13 والاخيرة
بدايَة إسْرائيل ونهايَة اليَهود
مراحل حربنا مع إسرائيل طبقا للحديث ثلاثة
"تقاتلكم يهود، فتقاتلونهم، فتنتصرون عليهم": هي ثلاث مراحل قالها عليه الصلاة والسلام:
الأولى: "تقاتلكم يهود". بمعنى: سيبقون يقاتلوننا وحدهم دون أن نقاتلهم، وقد كان هذا منذ سنة 1947 إلى سنة 1973، واليهود يقاتلوننا وحدهم دون مقاومة ولا مقابل، أخذوا من مصر ما تعلمون، وأخذوا من الشام ما تعلمون، وأخذوا الأقصى، وأخذوا من الأردن ما تعلمون، بل وأخذوا من لبنان ما تعلمون، ونحن نصيح صياح الديكة دون مقاومة، ولكن الله كريم، أبى إلا أن يصدق نبيه الذي لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى.
فجاءت المرحلة الثانية في رمضان، وفي ستة أكتوبر كما نقول، أو ستة تشرين، وأما نحن لا تشرين ولا شباط، عشرة رمضان سنة 1393، لأول مرة في الحروب التي مضت كلها، ابتدأناهم بالقتال، فأكرمنا الله، وأعاد لنا هيبتنا واحترامنا واعتبارنا، بالرغم من كوننا لم ننجح النجاح الكامل، ولكن رجع لنا اعتبارنا، وأصبح الجندي العربي المسلم من جديد له شأنه، وله سلطانه، وله اعتباره، ورحم الله فيصل وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأعان خلفه وأعوانه: الملك خالد، وجازى الله كذلك عنا الرئيس السادات، ووفقهم في هذا الاجتماع الذي يجتمعون فيه الآن في الرياض. *كان هذا قبل اتفاقية كامب ديفيد، إذ بعدها اتخذ صاحب المحاضرة موقفا عدائيا من السادات*.
بدأناهم ولأول مرة خلال هذه الحروب: "تقاتلكم يهود، فتقاتلونهم": لأول مرة ابتدأنا نقاتلهم، وفي خلال ساعات - أيضا - كان قيام فرعون الجديد، خلال ساعات أضاعت البلاد والعباد، أيام فيصل والسادات خلال ساعات جئنا لما سموه الحصن، ولما سموه الصاع، ولما سموه أنه أعظم خط ناجين وخط وخط، خط برلين، فخربوه خلال ساعات، وبأشياء اخترعت لم يذكروها جميعا، وأعظم ما ظهر من كتب في المعركة: كتاب كتبه خمسة ضباط عسكريين شاركوا في المعركة، ذكروا عجائب وغرائب، وسكتوا عن كثير، قالوا: "لم يحن الوقت بعد لنذكرها". وأصبحت هذه المعركة بجميع تفاصيلها تدرس في الكليات الحربية في العالم، في بلاد العدو، وفي البلاد الصديقة. "فتقاتلونهم": المرحلة الثانية مضت، ماذا يبقى؟.
المرحلة الثالثة: "فتنتصرون عليهم": أنا قلت في أيام المعركة ولم أكن أصدقها إلا بعد أيام، وأكرمني الله وذهبت بعد ذلك إلى مصر، قصد الوفود عليها وإلقاء المحاضرات في جامعتها، فقلت هذا وذكرته، ونوهت به بين عسكريين ومدنيين وسياسيين وغيرهم.
المعركة الثالثة: قلت عن المعركة: "مع ذلك هي فجر كاذب سيعقبه فجر صادق"، والفجر الكاذب مع الفجر الصادق متصلان، بينهما زمن قليل، والأشياء نسبية، نحن الآن على أبواب الفجر الصادق، كيف سيكون؟، الله أعلم.
وقد شاء وحدثنا بذلك من لا ينطق عن الهوى محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام: "فتقاتلونهم فتنتصرون عليهم"، هذا الانتصار سيكون ساحقا. بيانه بالتفصيل: هذا النصر حتى يقول الشجر والحجر والمدر: يا عبد الله، يا عبد الرحمن، يا مسلم"، لا حاجة إلى نطق لا حجر ولا شجر ولا مدر، ولكنه لسان الحال. كيف ذلك؟.
اليهود جعلوا من فلسطين – ولا يزالون يجعلون – حصنا بأكمله، جعلوا من الشجر، ومن المزارع، ومن الدور، ومن الحديد، حصونا من فولاذ، وإن كان عندما يأتي أمر الله لا فولاذ ولا غير فولاذ، تحطمَ مع برلين، وانتهى، وانتهى مع برلين، وأصبح في الأمس الدابر، وأصبح أسطورة وخرافة، هم وإياه.
هذا النصر سيكون من الحرب التي يسمونها باللغة العسكرية الحديثة: *"الأرض المحروقة"*؛ الحرب الحارقة المدمرة، التي لا تبقي على الأرض حيا، لا من إنسان، ولا من حيوان، ولا من طائر، ولا يبقي بناء على بناء، ولا يبقي شجر قط، هذا الذي سيحدث، سيذهب البناء، كل الأبنية كلها ستصبح خرابا، الأشجار وما يبنون من غابات ستصبح جذوعا، على عادة اليهود في حروبهم لا يقاتلون كما قال تعالى عنهم: *لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدُر بأسهم بينهم شديد*. *الحشر/ 14*. صدق الله العظيم.
وحربهم القديمة التي حكي لنا عنهم، وسواء في العهد النبوي أو في عهودهم في حربنا معهم، اليهودي لا يحاربك إلا وراء دبابة، إلا وراء مصفحة، إلا وراء حصن، إلا في طائرة في بعيد الأجواء، إذا قابلته وجها لوجه؛ يفر ويهرب، وهذا تراه في حرب الكرامة وحرب وحرب وحرب؛ وقع لليهود ما لا يخطر لهم ببال.
هؤلاء عندما ستهدم حصونهم وما كانوا يلهفون ويختفون وراءه؛ سيحاول أن يختفي منهم من سيبقى، وسوف لا يجد ما يختفي فيه إلا خرائب لا تكاد تخفي جسده كله، وإلا جذوع الشجر لا تكاد تخفي جسده كله، فيحاول أن يختفي، فيبقى رأسه وشيء من جسده ظاهرا، فكأن تلك الحجارة والخراب، وكأن تلك الجذوع الباقية من الغاب والشجر، تقول كما قال النبي: "هذا يهودي خلفي؛ تعال فاقتله!". فيجهز عليه فيُقتل، ويتنادى بشعار الإسلام: يا عبد الله يا عبد الرحمن يا مسلم، *عبد الله و* عبد الرحمن: اسم إسلام، وآخر باسم الإسلام مباشرة: يا مسلم.
عندما سيكون الفجر الصادق، ونحن على أبوابه بفضل الله، ستكون المعركة إسلامية، انتهينا من خرافة القومية العربية والوطنية...وغيرها. العرب لم يكن لهم شأن إلا بالإسلام، وعندما حاولوا أن يتركوا الإسلام ذلوا، وأصبحوا أتباعا لليهود والنصارى، عندما غيروا القيادة المحمدية بقيادة ماركس ولينين، وبقيادة الوجوديين، وبقيادة هذه الأسماء القذرة الوسخة؛ امتُهنوا وذلوا، ولا يزالون، وعندما سينتهي ذلك، بعد أن أخذوا العبرة من الواقع؛ ستتحول المعركة، وينقلب الوضع، عندما قدموا فيصل – رحمه الله – انتهت الدعوة إلى القومية وإلى الوطنية، وإلى غير هذا الكلام الذي ما عاد على المسلمين إلا بالذل والهوان، تحولت المعركة إسلامية بداية.
فعندما سيأتي الفجر الصادق، وهو المرحلة، مرحلة النصر؛ سيتنادى المسلمون في الأرض: "يا مسلم؛ هذا يهودي خلفي؛ تعال فاقتله"، إلا الغرقد، وفي رواية: "والغرقد من شجر اليهود". الغرقد في المغرب يسمى: القِقْلان، نبات عريشي يسيج به اليهود دورهم وحصونهم، له حب أصفر كحب الحداس، سمعت مرة أن اسمه "ضاع"، هذا إلى الآن كل حصونهم وبساتينهم وقللهم ورياضهم محصنة به، واللون الأصفر عندهم مقدس، رايتهم هكذا، وقصة البقرة الصفراء في القرآن هكذا.
هذا سوف لا يتكلم؛ لماذا؟. لأنه لا يستطيع، لأن هذا العريش كالسنابل، سيحاولون عندما لا يجدون بناء قائما، ولا شجرة قائمة، ولا شيئا شاخصا يختفون حوله؛ سيختفون خلف هذه العوث، هذه بمجرد ما تأتي موجة خفيفة من الهواء أو الأثير؛ إلا وتتمايل يمينا وشمالا، وتكشف ما اختفى وراءها. هي في الأصل ما كانت تكتمهم ولا تسترهم.
وهكذا أصبحنا نعتقد بوعد الله الحق على لسان رسوله الصادق بأن هؤلاء الذين وُعدوا، هذه الفئة على لسان أنبيائهم؛ التقى كلامهم مع كلام كتابنا، أن الأرض أرض الميعاد، ولكن الميعاد: للذبح، وذلك استدراج. ومن الحكمة؛ لو ذهب الإنسان يريد أن يقتل اليهود في الأرض؛ لكان ذلك – بحسب العادة – مستحيلا، لماذا ؟. لو ذهبت إلى أمريكا لتقتل كلبا أو كلبين من اليهود؛ لقامت أمريكا في وجهك، ولم تقم لك قائمة، وقيل: قتلت مواطنا. لو ذهبت إلى فرنسا؛ نفس الشيء، لو ذهبت إلى روسيا؛ نفس الشيء، هؤلاء هم يتملصون منك، ويأتونك على مرمى حجر منك ومن أرضك ومن بلادك، يدفعهم الشغف والطمع والأماني الباطلة.
حتى إذا جاء وعد الله؛ جعل أرضهم دكا، وخربت بلادهم تخريبا، وسيكون ذلك على يد من سينصره الله، فيعز المسلمين في أيامه وعلى يديه، وكما قال عليه الصلاة والسلام: "طوبى لمن خلقه الله وجعل الخير على يده، ويا ويل من خلقه الله وجعل الشر على يده".
نحن نكتفي بهذا الآن، ونشكركم على استماعكم، ونشكر الجامعة على أن أتاحت لنا هذه الفرصة لنعود من جديد لنكلم طلابنا، ونتحدث مع زملائنا. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
انتهت المحاضرة
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق