1236
قصة الحضارة ( ول ديورانت )
قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> جون كالفن -> مدينة الله
4- مدينة الله
كان سلوك كالفن في السنوات الأولى من دعوته، يتسم بالاعتدال والتواضع فكسب إلى صفه الجميع، إلا أقلية ضئيلة، وعين ثمانية من مساعدي القسس للعمل تحت رئاسته لتقويم الخدمة الدينية في كنيسة القدّيس بطرس وغيرها من كنائس المدينة، وكان يعمل مدة تتراوح بين اثنتي عشرة ساعة وثماني عشرة ساعة كل يوم، واعظاً ومديراً وأستاذاً للاهوت، ومشرفاً على الكنائس والمدارس، ومستشاراً للمجالس البلدية، وضابطاً للأخلاق العامة، ومنظماً للطقوس الدينية في الكنيسة. وعكف في غضون ذلك على إضافة فصول لكتابه "القوانين"، وكتب تعليقات على الكتاب المقدس، وحافظ على كتابة رسائل تأتي من حيث القيمة بعد رسائل أرازموس، وإن كانت تفوقها تأثيراً... ولم يكن ينام إلا قليلاً، ويأكل قليلاً، ويصوم كثيراً. وعجب خلفه وكاتب سيرته، تيودور دي ميز، كيف استطاع ذلك الرجل الضئيل الجسم، أن يحمل مثل هذا العبء الثقيل المتنوع.
وكان أول عمل قام به هو إعادة تنظيم الكنيسة، التي تناولها الإصلاح، وعين المجلس الصغير، بناء على طلبه، وعقب عودته لفترة قصيرة، لجنة من خمسة من رجال الدين، وستة من أعضاء المجلس، يرأسهم كالفن، لصياغة قانون كنسي جديد. وفي اليوم الثاني من يناير عام 1542 أجاز المجلس القوانين الكنسية، التي لا تزال الكنائس التي تناولها الإصلاح والمشيخية في أوربا وأمريكا تقبل معالمها الجوهرية. وقسمت الخدمة الدينية على كهان أبرشيات ومعلمين وشيوخ كنيسة من العلمانيين وشمامسة.
وألف كهان الأبرشيات في جنيف "الجماعة المبجلة"، التي حكمت الكنيسة، ودربت المرشحين للخدمة الدينية. ولم يسمح كذلك لأحد بالوعظ في جنيف، دون أن يخول ذلك من الجماعة، وكان الأمر يتطلب أيضاً موافقة مجلس المدينة وجماعة المصلين، إلا أن الرسامات الأسقفية - وتنصيب الأساقفة - كانت محظورة.
وأصبح القساوسة الجدد، تحت رئاسة كالفن، أقوى منهم في أي نظام للقساوسة عرف منذ عهد إسرائيل القديمة، وذلك في الوقت الذي لم يدعوا فيه قط أنهم وهبوا القوى الخارقة للقساوسة الكاثوليك، وعلى الرغم من أنهم أصدروا على أنفسهم حكماً بأنهم لا يصلحون للوظيفة المدنية. وقال كالفن إن القانون الحقيقي لدولة مسيحية يجب أن يكون هو الكتاب المقدس، وأن القساوسة هم المفسرون الحقيقيون لذلك القانون، وأن الحكومات المدنية يجب أن تخضع لهذا القانون، وأن تدعمه كما يفسره رجال الدين. ولعل الرجال المتمرسين في المجالس قد راودتهم بعض الشكوك، في هذه النقاط، ولكن يبدو أنهم شعروا بأن النظام الاجتماعي أجدى للاقتصاد، ومن هنا فإن بعض الدعاوى الكنسية يحسن أن تترك مؤقتاً دون اعتراض، والظاهر أن حكومة رجال الدين ظلت تسيطر على حكومة أقلية من التجار ورجال الأعمال خلال ربع قرن عجيب.
ومارس رجل الدين سلطتهم على حياة أهالي جنيف من خلال مجمع للكرادلة أو مشيخية مكونة من خمسة من كهنة الأبرشية وأثنى عشر شيخاً للكنيسة من العلمانيين، والجميع يختارهم المجلس.
وبينما كان كهنة الأبرشية يتمسكون بحقهم في المنصب، من خلال خدمتهم الدينية، وشيوخ الكنيسة يظلون في مناصبهم عاماً واحداً فقط، فإن مجمع الكرادلة كان يحكمه أعضاؤه من رجال الدين في أمور لا تمس الأعمال بصورة جوهرية. وأعطى لنفسه الحق في تنظيم العبادة الدينية وفرض السلوك الأخلاقي على كل ساكن، وأرسل قسيساً وشيخاً للكنيسة، لكي
يزورا سنوياً كل بيت وكل أسرة. وكان له الحق في استدعاء أي شخص للمثول أمامه، لاختباره، وكان في وسعه زجر الآثمين، أو حرمانهم من الغفران علناً، وكان يستطيع أن يعتمد على المجلس في أن ينفى عن المدينة من أصدر عليهم مجمع الكرادلة قراراً بالحرمان من غفران الكنيسة. وكان كالفن يقبض على زمام السلطة، باعتباره رئيساً لهذا المجمع. وكان صوته أقوى الأصوات تأثيراً في جنيف، من عام 1541 حتى وفاته في عام 1564. ولم يكن حكمه المطلق يستند إلى القانون أو القوة، ولكنه كان يعتمد على الإرادة والخلق. ولقد أضفت عليه قوة إيمانه برسالته، وكمال إخلاصه لواجباته، قوة لم يستطع أحد أن ينجح في معاومتها ولو أن هيلدبراند بعث من قبره لطرب أيما طرب لهذا الانتصار الواضح للكنيسة على الدولة.
وهكذا خول رجال الدين سلطات، أتاحت لهم أن ينظموا أولاً العبادات. "على جميع أفراد الأسرة أن يحضروا العظات يوم الأحد، ما عدا مَن يتركون في البيت، لرعاية الأطفال أو الماشية. وإذا كان ثمة وعظ في أيام الأسبوع، فعلى كل مَن يستطيع الحضور أن يجيء" "كان كالفن يلقي عظاته ثلاث أو أربع مرات كل أسبوع" "وإذا جاء أحد بعد ابتداء العظة فلينذر، وإذا لم يقوم نفسه، فليدفع غرامة قدرها ثلاثة فلسات"(32). وليس لأحد أن يعفى من أداء الصلوات البروتستانتية، بحجة أنه يعتنق عقيدة دينية مخالفة، أو خاصة، وكان كالفن مدققاً، مثل أي بابا، في رفضه الفردية في العقيدة. ولقد رفض أعظم مشرع للبروتستانتية ذلك المبدأ الخاص بالحكم الفردي، الذي كان الدين الجديد قد بدأه. كان قد رأى انقسام الإصلاح الديني إلى مائة طائفة، وعرف مسبقاً أكثر من هذا، وقرر ألا يسمح بوجود طائفة منها في جنيف. إن هناك هيئة من رجال الدين العلماء، تصوغ عقيدة رسمية، وعلى الذين لا يقبلون اعتناقها من أهالي جنيف، أن يبحثوا لهم من مواطن أخرى. وكان التغيب في إصرار عن حضور الصلوات البروتستانتية، أو الاستمرار في رفض تناول القربان المقدس، من الجرائم
التي يعاقب عليها القانون. وأصبحت الهرطقة من جديد إهانة للرب، وخيانة للدولة، وكل مَن تثبت عليه يعاقب بالإعدام. كما أصبحت الكاثوليكية التي بشرت بهذا الحكم على الهرطقة بدورها هرطقة.
وبين عامي 1542 و 1564 نفذ حكم الإعدام في ثمانية وخمسين شخصاً، ونفي ستة وسبعون، بسبب مخالفتهم للقانون الجديد. وكان السحر هنا كما في أي مكان آخر جريمة يعاقب من يزاوله بالإعدام، ولقد أرسل إلى سارية الإحراق في عام واحد، وبناء على ما أشار به مجمع الكرادلة، أربع عشرة سيدة، قيل أنهن من الساحرات، بتهمة إغرائهن للشيطان، بأن يصيب جنيف بوباء الطاعون(33).
ولم يميز مجمع الكرادلة إلا قليلاً بين الدين والأخلاق... كان السلوك الأخلاقي، ومثله في ذلك مثل العقيدة الدينية، يجب أن يلتزم بعناية، ذلك لأن حسن السلوك هو الهدف من العقيدة الصحيحة. وكان كالفن، وهو رجل حازم قوي المراس، يحلم بمجتمع يدين بنظام صارم، إلى حد تبرهن فضائله على لاهوته، وتجلل بالعار الكاثوليكية، التي أثمرت حياة الترف والانحلال في روما، أو تسامحت فيهما. ولابد أن يكون النظام العمود الفقري للشخصية، وأن يمكنها من أن ترقى بنفسها، من وحدة الفطرة البشرية، إلى استقامة الإنسان الذي قهر شهوات نفسه. يجب أن يكون رجال الدين قوة لغيرهم، بسلوكهم وبإدراكهم الحسي. ولهم أن يتزوجوا وأن ينجبوا، وعليهم أن يمتنعوا عن الصيد والمقامرة واللهو والتجارة وضروب التسلية الزمنية، وأن يقبلوا أن يقوم رؤساؤهم من رجال الكنيسة بجولة تفتيشية سنوية، وأن يتقصوا عن أخلاقهم.
ولتنظيم سلوك الجماهير أقيم نظام يعتمد على الزيارات المنزلية، يتلخص في أن أحد شيوخ الكنيسة أو غيره، كان يزور سنوياً كل بيت عين له في الحي، ويسأل السكان عن مراحل حياتهم كلها. وانضم مجمع الكرادلة
والمجلس إلى إقرار تحريم المقامرة ولعب الورق والتجديف والسكر والتردد على الحانات والرقص (الذي كان وقتذاك يعنف بالقبلات والأحضان)، والأغاني الماجنة أو الخارجة عن الدين، والإفراط في اللهو، والبذخ في العيش، والتبذل في اللبس. وحدد القانون اللون المسموح به في الملابس ومقدارها، وعدد الأطباق المسموح بها في الوجبة الواحدة. وكانت الحلي والمخرمات تقابل بالتجهم. وسجنت امرأة، لأنها صففت شعرها إلى ارتفاع يتنافى مع الأدب(34). واقتصرت الحفلات المسرحية على التمثيليات الدينية ثم منعت هذه أيضاً. وكان الأطفال لا يسمون بأسماء القديسين - الواردة في التقويم الكاثوليكي، ولكن فضل أن يطلق عليهم أسماء شخصيات، ذكرت في العهد القديم، واشتغل والد عنيد أربعة أيام في السجن، لأنه أصر على تسمية ابنه كلود بدلاً من أبراهام(35). وفرضت الرقابة على المطبوعات، طبقاً لسوابق كاثوليكية وعلمانية، وتوسع فيها (1560): فقد حظر تداول كتب تتناول عقيدة دينية خاطئة، أولها نزعة تتنافى مع الخلق القويم، وقدر لمقالات مونتاتي وكتاب "أميل" لروسو أن تقع تحت طائلة هذا الحظر. وكان الحديث عن كالفن أو رجال الدين بازدراء يعد جريمة(36)، وأول مخالفة لهذه القوانين كانت تعاقب بالزجر، أما المخالفة التالية فكانت تعاقب بالغرامات، والإصرار على المخالفة بالسجن أو النفي. أما الفسق فكان مرتكبه يعاقب بالنفي أو بالموت غرقاً، ومَن يرتكب جريمة الزنا أو الكفر أو عبادة الأوثان يعاقب بالإعدام وفي مثل خارج على القياس قطعت رأس طفل، لأنه ضرب والديه(37). وفي عامي 1558-59 رفعت 414 دعوى بسبب جرائم أخلاقية، وبين عامي 1542 و 1556 أقصي عن البلاد ستة وسبعين شخصاً، ونفذ حكم الإعدام في ثمانية وخمسين، وكان التعداد الكلي لسكان مدينة جنيف وقتذاك حوالي 20.000 نسمة(38). وكثيراً ما استخدم التعذيب وسيلة للحصول على اعترافات أو دليل، كما كان يحدث في كل مكان في القرن السادس عشر.
وامتد التنظيم إلى التعليم والمجتمع وإلى الحياة الاقتصادية، وأسس كالفن مدارس وأكاديمية، وبحث في أرجاء أوربا عن مدرسين للغات اللاتينية واليونانية والعبرية واللاهوت، ودرب قساوسة من الشبان حملوا إنجيله إلى فرنسا وهولندة وسكوتلندة وإنجلترا، بكل ما اتصف به المبشرون اليسوعسون من حمية وإخلاص في آسيا، وأرسلت مدينة جنيف في خلال أحد عشر عاماً (1555-66) 161 مبعوثاً من أمثال هؤلاء إلى فرنسا، أنشد الكثير منهم المزامير الهوجنوتية، وهم يتعرضون للاستشهاد، ورأى كالفن أن التقسيم الطبقي أمر طبيعي، وأسبغ تشريعه الحماية على الرتب والمنصب، بفرض نوع من اللباس، ووضع حدود لنشاط كل طبقة(39). كان على كل شخص أن يتقبل وضعه في المجتمع، وأن يؤدي واجباته، دون حسد لمن هم خير منه، أو شكوى من سوء حظه. وحظر التسول، واستبدل، بالإحسان دون أي تمييز، إدارة جماعية، تتسم بالعناية للمساعدات التي تقدم للتفريج عن الفقراء.
والتزم مذهب كالفن بالعمل الشاق والرصانة والاجتهاد والاعتدال في النفقة، وأصبح الاقتصاد قانوناً دينياً، يحلل بالغار رأس المعتصم به، ولعل ذلك هو الذي أسهم في تطوير ما فطر عليه رجل الأعمال البروتستانتي الحديث، من المثابرة على العمل، ولقد بولغ في تأكيد أهميته(40) هذه العلاقة، إذ كانت الرأسمالية قد نمت في فلورنسا والفلاندرز الكاثوليكيتين قبل الإصلاح الديني إلى درجة أكبر مما حدث في جنيف مدينة كالفن. ورفض كالفن المذهب الفردي في الاقتصاديات كما رفضه في الدين والأخلاق.
وكانت وحدة المجتمع، في رأيه ليست الفرد الحر (الذي بدأ به لوثر ثورته)، ولكن مجتمع دولة المدينة، التي ارتبط أعضاؤها بها بقانون حازم ونظام صارم. وكتب يقول، ليس لأحد من أعضاء الجماعة المسيحية أن يحتفظ بمواهبه لنفسه، وأن يقصرها على استعماله الخاص، بل
يجب أن يشرك فيها زملاءه من الأعضاء، وليس له أن يجني فائدة إلا من تلك الأشياء، التي تنشأ من النفع العام للهيئة، باعتبارها كلاً لا يتجزأ(41) "ولم يكن يظهر أي عطف نحو المضاربة لجمع المال أو تكديسه بصورة جائرة(42)، وسمح بتقاضي فائدة على القروض مثل بعض أصحاب النظريات الكاثوليكية في أواخر القرون الوسطى، ولكنه حدد الفائدة نظرياً بخمسة في المائة، وحث على منح قروض، دون تقاضي أية فائدة، إلى الأفراد المعوزين أو الدولة(43). وعاقب مجلس الكرادلة، بموافقته، المحتكرين والمستغلين والمقرضين الذين يتقاضون فوائد باهظة، وحدد المجمع أسعار الطعام والملابس وأجور العمليات الجراحية، وذم التجار الذين غشوا عملاءهم أو فرض عليهم غرامات، والبائعين المطففين الذين إذا كالوا للناس أو وزنوا لهم ينقصون، وبائعي الأقمشة الذين يختلسون من الأثواب(44). وكان النظام أحياناً يسير نحو اشتراكية الدولة. فقد أسست الجماعة الموقرة مصرفاً وأدارت بعض الصناعات(45).
وإذا وضعنا في أذهاننا هذه العوامل المقيدة، فإننا قد نسلم بوجود اتفاق ودي صامت ومتزايد بين مذهب كالفن والعمل والتجارة، وما كان في وسع كالفن أن يحتفظ طويلاً بزعامته، لو أنه عاق النمو التجاري في مدينة تعتمد في حياتها على التجارة. وهيأ نفسه للموقف، وسمح بتقاضي فائدة قدرها عشرة في المائة، وأوصى بمنح قروض للدولة، لتمويل صناعة خاصة، تدخل لأول مرة، أو للتوسع فيها، كما حدث في صناعة النسيج أو في إنتاج الحرير. ومالت المراكز التجارية، مثل أنتورب وأمرستردام ولندن تواً للدين الجديد، الذي تقبل الاقتصاد الحديث. وطوى مذهب كلفن في أحضانه الطبقات الوسطى ونما بنموها.
وماذا أسفر عنه حكم كالفن؟ لابد أن الصعوبات التي واجهت التنفيذ كانت هائلة، لأنه لم يحدث قط في التاريخ أن طولبت مدينة بمراعاة مثل هذه الفضيلة الصارمة، وعارض فريق كبير نظام الحكم إلى درجة إعلان
الثورة الصريحة. ولكن لابد أن عدداً لا يستهان به من المواطنين ذوي النفوذ قد أيدوه، ولو على أساس النظرية العامة للأخلاق، لأن آخرين كانوا في حاجة إليها. وليس من شك في أن تدفق الهوجنت الفرنسيين وغيرهم من البروتستانت قد أطلق يد كالفن، ثم أن قصر التجربة على مدينة جنيف وما وراءها قد رفع من فرص النجاح. ولا شد أن الخوف المتواتر من غزو الدول المعادية لها (سافوي وإيطاليا وفرنسا والإمبراطوريّة) وامتصاصها قد فرص الاستقرار السياسي والخضوع المدني، ورفع الخطر الخارجي من شأن النظام الداخلي، وعلى أي حال فإن لدينا وصفاً حماسياً للنتائج التي أسفر عنها هذا الحكم، بقلم شاهد عيان وهو برناردينو أوكينو، وهو إيطالي بروتستانتي، وجد ملجأ في مدينة جنيف.
"إن السب والتجديف وعدم التمسك بالعفة وتدنيس المقدسات والزنا والحياة غير الطاهرة، كما يشيع ويغلب ذلك في كثير من الأماكن التي عشت فيها، غير معروفة هنا. ليس هناك قوادون ومومسات. إن الناس لا يعرفون ما هو الأحمر، وكلهم يرتدون زياً واحداً، والألعاب التي تعتمد على الحظ ليست مألوفة. والخير جد وفير إلى حد أن الفقراء ليسوا في حاجة إلى التسول. والناس يأمر بعضهم بعضاً بالمعروف بطريقة أخوية كما فرض المسيح.
والدعاوى اختفت من المدينة ولم يعد فيها أي اتجار بالمقدسات أو قتل أو روح حزينة، وعمها السلام وحب الخير، ومن جهة أخرى ليست هناك آلات أرغن ولا أجراس تدق ولا أغاني استعراضية ولا شموع تشعل أو مصابيح تضاء (في الكنيسة) وليس هناك مخلفات مقدسة أو صور أو تماثيل أو مظلات أو أثواب فاخرة أو هزليات أو احتفالات باردة. إن الكنائس خالية تماماً من عبادة الأوثان" (46).
ولا تتفق سجلات المجلس المستفيضة عن هذا العهد، مع هذا التقرير،
فهي تكشف عن نسبة مئوية عالية من الأطفال غير الشرعيين والأطفال المهجورين والزيجات التي تمت بالإكراه والأحكام الصادرة بالإعدام(47). ومن بين مَن أدينوا بالزنى صهر(48) كالفن وابنة زوجته. ولكننا نجد مرة أخرى حوالي عام 1610 فالينتين اندريا وهو قسيس لوثري من فيتنبرج يثني على مدينة جنيف ثناء لا يخلو من الحسد ويقول: "عندما كنت في جنيف لاحظت شيئاً عظيماً سوف أذكره وأتشوق إليه ما حييت. ففي تلك المدينة ليس هناك نظام كامل لجمهورية كاملة فحسب. ولكن هناك نظام أخلاقي يقوم باستقصاءات أسبوعية عن سلوك المواطنين بل وعن أقل عمل يتجاوزون به الحدود، وذلك كحلية خاصة... وكل السباب والتجديف والقمار والترف والشقاق والكراهية والغش محظورة، وفي الوقت نفسه لا يسمع أحد عن الكبائر. فأية صفة مجيدة يتحلى بها الدين المسيحي أعظم من مثل هذه الطهارة في الأخلاق. إننا يجب أن نبكي وننوح على أننا (الألمان) نفتقد هذه الصفات وأنها أهملت عندنا كلية.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق