21
لله ثم للتاريخ ( حسين الموسوى )
ملخص تطور نظرية الخمس
القول الأول :
بعد انقطاع سلسلة الإمامية ، وغيبة الإمام المهدي هو أن الخمس من حق الإمام الغائب ، وليس للفقيه ، ولا للسيد ، ولا للمجتهد حق فيه ، ولهذا ادَّعَى أكثر من عشرين شخصاً النيابة عن الإمام الغائب ، من أجل أن يأخذوا الخمس فقالوا : نحن نلتقي الإمام الغائب ، ويمكننا إعطاؤه أخماس المكاسب التي ترد .
وكان هذا في زمن الغيبة الصغرى وبقي بعدها مدة قرن أو قرنين من الزمان ولم يكن الخمس يُعْطَى للمجتهد أو السيد ، وفي هذه الفترة ظهرت الكتب الأربعة المعروفة بالصحاح الأربعة الأُولى ، وكلها تنقل عن الأئمة إباحة الخمس للشيعة وإعفائهم منه .
ولم تكن هناك أية فتوى في إعطاء الأخماس للسادة والمجتهدين .
القول الثاني :
ثم تطور الأمر ، بعد أن كان الشيعة في حل من دفع الخمس في زمن الغيبة كما سبق بيانه ، تطور الأمر فقالوا بوجوب إخراج الخمس ، إذ أراد أصحاب الأغراض التخلص من القول الأول ، فقالوا يجب إخراج الخمس على أن يُدْفَنَ في الأرض حتى يخرج الإمام المهدي .
القول الثالث :
ثم تطور الأمر فقالوا : يجب أن يُودَعَ عند شخص أمين ، وأفضل من يقع عليه الاختيار لهذه الأمانة هم فقهاء المذهب ، مع التنبيه على أن هذا للاستحباب وليس على سبيل الحتم والإلزام ، ولا يجوز للفقيه أن يتصرف به ، بل يحتفظ به حتى يوصله إلى المهدي .
وهنا ترد ملاحظة مهمة وهي :
مَنْ من الفقهاء حفظ الأموال المودَعَة عنده ثم بعد موته قال ذووه عنها أنها أموال مُودَعَة عنده يجب أن توح عند مَن يأتي بعده ؟
لا شك أن الجواب الصحيح هو : لا يوجد مثل هذا الشخص ، ولم نسمع أو نقرأ عن شخص كهذا ثبت أن أموال الناس - أعني الخمس - كانت مودعة عنده ثم انتقلت إلى من يأتي بعده .
والصواب : أن كل من أُودِعَتْ عندهم الأموال جاء ورثتهم فاقتسموا تلك الأموال بينهم على أنها مال موروث من آبائهم ، فذهب خمس الإمام إلى ورثة الفقيه الأمين ، هذا إذا كان الفقيه أميناً ، ولم يستخلص ذلك المال لنفسه !!
ومن الجدير بالذكر أن القاضي ابن بهراج أو براج طَوَّرَ هذا الأمر من الاستحباب إلى الوجوب فكان أول من قال بضرورة إيداع سهم الإمام عند مَن يُوثَقُ به من الفقهاء والمجتهدين حتى يسلمه إلى الإمام الغائب إن أدركه ، أو يوصي به إلى مَن يثق به ممن يأتي بعده ليسلمه للإمام ، وهذا منصوص عليه في كتاب المهذب 8/ 180 وهذه خطوة مهمة جداً .
القول الرابع :
ثم جاء العلماء المتأخرون فطوروا المسألة شيئاً فشيئاً حتى كان التطور قبل الأخير فقالوا بوجوب إعطاء الخمس للفقهاء لكي يقسموه بين مستحقيه من الأيتام والمساكن من أهل البيت ، والمرجح أن الفقيه ابن حمزة هو أول من مال إلى هذا القول في القرن السادس كما نص على ذلك في كتاب الوسيلة في نيل الفضيلة ص 682 واعتبر هذا أفضل من قيام صاحب الخمس بتوزيعه بنفسه وبخاصة إذا لم يكن يحسن القسمة .
القول الخامس :
واستمر التطور شيئاً فشيئاً في الأزمنة المتأخرة - وقد يكون قبل قرن من الزمان - حتى جاءت الخطوة الأخيرة ، فقال بعض الفقهاء بجواز التصرف بسهم الإمام في بعض الوجوه التي يراها الفقيه مثل الإنفاق على طلبة العلم ، وإقامة دعائم الدين وغير ذلك كما أفتى به السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقي 9/ 584 .
هذا مع قوله : عدم الحاجة في الرجوع الى الفقيه في صرف حصة الإمام .
وهذا يعني أن صرف حصة الفقيه ، هي قضية ظهرت في هذه الأزمان المتأخرة جداً فهم ينظرون إلى واقعهم فيرون مدارسهم ومطابعهم وما تحتاجه من نفقات .
وكذلك ينظرون في حاجاتهم الشخصية ، فكيف يمكنهم معالجة هذا كله وتسديد هذه الحاجات ؟ علماً أن هذا يتطلب مبالغ طائلة .
فكانت نظرتهم إلى الخمس كأفضل مورد يسد حاجاتهم كلها ، ويحقق لهم منافع شخصية وثروات ضخمة جداً ، كما نلاحظه اليوم عند الفقهاء والمجتهدين .
إن القضية مرت في أدوار وتطورات كثيرة حتى استقرت أخيراً على وجوب إعطاء أخماس المكاسب للفقهاء والمجتهدين ، وبذلك يتبين لنا أن الخمس لم ينص عليه كتاب ولا سنة ولا قول إمام ، بل هو قول ظهر في الزمن المتأخر ، قاله بعض المجتهدين وهو مخالف للكتاب والسنة وأئمة أهل البيت ولأقوال وفتاوى الفقهاء والمجتهدين والمعتد بهم .
وإني أهيب بإخواني وأبنائي الشيعه أن يمتنعوا عن دفع أخماس مكاسبهم وأرباحهم إلى السادة المجتهدين ، لأنها حلال لهم هم وليس للسيد أو الفقيه أي حق فيها ، ومن أعطى الخمس إلى المجتهد أو الفقيه فإنه يكون قد ارتكب إثماً لمخالفته لأقوال الأئمة ، إذ أن الخمس ساقط عن الشيعة حتى يظهر القائم .
وأرى من الضروري أن أذكر قول آية الله العُظْمَى الإمام الخميني في المسألة ، فإنه كان قد تحدث عنها في محاضرات ألقاها على مسامعنا جميعاً في الحوزة عام 1389 هـ ثم جمعها في كتاب الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه .
فكان مما قال : يقصر النظر لو قلنا أن تشريع الخمس جاء لتأمين معايش ذرية الرسول صلى الله عليه وآله فحسب .
إنه يكفيهم ويزيدهم جزء ضئيل من آلاف - كذا قال - جزء من هذه المالية الضخمة بل تكفيهم أخماس سوق واحد كسوق بغداد مثلاً من تلك الأسواق التجارية الضخمة كسوق طهران ودمشق وإسلام بول وما أشبه ذلك ، فماذا يصبح حال بقية المال ؟
ثم يقول إنني أرى الحكم الإسلامي العادل ، لا يتطلب تكاليف باهظة في شؤون تافهة أو في غير المصالح العامة .
ثم يقول : لم تكن ضريبة الخمس جباية لتأمين حاجة السادة آل الرسول صلى الله عليه وآله فحسب ، أو الزكاة تفريقاً على الفقراء والمساكين ، وإنما تزيد على حاجاتهم بأضعاف .
فهل بعد ذلك يترك الإسلام جباية الخمس والزكاة وما أشبه نظراً إلى تأمين حاجة السادة والفقراء ، أو يكون مصير الزائد طعمة في البحار أو دفناً فى التراب ، أو نحو ذلك ؟
كان عدد السادة ممن يجوز لهم الارتزاق بالخمس يومذاك - يعني في صدر الإسلام - لم يتجاوز المائة ، ولو فرضنا عددهم نصف مليون ، ليس من المعقول أن نتصور اهتمام الإسلام بفرض الخمس هذه المالية الضخمة ، التي تتضخم وتزداد في تضخمها كلما تَوَسَّعَتْ التجارات والصناعات كما هي اليوم ، كل ذلك لغاية إشباع آل الرسول صلى الله عليه وآله ؟
كلا . انظر كتابه المذكور 1/39 - 40 - 42 طبعة مطبعة الآداب في النجف .
إن الإمام الخميني يصرح بأن أموال الخمس ضخمة جداً ، هذا في ذلك الوقت لما كان الإمام يحاضر في الحوزة ، فكم هي ضخمة إذن في يومنا هذا ؟ ويصرح الإمام أيضاً أن جزءاً واحداً من آلاف الأجزاء من هذه المالية الضخمة يكفي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، فماذا يفعل بالأجزاء الكثيرة المتبقية ؟؟
لا بد أن توزع على الفقهاء والمجتهدين حسب مفهوم قول الإمام الخميني .
ولهذا فإن الإمام الخميني كان ذا ثروة ضخمة جداً في إقامته في العراق حتى أنه لما أراد السفر إلى فرنسا للإقامة فيها فإنه حول رصيده ذاك من الدينار العراقي إلى الدولار الأميركي وأودعه في مصارف باريس بفوائد مصرفية ضخمة .
إن فساد الإنسان يأتي من طريقين : الجنس والمال ، وكلاهما متوافر للسادة .
فالفُروج والأدبار عن طريق المتعة وغيرها ، والمال عن طريق الخمس وما يُلقى في العَتبات والمشاهد ، فمن منهم يصمد أمام هذه المغريات ، وبخاصة إذا علمنا أن بعضهم ما سلك هذا الطريق إلا من أجل إشباع رغباته في الجنس والمال ؟؟!!
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق