إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1246 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصل -> الحرب والسلام 6- الحرب والسلام 1526-1547





1246


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> فرانسيس الأول والإصل -> الحرب والسلام

6- الحرب والسلام


1526-1547


عندما عرفت شروط معاهدة مدريد بصفة عامة أثارت تقريباً عداء عالمياً لشارل، فقد ارتجف البوتستانت الألمان عندما توقعوا مواجهة عدو عزز قواه إلى هذا الحد. واستاءت إيطاليا من ادعائه الحق في السيادة على لومباردي، وأحل كليمنت السابع فرانسيس من قسمه الذي كان قد ارتبط به فرانسيس في مدريد، وانضم إلى فرنسا وميلان وجنوا وفلونا والبندقية في تكوين حلف كونياك للدفاع المشترك (22 مايو سنة 1526)، ووصف شارل، فرانسيس بأنه "ليس بالسيد المهذب"، وأمره أن يعود إلى سجنه الإسباني، وأصدر أوامره بتشديد اعتقال ابني الملك، وأطلق العنان لقواده لتأديب البابا.
وتدفق جيش إمبراطوري، احتشد في ألمانيا وأسبانيا، إلى إيطاليا وتسلق بالسلالم أسوار روما (مات الدوق بوربون في العملية)، ونهب المدينة نهباً كاملاً أكثر مما فعل بها القوط أو الوندال من قبل، وقتل 4.000 روماني وسجن كليمنت في سان أنجيلو. وأكد الإمبراطور، الذي كان قد بقي في

أسبانيا لأوربا المذعورة أن جيشه الجائع قد تجاوز تعليماته، ومع ذلك فإن ممثليه في روما احتفظوا بالبابا سجيناً في سان أنجيلو من 6 مايو إلى 7 ديسمبر سنة 1527، وأكرهوا بابا يكاد يكون مفلساً على دفع تعويض قدره 368.000 كراون.
واستغاث كليمنت بفرانسيس وهنري وطلب منهما العون، فبعث فرانسيس إلى إيطاليا لوتريك على رأس جيش نهب بافيا منتقماً منها في تهور لمقاومتها له عامين قبل ذلك، وتساءل الإيطاليون هل الأصدقاء الفرنسيون أفضل من الأعداء الألمان. ومر لوتريك على روما مرور الكرام وحاصر نابولي وبدأت المدينة تعاني من المجاعة. وفي غضون ذلك كان فرانسيس قد أغضب أندريا دوريا قائد بحرية جنوا، فاستدعى دوريا أسطوله من حصار نابولي وانضم إلى جانب الإمبراطور ومون المحاصرين. وهلك جيش لوتريك جوعاً بدوره، ومات لوتريك نفسه وذاب جيشه (1528).
ولا تكاد ملهاة الحكام تفرج كرب الشعب، وعندما ظهر مبعوثوا فرانسيس وهنري في بورجوس لإعلان الحرب بصفة رسمية، رد شارل على المبعوث الفرنسي رداً فاجعاً بقوله "إن ملك فرنسا ليس في موقف يسمح له بتوجيه مثل هذا الإعلان إلّي، إنه أسيري. إن مولاكم قد تصرف مثل أي جبان أفاق بعدم محافظته على وعده الذي ارتبط به في معاهدة مدريد، وإذا راقه أن يقول ما يخالف هذا فإني سوف أحافظ على وعدي له بحياتي مقابل حياته(59)".
وقبل فرانسيس تواً هذا التحدي إلى البراز وبعث إليه رسولاً يقول له: "لقد قلت إفكاً وبهتاناً مبيناً": واستجاب شارل بعظمة، وعين مكان للنزال وطلب من فرانسيس أن يحدد موعد اللقاء، بيد أن النبلاء الفرنسيين اعترضوا طريق الرسول وأدت إجراءات التأخير المستأنية إلى تأجيل المباراة

إلى ما لا نهاية. فقد بلغت الأمم درجة من النمو لا يمكن عندها تسوية خلافاتها الاقتصادية أو مصالحها السياسية بنزال فردي أو بجيوش صغيرة من المرتزقة التي كانت تقوم بلعبة الحرب في إيطاليا إبان عصر النهضة، ولا شك أن الطريقة الحديثة لحسم الأمور بالتنافس في التدمير قد اتخذت شكلها في هذا النزاع بين آل هامسبورج وفالوا .
واقتضى الأمر أن تتصدى امرأتان لتلقين الحاكمين فن السلام وحكمته، فقد اتصلت لويز أميرة سافوي بمرجريت النمسوية نائبة الملك في الأراضي المنخفضة، واقترحت عليها أن يتخلى فرانسيس، المتلهف على عودة ابنيه، عن كل مطالبه في الفلاندرز وارنوا وإيطاليا وأن يدفع فدية قدرها 2.000.000 كارون ذهبي، لإطلاق سراح ولديه، على ألا يتنازل أبداً عن بورغنديا، وأقنعت مرجريت ابن أخيها بإرجاء مطالبته ببورغنديا وأن ينسى مطالب الدوق بوربون، الذي مات وقتذاك في الوقت المناسب.
وفي 3 أغسطس عام 1529 وقعت المرأتان ومعاونوهما الدبلوماسيون معاهدة صلح السيدات في كامبراي، وحصلت الفدية من التجارة والصناعة ودم فرنسا، ونعم بالحرية من جديد أميرا البيت المالك بعد أربع سنوات من الأسر، وعادا بقصص تروى عن المعاملة القاسية التي أثارت فرانسيس وفرنسا. وبينما وجدت المرأتان القديرتان سلاماً دائماً- مرجريت عام 1530

ولويز عام 1531- أخذ الملكان يعدان العدة لاستئناف الحرب بينهما.
وتلفت فرانسيس حوله في كل مكان يطلب العون، فأرسل إلى هنري الثامن مبلغاً من المال للتهدئة لأنه تجاهله تقريباً في تسوية كامبراي، وتعهد هنري، وقد أغضبه شارل لمعارضته في "طلاقه"، بتأييد فرنسا. وفي عام أو نحوه تفاوض فرانسيس للدخول في أحلاف مع الأمراء البروتستانت الألمان ومع الأتراك ومع البابا. ومهما يكن من أمر فإن الحبر الأعظم المتذبذب سرعان ما عقد صلحاً مع شارل وتوجه إمبراطوراً (1530)- هو آخر تتويج لإمبراطور في الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة قام به بابا. ثم ارتاع كليمنت من ملك كان في الواقع قد حول إيطاليا إلى مقاطعة في ملكه، فسعى إلى عقد رابطة جديدة مع فرنسا بعرضه زواج ابنه أخيه كاترين دي مديتشي من ابن فرانسيس، هنري دوق أورليان، والتقى الملك والبابا في مارسيليا (28 أكتوبر سنة 1533)، وقام البابا بنفسه بمراسيم الزواج ذي المغزى التاريخي. ومات كليمنت بعد عام، ولم يكن قد استقر رأيه بعد على أي شيء.
وكان الإمبراطور، الذي شاخ وهو في الخامسة والثلاثين، يحمل أعباءه الملقاة على عاتقه في عزم واهن. وذعر عندما علم- من كلمة وزير السلطان إلى فرديناند ملك النمسا- أن حصار الأتراك لفيينا عام 1529، إنما تم استجابة لاستغاثة فرانسيس ولويز وكليمنت السابع لمساعدتهم ضد الإمبراطوريّة التي كانت تطوقهم(60). وفضلاً عن هذا فإن فرانسيس تحالف مع الزعيم التونسي خير الدين بارباروسا الذي كان يكدر صفو التجار المسيحيين في غربي البحر الأبيض المتوسط، ويغير على المُدن الساحلية ويسوق الأسرى من المسيحيين إلى أسواق النخاسة. وحشد شارل جيشاً آخر وأسطولاً ثانياً وعبر البحر إلى تونس (1535)، واستولى عليها،

وحرر 10.000 عبد مسيحي وكافأ جنوده الذين لم تدفع رواتبهم بإطلاق العنان لهم لنهب المدينة وذبح السكان المسلمين.
وعاد شارل إلى روما (5 أبريل سنة 1536) بعد أن ترك حاميات في بونا ولاجوليتا عودة المدافع المظفر للعالم المسيحي ضد العالم الإسلامي وملك فرنسا. وفي غضون ذلك كان فرانسيس قد جدد مطالبته بميلان، وفي مارس عام 1536 غزا دوقية سافوي لإزالة العقبة التي تعترض طريقه إلى إيطاليا. واستشاط شارل غضباً، وفي خطاب حار ألقاه أمام بول الثالث البابا الجديد ومجمع الكرادلة بأسره أخذ يعدد مرة أخرى جهوده من أجل السلام. وانتهاك الملك الفرنسي لمعاهدتي مدريد وكامبواي و "الأحلاف التي عقدها جلالته نصير المسيحية العظيم" (كما كان يسمى فرانسيس) مع أعداء الكنيسة في ألمانيا وأعداء المسيحية في تركيا وإفريقية، وأنهى خطابه بتحدي فرانسيس مرة أخرى إلى البراز قائلاً: "دعونا لا نستمر في المجازفة بسفك دماء رعايانا الأبرياء، دعونا نحسم النزاع بالنزال رجلاً أمام رجل بأي أسلحة يروقه أو يختارها. وبعد ذلك دعوا القوات المتحدة لألمانيا وإسبانيا وفرنسا تستخدم لكسر شوكة الأتراك واستئصال الهرطقة من العالم المسيحي".
كان خطاباً بارعاً لأنه أجبر البابا على أن ينحاز إلى صف الإمبراطور، ولكن أحداً لم يأخذ عرضه الخاص بالمبارزة محمل الجد، فقد كان القتال بالتفويض أسلم، وغزا شارل بروفانس (25 يوليو سنة 1536) بجيش قوامه 50.000 رجل وكان يأمل أن يهاجم جناح الفرنسيين أو يشغلهم في سافوي بالزحف أعلى الرون. ولكن القائد آن دي مونمورانس أمر القوات الفرنسية الضعيفة بأن تحرق أثناء انسحابها كل شيء يمكن أن يتزود به جنود الإمبراطور، وسرعان ما تخلى شارل عن الحملة وكان دائماً يعوزه

المال ولا يستطيع أن يقدم الطعام لرجاله. وكان بولس الثالث يتلهف على إطلاق يد شارل للقيام بهجوم على الأتراك أو اللوثريين فأقنع العملاق المشلول بالاتقاء معه- في حجرات منفصلة تثير الحماسة ت بمدينة نيس وتوقيع هدنة لمدة عشر سنوات (17 يونيه 1538). وبعد شهر قامت اليونورا، وهي زوجة أحدهما، وشقيقة الآخر، بتدبير لقاء شخصي بين الملك والإمبراطور في إيجسمورت. وهناك نسيا أنهما ملكان وأصبحا إنسانين، وركع شارل يحتضن أصغر أولاد الملك، وأعطاه فرانسيس ماسة ثمينة مركبة علة خاتم نقشت عليه عبارة: "شاهد ورمز للحب"، وخلع شارل من جيده طوق الجزة الذهبية، وانطلقا معاً لسماع القداس، وابتهج أهل المدينة لشيوع السلام وهتفوا: "الامبراطور! الملك"، وعندما ثارت غنت ضد شارل (1539) وانضمت إلى بروجس وإيبرس في عرض نفسها على فرانسيس، قاوم الملك الإغراء، وعندما وجد شارل، في أسبانيا أن سفن المتمردين أو خشية الإبحار تسد الطرق البحرية، أجاب فرانسيس طلبه المرور في فرنسا. وأشار على الملك مشيروه بأن يكره الإمبراطور وهو في الطريق، على توقيع تنازل عن ميلان للدوق أورليان، ولكن فرانسيس رفض وقال: "عندما تقوم بشيء كريم يجب أن تفعله كاملاً وبجرأة". ووجد مهرج البلاط يكتب في "يوميات مهرج" اسم شارل الخامس، لأنه كما قال تريبوييه أنه يكون أشد بلاهة مني لو أتى ليمر من خلال فرنسا" فساله الملك: "وماذا تقول إذا تركته يمر؟" فقال: "سوف أمحو اسمه وأدون اسمك مكانه"(61). وترك فرانسيس، شارل يمر دون أن يعوقه أحد وأمر كل مدينة في الطريق أن تستقبل الإمبراطور بما يستحق من تكريم ملكي واحتفالات.
وانتهت الصداقة المقلقلة عندما أسر الجنود الأسبان بالقرب من بافيا المبعوثين الفرنسيين وهم يحملون عروضاً جديدة من فرانسيس إلى سليمان

للتحالف معه (يوليو سنة 1541). وفي هذه الفترة كان بارباروسا يغير مرة أخرى على المُدن الساحلية في إيطاليا. وسافر شارل بحراً من مالوركا مع أرمادا أخرى للقضاء عليه، ولكن الأسطول واجه عواصف شديدة أجبرته على العودة خاوي الوفاض إلى أسبانيا. وكان حظ الإمبراطور في هبوط، فقد ماتت زوجته الشابة (1639) التي كان قد تعلم أن يحبها وكانت صحته تتدهور، وأعلن فرانسيس الحرب عليه عام 1542 بسبب ميلان، وكان حلفاء الملك وقتذاك السويد والدانمارك وجلدرلاند وكليف وسكوتلندة والأتراك والبابا، ولم يؤيد شارل إلا هنري الثامن في مقابل ثمن ما، ورفض المجلس التشريعي الإسباني الموافقة على إعانات مالية إضافية من أجل الحرب، وانضم الأسطول التركي إلى الأسطول الفرنسي في ضرب الحصار على نيس، وكانت وقتذاك أرضاً تابعة للإمبراطور (1543)، وفشل الحصار، إلا أن بارباروسا وجنوده المسلمين سمح لهم بقضاء الشتاء في طولون حيث باعوا علناً عبيداً من المسيحيين(62). واسترد الإمبراطور في صبر زمام الموقف فوجد وسيلة لإصلاح ذات البين مع البابا، وكسب إلى صفه فيليب الهسي بالتغاضي عن زواجه من اثنتين، وهاجم دوق كليف وتغلب عليه، ووثق صلته بحلفائه الإنجليز وواجه فرنسا بقوة عظيمة جداً حملت فرانسيس على الانسحاب والتسليم له بأمجاد الحملة (أكتوبر سنة 1543).
ورحب شارل مرة أخرى، بعد أن وجد أنه فقير جداً إلى حد لا يستطيع معه أن يزود جيشه بالميرة، بعرض للسلام ووقع مع فرانسيس معاهدو كريبي (18 سبتمبر سنة 1544). وتخلى الملك عن مطالبه في الفلاندرز وارتوا ونابلي ولم يعد شارل يطالب ببورغندا، وسوف تتزوج أميرة، من آل هايسبورج، من أمير فرنسي، وتقدم إليه ميلان صداقاً لها. (كان يمكن تدبير معظم ذلك سلمياً عام 1525).
وكان شارل وقتذاك مطلق اليد في التغلب على البروتستانت في ملبرج وقد صوره نيسيان هناك، وهو لا يشكو من داء النقرس، فخوراً منتصراً، منهوكاً متعباً بعد ألف من التقلبات ومائة من انقلابات عجلة الحظ الساخرة.
أما فرانسيس فقد انتهى أمره وانتهت معه كذلك فرنسا أو كادت، وهو إلى حد ما لم يفقد شيئاً سوى الشرف، وقد حافظ على بلادة بتعجل ترك المثل العليا للفروسية، ومع ذلك فقد كان يمكن قدوم الأتراك دون أن يوجه الدعوة إليهم، وقد أعان مجيئهم فرانسيس على كبح جماح الإمبراطور الذي لو لم يجد مقاومة، لنشر محكمة التفتيش الأسبانيّة في الفلاندرز وهولندة وسويسرا وألمانيا وايطاليا، وقد وجد فرانسيس فرنسا تنعم بالسلام والرخاء، وتركها مفلسة على حافة حرب أخرى. وقبل وفاته بشهر، وبينما كان يقسم مؤكداً صدقاته لشارل، أرسل 200.000 كراون إلى البروتستانت في ألمانيا لتأييدهم ضد الإمبراطور(63)، وهو- وأقل درجة من ذلك شارل- يتفق في الرأي مع مكيافيلي بأن رجال السياسة الذين من واجبهم الحفاظ على بلادهم، يمكنهم مخالفة القانون الأخلاقي الذي يطالبون به مواطنيهم الذين لا هم لهم إلا الحفاظ على أرواحهم. وقد يغتفر له الشعب الفرنسي حروبه ولكنه لم يستسغ حلاوة أبهة مناهجه وبلاطه عندما أدرك فداحة الثمن. وكان قد فقد شعبيته فعلاً عام 1535.
وواسى نفسه بالاستمتاع بالجمال حياً وميتاً، وقد اتخذ في أواخر سني حياته من فونتنبلو مقراً أثيراً له وأعاد بناءه وابتهج بالفن الأنثوي الرشيق الذي كان الإيطاليون يزينونه به، وأحاط نفسه بفرقة صغيرة من النسوة الصغيرات اللاتي كن يمتعنه بطلعاتهن البهية ومرحهن. وأصيب عام 1538 في عاصمته بمرض وبدأ منذ ذاك يتلعثم تلعثماً مخجلاً، وحاول أن يعالج ما كان على الأرجح مرض الزهري بأقراص الزئبق، التي وصفها له

بارباروسا، ولكنها لم تنجح معه(64). وحطم روحه دمل عنيد كريه الرائحة، وأضفى على عينيه، التي كانتا حادتين يوماً نظرة شوهاء باكية، ودفعته إلى الاعتصام بورع لا يناسبه. وكان عليه أن يراقب طعامه لأن الشك خامره في أن بعض رجال الحاشية الذين يتوقعون رفعة شأنهم في عهد خلفه، يسعون إلى تسميمه. ولاحظ في حزن أن الحاشية تدور وقتذاك حول ابنه الذي كان بالفعل يوزع المناصب وينتظر في صبر حلول دوره في التحكم في موارد فرنسا. واستدعى وريثه الوحيد وهو على فراش الموت في رامبوييه وحذره من أن تسيطر عليه امرأة- لأن هنري كان مخلصاً بالفعل لديان دي بواتييه- واعترف الملك بخطاياه في تلخيص متعجل، ورحب بالموت وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة وهمس فرانسيس، دوق دي جيز، وكان واقفاً عند الباب، إلى الذين كانوا في الحجرة المجاورة، أن العاشق العجوز يحتضر(65)، ومات وهو يردد اسم يسوع. وكان في الثالثة والخمسين من عمره ولقد حكم اثنتين وثلاثين عاماً. وشعرت فرنسا بأن حكمه دام طويلاً، ولكن عندما استردت حريتها منه، غفرت له كل شيء، لأنه كان لبقاً حتى في ارتكاب آثامه، ولأنه عشق الجمال وكان فرنسا مجسدة.
ومات هنري الثامن في ذلك العام نفسه، ولحقت به مرجريت بعد عامين، وقد كانت بعيدة جداً عن فرانسيس، بل كانت أبعد من أن تدرك أن الموت يترقبه. وعندما وصلتها كلمة، وهي في دير بأنجوليم، تنبئها بأنه مصاب بمرض خطير كادت تفقد رشدها. وقالت: "إن مَن يأتي إلى عتبة بابي، كائناً مَن يكون، ويعلن لي أن شقيقي الملك قد أبل من مرضه، ولابد أن مثل هذا الرسول سيكون متعباً منهوك القوى تغطيه الأوحال والأوشاب، ومع ذلك فسوف أذهب إليه وأقبله وأحتضنه كما لو كان أعظم الأمراء والسادة أناقة في فرنسا، وإذا كان في حاجة إلى

فراش، فسوف أمنحه فراشي، وأرقد على الأرض مبتهجة لما حمله إلي من أنباء طيبة(66). وبعثت بالرسل إلى باريس فعادة وكذبوا عليها، وأكدوا لها أن الملك سليم معافى، إلا أن الدموع المختلسة التي انثالت من عيني راهبة كشفت عن الحقيقة، ولبثت مرجريت أربعين يوماً في الدير وهي تعمل رئيسة له، تردد الأناشيد المقدسة القديمة مع الراهبات.
وعندما عادت إلى بو أو نيران أسلمت نفسها للتقشف الشديد، وخيانات زوجها، وأهواء ابنتها المتقلبة، ووجدت السلوى، بعد السنوات التي أمضتها في شجاعة نصف بروتستانتية، في الشعيرة الكاثوليكية بألوانها وبخورها وموسيقاها الجذابة، وأسقمتها الكالفينية التي كانت تأسر جنوبي فرنسا، وأفزعتها، فعادت إلى تقواها التي عرفت بها في الطفولة.
وفي ديسمبر عام 1549، وبينما كانت ترقب مذنباً في السموات، أصيبت بحمى أثبتت أنها كانت عنيفة، إلى حد أنها حطمت هيكلاً وروحاً أوهنتهما قساوات الحياة. وكانت قبل ذلك بسنوات قد كتبت سطوراً وكأنها نصف عاشقة لخدر الموت:
رباه متى يأتي الموت

الذي طالما اشتقت إليه

والذي أجد نفسي بقوة الحب

منجذبة إليك؟

ألا فلتجفف دموع عيني الحزينتين

وسط تنهدات الفراق

وامنن علي بخير أنعمك على الإطلاق

وهي نعمة النوم اللذيذ


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق