2823
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
القسم الثانى
المجلد السادس
الخبر عن دولة بني واسول ملوك سجلماسة و أعمالها من مكناسة:
كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لأول الإسلام بدين الصفريّة من الخوارج لقنوه عن أئمتهم ورؤوسهم من العرب لما لحقوا بالمغرب وأنتزوا على الأمتناع، وماجت أقطار المغرب لفتنة ميسرة. فلما اجتمع على هذا المذهب زهاء أربعين من رجالاتهم نقضوا طاعة الخلفاء وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود من موالي العرب ورؤوس الخوارج. واختطوا مدينة سجلماسة لأربعين ومائة من الهجرة. ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم. ثم سخطوا أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيرأ من أحواله فشدوه كتافاً ووضعوه على قنة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين ومائة. واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن مصلان بن أبي يزول، كان أبوه سمقو من حملة العلم، ارتحل إلى المدينة فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس، ذكره غريب بن حميد في تاريخه، وكان صاحب ماشية، وهو الذي بايع لعيسى بن يزيد، وحمل قومه على طاعته فبايعوه من بعده.
وقاموا بأمره إلى أن هلك سنة سبع وستين ومائة لمنتهى عشرسنين من ولايته، وكان أباضيأ صفرياً. وخطب في عمله المنصور والمهدي من بني العبّاس. ولمّا هلك ولّوا عليهم ابنه إلياس، وكان يدعى بالوزير. ثم انتقضوا عليه سنة أربع وتسعين ومائة فخلعوه، وولّوا مكانه أخاه إليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور، فلم يزل أميراً عليهم. وبنى سور سجلماسة لأربع وثلاثين سنة من ولايته. وكان أباضياً صفرياً. وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة. وهو الذي أتم بناءها وتشييدها، واختطّ بها المصانع والقصور، وانتقل إليها آخر المائة الثانية ودوخ بلاد الصحراء وأخذ الخمس من معادن درعة، وأصهر لعبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت بابنه مدرار في إبنته أروى فأنكحه إياها.
ولما هلك سنة ثمان ومائتين ولي بعده إبنه مِدْرار، ولقبه المنتصر، وطال أمر ولايته. وكان له ولدان إسم كل واحد منهما ميمون، أحدهما لأروى بنت عبد الرحمن بن رستم، وقيل إن إسمه أيضاً عبد الرحمن. والآخر لتقي وتنازعا في الاستبداد على
أبيه، ودامت الحرب بينهما ثلاث سنين. وكانت لأبيهما مدرار صاغية إلى ابن أروى فمال معه حتى غلب أخاه فأخذه وأخرجه عن سجلماسة. ولم يلبث أن خلع أباه واستبد بأمره. ثم ساءت سيرته في قومه ومدينته فخلعوه وصار إلى درعة وأعاد مدراراً إلى أمره. ثم حدث نفسه بإعادة إبنه ميمون بن الرستمية إلى أمارته بصاغيته إليه فخلعوه، ورجعوا إبنه ميموناً بن التقي، وكان يعرف بالأمير.
ومات مدار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين لخمس وأربعين من ملكه. وأقام إبنه ميمون في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين ومائتين وولي إبنه محمد، وكان أباضياً. وتوفي سنة سبعين فولي إليسع بن المنتصر وقام بأمره، ولحق عبيد الله الشيعي وإبنه وأبو القاسم بسجلماسة لعهده. وأوعد المعتضد إليه في شأنهما، وكان على طاعته فاستراب بهما وحبسهما إلى أن غلب الشيعي بني الأغلب، وملك رقادة فزحف إليه لاستخراج عبيد الله وإبنه من محبسه، وخرج إليه إليسع في قومه مكناسة فهزمه أبوعبد الله الشيعي، واقتحم عليه سجلماسة وقتله سنة ست وتسعين ومائتين. واستخرج عبيد الله وإبنه من محبسهما وبايع لهما. وولى عبيد الله المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المزاتي من رجالات كتامة، وانصرف إلى أفريقية. ثم انتقض أمراء سجلماسة على واليهم إبراهيم فقتلوه ومن كان معه من كتامة سنة ثمان وتسعين ومائيتن، وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير بن مدرار، ولقبه واسول، وميمون ليس هو ابن التقي الذي تقدم ذكره، وكان أباضياً. وهلك قريباً من ولايته لرأس المائة الثالثة، فولي أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حبّوس في جموع كتامة ومكناسة، إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة، فدوخ المغرب وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدي. وافتتح سجماسة وتقبّض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار. وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن بسادر بن مدرار، فلم يلبث أن استبد المعتز. وهلك سنة إحدى وعشرين وثلثمائة قبيل ملك المهدي، وولي من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فمكث عشراً.
ثم هلك وولي من بعده إبنه المنتصر سمكو شهرين، وكانت جدته تدّبر أمره لصغره.
ثم ثار عليه ابن عمّه محمد بن الفتح بن ميمون الأميروتغلب عليه وشغب عليه بنوعبيد الله لفتنة ابن أبي العافية وتاهرت، ثم بفتنة أبي يزيد بعدهما فدعا محمد بن الفتح لنفسه مموهاً بالدعوة لبني العبّاس. وأخذ بمذاهب أهل السنة، ورفض الخارجية، ولقب الشاكر بالله. واتخذ السكة بإسمه ولقبه. وكانت تسمّى الدراهم الشاكرية. كذا ذكره ابن حزم وقال فيه: وكان في غاية العدل حتى إذا أفزع له بنوعبيد وحمت الفتنة زحف جوهر الكاتب أيام المعز لدين الله معد في جموع كتامة وصنهاجة وأوليائهم إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلثمائة، فغلب على سجلماسة وملكها. وفرّمحمد بن الفتح إلى حصن تاسكرات على أميال من سجلماسة، وأقام به.
ثم دخل سجلماسة متنكراً فعرفه رجل من مطغرة وأنذر به فتقبّض عليه جوهر، وقاده أسيراً إلى القيروان مع أحمد بن بكر صاحب فاس كما نذكره، وقفل إلى القيروان فلما انتقض المغرب على الشيعة، وفشت بدعة الأمية وأخذ زناتة بطاعة الحكم المستنصر ثأر بسجلماسة قائم من ولد الشاكر وباهى المنتصر بالته. ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة إثنتين وخمسين وثلثمائة فقتله وقام بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله.
وأقام على ذلك مدّة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال، وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وثلثمائة وبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده وذخيرته، وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح. وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر فنسب إليه واحتسب له جدّاً ويمن نقيبة، وعقد لخزرون على سجلماسة، فأقام دعوة هشام بأنحائها فكانت أول دعوة أقيمت لهم بالأمصار في المغرب الأقصى، وانقرض أمر بني مدرار ومكناسة من المغرب أجمع.
وأدال منهم بمغراوة وبني يفرن حسبما يأتي ذكرهم في دولتهم، والأمر لله وحده وله البقاء سبحانه وتعالى.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق