296
تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها
الباب الثالث في قضاة البدو ومحاكمهم وشرائعهم
الفصل الرابع في نقد شريعة البدو وحكومتهم وطرق إصلاحهم
هذه هي خلاصة شريعة البدو في سيناء وحكومتهم كما أخذتها عن قضاتهم وأكابر ثقاتهم , وهي وإن كانت ترمي إلى العدل والمساواة إلا أن في مبادئها الأساسية من أسباب الخلل ما يستحيل معه استتباب الأمن وتعميم السلام في البادية . وقد كانت ص 422
ولا تزال علة الفوضى التي اشتهر بها البدو في كل زمان ومكان . وأهم تلك الأسباب .
حضر العقوبات كلها في المال . وإجازة البشعة . والوثاقة . والأخذ بالثار :والإجحاف بحقوق النساء
أما " العقوبة في المال " فقد رأيت أن كل عقوبة في شريعتهم مهما كان سببها من قتل أو ضرب أو سرقة أو غيرها إنما هي في المال ليس إلا . ومعلوم أن الغرم في المال ليس بالوازع الذي يزجر المرء عن المفاسد بل ربما كان باعثا على زيادة المفاسد لاستسهال الغرم في جانب الحصول على الغرض فيبقى القوم فوضي مستطيلة أيدي بعضهم على بعض فلا يستقيم لهم عمران ولا يقرون على أمان , وعليه فلا بد من إدخال بعض العقوبات البدنية في الأحكام كالقتل والسجن والأشغال الشاقة لتكون الوازع الكافي للصغير والكبير , المعدم والميسر و الضعيف والقوي .
وأما " البشعة " فقد رأيت مما تقدم بطلانها وبعدها عن العدالة ويجب منعها بتاتا من البادية والضرب على يد المبشع حتى لا يعود إلى هذه الصناعة الكاذبة .
واما الوثاقة والأخذ بالثأر " فإنهما يبطلان من طبيعتهما متى وثق البدو من حزم الحاكم واهتمامه في تحصيل حقوقهم والأخذ بثأرهم . لأن البدوي الذي يكف عن الوثاقة والأخذ بالثأر لمجرد رمي وجه كبير من كبار البادية عليه لحري بأن يكف عنهما إذا رمي عليه وجه الحاكم وكان الحاكم هو الناصر له على خصمه في الحق . أما سلو البدو في أخذ الثأر من الجاني وأهله الأقربين لخامس جد صعدا أو نزلا لمن أعظم الكبائر التي يرتكبها البدو في باديتهم ولا بد من حملهم على تركها في أي حال .
وأما " أجحافهم بحقوق النساء " فظاهر من حرمان المرأة نصيبها في الوراثة وتزويج لبنت البكر البالغ من أي رجل اختاره لها أبوها أو وليها بدون أخذ رأيها . وهذا الغض من حقوق النساء , الذي لم يقتصر على البادية بل تعداها إلى الحضر , لمن أكبر الأدلة على ميل النفس الفطري إلى الاستبداد وهضم القوي حق الضعيف .
هذه هي أهم الأسباب التي تدعو إلى دوام الفوضى في البادية ولا يصلح حال البدو وستتب الأمن في باديتهم إلا بإزالة هذه الأسباب من شريعتهم . ورجال ص ص 423
الحربية المسؤولون الآن عن حكومة سيناء قد تلافوا هذه الأسباب بالقانون القضائي الإداري الذي استصدروه من الجناب العالي حديثا وبه تحكم بادية سيناء في وقتنا الحاضر وقد تقدم ذكره برمته . فهو يجوز العقوبات البدنية ويقضي على البشعة والوثاقة والأخذ بالثأر ويبقي لقضاة البادية العارفين بأحوالها صفة استشارية .
على أن القانون وحده مهما صلح حاله لا يكفي لإصلاح قوم ما زالوا على البداوة . فلا بد للبدو من الحاكم العادل الحكيم الذي يمزج الرهبة بالرغبة ويتخير أسلوب الحكم الذي يناسب حالهم وتتقبله نفوسهم الأبية المنطبعة على الشورى والحرية .
ولعل أفضل سياسة لحاكم البدو أن يكون الرئيس الناصح المرشد لهم لا الحاكم الشديد الصارم عليهم المتحجب عنهم . بل أن يكون بمثابة كبير مشائخهم فيعمر مجلسه بأفاضلهم ويوصل خيره إلى أكابرهم وأصاغرهم ويشع الشريف من طباعهم وعاداتهم ويكون الرقيب على أعمالهم ورغباتهم فكلما بدت هفوة منهم عالجها بما يصلحها برفق وتؤدة لا بعنف وشدة .
هذا وقد تقدم أن كل قبيلة من قبائل البادية دولة مستقلة بذاتها وإن قبائل سيناء مرتبطة بعضها ببعض بحلف أو قلد حفظا للسلام , ولكن ربط الوفاق في البادية واهنة إلى الغاية فأقل سبب يزيلها ويوقع الشر بين قبائلها . فمتى تولاها الحاكم العارف بعاداتها وأساليبها الراغب في إصلاح حالها متن ربط الوفاق بين قبائلها وحسم أسباب الخلاف بين أفرادها فتصبح كلها كأنها قبيلة واحدة هو رئيسها الأعظم وشيخها الأرشد . وهذا الذي تراعيه نظارة الحربية الآن عند اختيارها محافظي سيناء ولذلك فقد خطت بالبلاد خطوات واسعة نحو الإصلاح كما بيناه في محله .
وإذا رفقت السياسة بسيناء , وقدر لها أن تكون همزة وصل لا همزة قطع , رأينا فيها سكة حديد تربط القطرين الشقيقين " قريبا إن شاء الله " وكان من ذلك خير كبير للقطرين وسيناء معا , وفي كل حال فإن النية معقودة على اضطراد الإصلاح في سيناء إلى ما شاء الله ص 424
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق