77
تاريخ الخلفاء ( السيوطي )
الرشيد هارون أبو جعفر الرشيد
فصل في نبذ من أخبار الرشيد عفا الله عنه
أحرج السلفى في الطيوريات بسنده عن ابن المبارك قال لماأفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جوارى المهدى فراودها عن نفسها فقالت لا أصلح لك إن اباك قد طاف بى فشغف بها فأرسل إلى أبى يوسف فسأله اعندك في هذا شىء فقال يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت امة شيئا ينبغى أن تصدق لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة قال ابن المبارك لم أدر ممن أعجب من هذا الذى قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه او من هذه الأمة التى رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين أو من هذا فقيه الأرض وقاضيها قال اهتك حرمة أبيك وقض شهوتك وصيره في رقبتى واخرج ايضا عن عبدالله بن يوسف قال قال الرشيد لأبى يوسف إنى اشتريت جارية وأريد أن اطاها الآن قبل الاستبراء فهل عندك حيلة قال نعم تهبها لبعض ولدك ثم تتزوجها وأخرج عن إسحاق بن راهوية قال دعا الرشيد ابا يوسف ليلا فأفتاه بأمر له بمائة الف درهم فقال أبو يوسف إن رأى أمير المؤمنين امر بتعجيلها
قبل الصبح فقال عجلوها فقال بعض من عنده إن الخازن في بيته والأبواب مغلقة فقال أبو يوسف فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعانى ففتحت وأسند الصولى عن يعقوب بن جعفر قال خرج الرشيد في السنة التى ولى الخلافة فيها حتى غزا أطراف الروم وانصرف في شعبان فحج بالناس آخر السنة وفرق بالحرمين مالا كثيرا وكان رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال له إن هذا الأمر صائر إليك في هذا الشهر فاغز وحج ووسع على أهل الحرمين ففعل هذا كله واسند عن معاوية بن صالح عن ابيه قال اول شعر قاله الرشيد انه حج سنة ولى الخلافة فدخل دارا فإذا في صدر بيت منها بيت شعر قد كتب على حائط ألا أمير المؤمنين أما ترىفديتك هجران الحبيب كبيرا فدعا بدواة وكتب تحته بخطه بلى والهدايا المشعرات وما مشىبمكة مرفوع الأظل حسيرا واخرج عن سعيد بن مسلم قال كان فهم الرشيد فهم العلماء أنشده العمانى في صفة فرس كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا فقال الرشيد دع كأن قال تخال إذنيه حتى يستوى الشعر وأخرج عن عبدالله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال حلف الرشيد ان لا يدخل إلى جارية له اياما وكان يحبها فمضت الأيام ولم تسترضيه فقال صدر عنى إذ رآنى مفتتنوأطال الصبر لما أن فطن كان مملوكى فأضحى مالكىإن هذا من أعاجيب الزمن ثم أحضر أبا العتاهية فقال أجزهما فقال عزة الحب ارته ذلتىفي هواه وله وجه حسن فلهذا صرت مملوكا لهولهذا شاع ما بى وعلن واخرج ابن عساكر عن ابن علية قال اخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق لم تضرب عنقى قال له أريح العباد منك قال فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها ما فيها حرف نطق به قال فأين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزارى وعبدالله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا وأخرج الصولى عن إسحاق الهاشمى قال كنا عند الرشيد فقال بلغنى أن العامة يظنون في بغض على بن أبى طالب ووالله ما أحب احدا حبى له ولكن هؤلاء أشد الناس بغضا لنا وطعنا علينا وسعيا في فساد ملكنا بعد اخذنا بثأرهم ومساهمتنا إياهم ما حويناه حتى إنهم لأميل إلى بنى أمية منهم إلينا فأما ولده لصلبه فهم سادة الأهل والسابقون إلى الفضل ولقد حدثنى أبى المهدى عن أبيه المنصور عن محمد بن على عن ابيه عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحسن والحسين من احبهما فقد احبنى ومن أبغضهما فقد ابغضنى وسمعه يقول فاطمة سيدة نساء العالمين غير مريم ابنة عمران وآسية بنة مزاحم روى أن ابن السماك دخل على الرشيد يوما فاستسقى فأتى بكوز فلما أخذه قال على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها قال بنصف ملكى قال اشرب هنأك الله تعالى فلما شربها قال أسألك لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها قال بجميع ملكى قال إن ملكا قيمته شربة ماء وبوله لجدير أن لا ينافس فيه فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا وقال ابن الجوزى قال الرشيد لشيبان غطنى قال لن تصحب من يخوفك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدركك الخوف فقال الرشيد فسر لى هذا قال من يقول لك أنت مسئول عن الرعية فاتق الله أنصح لك ممن يقول انتم أهل بيت مغفور لكم وانتم قرابة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله وفي كتاب الأوراق للصولى بسنده لما ولى الرشيد الخلافة استوزر يحيى ابن خالد قال ابراهيم الموصلى ألم تر أن الشمس كانت مريضةفلما أتى هارون أشرق نورها تلبست الدنيا جمالا بملكهفهارون واليها ويحيى وزيرها فأعطاه مائة ألف درهم وأعطاه يحيى خمسين ألفا ولداود بن رزين الواسطى فيه بهارون لاح النور في كل بلدةوقام به في عدل سيرته النهج إمام بذات الله أصبح شغله فأكثر ما يعنى به الغزو والحج تضيق عيون الخلق عن نور وجههإذا ما بدا للناس منظره البلج تفسحت الآمال في جود كفهفأعطى الذى يرجوه فوق الذى يرجو وقال القاضى الفاضل في بعض رسائله ما أعلم أن الملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رجل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله قال وكان أصل الموطأ بسماع الرشيد في خزانة المصريين قال ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن ايوب إلى الإسكندرية فسمعه على ابن طاهر ابن عوف ولا أعلم لهما ثالثا ولمنصور النمرى فيه جعل القرآن إمامه ودليلهلما تخيره القرآن ذماما وله فيه قصيدة إن المكارم والمعروف اوديةأحلك الله منها حيث تجتمع ويقال إنه اجازه عليها بمائة ألف وقال الحسين بن فهم كان الرشيد يقول من أحب ما مدحت به إلى أبو أمين ومأمون ومؤتمنأكرم به وادلا برا وما ولدا وقال إسحاق الموصلى دخلت على الرشيد فأنشدته وآمره بالبخل قلت لها اقصرى فذلك شىء ما إليه سبيل أرى الناس خلان الجواد ولا أرىبخيلا له في العالمين خليل وإنى رأيت البخل يزرى بأهلهفأكرمت نفسى أن يقال بخيل ومن خير حالات الفتى لوعلمتهإذا نال شيئا أن يكون ينيل عطائى عطاء المكثرين تكرماومالى كما تعلمين قليل وكيف اخاف الفقر أو أحرم الغنىورأى أمير المؤمنين جميل فقال لا كيف إن شاء الله يافضل أعطه مائة ألف درهم لله درأ بيات يأتينا بها ما أجود أصولها واحسن فصولها فقلت يا أمير المؤمنين كلامك أحسن من شعرى فقال يا فضل اعطه مائة ألف أخرى وفي الطيوريات بسنده إلى إسحاق الموصلى قال قال أبو العتاهية لأبى النواس البيت الذى مدحت به الرشيد لوددت أنى كنت سبقتك به إليه قد كنت خفتك ثم آمننىمن أن أخافك خوفك الله وقال محمد بن على الخرسانى الرشيد أول خليفة لعب بالصوالجة والكرة ورمى النشاب في البرجاس واول خليفة لعب بالشطرنج من بنى والعباس قال الصولى هو أول من جعل للمغنين مراتب وطبقات ومن شعر الرشيد يرثى جاريته هيلانة أورده الصولى قاسيت أوجاعا وأحزانالما استخص الموت هيلانا فارقت عيشى حين فارقتهافما ابالى كيف ما كانا كانت هى الدنيا فلما ثوتفي قبرهافارقت دنيانا وقد كثر الناس ولكننى لست أرى بعدك إنسانا والله لا أنساك ما حركتريح بأعلى نجد أغصانا وله ايضا أنشده الصولى يار بة المنزل بالفركوربة السلطان والملك ترفقى بالله في قتلنالسنا من الدليم والترك مات الرشيد في الغزو بطوس من خراسان ودفن بها في ثالث من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة وله خمس واربعون سنة وصلى عليه ابنه الصالح قال الصولى خلف الرشيد مائة الف ألف دينار ومن الأثاث والجواهر والورق والدواب ما قيمته ألف ألف دينار وخمسة وعشرون ألف دينار وقال غيره غلط جبريل بن بختيشوع على الرشيد في علته في علاج عالجه به كان سبب منيته فهم ان يفصل أعضاءه فقال أنظرنى إلى غد فإنك تصبح فى عافية فمات ذلك اليوم وقيل إن الرشيد رأى مناما انه يموت بطوس فبكى وقال احفروا لى قبرا فحفر له ثم حمل في قبة على جمل وسيق به حتى نظر إلى القبر فقال يا ابن آدم تصير إلى هذا وأمر قوما فنزلوا فختموا فيه ختمة وهو في محفة على شفير القبر فصلى الناس الجمعة وخطب ونعى الرشيد إلى الناس وبايعوه واخذ رجاء ولما مات بويع لوالده الأمين في العسكر وهو حينئذ ببغداد فأتاه الخبر الخادم البرد والقضيب والخاتم وسار على البريد في اثنى عشر يوما من مرو حتى قدم بغداد في نصف جمادى الآخرة فدفع ذلك إلى الأمين ولأبى الشيص يرثى الرشيد غربت في الشرق شمسفلها عينى بدمع ما رأينا قط شمساغربت من حيث تطلع وقال أبو النواس جامع بين العزاء والهناء جرت جوار بالسعد والنحسفنحن في مأتم وفي عرس القلب يبكى والعين ضاحكةفنحن في وحشة وفي أنس يضحكنا القائم الأمين ويبكيناوفاة الإمام بالأمس بدران بدر أضحى ببغداد في الخلدوبدر بطوس في الرمس ومما رواه الرشيد منى الحديث قال الصولى حدثنا عبدالرحمن بن خلف حدثنى جدى الحصين بن سليمان الضبى سمعت الرشيد يخطب فقال في خطبته حدثنى مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الله ولو بشق تمرة حدثنى محمد بن على عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن على بن ابى طالب قال قال النبى صلى الله عليه وسلم نظفوا أفواهكم فإنها طريق القرآن
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق