ســيــرة الـمـشـاهـير 3
ابن بطوطة
ولد محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، المعروف بابن ابطوطة، في سنة 703 للهجرة (1304 ميلادية ). وقد نشأ في كنف أسرة محافظة، ذات أصول بربرية. وكان من الطبيعي بالنسبة إليه، هو الذي ينحدر من *بيت فقهاء وقضاة*، أن يدرس اللغة وعلوم الدين، إضافة إلى فنون الأدب والشعر. وما خلا هذا فنحن لا نكاد نعرف شيئا عن طفولته وصباه. والحق ان المعلومات الأساسية عن شخصية هذا الرحالة إنما تتبدى من خلال ما يحكيه عن وقائع أسفاره، وعن الأحداث والمغامرات التي عاشها، أيام كان يجوب الآفاق. وهكذا، فإن من يقرأ *تحفة النظار* سوف يلاحظ مدى تعلق ابن بطوطة بالعلوم الدينية.
فهو يولي أشد الاهتمام للمسائل الشرعية والفقهية، في مختلف البلدان التي أقام بها. بل إنه تولي القضاء في دلهي، وكذلك في جزر المالديف. كما أنه لبس الخرقة الصوفية ثلاث مرات، أثناء ترحاله الطويل. وكان يحرص، في كل بلد يحل به، على الاستقصاء عن كرامات الأولياء، وزيارة قبور الأنبياء والشهداء، وزوايا الصوفية. وبالموازاة مع ذلك، لم يكن يفوته لقاء العلماء والفقهاء والقضاة، من أجل الاستماع إليهم، والتذاكر معهم في مختلف القضايا.
ربع قرن من الترحال
غادر إبن بطوطة مدينة طنجة، مسقط رأسه،عام 725 للهجرة.وبعد خمسة و عشرين سنة من الترحال،عاد إلى فاس: *فوصلت يوم الجمعة، في أواخر شهر شعبان المكرم من عام خمسين و سبعمائة، إلى حضرة فاس...* وهكذا فإن الشاب، ابن الثانية والعشرين، الذي حزم الرحال لأداء فريضة الحج، لم يعد إلى موطنه إلا بعد أن اصبح كهلا في السابعة والأربعين.
خلال هذا الترحال، الذي استمر ربع قرن زار ابن بطوطة مصر، والشام والحجاز، والعراق، وفارس، واليمن، وعمان، والبحرين، وبلدان آسيا الصغرى، والقسطنطينية، وخوارزم، وسمرقند، وخراسان، والهند، وجزر المالديف، وجزيرة سيلان،والبنغال، والصين !
ولم يكد ستقر به المقام في بلده حتى اعتزم الرحيل من جديد. فسافر من فاس إلى الأندلس،
ثم من فاس إلى مالي ، قبل أن يلقي عصا التسيار بالمغرب،في كنف السلطان أب عنان المريني. إثر ذلك شرع في إملاء ذكرياته عما شاهده و ما عاشه من أحداث، خلال أسفاره . و قد لاحظ المهتمون بعض التشوش في ذاكرته، مما أدى به ، أحيانا إلى الخلط بين الوقائع، أو بعض المواقع. كما أن العديد من المهتمين قد عابوا عليه سذاجته الفكرية ، التي جعلته يصدق الكثير من الظواهر اللامعقولة و يرويها ، زاعما أحيانا أنه شاهدها أو عايشها. غير أن هذه الهفواتتبقى يسيرة ، بالمقارنة مع ما أورده الرحالة من وقائع لا يرقى إليها الشك. وذلك إلى حد أن الكثيرين يعتبرون تحفة النظار بمثابة مرجع رئيسي عن تاريخ بعض البلدان، و خاصة منها الهند، التي أقام بها ابن بطوطة زهاء ثماني سنوات، و أفرد لها مكانة مهمة في كتابه. و تتضح قيمة هذا المرجع الفريد أكثر ، إذا ما عرفنا أن الرحالة قد اهتم اهتماما شديدا بوصف مواقع المدن التي زارها، أو أقام فيها، وبالحديث عن طقسها ومياهها، وحماماتها، ومقابرها، وأوليائها، و مدارسها ، وفقهائها، وتحصيناتها، وعادات سكانها وأوضاعهم وحرفهم، إلى غير ذلك من المعطيات المهمة. هذا دون إغفال النزعة الإغرابية لدى هذا الرحالة . و هي النزعة التي جعلته ينكب على العديد من التفاصيل المثيرة للفضول و الاندهاش.
و قد فرغ الكاتب ابن جزي الكلبي من تقييد ما أملاه عليه ابن بطوطة في شهر صفر من عام 756 للهجرة . و عاش الرحالة ثلاث عشرة سنة بعد ذلك التاريخ (أو ربما ثلاثا و عشرين سنة إذ هناك اختلاف حول تاريخ وفاته: 769.أو 779 للهجرة). وقد قضى الفترة الأخيرة من حياته قاضيا بتامسنة. و كان وقتئذ، و حيدا من دون أهل ، هو الذي سبق له أن تزوج عدد كبير من النساء، في مختلف بقاع الأرض.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق