إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 28 يونيو 2014

136 مقدمة فتوح الشام أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )



136


مقدمة

فتوح الشام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي (الواقدي )

وأما الذين هاجموهم في أول الوقعة فقتل منهم جماعة نحو المائتين وثمانين رجلًا واقتتل الناس قتالًا شديدًا وأقبل الفضل بن العباس إلى البطريق كراكر لعنه الله بالسيف على عاتقه الأيمن فأطلع السنان يلمع من عاتقه الأيسر فوقع يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار وأتبعه بالجملة ابن عمه عبد الله بن جعفر فقتل بطريقًا آخر ولم تكن إلا ساعة وقد جاءتهم بقية الأمراء من على أبوابهم وتركوا مكانهم من يثقون به وساروا إلى أن وصلوا إليهم وحملوا عليهم حملة منكرة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة نحوًا من ثلاثة آلاف من الروم والنصارى فلما رأى الروم ذلك فروا نحو الباب وتبعهم المسلمون إلى الباب فخرج كردوس عظيم من الروم وحملوا المنهزمين وأسر المسلمون من الروم نحو ألف ومائتين وخمسين وأتوا إلى مكان المعركة يتفقدون من قتل منهم‏.‏
فإذا هم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلًا ختم الله لهم بالشهادة فلما رأى المسلمون ذلك شق عليهم وكبر لديهم وأسرعوا تحت الليل وجمعوا الشهداء ودفنوهم في ثيابهم ودمائهم مكان يعرف بالبطحى عند مجرى الحصى ومنقع السيل فدفنوهم هناك كل اثنين وكل ثلاثة وكل أربعة وكل خمسة في قبر وقدموا عليهم أهل السابقة وأصحاب القرآن وكان يعرف ذلك المكان بقبور الشهداء الأخيار والدعاء هناك مستجاب مجرب مرارًا وتحط هنا الأوزار لمن يكثر من الدعاء والتطوع والاستغفار‏.‏
قال الواقدي‏:‏ ما حدثت في هذا الكتاب إلا على قاعدة الصدق وأذكر ما وقع من الأمور وحدث عن أصحاب التواريخ وثقات المحدثين من أصحاب السير ومن سماع كلامه كالدر فهذا كالعقد النفيس في السلوك والتأسيس لا يليق سماعه إلا لذوي البصائر والعلماء والملوك فإنه نزهة الناظر ويشرح الخاطر لم يجمع أحد مثله من أهل السير لما فيه من الأمثال والعجائب والأخبار الصحيحة المنقولة عن ثقات المحدثين يتلذذ بذلك المستمعون ولنرجع إلى سياق الحديث‏.‏
قال الواقدي‏:‏ حدثنا عبد الله بن عبد الواحد القاري عن أبي سراقة بن نوفل الخزرجي عن أبي لبابة بن المنذر وكان من أصحاب الرايات‏.‏
قال‏:‏ ولما وارينا الشهداء ورجعنا إلى خيامنا وعدو الله البطليوس قد أغلق الباب وألقى الأقفال وعلوا على الأسوار‏.‏
قال ولما رجع المنهزمون إلى البطليوس صعب عليه وكبر لديه وأظلمت الدنيا في وجهه وحمل هذا عظيمًا على من قتل من بطارقته وجماعته ونوى المكايد والمصائب للمسلمين‏.‏
قال الراوي‏:‏ هذا ما جرى لهؤلاء وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم اجتمعوا عند الأمير وتذاكروا ما حصل للمسلمين من البطليوس لعنه الله واتفق رأيهم أن يرسلوا إلى الأمير خالد بن الوليد رضي الله عنه ويسألوه أن يسير إليهم بنفسه وبمن معه وكتب كتابًا يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عياض بن غانم إلى الأمير خالد بن الوليد اعلم أيها الأمير أننا فتحنا الشام والعراق واليمن والحجاز ولم نجد في الترك والروم والفرس والديلم ألعن من هذا الملعون بطريق البهنسا البطليوس وأكثر منه خداعًا ولا مكرًا ولا حيلة وأنها مدينة آهلة بالخيل حصينة بالرجال وقد خدعونا مرارًا وقد قتلوا منا رجالًا فأنجدنا بنفسك وبمن معك من المسلمين والسلام ورحمة الله وبركاته عليكم وطوى الكتاب وسلمه إلى عبد الله بن المنذر فأخذه وأتى به إلى الأمير خالد فوجده نازلًا على النورية فسلم عليه ودفع له الكتاب فلما قرأه وفهم ما فيه استرجع وقال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم التفت إلى عبد الله وقال‏:‏ قل للأمير عياض إن الأمير خالدًا قادم عليك برجال وأي رجال والسلام عليك وعلى من معك من المسلمين من المهاجرين والأنصار فرجع عبد الله ثاني يوم إلى البهنسا ورد الكتاب إلى الأمير عياض بن غانم‏.‏
قال‏:‏ ثم استدعى الأمير خالد بأبي عبد الله الزبير وضم إليه ثلثمائة فارس وأمرهم بالمسير إلى أرض البهنسا وقال لهم‏:‏ إذا وصلتم إلى أرض البهنسا فأعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير فسار الزبير رضي الله عنه فلما بعدوا دعا بالمقداد بن الأسود وضرار بن الأزور ودفع لهما مائتي فارس وأمرهما أن يسيرا على أثرهما وقال لهما‏:‏ لا تزالا حتى يدخل الزبير وابنه ثم بعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر رضي الله عنه وضم إليهما مائتي فارس وأمرهما بالمسير على أثر المقداد ثم استدعى بسعيد بن زياد بن عمرو بن نوفل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقبة بن عامر الفهري ودفع لهما مائتي فارس وأمرهما أن يسيرا وبات الأمير خالد تلك الليلة ولما أصبح صلى وسار معه بقية الأمراء من المهاجرين والأنصار الأخيار رضي الله عنهم‏.‏
قال الراوي‏:‏ وسار الزبير رضي الله عنه بمن معه حتى أشرف على البهنسا فكبر وكبر معه المسلمون وأنشد يقول‏:‏ أتيناكم على خيل عتاق شبيه الريح يوم الاستباق عليها كل صنديد همام شديد البأس يوم الحرب راقي نذل حماتكم بالسمر لما نجول بها مع البيض الرقاق ونقتل كل ملعون وباغ على الإسلام من أهل النفاق ونحن حماة الدين الله حقًا نقر بأن رب العرش باقي وأن محمدًا خير البرايا رسول الله للعلياء راقي قال‏:‏ وأشرفت الروم على أبواب المدينة ينظرون إليهم فما لبثوا غير قليل حتى أشرف عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه وكبر وكبرت المسلمون قال ثم أنشد يقول‏:‏ أنا الفارس المشهور للحرب في الوغى أذل بسيفي كل باغ ومعتدي وأحمل في الأبطال حملة من له إلى الغاية القصوى أعاظم مقصدي أنا ابن أبي بكر الذي شاع ذكره خليفة خير المرسلين محمد فيا ويل من عالى حسامي رأسه ويا ويل من عاجلته بمهند قال الراوي‏:‏ ثم أشرف من بعده عبد الله بن عمر وكبر وكبرت المسلمون لتكبيره ثم أنشد يقول‏:‏ أتينا على خيل عتاق وضمر بكل يمان ذي حداد وأسمر بكف شجاع باع الله نفسه يرى الموت في الهيجاء أفخر مفخر نذلكم بالسيف في الحرب والقنا ونقتل منكم كل باغ ومفتري قال الراوي‏:‏ ولم يزل كل أمير ينزل بجماعته حتى تكاملوا وتأخر الأمير خالد وبقية الأمراء الذين معه ولما بات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحوا قال ضرار بن الأزور والأمراء للأمير غانم‏:‏ أظنكم أنتم المحاصرون وأعداؤكم في أكل وشرب فما هذا القعود ثم رجعوا للأبواب وضرار ينشد ويقول‏:‏ وأضرم في علو الباب نارًا وأرمي القوم بالخطب الجليل وأترك دارهم منهم خرابًا ولم أمهل بذي شبح كفيل فويل ثم ويل ثم ويل لهم مني بمشتد العويل سأقتل كل باغ كان منهم بحد السيف والباع الطويل قال‏:‏ ولم يزل يترنم بهذه الأبيات وتراموا بالسهام والمقاليع واقتتلوا قتالًا شديدًا فاشتدت حمية عتيد الروم وجمع الملعون البطارقة من ذوي الشدة والبأس وكان هو فارسًا شديدًا وبطلًا كما ذكرنا وفتح باب الجبل وخرج منه كأنه شعلة نار على جرائد الخيل والرماة بين يديه يرمون بالنشاب والمجانيق من أعلى الأبراج واقتتلوا قتالًا شديدًا وجرح من المسلمين جماعة وكانت مقتلة عظيمة وبقية الأمراء لا يعلمون وأنكى من المسلمين جماعة‏.‏

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق