335
فتوح الشام ( للواقدي )
وإذا بالنداء: وعزتي وجلالي لا أخلف لك وعدًا ولا أنقض لك عهدًا ولأرين أهل الموقف علو شأنك ورفيع مكانك ولأعطيتك حتى ترضى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى: 5].
قال: فازداد عاصم إيمانًا فلما كان وقت السحر وثبت الصحابة على أقدام الحزم والعزم وخرجوا على أهل المدينة فاستعانوا بالله وقالوا: اللهم انصرنا كنصر نبيك يوم الأحزاب وقال خالد: إياكم أن تفترقوا فتذهب ريحكم واتقوا الله الذي إليه مصيركم واعلموا أن الأعداء يجتمعون عليكم والنساء يرجمنكم والشباب يقاتلونكم وإياكم أن تطمعوا أحدًا في بحار الحرب بل اصبروا على مر الكرب والضرب وإنما يتبين صبر الرجال عند ملاقاة الأهوال وما نحن ممن يفزع بهجوم الآجال لأنا قد تحققنا أن لكل منا أجلًا لا يتعداه ومن خاطر بعظيم نال عظيمًا وهذه اسمها عظيم والجمع فيها أعظم وهي قصور ديار بكر وربيعة وقد حصلنا في وسط مدينة القوم فإن كنتم طالبين الظفر فاصبروا ولا تعجلوا فالصبر مقرون بالظفر والعجلة مقرونة بالزلل والصبر عاقبته النصر واعلموا أن هذه البيعة هي بيعتكم المعظمة ولا بد لهم من القدوم إلى الصلاة فإذا حصل واليهم ههنا ومقدم عساكرهم أطبقنا عليهم من كل جانب وقصدناهم بالقواضب فإنه إذا قتلت الملوك وعظماء البطارقة فما يجسر بعدهم أحد أن يرفع يده وأما العوام فلا اعتبار بهم.
فقال عاصم بن رواحة: لله درك أيها الأمير ما أخبرك بالأمور والحرب ولقد تكلمت بالصواب وأحسنت في الخطاب فليقر كل واحد منكم في مكانه وأخفوا سلاحكم في أعبابكم فإذا اشتغل القوم في صلاتهم ثرنا عليهم ومددنا أيدينا إليهم فاستصوبوا رأيه.
قال: وكانت الصحابة في بيت كبير في البيعة كان برسم النذور وفيه شيء من الأمتعة لا يثمن لكثرته.
قال الراوي: حدثنا عبد الله بن يانس عن جده فياض بن زيد وكان من جملة من ذكرناهم من الصحابة وحضر فتوح رأس العين.
قال: هكذا كانت قصتنا وكنا قد دبرنا هذا التدبير ثم رجعنا عنه وكان من لأمر المقدر أن ذلك اليوم الذي رجحنا فيه لم يقاتل فيه أحد من جند رأس العين وكان له سبب نذكره.
قال الواقدي: كان منقضاء الله السابق في خلقه أنه كان للوالي أخ عاقل لبيب له رأي وتدبير وكان يعرف من الحكمة التي وصاه بها فهرايس أحد حكماء اليونانيين وقد عرف من علم الملاحم وكان صاحب سر شهرياض فما كان يفعل شيئًا إلا بمشورته وكان قد نهاه عن قتال العرب وقال له: ما أرى لك في قتالهم خيرًا والأمر عليك لا لك فلما كأن من الملك ما كان وقتل جيشه ورجع الأمر إلى مرسيوس.
قال له أخوه الحكيم وكان اسمه أسالوس معناه حكيم زمانه: اعلم يا أخي أنه ليس ينبغي للعامل اللبيب الفاضل الأديب أن يرمي نفسه في غير مراميها ولا ينقاد بزمام شهوة النفس فإنه من أطاع نفسه هوى في مهاوي الذل ونسب إلى الجهل فإن الشهوة عرض واتباع الهوى مرض والاستمتاع بالملذات سبب الهلكات ولا خير في لذة تؤذي إلى الفناء وتورث صاحبها العناء الشهوة حين والأمل شين والاستمتاع بين والتمتع دين وحب الدنيا مين وما ندم عاقل ولا ساد جاهل ولا وفق عجول ولا رأي لملول ولا سعد خائن ولا صدق مائن ولا عظم بخيل ولا قدم ذليل ولا فحم نبيل ولا حقر جليل ولا نال العبادة من زهد في الإفادة ولا أمن في الآخرة من سر بالدنيا الساحرة ولا سدد من ظلم ولا حرم من حلم ولا حزم من ندم ولا خاف من تاب ولا رد من أناب ولا هجر من لزم الباب ولا ذل من اتبع الصواب واعلم أن بالسياسة تدوم الرياسة وبالعدل تدوم الدول وبالجور هلك الأول وبقية التدبير يحصل التبذير ومن بذل جهده كملت أوصافه ومن أفشى السلام فضله الأنام وإصلاح السريرة نعم السيرة وجمال الإنسان فصاحة اللسان وزينة الرجال كرم الخلال وخير الأصحاب التقوى وشر الإخوان اتباع الهوى ولا خاب من قصد طوره.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق