58
تاريخ الخلفاء ( السيوطي )
يزيد بن معاويه أبو خالد الأموي
يزيد بن معاويه أبو خالد الأموي ولد سنة خمس أو ست وعشرين كان ضخما كثير اللحم كثير الشعر وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية روى عن أبيه وعنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان جعله أبوه ولى عهد وأكره الناس على ذلك كما تقدم قال الحسن البصري افسد أمر الناس اثنان عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية يرفع المصاحف فحملت ونال من القراء فحكم الخوارج فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة والمغيرة بن شعبة فإنه كان عامل معاويةعلى الكوفة فكتب إليه معاوية إذ قرأت كتابي فأقبل معزولا فأبطأ عنه فلما ورد عليه قال ما أبطأ بك قال أمر كنت أوطئه وأهيئه قال وما هو قال البيع ليزيد من بعدك قال أوقد فعلت قال نعم قال ارجع إلى عملك فلما خرج قال له أصحابه ما وراءك قال وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة قال الحسن فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة وقال ابن سيرين وفد عمرو بن حزم على معاويه فقال له أذكرك الله في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بمن تستخلف عليها فقال نصحت وقلت برأيك وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم وابني أحق وقال عطية بن قيس خطب معاوية فقال اللهم إن كنت إنماعهدت ليزيد لما رأيت من فضله فبلغه ما أملت وأعنه وإن كنت إنما حملني حب الولاد لولده وإنه ليس لما صنعت به أهلا فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك فلما مات معاوية بايعه أهل الشام ثم بعث إلى أهل المدينة من يأخذ له البيعة فأبى الحسين وابن الزبير أن يبايعاه وخرجا من ليلتهما إلى مكة فأما ابن الزبير فلم يبايع ولا دعا إلى نفسه وأما الحسين فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية وهو يأبى فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما يجمع الإقامة مرة ويريد المسير إليهم أخرى فأشار عليه ابن الزبير بالخروج وكان ابن عباس يقول له لا تفعل وقال له ابن عمر لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيره الله بين الدنيا والاخرة فاختار الاخرة وإنك بضعة منه ولا تنالها يعني الدنيا واعتنقه وبكى وودعه فكان ابن عمر يقول غلبنا حسين بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة وكلمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله وأبو سعيد وابو واقد الليثي وغيرهم فلم يطع أحدا منهم وصمم على المسير إلى العراق فقال له ابن عباس والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان فلم يقبل منه فبكى ابن عباس وقال أقررت عين ابن الزبير ولما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له قد أتى ما أحببت هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز ثم تمثل يا لك من قنبرة بمعمر خلالك الجو فبيضي وأصفري ونقري ما شئت أن تنقري وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ومعه طائفة من آل بيته رجالا ونساء وصبيانا فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتله فوجه إليه جيشا أربعة آلاف عليهم عمر بن سعد بن ابي وقاص فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده فأبوا إلا قتله فقتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد ايضا وكان قتله بكر بلاء وفي قتله قصة فيها طول لايحتمل القلب ذكرها فإنا لله وإنا إليه راجعون وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المصفرة والكواكب يضرب بعضها بعضا وكان قتله يوم عاشوراء وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرت افاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله وقيل إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يؤمئذ إلا وجد تحته دم عبيط وصار الورس الذي في عسكرهم رمادا ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران وطبخوها فصارت مثل العلقم وتكلم رجل في الحسين بكلمة فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره قال الثعالبي روت الرواة من غير وجه عن عبد الملك بن عمير الليثي قال رأيت في هذا القصر وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين بن علي بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك فحدثت بهذا الحديث عبد الملك فتطير منه وفارق مكانه وأخرج الترمذي عن سلمى قالت دخلت علىأم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنصف النهار أشعث أغبر وبيده قارورة فيها دم فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا قال هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أم سلمة قالت سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه وأخرج ثعلب في أماليه عن أبي خباب الكلبي قال أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب اخبرني بما بلغني أنكم تسمعون نوح الجن فقال ما تلقى أحدا إلا أخبرك أنه سمع ذلك قلت فأخبرني بما سمعت أنت قال سمعتهم يقولون مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريشوجده خير الجدود ولما قتل الحسين وبنو ابيه بعث ابن زياد برؤسهم إلى يزيد فسر بقتلهم أولا ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس وحق لهم أن يبغضوه وأخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف عن أبي عبيدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد وقال نوفل بن أبي الفرات كنت عند عمر بن عبدالعزيز فذكر رجل يزيد فقال قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية فقال تقول أمير المؤمنين وأمر به فضرب عشرين سوطا وفي سنة ثلاث وستين بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فأرسل إليهم جيشا كثيفا وأمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير فجاؤا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة وما أدراك ماوقعة الحرة ذكرها الحسن مرة فقال والله ما كاد ينجو منهم أحد قتل فيهاخلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم ونهيت المدينة وافتض فيها ألف عذراء فإنا لله وإنا إليه راجعون قال صلى الله عليه وسلم من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين رواه مسلم وكان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي وأخرج الواقد من طرق أن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن ترمى بالحجارة من اسماء إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة قال الذهبي ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات اشتد عليه الناس وحرج عليه غير واحد ولم يبارك الله في عمره وسار جيش الحرة إلىمكة لقتال ابن الزبير فمات أمير الجيش بالطريق فاستخلف عليهم أميرا وأتوا مكة فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق وذلك في صفر سنة أربع وستين واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة سقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل وكانا في السقف وأهلك الله يزيد في نصف شهر ربيع الأول من هذا العام فجاء الخبر بوفاته والقتال مستمر فنادى ابن الزبير يا اهل الشام إن طاغيتكم قد هلك فانفلوا وذلوا وتخطفهم الناس ودعا ابن الزبير إلى بيعة نفسه وتسمى بالخلافة وأما أهل الشام فبايعوا معاوية بن يزيد ولم تطل مدته كما سيأتي ومن شعر يزيد آب هذا الهم فاكنتعا وأمر النوم فامتنعا راعيا للنجم أرقبه فإذا ما كوكب طلعا حام حتى إنني لأرى أنه بالغور قد وقعا ولها بالماطرون إذا أكل النمل الذي جمعا نزهة حتى إذا بلغت نزلت من جلق بيعا في قباب وسط دسكرة حولها الزيتون قد ينعا وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال أبو بكر الصديق أصبتم اسمه عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة معاويه وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح وسلام والمنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير الغضب كلهم من بين كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله قال الذهبي له طرق عن ابن عمر ولم يرفعه أحد وأخرج الواقدي عن أبي جعفر الباقر قال أول من كسا الكعبة الديباج يزيد بن معاويه مات في أيام يزيد من الأعلام سوى الذين قتلوا مع الحسين وفي وقعة الحرة أم سلمة أم المؤمنين وخالد بن عرفطة وجرهد الأسلمي وجابر بن عتيك وبريدة بن الحصيب ومسلمة بن مخلد وعلقمة بن قيس النخعي الفقيه ومسروق والمسور بن مخرمة وغيرهم رضي الله عنهم وعدة المقتولين بالحرة من قريش والأنصار ثلثمائة وستة رجال
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق