2516
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد الخامس
من صفحة 343- 412
واقعة المسلمين مع الإفرنج على عكا:
ثم زحف الإفرنج على عكا في عشر من جمادى الأخيرة من سنة ست وثمانين وخرجوا من
خنادقهم إلى عساكر صلاح الدين وقصد العادل أبو بكر بن أيوب في عساكر مصر فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كشفهم الإفرنج عن الخيام وملكوها. ثم كر عليهم المصريون فكشفوهم عن خيامهم وخالفهم بعض عساكر مصر إلى الخنادق فقطعوا عنهم بعض مدد أصحابهم فأخذتهم السيوف وقتل منهم ما يزيد على عشرين ألفاً. وكانت عساكر الموصل قريباً من عسكر مصر ومقدمهم علاء الدين خوارزم شاه بن عز الدين مسعود صاحب الموصل فعدمت ميرتهم وأمر صلاح الدين بمناجزتهم على هذا الحال وبلغه الخبر بموت ملك الألمان وما أصاب قومه من الشتات فسر المسلمون بذلك، وظنوا وهن الإفرنج به ثم بعد يومين لحقت بالإفرنج إمداد في البحر مع كند من الكنود يقال له الكندهري ابن أخي الاقرسيس لأبيه، وابن أخي ملك إنكلطيرة لأمّه ففرق في الإفرنج أموالاً وجند لهم أجناداً، ووعدهم بوصول الأمداد على أثره فاعتزموا على الخروج لقتال المسلمين فانتقل صلاح الدين من مكانه إلى الحزونة لثلاث بقين من جمادى الأخيرة لضيق المجال، ونتن المكان من جيف القتلى. ثم نصب الكندهري على عكا مجانيق وذبابات فأخذها أهل عكا وقتلوا عندها جموعاً من الإفرنج فلم يتمكن من متابعة ذلك ولا من إقامة الستائر عليها لأنّ أهل البلاد كانوا يصيبونها فعمل تلا عاليا من التراب ونصب المجانيق من ورائه وضاقت الأحوال وقلت الميرة وأرسل صلاح الدين إلى الإسكندرية ببعث الأقوات في المراكب إلى عكا وبعث إ لى بيروت بمثل ذلك فبعثوا مركباً ونصبوا فيها الصلبان يوهمون أنه للإفرنج حتى دخلوا إلى المرسى. وجاءت بعد الميرة من الإسكندرية. ثم جاءت ملكة من الإفرنج من وراء البحر في نحو ألف مقاتل للجهاد بزعمهما فأخذت ببحر الإسكندرية هي وجميع ما معها . ثم كتب البابا كبير الملّة النصرانية من كنيسة برومة يأمرهم بالصبر والجهاد، ويخبرهم بوصول الامداد وأنه راسل ملوك الإفرنج يحثهم على إمدادهم فازدادوا بذلك قوة واعتزموا على مناجزة المسلمين وجمروا عسكراً لحصار عكا وإرتحلوا حادي عشر شوال من السنة فنقل صلاح الدين أثقال العسكر إلى على ثلاثة فراسخ من عكا ولقي الإفرنج على التعبية .وكان أولاده الأفضل علي والظافر غازي والظاهر خفر في القلب وأخوه العادل أبو بكر في الميمنة عساكر مصر ومن إنضم إليهم، وعماد الدين صاحب سنجار وتقي الدين صاحب حماة ومعز الدين سنجر شاه
صاحب جزيرة ابن عمر في الميسرة، وصلاح الدين في خيمة صغيرة على تل مشرف نصب له من أجل موضعه. فلما وصل الإفرنج وعاينوا كثرة المسلمين ندموا على مفارقة خنادقهم، وباتوا ليلتهم وعادوا من الغد إلى معسكر فأتبعوهم أهل المقدمة وتخطفوهم من كل ناحية وأحجروهم وراء خنادقهم.ثم ناوشوهم القتال في الثالث والعشرين من شوال بعد أن أكمنوا لهم عسكراً فخرج لهم الإفرنج في نحو أربعمائة فارس واستطرد لهم المسلمون إلى إن وصلوا كمينهم فخرجوا عليهم فلم يفلت منهم أحد. واشتد الغلاء على الإفرنج وبلغت الغرارة مائة دينار صوري، مع ما كان يحمل إليهم من البلدان من بيروت على يد صاج أسامة ومن صيدا على يد نائبها سيف الدين علي بن أحمد المشطوب ومن عسقلان وغيرها. ثم اشتدّ عليهم الحال عند هيجان البحر وانقطاع المراكب في فصل الشتاء.ثم هجم الشتاء وأرسى الإفرنج مراكبهم بصور خوفاً عليها على عادتهم في صورفي فصل الشتاء. ووجد الطريق إلى عكا في البحر فأرسل أهلها إلى صلاح الدين يشكون ما نزل بهم وكان بها الأمير حسام الدين أبو الهيجاء السمين فشكى من ضجره بطول المقام والحرب فأمر صلاح الدين بإنفاذ نائب وعسكر إليها بدلاً منهم وأمر أخاه العادل بمباشرة ذلك فانتقل إلى جانب البحر عند جبل حيفا، وجمع المراكب والشواني وبعث العساكر إليها شيئاً فشيئاً، كلما دخلت طائفة خرج بدلها فدخل عشرون أميراً بدلا من ستين كانوا وأهملوا أهل الرجل وتعينت دواوين صاحب صلاح الدين وكانوا نصارى على الجند في إثباتهم وإطلاق نفقاتهم فبلغ الحامية بعكا وضعفت وعادت مراكب الإفرنج بعد إنحسار الشتاء فانقطعت الأخبار عن عكا وعنها وكان من الأمراء الذين دخلوا عكا سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وعز الدين أرسلان مقدم الأسدية وابن جاولي وغيرهم. وكان دخولهم عكا أوّل سنة سبع وثمانين والله سبحانه وتعالى أعلم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق