4
لله ثم للتاريخ ( حسين الموسوى )
عبدُالله بن سَبَأ
إنَّ الشائع عندنا - معاشر الشيعة - أنّ عبدالله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها ، اخترعها أهل السنة من أجل الطعن بالشيعة ومعتقداتهم ، فنسبوا إليه تأسيس التشيع ليصدوا الناس عنهم ، وعن مذهب أهل البيت .
وسألت السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال : إن ابن سبأ خُرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار ، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية .
ولكني وجدت في كتابه المعروف ( أصل الشيعة وأُصولها ) ص 45 - 41 ما يدل على وجود هذه الشخصية وثبوتها حيث قال : ( أما عبدالله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة ، أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ... . ) .
ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية ، فلما راجعته في ذلك قال :
إنما قلنا هذا تقية ، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السنة ، ولهذا أتْبَعْتُ قوليَ المذكور بقولي بعده : ( على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبدالله بن سبأ ( وأمثاله ) كلها أحاديث خرافة وضعها القَصَّاصُون وأرباب السَّمَر المجوف ) .
وقد ألفَ السيد مرتضى العسكري كتابه ( عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى ) أنكر فيه وجود شخصية ابن سبأ ، كما أنكرها أيضاً السيد محمد جواد مغنية في تقديمه لكتاب السيد العسكري المذكور .
وعبدالله بن سبأ هو أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة . ولا شك أن الذين تحدثوا عن ابن سبأ من أهل السنّة لا يُحْصَوْنَ كثرة ، ولكن لا يُعَوِّلُ الشيعة عليهم لأجل الخِلافِ معهم .
بيد أننا إذا قرأنا كتبنا المعتبرة نجد أن ابن سبأ شخصية حقيقية وإن أنكرها علماؤنا أو بعضهم وإليك البيان :
ا - عن أبي جعفر عليه السلام ( أن عبدالله بن سبأ كان يَدعِي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله - تعالى عن ذلك - فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعاه ، وسأله ، فَأَقَرّ بذلك وقال : نعم ، أنت هو ، وقد كان قد ألقَى في روعي أنت الله ، وأني نبي ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكلتْكَ أمك وتُب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فلم يتب فأحرقه بالنار وَقال :
( إن الشيطان استهواه ، فكان يأتيه ، ويُلقِي في روعه ذلك ) .
وعن أبي عبدالله أنه قال : ( لعن الله عبدالله بن سبأ ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام : وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً ، الويل لمن كذب علينا ، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم ) ( معرفة أخبار الرجال ) للكشي ص 75 - 71 ، وهناك روايات أخرى .
2 - وقال المامقاني : ( عبدالله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغُلُوَّ ) وقال : ( غالٍ ملعون ، حرقه أمير المؤمنين بالنار ، وكان يزعم أن عليا إله ، وأنه نبيّ ) ( تنقيح المقال في علم الرجال ) 2/183 ، 184 .
3 - وقال النوبختي : ( السبئية قالوا بإمامة علي ، وأنها فرض من الله عز وجل ، وهم أصحاب عبدالله بن سبأ ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال : ( إِن عليا عليه السلام أمره بذلك ) فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله ، فصاح الناس إِليه : يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت ، وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك ؟ فَصَيَّرَه إلى المدائن .
وحكى جماعة من أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ، ووالى علياً ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك ، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ... فمن هنا قال مَن خالف الشيعة : إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ) ( فرَق الشيعة ) ص 32 - 44 .
4 - وقال سعد بن عبدالله الأشعري القُمِّي في عرض كلامه عن السبئية : ( السبئية أصحاب عبدالله بن سبأ ، وهو عبدالله بن وهب الراسبي الهمداني ، وساعده على ذلك عبدالله بن خرسي ، وابن أسود ، وهما من أجل أصحابه ، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ) ( المقالات والفرق ) ص 25 .
5 - وذكر ابن أبي الحديد أن عبدالله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له : ( أنت أنت ، وجعل يكررها ، فقال له - علي - « ويلك ، مَن أنا ؟ » ، فقال : أنت الله . فأمر بأخذه وأخْذِ قومٍ كانوا معه على رأيه ، شرح نهج البلاغة 5/5 .
6 - وقال السيد نعمة الله الجزائري :
( قال عبدالله بن سبأ لعلي عليه السلام : أنت الإله حقاً ، فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن ، وقيل إنه كان يهودياً فأسلم ، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون ، وفي موسى مثل ما قال في علي ) ( الأنوار النعمانية ) 234/2 .
فهذه ستة نصوص من مصادر معتبرة ومتنوعة بعضها في الرجال ، وبعضها في الفقه والفرَق ، وتركنا النقل عن مصادر كثيرة لئلا نطيل كلها تثبت وجود شخصَية اسَمها عبدالله بن سبأ ، فلا يمكننا بَعْدُ نَفْيُ وجودها خصوصاً وأن أمير المؤمنين عليه السلام قد أنزل بابن سبأ عقاباً على قولهَ فيه بأنه إله ، وهذا يعني أن أمير المؤمنين عليه السلام قد التقى عبدالله بن سبأ ، وكفى بأمير المؤمنين حجة ، فلا يمكن بعد ذلك إنكار وجوده .
نستفيد من النصوص المتقدمة ما يأتي :
ا - إثبات وجود شخصية ابن سبأ ، ووجود فرقة تناصره ، وتنادي بقوله ، وهذه الفرقة تُعَرفُ بالسبئية.
2 - أن ابن سبأ هذا كان يهودياً فأظهر الإسلام ، وهو وإن أظهر الإسلام إلا أن الحقيقة أنه بقي على يهوديته ، وأخذ يبث سمومه من خلال ذلك .
3 - أنه هو الذي أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وكان أول من قال بذلك ، وهو أول من قال بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو الذي قال بأنه عليه السلام وَصيُّ النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وأنه نقل هذا القول عن اليهودية ، وأَنه ما قال هذا إلا محبة لأهل البيت ، ودعوة لولايتهم ، والتبرؤ من أعدائهم - وهم الصحابة ومن والاهُم بزعمه .
إذن شخصية عبدالله بن سبأ حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها ، ولهذا ورد التنصيص عليها وعلى وجودها في كتبنا ومصادرنا المعتبرة ، وللاستزادة في معرفة هذه الشخصية ، انظر المصادر الآتية :
الغارات للثقفي ، رجال الطوسي ، الرجال للحلي ، قاموس الرجال للتستري ، دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر للأعلمي الحائري ، الكنى والألقاب لعباس القمي ، حل الإشكال لأحمد بن طاووس المتوفي سنة ( 673 ) ، الرجال لابن داود ، التحرير للطاووسي ، مجمع الرجال للقهبائي ، نقد الرجال للتفرشي ، جامع الرواة للمقدسي الأردبيلي ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ، مرآة الأنوار لمحمد بن طاهر العاملي ، فهذه على سبيل المثال لا الحصر أكثر من عشرين مصدراً من مصادرنا تنص كلها على وجود ابن سبأ ، فالعجب كل العجب من فقهائنا أمثال المرتضى العسكري والسيد محمد جواد مغنية ، وغيرهما في نفي وجود هذه الشخصية ، ولا شك أن قولهم ليس فيه شيء من الصحة .
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق