67
مقدمة
فتوح الشام
أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )
فتوح إسكندرية
قال: وعول خالد على المسير إلى إسكندرية.
حدثنا زياد بن أوس الطائي عن معمر بن الرشيد قال: لما نزل خالد بعد رحيله عن مريوط قال له عيونه: إنه لما انهزم ابن المقوقس وأتى إلى إسكندرية وبلغه فتح مصر صعب عليه قال: وكانت إسكندرية عامرة كان فيها الخلق كثيرًا والمراكب فأرسل مراكب وعمرها بالرجال وأمرهم أن يكبسوا سواحل بلاد الشام على المسلمين فقالوا: سمعًا وطاعة ومضوا إلى ساحل الرملة فوجدوا بالليل نيرانًا كثيرة فسألوا من كان خبيرًا بالبلاد فقالوا: هذه نيران المسلمين النازلين ههنا فقالوا: هذه حاجتنا التي جئنا في طلبها فنزلوا وقصدوها وإذا بها حلل من حلل دوس بني عم أبي هريرة وكان معهم طائفة من بجيلة وفي جملتهم ضرار بن الأزور وهو مريض وأخته خولة معه تمرضه وكان أبو عبيدة أمرهم بالنزول هناك لأجل كثرة المرعى وهم آمنون مطمئنون من الروم وغيرهم لأن دولة الروم قد انصرمت وأيامهم قد ولت فما فطن القوم إلا وقد كبسهم القبط في حندس الليل ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم رجالًا وأخذوا منهم أسارى ومن جملتهم ضرار وأخته وأخذوا ما قشروا على حمله وأتوا بهم المراكب وكان جملة من أسروه من الرجال والنساء والأولاد والعبيد ألف قال ابن إسحق: وكان أبو عبيدة قد استوطن طبرية لكونها في وسط البلاد وهي قريبة من الأردن والشام والسواحل وإن أبا هريرة قد أتى ليزور قومه في تلك الأيام وشمال عن حال ضرار وكانوا يحبونه لشجاعته فأتى أبو هريرة ومعه حليف له من بني بجيلة فأصبحا تلك الليلة في الحي وإذا بهم قد أخذهم القبض وبيوتهم مطروحة والرجال مقتولة وآثارهم منبوذة ووجدوا من الذين انهزموا أناسًا مجروحين فسألوهم فقالوا: ما عندنا خبر حتى كبسنا قوم نصارى وما نعلم من أي الطوائف هم ولم نفق حتى وقعوا فينا بالسيوف فقتلوا ما ترون وأسروا الباقين وأخذوهم في مراكبهم.
فقال أبو هريرة: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وساروا إلى ساحل البحر فلم يروا لهم أثرًا فلما عولوا على الرجوع إذا بلوح من ألواح المراكب تلعب به الأمواج وعليه شخص فوقفوا له حتى أقبل وخرج الرجل وإذا به أمير دوس وحيان ابن عم أبي هريرة فلما رآه ترجل له وعانقه وهنأه بالسلامة وقال له: يا ابن عم ما وراءك فقال: هجم العدو علينا ليلًا وأسرونا وساروا فلما توسطنا البحر بعث الله بريح لغرقت مركبنا وقد نجاني الله على هذا اللوح.
فقال له: ومن أعداؤكم.
قال: من قبط مصر وإني سمعتهم يذكرون إسكندرية كثيرًا.
قال: فرجع أبو هريرة يطلب طبرية وأتى ابن عمه إلى مكان الحلة حتى يلم شعث الناس ويداوي المجروحين فجمع ما تركوه وأتى بهم إلى الرملة.
وأما أبو هريرة فأتى أبا عبيدة وأخبره بما جرى فاسترجع وبكى وقال: أعوذ بالله من الساعات الرديئة ثم قال: والله لئن وصلوا إلى إسكندرية ما يبقيهم صاحبها طرفة عين ويموت ضرار ويمضي دمه هدرًا وكتب إلى عمرو بن العاص يعلمه بذلك ويحذره من صاحب الإسكندرية وأنه أسر ألفًا ومائة من جملتهم ضرار وأخته وكانت تداويه وهي عنده فإذا وصل إليك كتابي هذا فاجتهد في خلاصهم وإن وقع في أيديكم أحد من القبط ففادوهم به ودفع الكتاب لزيد الخيل وأمره أن يسير إلى مصر فلما قدم زيد الخيل إلى مصر دفع الكتاب لعمرو بن العاص فلما قرأه صعب عليه وكان يحب ضرارًا فأرسل الكتاب إلى خالد بن الوليد وكتب إليه يحثه بالمسير إلى الإسكندرية وأنه يفتقد حال الأسرى فلما وصل الكتاب إلى خالد وقرأه صعب عليه أمر ضرار وأخته خولة.
حدثنا ابن إسحق قال: حدثنا عاصم بن منصور عن أحمد المروزي عن سلمة عن عبد الله بن المبارك عن عبد العزيز عن أبيه.
قال: لما أخذت النصارى حلل دوس وضرارًا وأخته وعصفت عليهم الريح وغرق أحد المراكب ووصل الباقي إلى إسكندرية أوقفوهم أمام ابن المقوقس فأراد قتلهم فقال له أرباب دولته: أيها الملك لا تعجل عليهم واعلم أن العرب متوجهة إلي ولا بد لنا من قتالهم فإن أسر أحد منا ممن يعز عليك يكون عندنا من نفادي به ولعل أن نصالح العرب فاستصوب رأيهم وقال: ادفعوا هؤلاء الأسرى إلى دير الزجاج وأرسل معهم ألفي فارس يوصلونهم إلى الدير فجاءت عيون خالد وأخبروه بما وقع فقام وأخذ معه أصحابه وسار يطلب دير الزجاج فوصل خالد إلى الدير قبل وصول الأسارى ومن معهم فلما أحدقوا بالدير أشرف عليهم راهب كبير السن وكان اسمه فباحًا وكان تلميذًا لبحيرا راهب بصرى وكان مؤمنًا بالله وبأنبيائه.
فقال له خالد: يا راهب كيف ترى الدنيا.
قال: تنحف البدن وتجدد الأمل وتقرب المنية وتقطع الأمنية.
قال: فما حال أهلها.
قال: من نال منها شيئًا نفضته ومن فاته منها شيء حسرته.
قال: فما خير الأصحاب فيها.
قال: العمل الصالح والتقي.
قال: فما شر الأصحاب فيها.
قال: اتباع النفس والهوى.
قال خالد: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: (الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها). ثم قال: كيف طابت لك الوحدة.
قال: ألفتها.
قال: فهل نلت منها فائدة.
قال: نعم الراحة من مداراة الناس.
قال: فما أحسن هذا الاعتقاد لو كان في دين الإسلام والتوحيد قال فما أعرف غيره.
قال: فما تقول في محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قال: سيد الرسل وخاتم الأنبياء وصفي الأصفياء وحجة الجبار على الورى.
قال: فلم لا تكون في بلاد الإسلام فهي أصلح لك من ههنا قال: قلبي ملوث بحب الدنيا.
قال خالد: أعندك خبر بالعرب الأسرى الذين أرسلهم الملك هنا.
قال: لا والله ولكن مر بي البارحة بطريق وأسقف واستقيا ماء من بئر هذا الدير فسألتهما من أين أتيتما.
فقالا: من الإسكندرية وإننا رسل الملك كيماويل صاحب أرض برقة وأنه أرسلنا إلى ملك القبط يسأله أن يرسل له أسرى من عرب المسلمين حتى يراهم ويسمع كلامهم فأجاب أنه يرسل منهم جماعة وإذا ماضون نعلم صاحب برقة بذلك.
فقال لخالد: لعلكم من المسلمين الذين فتحوا بلاد الشام قال خالد: نحن هم.
فقال الراهب: إن أخباركم عندي في كل وقت وأعلمك أني رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو في قافلة قريش وأنا عند بحيرا فلما مات بحيرا انتقلنا إلى هذا الدير واعلموا أنه ما بقي من أرض الكنائس ولا بأرض العقبة ولا بأرض الرمادة أحد ولا ديار من راهب ولا قس إلا وقدم لزيارتي ويسألني عنكم وعن نبيكم ويقولون لي: أنت كنت على طريقهم ورأيت نبتهم وشرحت لهم دينكم وأوصلتهم إلى ما ظهر من معجزات نبيكم صلى الله عليه وسلم ولقد جرى بيني وبين راهب منهم بالقرب مناظرة وقال لي: إن النبي الذي بشر به عيسى المسيح ابن مريم ليس هذا فقلت له: بلى هو والله النبي العربي.
فقال لي: إننا سمعنا في العلم أن الرسول الذي يظهر من أرض الحجاز يعرج به إلى السماء وما سمعنا أن هذا عرج به فقلت: بلى والله أنا سمعت بأنه عرج به إلى السماء وخاطب العلي الأعلى وأصبح فأعلم بذلك قريشًا ثم قال لخالد: اعلم أن في وسط هذا الجبل ديرًا يقال له دير المسيح وقد استوى عليه بطريق ومعه جماعة وهو يقطع الطريق على قوافل العرب وأنه منذ زمان قطع الطريق على قافلة وفيها لشخص من بلادكم وهو مسلم فأخذ القافلة وعزى أهلها وأطلقهم وقبض على ذلك المسلم وأخذ ماله ووضعه عنده في العذاب الشديد والرجل يستجير فلا يجار ويقول له: ما أطلقك حتى تكفر بالرحمن وتسجد للصلبان ثم إنه يأتيه بصورة من نحاس وعلى رأسه عمامة سوداء ويقول له هذه صفة نبيكم وينصبه قباله ويصمت فضلة كأسه على رأس هذه الصورة وذلك الرجل يستجير من فعاله.
قال: فلما سمع خالد ذلك أخذ معه شرحبيل بن حسنة وعامر بن ربيعة ويزيد بن أبي سفيان وهاشم بن سعيد والقعقاع ورفاعة وترك بقية العسكر محيطة بالدير ومضوا إلى وسط الجبل فوجدوا الدير فوصلوا إليه وإذا بالبطريق قد أقبل ومعه وحش مذبوح وقد قصد إلى شجرة بالقرب من الدير وتحتها عين فنزل على العين وصاح بغلمانه فأتوا إليه وأضرموا النار وجعلوا يشوون له وهو يأكل ويشرب الخمر وقال لهم: هاتوا المحمدي فأتوه برجل قد ركبه الذل وغلبه القهر فلما رآه قال له: أنت قد غلبتني بتجلدك على العذاب وحق ديني لا أرفع عنك العقوبة حتى ترجع عن دينك إلى ديني فقال له: اصنع ما بدا لك فإني أعلم أن الكل بمشيئة الله وبإرادته وإني صابر على مر البلاء وما أرجع عن دين محمد المصطفى.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق