيا عين جودي بالدموع السواجم فقد شرعت فينا سيوف الأعاجم فكم من حسام في الحروب وذابل وطرف كميت اللون صافى الدعائم حزنًا على سعد وعمرو ومالك وسعد مبيد الجيش مثل الغمائم هم فتية غر الوجوه أعزة ليوث لدى الهيجاء شعث الجماجم قال‏:‏ وإن المسلمين جمعوا الأموال واحتوى سعد على قصر الخورنق والسدير وترك جميع ما أخذه بالحيرة وترك عنده سالم بن نعيم بن مسروق وترك عنده مائة من أبناء المهاجرين والأنصار‏.‏
قال‏:‏ وأما من انهزم من جموع النعمان بن المنذر فوردوا على القادسية وعليها جنود الفرس مع رستم زاده بن إسفنديار ومعه شهريار بن كنار والهذيل بن جشوم وحشرسوم الهمذاني والجناتيوس بن فتاك وشماهير بن حسوسا‏.‏
قال فلما رأوا المنهزمين من جيش النعمان ملك العرب سألوهم عن أمرهم فأخبروهم بقتل النعمان وأخذ الحيرة وقصر الخورنق والسدير وجميع ما فيها‏.‏
قال فوقع التشويش في عسكر الفرس وتمكن الخوف من قلوبهم وكثرت الأراجيف وأما رستم فإنه جمع الملوك والأساورة وملوك الديلم في خيمته وقام على سريره خطيبًا فقال‏:‏ أعلموا أن الدولة بالسياسة والناموس بالرياسة وكأنكم بالعرب وقد أشرفوا عليكم فاخرجوا واذهبوا إليهم واركبوا‏.‏
فخرجوا من عنده وأخذوا أهبة الحرب فبينما هم كذلك إذا بعسكر سعد قد أشرف عليهم وهم على الخيل المضمرة العربية وعليها الفرسان الإسلامية والطائفة المحمدية فرتبوا الصفوف وجعل رستم ملوك الفرس عن يمينه وملوك الديلم عن يساره ووقف رستم في القلب ودارت به الأساورة‏.‏
فبينما هم كذلك إذ بعث الأمير سعد رسولًا إلى رستم وكان الرسول أبا موسى الأشعري فقصد القلب فلما رأه الحجاب أتوا إليه والترجمان معهم فقالوا له‏:‏ يا عربي ما الذي تريد‏.‏
قال‏:‏ أنا رسول من عند صاحب الجيش فبلغوا رستم ما قاله أبر موسى الأشعري‏.‏
فقال‏:‏ قولوا له ما لك وصول إلى المقدم ولكن أفصح لنا عما تريد حتى نأتيك بجوابه‏.‏
قال فبلغه الترجمان ما قاله‏.‏
فقال أبو موسى‏:‏ قل له ندعوكم إلى الشهادة فإن أبيتم الإسلام فأذوا الجزية فإن أبيتم فالسيف أصدق شاهد وقد قال الله في كتابه العزيز‏:‏ ‏{‏وكان حقًا علينا نصر المؤمنين‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 47‏]‏‏.‏ فبلغهم الترجمان ذلك ورجع أبو موسى إلى سعد فلما جن الليل هرب من عسكر رستم جماعة والتجؤوا إلى عسكر المسلمين فلما أصبح رستم بلغه أن جماعة من عسكره هربوا إلى عسكر المسلمين فبعث رسولًا إلى سعد يطلب منه أن يرد عليه الذي هرب من الأساورة والمرازبة‏.‏
فقال سعد‏:‏ إنا قوم لا نضيع ذمامنا ولا ننقض عهدنا وقد أتوا إلينا مستسلمين وفي صحبتنا راغبين فيجب علينا أن نذب عنهم ولا نمكن أحدًا منهم فعاد الرسول إلى رستم وأعاد عليه الجواب فغضب وأمر الجيوش بالزحف‏.‏
قال وكان الذي هرب إلى جيش سعد شاور بن سليم ونسليك بن أكتم وضرار بن مكتال ومن تبعهم فلما رأوا العساكر قد أقبلت تريد المسلمين‏.‏
قال القعقاع‏:‏ أيها الأمير قد تقدمت الأعداء والفيلة أمامهم ولا مقام لخيل العرب عند رؤيتها وصياحها‏.‏
فقال سعد‏:‏ أخلصوا النيات وارضوا خالق الأرض والسموات وارشقوا الفيلة بالنبل واقطعوا مشافرها بالسيوف‏.‏
قال وكان أمام الفيلة فيل عظيم كأنه جبل وكان إذا سار سارت وإذا وقف وقفت وأينما توجه كانت وراءه‏.‏
قال فلما حملت الكتائب واضطربت المواكب وجاءت الفيلة كأنها جبال وعلى ظهورها الأبطال وقد أقبلت بالسيوف في خراطيمها فقتلت من عسكر المسلمين ولم تثبت لها خيل المسلمين فرفع سعد بن أبي وقاص كفيه مبتهلًا بالدعاء لرب الأرض والسماء وقال‏:‏ ‏{‏ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 250‏]‏‏.‏
قال زهرة بن جويرية‏:‏ فوالله لقد رأيت سعدًا يدعو وعيني مع الفيلة وإذا بالفيل الأعور قد ولى يريد المدائن والفيلة بأجمعها والرجال لا يقدرون على ردها وهي سائرة على وجوهها وكفى الله المؤمنين القتال من الفيلة قال فلما ولت الفيلة غضب رستم وأقبل بعموده الذي من الذهب يضرب به وجوه الفيلة ويطمطم بفارسيته ويحرض قومه على القتال وهم يحملون خوفًا منه وهو يطلب من هرب من جيشه والخيل أمامه منهزمة والمسلمون لا يتبعون المنهزمين وأوقفوهم مواقفهم وقد طابت قلوبهم بمعاملة الله فطعنوا في صدور الأعداء وقد اطلع الحق على قلوبهم فما وجد فيها غيره فبينما الأمير سعد يحرض على القتال إذ لقيه الأسود العبسي وهو طائش العقل ذاهل اللب‏.‏
فقال له‏:‏ ما وراءك يا ابن قيس فقال‏:‏ أيها الأمير إياك أن تعبر هذا الصف فإن فيه الموت الأحمر والضيغم القسور وهو جبار من الفرس وقد قتل من المسلمين أربعة ولقد قاتلته حتى كاد أن يأتي علي ولولا أن من الله علي بخالد بن جعفر بن قرط لكان قتلني لأن فيه شجاعة وبراعة‏.‏
فقال سعد‏:‏ يا مسكين وأين المفر من المقدور وقد قدر الله الأقدار أما سمعت قول الملك الجبار‏:‏ ‏{‏أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 78‏]‏‏.‏ ودخل الصف الذي ذكره الأسود وإذ قد لقيه خالد بن جعفر ولونه قد تغير‏.‏
فقال له‏:‏ ما وراءك يا ابن جعفر فقال‏:‏ الثعبان الأغبر والأسد الغضنفر أيها الأمير ارجع عن هذا الفارس فإنه علج عنيد وفي يده عمود من الذهب يورث به خصمه العطب وقد قتل الأقران وأباد الشجعان وقد كاد يقضي علي لولا سعد العشيرة أدركني لكان أهلكني فلما سمع سعد ذلك عظم عليه وقصد مكانه يريد أن يفدي الناس بنفسه وبروحه ويبد في سبيل الله مهجته وهو يخترق الصفوف فلقي سعد العشيرة فقال له‏:‏ ما وراءك يا ابن لؤي قال‏:‏ ورائي جبار لا يقابل وبطل لا ينازل ولولا بشر بن ربيعة لسقاني من عموده كأس القطيعة فلما سمع قوله قصد نحوه فوجد بشرًا مصفر اللون فقال له‏:‏ ما وراءك يا ابن ربيعة‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق