إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 27 يونيو 2014

93 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )


93

مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

قال الحكم‏:‏ وذلك لما استبشرت به النفوس وبلغ خبر رسالته وأنه زيد في كماله وأشرقت أنوار جماله وأراد الحق أن يشرفه على أهل الكونين باقترابه من قاب قوسين فنودي في عالم الملكوت‏:‏ تأهبوا ثم تأدبوا فهذه ليلة الدنو والاقتراب هذه ليلة عتق الرقاب هذه ليلة الحبور هذه ليلة السرور هذه ليلة الابتهاج هذه ليلة المعراج انصبوا سلم الإرسال وافرشوا فرش الإظلال وقوموا على أقدام الاسترسال يا جبريل زخرف الجنان وزين الحور والولدان يا جبريل انزل بالتهاني إلى بيت أم هاني أيقظ حبيب مملكتنا وأركبه على براق قدرتنا لنريه من آياتنا فأخذ جبريل مطية خلقها عجيب ونعتها غريب فألجمها بلجام القرب وأسرجها بموكب الحب وسار بها في ميدان الجلال وهو ينادي‏:‏ ‏{‏سبحان الذي أسرى‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 1‏]‏‏.‏ فلما وقف ببابه ورفع حجابه ونظر وإذا هو مدثر بعباءة تذلله متوسد بوسادة عمله قد أنحله الشوق وأذابه التوق فنشر عليه أنوار السعد وبشره بإنجاز الوعد فقال له‏:‏ ‏{‏يا أيها المدثر‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏ قم على قدم همتك وقم بوارد عزيمتك واركب في السماء وارق واصعد معراج الدنو والارتقاء فقام السيد واتشح وجسمه من الحياء قد رشح وقد باح باستسلامه وركب مركب تحيته وسلامه ورفع على رأسه سحابة الاحترام وأسرى به من البيت الحرام ذكره جليسه وفكره أنيسه وشوقه دليله وجبريل خليله فلما ولج دائرة بيت المقدس وحصل في فناء المسجد وجليت عليه أرواح الأنبياء في حلل الأنوار والبهاء فبادروا إلى سلامه وتحيته وإكرامه وجليت بين يديه وأثنوا بالصلاة عليه وأراد كل منهم أن يصف منزلته وبذكر فضيلته فقال آدم‏:‏ الحمد لله الذي خلقني بيده ونفخ في من روحه وأسجد لي ملائكته وأسكنني دار كرامته وقال إدريس‏:‏ الحمد لله الذي رفعني مكانًا عليًا وبوأني مجلسًا سنيًا وقال نوح‏:‏ الحمد لله الذي نجاني من القوم الظالمين وجعلني إلا أبا المؤمنين‏.‏
وقال إبراهيم‏:‏ الحمد لله الذي اتخذني خليلًا وجعل النار بردًا علي وسلامًا وأصلح لي زوجي بعدما كانت عقيمًا وقال موسى‏:‏ الحمد لله الذي أعطاني تسع آيات بينات وكتب لي في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلًا لكل شيء وأهلك عدوي فرعون ونجى قومي وفلق لي البحر وكلمني تكليمًا وقال لي‏:‏ إني أنا الله وقال سليمان بن داود‏:‏ الحمد لله الذي سخر لي الإنس والجن والطير والريح وعلمني منطق الطير وأتاني ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي وقال عيسى‏:‏ الحمد لله الذي لم يخلقني من نطفة قذرة وأحيا لي الموتى وأبرأ لي الأكمه والأبرص فلما افتخروا بجميع كراماتهم‏.‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الحمد لله الذي خلقني من أنوار البهاء ورفع قدري في الأرض والسماء وكتب اسمي على ساق عرشه وقرن اسمي باسمه ونزه ذكري في معالم قدسه وشرح لي صدري ويسمر لي أمري ورفع قدري وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وأيدني على من كفر وبعثني بالرعب وأرسلني بالحنيفية ونصرني وجعل أمتي خير الأمم وفرض طاعتي على العرب والعجم وجعل لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا وشفعني يوم القيامة في أمتي ونسخ سائر الشرائع بشريعتي وأدخل سائر الأمم في شفاعتي وجعل الكعبة قبلتي وأسمعني صلاة أمتي من بعدي لأشهد لهم يوم القيامة وجعلني شاهدًا وأمتي شهودًا على من جحد وظلم وكتب اسمي على الأفلاك وقال جل وعلا‏:‏ ‏{‏إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا‏}‏‏.‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 45‏]‏‏.‏
قال الواقدي‏:‏ فلما سمع البطريق ميافارقين هذا الكلام من الحكم بن هاشم‏.‏
قال والله ما في دينكم مراء وأنتم على الحق ولقد كنت أسلمت على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببيت المقدس ثم جئت إلى هذه المدينة وكان عليها وال فمات ووليت الأمر من بعده فرجعت إلى ديني الأول‏.‏
فإن أنا تبت إليه ورجعت إلى دينكم أيقبلني على ما ارتكبت من المعاصي فقال له الحكم‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوما لأصحابه ‏(‏بأي شيء يكون ابن آدم أشد فرحًا فقالوا‏:‏ بالأهل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت الناس‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يكون ابن آدم أشد فرحًا منه إذا كان في مفازة ومعه راحلته عليها زاده وماؤه ومنافعه‏.‏
فإذا كان في بعض المفازة اشتد عليه الحر فأوى إلى ظل فنزل عن راحلته وتوسد ذراعه فنام ثم انتبه وقد ذهبت راحلته وعليها طعامه وشرابه وغذاؤه ومنافعه فانطلق في طلبها يمينًا وشمالًا فلم يجدها فرجع إلى موضعه ليموت فيه وقد أيقن بالهلاك فنام ثم انتبه فوجد راحلته كما هي فأخذ بخطامها‏)‏‏.‏ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من ذلك الرجل بتلك الراحلة‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فلما سمع أسلاغورس كلام الحكم بن هشام دمعت عيناه وأخذهم إلى دار ولايته وقال‏:‏ والله لقد بان الحق وظهر الصدق فأسلم وحسن إسلامه وطلب جماعته فأسلموا بأجمعهم‏.‏
ثم إنه طلب أكابر البلد وأخبرهم بإسلامه وقال لهم‏:‏ إني أريد منكم ما أريده لنفسي وإن دين هؤلاء يعلو ولا يعلى عليه فمن أسلم منكم أمن في الدنيا والآخرة وهم قد نزلوا على آمد ولا بد لهم من ديار بكر جميعها فمن خالفهم وعصى نهبوا بلده واستعبدوا أهله وولده فإن أسلمتم لهؤلاء القوم أمنتم على أنفسكم وأولادكم‏.‏
فقالوا‏:‏ أيها الصاحب أمهلنا ثلاثة أيام حتى نرى ما لنا فيه من الصلاح فتركهم وانصرفوا من عنده فلما كان الليل اجتمعوا وتحالفوا أن لا يسلموا للعرب أبدًا ولو هلكوا عن آخرهم وأصروا علىالقتال فبعد ثلاثة أيام طلبهم فلم يأته إلا القليل وأتت إليه العين الصافية وأخبرته بما عزم عليه أهل البلد ثم لبسوا سلاحهم وأتوا إليه يقاتلونه فخرج إليهم بجماعة ومعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا قتالًا شديدًا فلما جن الليل‏.‏
قال لهم‏:‏ أرسلوا إلى أميركم ينجدنا فأرسل واحدًا منهم فما بعد عن البلد حتى سمع قرع حوافر الخيل فلما تبينهم إذ هم من عسكر الموحدين وإذا هم خمسمائة فارس وعليهم عدة بن عدي وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره بقصة ميافارقين وما جرى لصاحبها من أهل بلده وأمره أن يرسل إليهم جيشًا فاستيقظ من نومه وأرسل إليهم ضبة بن عدي ومعه خمسمائة فارس وأذن الله للأرض أن تطوى لهم فوصلوا إليهم في تلك الليلة فأتى بهم إلى السر وكانوا قد وكلوا به من يحفظه فنادى ففتحوا لهم وإذا بصاحب البلد قابلهم فأدخلهم فقالوا له‏:‏ من أعلمكم بقدومنا فقال صاحب البلد‏:‏ أعلمني بكم النبي صلى الله عليه وسلم رأيته وقد نمت من ضيق صدري بقتال هؤلاء القوم أهل البلد فنمت فرأيت شخصه الشريف فبشرني بقدومكم فلما حصلوا بأجمعهم خرج للقتال أهل البلد فصاح بهم المسلمون‏:‏ يا أعداء الله قد حل بكم البوار وأحاطت بكم الأقدار من أصحاب محمد المختار ووضعوا فيهم السيف فوتوا إلى منازلهم ودورهم ليتحصنوا بها وقد علموا أنه قد نزل بهم ما لا طاقة لهم به فنادوا الغوث‏.‏
فقال لهم‏:‏ من أتى إلينا فهو آمن فخرجوا فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد أمناكم على جميع مالكم إلا السلاح‏.‏
قال‏:‏ فأتوا بجميع ما عندهم من السلاح وسلموه للصحابة‏.‏

يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق