336
فتوح الشام ( للواقدي )
ولا ارتفع من جهل قدره والتعلق بالآمال ضياع الأعمال ومعالي الأخلاق نعمت الرفاق وممارسة الحلال نجاة من الأهوال وحب العاجل يبيد الآجل وارتكاب العصيان علامة الخذلان وعلامة التوفيق تيسير الطريق والنظر في العواقب أمن من المعاطب ومن نظر إلى الدنيا بعين الفنا أدرك في الآخرة ما تمنى واعلم يا أخي أنك قد أصبحت مقيدًا بحب الدنيا سابحًا في بحار أهوالها متعلقا بأذيال محال آمالها وقد تزينت لك برياشها ووقفت لك على قدم احتياشها وزوت عنك جل مصائبها ونصبت لك شبكة مصايدها ووضعت لك تاج شهواتها على مفرق رأس آفاقها حتى إذا أشرت إليها بالوصال منحتك لذيذ الاتصال وأحسنت لك صحبتها شهرًا ورمتك بسهام الهجر دهرًا وطالبتك بما كتبت عليك مهرًا حتى إذا علمت أنك غريم الانغاص غير منقاد للقصاص ألقتك في بحر الآفات وحجبتك في سجن الغفلات وصغرت أملك عند الناس ووكلت بك سحائب الوسواس فلا تبرح تذكر الإنسان بما كان فيه حتى تخرج روحه من فيه واعلم أن من جملة ما ذكر لنا عن عيسى ابن مريم عليه السلام: أنه رأى طائرًا مليح الشكل حسن الريش كامل الزينة.
فقال: من أنت.
قال: أنا الدنيا ظاهري مليح وباطني قبيح قال عيسى: عجبت لغافل ليس بمغفول عنه ومؤمل إتمام الشيء والموت يطلبه وإنما ضربت لك هذه الأمثال لتتعظ بها وبما نزل بالملك شهرياض كان بالأمس على السماط واليوم نزل على الصراط بالأمس كان في سلطانه وملكه يباهي واليوم صار في الحفر واهي ما أفاده الغنى أذهبه ألفنا وذهب الفرح بالترح والنوم على السرير بالنوم على العفير ومعانقة الأتراب بالتعفر في التراب وبدل عن خل ودود بمجاورة الدود جار وما أجار واشتغل بالدار عن الجار وبالرماد عن المهاد وانظر بأي سنان بتر وبأي آلة كيف هجر وصار قصره مهجورًا وعمارته خرابًا بورًا وتبدل السرور بالثبور ما نفعه الجيش وكثرته ولا الخزائن وعدته أصبح والله ذليلًا وبعد الكثرة قليلًا فلا عمل صالح ولا عز راجح ولا ثواب ينفع ولا جميل يدفع وقد بقي مرتهنا بأعماله موثقًا بأفعاله وأنت تريد أن تسلك مسلكه وتتبع سبيل ما أهلكه فما أحد ينفعك ولا عمل يتبعك اتق الله في نفسك وفي أهل ملتك وبلدتك واعقد لك مع هؤلاء العرب صلحًا واقبل ما قلت لك نصحًا واحقن الدماء وارحم النساء والإماء وأسلم تسلم وهؤلاء القوم ما قالوا قولًا إلا وفوا به لأن الصدق دليلهم والإيمان يقينهم ما هم ممن يطلبون الملك فينازعون عليه ولا يميلون إليه بل طلبهم الآخرة وما عند الله وبالأمس وفوا لرودس صاحب حران ورجع عن دينه ودخل في دينهم وكذلك الملكة مارية بنت أرسوس وقد دخل في دينهم جبابرة الروم مثل يوقنا وبرغون وعمودا وميتا الذي هو أعلم منا بديننا وقد ملكوا الأرض في الطول والعرض وإنما يحاصر عن نفسه من له ميرة وعدد وجيش وسلاح وعدد يقدر على محاصرة البلد وهذا بلد عظيم وما فيه ما يقوم بأهله سنة أو أقل فإن لم تسلم أنت سلم أهله وسلموك إليهم برقبتك وهذه حران لهم وكفر توتا والرها وسروج وسجستان وماردين والصور والخابور وما عدا الفرات إلى الشام إلى أرض مصر وجيوشهم قد طبقت العراق وملأت الآفاق وقد بلغني أن الملك كسرى قد عاد إلى المحاق فابعث إلى أمير هؤلاء العرب واطلب منه الصلح فإنه يعطيك وتربح نفسك ومالك وأهلك وولدك وعش في ظل القوم إن شئت على دينهم وإن شئت على دينك فإنهم لا يغضبونك.
قال: فلما سمع مرسيوس كلام أخيه الحكيم أرسالوس غضب عليه وضربه بمقرعة كانت في يده وقال: أنت ما خلقك المسيح إلا ذليلًا وكيف تأمرني أن أسلم ملكي للعرب وتعرضني للعطب.
اخرج يا ويلك عني فإن وقعت عيني عليك بعدها قتلتك.
قال: فخرج من عنده وهو غضبان وأما اللعين مرسيوس فإنه أمر أرباب دولته أن تجتمعوا في كنيسة بيعة نسطوريا حتى يحلفهم فمضى شاويشه فجمعهم وجمع مشايخ البلد وكبراءها وأحضر القسوس والرهبان والشمامسة وبترك دير مقرب حتى يستحلف أهل المدينة.
فلما حصلوا في البيعة أغلقوا أبوابها حتى لا يدخل إليهم أحد من العوام.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق