7
بدايَة إسْرائيل ونهايَة اليَهود
الإسلام حاول احتواء اليهود قبل أن ينقلبوا عليه
هؤلاء الذين هم عنصر فساد، الإسلام حاول في أيامه الأولى بقيادة صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وكانوا إذذاك هم الظاهرين والبارزين، وأصحاب التجارة، وأصحاب الثقافة والدراسة، والكلام على ماضي الدنيا وعلى حاضرها ومستقبلها، في المدينة المنورة، التي كانوا يسمونها "يثرب"، وغير اسمها عليه الصلاة والسلام، وحَرَّج على المسلم أن يسميها بعد ذلك "يثرب"، فأصبحت "مدينة"، وأصبحت "طابة"، قدسها الله، وزادها تقديسا واحتراما.
فعاملهم *الرسول عليه الصلاة والسلام* بما لم يسبق أن عومل به أحد من غير المسلمين، دخل المدينة، وكانوا مسالمين في الأول، وكانوا يقولون للأوس والخزرج من سكان المدينة: "يوشك أن يظهر نبي جديد، فنكون معه وننتقم منكم".
جاء النبي الجديد، وكانوا يظنونه إسرائيليا، فوجدوه عربيا قرشيا، فحسدوه، وأصروا على عدم الإيمان به، وعلى الكفر به وجحوده. ولكنهم عندما ذهب إليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام للمدينة المنورة مهاجرا بنفسه وبأتباعه وبدينه؛ قابلوه لأول مرة على أنه سيكون مساعدا لهم ونصيرا، ويتركهم من غير دعوة إلى دينه. فخرجوا يستقبلون مع من استقبله خارج المدينة على أميال، وهزجوا مع الهازجين:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وضربوا الدفوف مع الضاربين، وقالوا للأوس والخزرج: "قد جاء حظكم يا بني الخزرج ويا بني الأوس".
لكن عندما دعاهم النبي عليه الصلاة والسلام للدخول في دينه؛ حاصوا حيصة حمُر الوحش، وهاجوا وماجوا، وقالوا: "ما كنا نظن ذلك!، نحن على دين، لسنا نحتاج لغير ديننا، ولنا أنبياء وقادة، فلسنا نحتاج إلى غيرهم".
فقال لهم نبينا عليه الصلاة والسلام: "دينكم بُدل، ودينكم غُير، التوراة زيد فيها وحُرفت، والإنجيل زيد فيه وحُرف، وأنا نبي الله إلى الناس كافة، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي". عليه الصلاة والسلام. وأخبر بأن عيسى – أيضا – سينزل في آخر الزمان إلى الأرض، وبشرت بذلك آيات الله وكتابه، وسينزل على دينه، وسيحج حجه، وسيعتمر عمرته، ويصلي خلف أئمة المسلمين.
سكتوا على مضض، فعقد معهم عليه الصلاة والسلام معاهدة – كما يقال اليوم بلغة عصرية: اعتبرهم مواطنين – وأعطاهم من الحقوق ما فرض عليهم من الواجبات، لم يميزهم بشيء ميز به أصحابه، سواء من أهل مكة الذين سموا بعد هجرتهم بالمهاجرين، أو من الأوس والخزرج سكان المدينة الذين سموا بعد ذلك بالأنصار.
وهذه المعاهدة طويلة، أطول معاهدة عرفت لنبي الله عليه الصلاة والسلام، وأول معاهدة عقدت في فاتح الإسلام مع غير المسلمين، مدونة معروفة في كتب السنة وكتب السير، وكتب التاريخ، وجُمعت أخيرا في كتاب "الوثائق النبوية" بأكثر رواياتها، هذا الكتاب طبع عدة مرات.
ولم يكن عليه الصلاة والسلام عندما عقد معهم هذه المعاهدة يجهل حقيقتهم، ويجهل فسادهم، ولكنه أراد بذلك أن يضرب عصفورين بحجر: من كان لا يزال متعصبا لهم من الأوس والخزرج حتى بعد الإسلام، وأنهم حلفاؤه وأنصاره، أن يوقفهم على حقيقتهم من الخيانة والغدر والفساد بكل أشكاله، وأن يقيم الحجة عليهم أنفسهم، حتى إذا بدا لهم يصنع ما يصنع؛ يكون قد أزال الحجة عن نفسه وألبسها لخصمه.
ما كاد يعقد تلك المعاهدة حتى عاد اليهود - على عادتهم - إلى فسادهم، فألبوا على رسول الله قومهم، وقبائل الجزيرة العربية، وما كادت تمضي بضع سنوات على هجرته للمدينة؛ حتى هوجم - عليه الصلاة والسلام - في عقر داره بجيش عرمرم، ووجد أنه معه من المسلمين مع من يوجد مع الطابور من الجيش الخامس داخل جماعته في نفس الأرض التي يسكنها – أعني: اليهود – فوجد أنه لا يمكن أن يواجه هؤلاء مواجهة المهاجم، واكتفى بمواجهة المُدافع، وخندق على نفسه في المدينة المنورة برأي سلمان، وجعل جبل أُحُد خلف ظهره كحماية، وقاسى الشدائد عليه الصلاة والسلام.
ولكن الله تعالى نصره نصرا عزيزا مؤزرا، فاختلف اليهود مع حلفائهم من قريش وغطفان، وبقية الأحزاب، وهي ما سمي: غزوة الأحزاب وغزوة الخندق. وبذلك زالت الحجة عنهم، وأعطيت الحجة للبطش بهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، بما أقنع حلفاءهم من الأوس والخزرج، وأقنعهم هم أنفسهم.
فرجع إليهم، وعلى مدى أيام أدبهم ورباهم، واكتفى بأن يكون ذلك على درجات ومراحل، ولكن اليهود سوف لا يقفون على هذا فقط؛ حاولوا تسميم النبي عليه الصلاة والسلام، وفعلوا: سممته يهودية اسمها: زينب، في ذراع من شاة، من أكل معه توفي، وكان الذي توفي: شخصان. والنبي عليه الصلاة والسلام لم يمت ساعتها، ولكنه قال عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك في غزوة خيبر: "لازالت أكلة خيبر تُعادُّني حتى قطعت أبهري"؛ أي: بقي مريضا عليه الصلاة والسلام، يعاوده السم الذي أكل في تلك الذراع شهرا بعد شهر، وعاما بعد عام إلى أن قطع نياط قلبه، فمات عليه الصلاة والسلام. من أجل ذلك كانت تقول أم المؤمنين عائشة: "جمع الله لرسوله بين الموت على فراشه وبين الشهادة". وبذلك كان رسول الله عليه الصلاة والسلام مات شهيدًا نتيجة تسميم اليهود له!.
كان مرة في أحد حصونهم، ووقف ينتظر على الحائط، وإذا به يُنبَّه بأن بعض اليهود صعد للسطح وأخذ رحا وأراد أن يرميها على رأسه عليه الصلاة والسلام، فسبقهم قبل أن يرموها، وذهب إلى بيته عليه الصلاة والسلام.
وبعد ذلك؛ ألبوا وشتموا، وهجوا، وجمعوا القبائل لحربه، وأخذوا ينفرون الناس عنه وعن دينه، وما قصة كعب بن الأشرف عن الناس ببعيدة، الذي اتخذ الشعر ديدنا لهجو رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتنفير الناس منه، هذا مع المعاهدة التي بينه وبينهم، ومع كونهم يساكنونه كجيش خامس من الدار.
وهكذا شتتهم رسول الله وانتصر عليهم النصر العزيز المؤزر، بين قتيل وشريد وطريد، وأوصى بمن بقي منهم ولم يطرده؛ لأنه كان في حاجة إلى زراعتهم وخدمتهم، إذ المسلمون كان كل من أسلم يصبح جنديا بالواقع أو بالاحتياط، ولم يسمح بأن يشتغلوا بشيء سوى ذلك، وترك الأرض لمن يزرعها من أهل الذمة أو ممن لم يسلم بعد.
ولكنه أوصى الخلفاء بعده؛ فقال وهو على فراش الموت: "أخرجوا اليهود والنصارى عن جزيرة العرب، لا تصلح فيها قبلتان". هذا حديث متواتر، أخرجه أصحاب الستة، وأخرجه أصحاب الصحاح، ومما استدركتُه على كُتاب التواتر من المتواتر وأغفلوه، وبنيت عليه بحثا سبق أن ألقيته في عدة قاعات من الجامعات هنا وفي الخارج، كان عنوانه: "الأقليات في الدولة الإسلامية".
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق