2520
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد الخامس
من صفحة 343- 412
تخريب صلاح الدين عسقلان
ولما استولى الإفرنج على عكا استوحش المركيش صاحب صور من ملك إنكلطيرة، وأحس منه بالغدر فلحق ببلده صور. ثم سار الإفرنج مستهل شعبان لقصد عسقلان وساروا مع ساحل البحر لا يفارقونه. ونادى صلاح الدين باتباعهم مع إبنه الأفضل وسيف الدين أبي زكوش وعز الدين خرديك فاتبعوهم يقاتلونهم ويتخطفونهم من كل ناحية ففتكوا فيه بالقتل والأسر، وبعث الأفضل إلى أبيه يستمده فلم يجد العساكر مستعدة. وسار ملك إنكلطيرة في ساقة الإفرنج فحملهم وإنتهوا إلى يافا فأقاموا بها والمسلمون قبالتهم مقيمون. ولحق بهم من عكا من احتاجوا إليه. ثم ساروا إلى قيسارية والمسلمون يتبعونهم، ويقتلون من ظفروا به منهم. وزاحموهم عند قيسارية فنالوا منهم وباتوا بها مثاورين. واختطف المسلمون منهم بالليل فقتلوا وأسروا وساروا من الغد إلى أرسوف، وسبقهم المسلمون إليها لضيق الطريق فحملوا عليهم عندها حتى اضطروهم إلى البحر. فحينئذ استمات الإفرنج وحملوا على المسلمين فهزموهم وأثخنوا في تابعهم وألحقوهم بالقلب وفيه صلاح الدين. وتستر المسلمون المنهزمون بخمر الشعراء فرجع الإفرنج عنهم وإنفرج ما كانوا فيه من الضيق المذكور، وساروا إلى يافا فوجدوها خالية وملكوها وكان صلاح الدين قد سار من مكان الهزيمة إلى الرملة وجمع مخلفه وأثقاله، واعتزم على مسابقة الإفرنج إلى عسقلان فمنعه أصحابه وقالوا: نخشى أن يزاحمنا الإفرنج عليها، ويغلبونا على حصارها كما غلبونا على حصار عكا. ويملكوها آخراً ويقووا بما فيها من الذخائر والأسلحة فندبهم إلى المسير إليها وحمايتها من الإفرنج، فلجوا في الإمتناع من ذلك فسار وترك العساكر مع أخيه العادل قبالة الإفرنج، ووصل إلى عسقلان وخربها تاسع عشر شعبان وألقيت حجارتها في البحر وبقي أثرها، وهلك فيها من الأموال والذخائر ما لا يحصى. فلما بلغ الإفرنج ذلك أقاموا بيافاً. وبعث المركيش إلى ملك إنكلطيرة يعذله حيث لم يناجز
صلاح الدين على عسقلان ويمنعه من تخريبها فما خربها حتى عجز عن حمايتها ثم رحل صلاح الدين من عسقلان ثاني رمضان إلى الرملة فخرب حصنها. ثم سار إلى القدس من شدة البرد والمطر لينظر في مصالح القدس وترتبهم في الإستعداد للحصار. وأذن للعساكر في العود إلى بلادهم للإراحة. وعاد إلى مخيمه ثامن رمضان. وأقام الإفرنج بيافا وشرعوا في عمارتها فرحل صلاح الدين إلى نطرون، وخيم به منتصف رمضان. وتردّد الرسل بين ملك إنكلطيرة وبين العادل على أن يزوجه ملك إنكلطيرة أخته، ويكون القدس وبلاد المسلمين بالساحل للعادل، وعكا وبلاد الإفرنج بالساحل لها إلى مملكتها وراء البحر بشرط رضا الفداوية.
وأجاب صلاح الدين إلى ذلك، ومنع الأقسة والرهبان أخت ملك إنكلطيرة من ذلك ونكروا عليها فلم يتم، وإنما كان ملك إنكلطيرة يخادع بذلك. ثم إعتزم الإفرنج على القدس ورحلوا من يافا إلى الرملة ثالث ذي القعدة، وسار صلاح الدين إلى القدس وقدّم عليه عساكر مصر مع أبي الهيجاء فقويت به نفوس المسلمين. وسار الإفرنج من الرملة إلى النطرون ثالث ذي الحجة والمسلمون يحاذونهم. وكانت بينهم وقعات أسروا في واحدة منها نيفاً وخمسين من مقاتلة الإفرنج، واهتم صلاح الدين بعمارة أسوار القدس، ورمّ ما ثلم وضبط المكان الذي ملك القدس منه وسدّ فروجه. وأمر بحفر الخندق خارج الفصيل.وقسم ولاية هذه الأعمال بين ولده وأصحابه وقلت الحجارة للبنيان. وكان صلاح الدين يركب إلى الأماكن البعيدة وينقلها على مركوبه فيقتدي به العسكر. ثم إن الإفرنج ضاقت أحوالهم بالنطرون وقطع المسلمون عنهم الميرة من ساحلهم فلم يكن كما عهده بالرملة، وسأل ملك إنكلطيرة عن صورة القدس ليعلم كيفية ترتيب حصارها فصورت له. ورأى الوادي محيطاً بها إلا قليلاً من جهة الشمال مع عمقه ووعرة مسالكه فقال: هذه لا يمكن حصارها لأنا إذا اجتمعنا عليها من جانب بقيت الجوانب الأخرى، وإن افترقنا على جانب الوادي والجانب الآخر كبس المسلمون إحدى الطائفتين. ولم تصل الأخرى لإنجادهم خوفاً من المسلمين على معسكرهم، وإن تركوه من أصحابه حامية المعسكر فالمدى بعيد لا يصلون للإنجاد إلا بعد الوفاة، هذا إلى ما يلحقنا من تعذر القوت بانقطاع الميرة فعلموا صدقه، وارتحلوا عائدين إلى الرملة. ثم إرتحلوا في محرّم سنة ثمان وثمانين إلى عسقلان وشرعوا في عمارتها، وسار ملك إنكلطيرة إلى مسلح المسلمين فواقعوهم، وجرت بينهم حروب شديدة وصلاح الدين يبعث سراياه من القدس إلى الإفرنج للإغارة وقطع الميرة فيغنمون ويعودون والله تعالى أعلم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق