إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 10 فبراير 2013

20 لله ثم للتاريخ ( حسين الموسوى )


20

لله ثم للتاريخ ( حسين الموسوى )


الخُمْس

إن الخمس استُغِلَّ هو الآخر استغلالاً بَشعاً من قبَلِ الفقهاء والمجتهدين ، وصار مورداً يُدرُّ علىَ السادة والمجتهدين أموالاً طَائلة جداً ، مع أن نصوص الشرع تدل على أن عَوام الشيعة في حِل من دَفع الخمس ، بل هو مباح لهم لا يجب عليهم إخراجه ، وإنما يتصرفون فيه كما يتصَرفون في سائر أموالهم ومكاسبهم ، بل إن الذي يدفع الخمس للسادة والمجتهدين يعتبر آثماً لأنه خالف النصوص التي وردت عن أمير المؤمنين ، وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم .

وحتى يقف القارئ اللبيب على حقيقة هذا الخمس وكيفية التصرف فيه سنستعرض موضوع الخمس ، وتطوره تاريخياً وندعم بذلك نصوص الشرع ، وأقوال الأئمة وفتاوى الجتهدين الذين يُعْتَدُّ بهم ، وَيُعَوَّلُ على كلامهم :

أ - عن ضريس الكناني قال أبو عبدالله عليه السلام : من أين دخل على الناس الزنا ؟

قلت لا أدري جُعلْتُ فداك ، قال من قبَلِ خُمْسنا أهل البيت إلا شيعتنا الطيبين فإنه مُحَلَّلٌ لهَم لميلادهم . أصولَ الكَافي 2/502 شرح الشيخ مصطفى .

2 - عن حكيم مؤِذن بن عيسىِ قال : سالتُ أبا عبدالله عن قوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنما غنِمْتُم فِن شيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } ( الأنفال : 41 ) فثنى أبو عبدالله عليه السلام بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده فقال :

 ( هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حِلٍّ ليزكوا ) الكافى 2/499 .

3 - عن عمر بن يزيد قال رأيت مسلماً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبدالله تلك السنة مالاً ، فَرَدَّهُ أبو عبدالله ... إلى أن قال : يا أبا سيار قد طيبناه لك ، وأحللناك منه ، فضُمَّ إليك مالك ، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا . أصول الكافي 2/ 268 .

4 - عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام : قال إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول : يا رب خمسي ، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولاداتهم ولتزكو ولاداتهم . أصول الكافي 2/552 .

5 - عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا إلا أَنَّا أحللنا شيعتنا من ذلك ) من لا يحضره الفقيه 2/243 .

6 - عن يونس بن يعقوب قال : كنتُ عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل عليه رجل من القناطين فقال : ( جُعلُتُ فداك ، تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ، ونعرف أن حقكم فيهَا ثابت ، وأنّا عن ذلك مقصرون ، فقال رضي الله عنه : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك ) من لا يحضره الفقيه 2/23 .

7 - عن علي بن مهزيار أنه قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام جاءه رجل يسأله أن يجعله في حِل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب عليه السلام بخطه : ( من أعوزه شيء من حقي فهو في حل ) من لا يحضره الفقيه 2/23 .

8 - جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : أصبتُ مالاً أَرْمَضْتُ فيه ، أفَلِي توبة ؟ قال : ( آتني بخمسي ، فأتاه بخمسه ، فقال عليه السلام : هو لك ، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه ) 2/22 من لا يحضره الفقيه .

فهذه الروايات وغيرها كثير صريحة في إعفاء الشيعة من الخمس ، وأنهم في حل من دفعه ، فمن أراد أن يستخلصه لنفسه ، أو أن يأكله ولا يدفع منه لأهل البيت شيئاً فهو في حل من دفعه ، وله ما أراد ولا إثم عليه ، بل لا يجب عليهم الدفع حتى يقوم القائم في الرواية الثالثة .

ولو كان الإمام موجوداً فلا يُعْطَى له حتى يقوم قائم أهل البيت ، فكيف يمكن إذن إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين ؟!

فتاوى الفقهاء المعتمدين في إعفاء الشيعة من دفع الخمس : بناء على النصوص المتقدمة وعلى غيرها كثير المصرحة بإعفاء الشيعة من دفع الخمس صدرت فتاوى من كبار الفقهاء والمجتهدين ممن لهم باع في العلم واحتلوا مكانة رفيعة بين العلماء ، في إباحة الخمس للشيعة ، وعدم دفعه لأي شخص كان حتى يقع قائم أهل البيت :

ا - المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن المتوفي 676 هـ :

أكد ثبوت إباحة المنافع والمساكن والمتجر حال الغيبة وقال : لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منها انظر كتاب شرائع الإسلام ص 182 - 183 كتاب الخمس .

2 - يحيى بن سعيد الحلي المتوفى 695 هـ :

مال إلى نظرية إباحة الخمسة وغيره للشيعة كرمًا من الأئمة وفضلاً كما في كتابه الجامع للشرائع ص 151 .

3 - الحسن بن المطهر الحلي الذي عاش في القرن الثامن أفتى بإباحة الخمس للشيعة ، بإعفائهم من دفعه كما في كتاب تحرير الأحكام ص 75 .

4 - الشهيد الثاني المتوفى 966 هـ قال في مجمع الفائدة والبرهان 4/355 - 358 ذهب الى إباحة الخمس بشكل مطلق وقال : أن الأصح هو ذلك كما في كتاب مسالك الافهام ص 68 .

5 - المقدس الأردبيلي المتوفى 993 هـ وهو أفقه فقهاء عصره حتى لقبوه بالمقدس قال بإباحة مطلق التصرف في أموال الغائب للشيعة خصوصاً مع الاحتياج ، وقال : إن عموم الأخبار تدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب والحتم لعدم وجود دليل قوي على الأرباح والمكاسب ولعدم وجود الغنيمة .

قلت : وقوله هذا مستنبط من قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء } ( الأنفال : 41 ) ثم بين أن هناك روايات عن المهدي تقول أبحنا الخمس للشيعة .

6 - العلامة سلار قال : إن الأئمة قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة فضلاً وكرماً للشيعة خاصة . انظر كتاب المراسيم ص 633 .

7 - السيد محمد علي طباطبائي المتوفى أول القرن الحادي عشر قال :

إن الأصح هو الإباحة . مدارك الأفهام ص 344 .

8 - محمد باقر السبزواري المتوفى أواخر القرن الحادي عشر قال :

المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة وصحيحة الفضلاء ، ورواية محمد بن مسلم ورواية داودي بن كثير برواية إسحق بن يعقوب ورواية عبدالله بن سنان وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة كريب : إباحة الخمس للشيعة .

وتصدى للرد على بعض الإشكالات الواردة على هذا الرأي وقال : إن أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة .

وبالجملة فإن القول بإباحة الخمس في زمان الغيبة لا يخلو من قوة . انظر كتاب ذخيرة المعاد ص 292 .

9 - محمد حسن الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشريعة ص 229 مفتاح رقم 260 اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي ، قال : لتحليل الأئمة ذلك للشيعة .

10 - جعفر كاشف الغطاء المتوفى 1227 هـ في كشف الغطاء ص 364 :

ذكر إباحة الأئمة للخمس وعدم وجوب دفعه إليهم .

11 - محمد حسن النجفي المتوفى 1266  في جواهر الكلام 16/141 .

قطع بإباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة ، وبين أن الأخبار تكاد تكون متواترة .

12 - وأختم بالشيخ رضا الهمداني المتوفى 1315 هـ في كتابه مصباح الفقيه ص 155 : فقد أباح الخمس حال الغيبة ، والشيخ الهمداني هذا متأخر جداً قبل حوالي قرن من الزمان أو أكثر .

وهكذا نرى أن القول بإباحة الخمس للشيعة ، وإعفائهم من دفعه هو قول مشتهر عند كل المجتهدين المتقدمين منهم والمتأخرين ، وقد جرى العمل عليه إلى أوائل القرن الرابع عشر فضلاً عن كونه مما وردت النصوص بإباحته ، فكيف يمكن والحال هذه دفع الخمس إلى الفقهاء والمجتهدين ؟ مع أن الأئمة سلام الله عليهم رفضوا الخمس ، وأرجعوه إلى أصحابه ، وأعفوهم من دفعه ، أيكون الفقهاء والمجتهدون أفضل من الأئمة سلام الله عليهم ؟

إن فتاوى إباحة الخمس للشيعة لا تقتصر على هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء والمجتهدين لا وإنما هناك أضعاف هذا العدد الذي ذكرنا وعلى مر هذه القرون ولكننا اخترنا من كل قرن واحداً من الفقهاء القائلين بعدم دفع الخمس لكي يتضح لنا أن القول بعدم وجوب الخمس قد قال به كثير من الفقهاء وعلى مر الزمان لأنه هو القول الراجح في المسألة ، ولموافقته للنصوص وعمل الأئمة عليهم السلام .

ولنأخذ فَتوَيَيْنِ لِعَلَمَيْنِ من أعلام المنهج الشيعي هما : الشيخ المفيد والشيخ الطوسي ، قال الشيخ المفيد :

قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك - أي الخمس - عند الغيبة ، وقد ذهب كل فريق منهم إلى مقال ( ثم يذكر عدد المقالات ) منها قوله :

منهم من يسقط قول إخراجه لغيبة الإمام ([6]) ، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار ، وبعضهم يوجب كنزه - أي دفنه - ويتأول خبراً ورد : ( أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام ، وأنه إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان ) ثم يختار قولاً منها فيقول :

يُعْزَلُ الخمس لصاحب الأمر - يعني المهدي - فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وَصَّى به إلى مَن يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام ، إن أدرك قيامه ، وإلا وَصَّى به إلى من يقوم مقامه بالثقة والديانة ، ثم على هذا الشرط إلى أن يقوم الإمام ، قال : وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبة رسماً يجب الانتهاء إليه .

ثم قال : ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يقدم عند حلولها مستحقها ، فلا يجب عند ذلك سقوطها ، وقال : إذا ذهب ذاهب الى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص للإمام ، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن .

قال : من فعل هذا لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب ، وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب . انظر المقنعة ص 46 .

وقال الشيخ الطوسي المتوفي 465 هـ مؤسس الحوزة النجفية وأول زعيم لها : بعد أن ذكر أحكام الخمس قال : هذا في حال ظهور الإمام ([7]) .

ثم قال : فأما في حال الغيبة فقد رَخّصُوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتاجر والمساكن .

فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال ، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة ، فقد اختلف قول أصحابنا فيه ، وليس نص معين ([8]) إلا أن كل واحد منهم - أي فقهاء الشيعة - قال قولاً يقتضيه الاحتياط .

ثم حصر الطوسي هذه الأقوال في أربعة :

ا - قال بعضهم إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أُبيح لنا من المناكح والمتاجر - يعني طالما كان الإمام غائباً أو مستتراً فكل شيء مباح - وهذا هو أصح الأقوال لأنه موافق للنصوص الواردة عن الأئمة ، وبه قال كثير من الفقهاء .

2 - وقال قوم أنه يجب الاحتفاظ به أو حفظه ما دام الإنسان حياً ، فإذا حضرته الوفاة وَصَّى به إلى مَن يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا حضر ، أو يوصى به حسبما وصى به إلى أن يوصله إلى صاحب الأمر .

3 - وقال قوم : يجب دفنه لأن الأَرَضِينَ تُخِرجُ كنوزها عند خروج القائم .

4 - وقال قوم : يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام : ثلاثة أقسام للإمام تُدْفَنُ أو تُوَدع عند مَن يُوثَق به ، وهذا القول قد اختاره الطوسي .

والأقسام الثلاثة الأخرى توزع على مستحقيها من أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وهذا مما ينبغي العمل عليه .

وهذا القول مطابق لفتوى المفيد في قياس الخمس على الزكاة .

ثم يقول : ( ولو أن الإنسان استعمل الاحتياط ، وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من إجزاء الدفن ، أو الوصاة لم يكن مأثوماً ) انتهى بتصرف يسير .

لقد حصر الشيخ الطوسي التصرف في الخمس حال الغيبة في هذه الأقوال الأربعة المتقدمة ، واختار هو القول الرابع منها ([9]) ، وبين أن الإنسان إذا اختار أي قول من هذه الأقوال وعمل به لم يكن آثماً .

ونحن نلاحظ هذه الأقوال الأربعة ، فهي وإن اختلفت بينها في بعض التفاصيل لكنها أجمعت على شيء واحد نحن بصدد بيانه وهو أن هذه الأموال - أي الخمس - التي هي حق الإمام الغائب ، أو حق غيره لا تُصْرَفُ للسادة ، ولا المجتهدين .

رغم أن الأقوال الأربعة المتقدمة اختلفت من جهة صرف أموال الخمسة إلا أنها ليس فيها تلميح فضلاً عن التصريح بوجوب وإباحة إعطاء الخمس أو جزء منه للسادة والمجتهدين .

إن القول الرابع والذي اختاره الشيخ الطوسي هو الذي كان عليه الشيعة والطوسي كما لا يخفى هو مؤسس الحوزة العلمية وهو شيخ الطائفة .

ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين ؟

فهذه فتوى أول زعيم للحوزة العلمية النجفية .

وَلْنَرَ فتوى آخر زعيم للحوزة نفسها مولانا الإمام الراحل أبي القاسم الخوئي لِتَتَّضحَ لنا الفتوى بين أول زعيم للحوزة ، وفتوى آخر زعيم لها .

قال الإمام الخوئي في بيان مستحق الخمس ومصرفه :

يقسم الخمس في زماننا زمان الغيبة نصفين :

نصف لإمام العصر الحجة المنتظر ( عج ) وجعل أرواحنا فداه .

ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء السبيل ... إلى أن قال :

النصف الذي يرجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه ، إما بالدفع إليه ، أو الاستئذان منه ... إلخ . انظر كتاب ضياء الصالحين مسألة 1259 ص 347 إن فتوى الإمام الخوئي تختلف عن فتوى الشيخ الطوسي ، فالشيخ الطوسي لا يقول بإعطاء الخمس أو شيء منه إلى الفقيه المجتهد وقد عمل بنص فتواه جماهير الشيعة المعاصرون له .

بينما نرى فتوى مولانا الراحل الإمام الخوئي تنص على إعطاء الخمس أو جزء منه للفقية والمجتهد .

عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق