إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 8 أبريل 2016

73 الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول ذكر مقتل كليب والأيام بين بكر وتغلب


73

الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الاول

ذكر مقتل كليب والأيام بين بكر وتغلب
 

وكان من حديث الحرب التي وقعت بين بكر وتغلب ابني وائل بن هنب ابن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بسبب قتل كليب واسمه وائل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب وإنما لقب كليبًا لأنه كان إذا سار أخذ معه جرو كلب فإذا مر بروضة أو موضع يعجبه ضربه ثم ألقاه في ذلك المكان وهو يصيح ويعوي فلا يسمع عواءه أحد إلا تجنبه ولم يقربه وكان يقال له كليب وائل ثم اختصروا فقالوا كليب فغلب عليه‏.‏

وكان لواء ربيعة بن نزال للأكبر فالأكبر من ولده فكان اللواء في عنزة بن أسد بن ربيعة وكانت سنتهم أنهم يصفرون لحاهم ويقصون شواربهم فلا يفعل ذلك من ربيعة إلا من يخالفهم ويريد حربهم ثم تحول اللواء في عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزال وكانت سنتهم إذا شتموا لطموا من شتمهم وإذا لطموا قتلوا من لطمهم‏.‏

ثم تحول اللواء في النمر بن قاسط بن هنب وكان لهم غير سنة من تقدمهم‏.‏

ثم تحول اللواء في النمر بن قاسط بن هنب وكان لهم غير سنة من تقدمهم‏.‏

ثم تحول اللواء في النمر بن قاسط بن هنب وكان لهم غير سنة من لطمهم‏.‏

ثم تحول اللواء في النمر بن قاسط بن هنب وكان لهم غير سنة من تقدمهم‏.‏

ثم تحول اللواء إلى بكر بن وائل فساءوا غيرهم في فرخ طائر كانوا يوثقون الفرخ بقارعة الطريق فإذا علم بمكانه لم يسلك أحد ذلك الطريق ويسلك من يريد الذهاب والمجيء عن يمينه ويساره ثم تحول اللواء إلى تغلب فوليه وائل بن ولم تجتمع معد إلا على ثلاثة نفر وهم‏:‏ عامر بن الظرب بن عمرو ابن بكر بن يشكر بن الحارث وهو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان وهو الناس بن مضر بالنون وهو أخو إليا بن مضر وكان قائد معد حين تمذحجت مذحج وسارت إلى تهامة وهي أول وقعة كانت بين تهامة واليمن والثاني ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم بن بكر ابن حبيب بن كلب وكان قائد معد يوم السلان بين أهل اليمامة واليمن والثالث وائل بن ربيعة وكان قائد معد يوم خزاز ففض جموع اليمن وهزمهم وجعلت له معد قسم الملك وتاجه وطاعته وبقي زمانًا من الدهر ثم دخله زهو شديد وبغى على قومه حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه وكان يقول‏:‏ وحش أرض كذا في جواري فلا يصاد ولا يورد أحد مع إبله ولا يوقد نارًا مع ناره ولا يمر أحد بين بيوته ولا يجتبي في مجلسه‏.‏

وكانت بنو جشم وبنو شيبان أخلاطًا في دار واحدة إرادة الجماعة ومخافة الفرقة وتزوج كليب جليلة بنت مرة بن شيبان بن ثعلبة وهي أخت جساس بن مرة وحمى كليب أرضًا من العالية في أو الربيع وكان لا يقربها إلا محارب ثم إن رجلًا يقال له سعد بن شميسٍ بن طوق الجرمي نزل بالبسوس بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرة‏.‏

وكان للجرمي ناقة اسمها سراب ترعى مع نوق جساس وهي التي ضربت العرب بها المثل فقالوا‏:‏ أشأم من سراب وأشأ من البسوس‏.‏فخرج كليب يومًا يتعهد الإبل ومراعيها فأتاها وتردد فيها وكانت إبله وإبل جساس مختلطة فنظر كليب إلى سراب فأنكرها فقال له جساس وهو معه‏:‏ هذه ناقة جارنا الجرمي‏.‏

فقال‏:‏ لا تعد هذه الناقة إلى هذا الحمى‏.‏

فقال جساس‏:‏ لا ترعى إبلي مرعىً إلا وهذه معها معها فقال كليب‏:‏ لئن عادت لأضعن سهمي في ضرعها‏.‏

فقال جساس‏:‏ لئن وضعت سهمك في ضرعها لأضعن سنان رمحي في لبتك‏!‏ ثم تفرقا وقال كليب لأمرأته‏:‏ أترين أن في العرب رجلًا مانعًا مني جاره قالت‏:‏ لا أعلمه إلا جساسًا فحدثها الحديث‏.‏وكان بعدذ لك إذا أراد الخروج إلى الحمى منعته وناشتدته الله أن لا يقطع رحمه وكانت تنهى أخاها جساسًا أن يسرح إبله‏.‏

ثم إن كليبًا خرج إلى الحمى وجعل يتصفح الإبل فرأى ناقة الجرمي فرمى ضرعها فأنقذه ولها عجيج حتى بركت بفناء صاحبها‏.‏

فلما رأى ما بها صرخ بالذل وسمعت البسوس صراخ جارها فخرجت إليه‏.‏

فلما رأت ما بناقته وضعت يدها على رأسها ثم صاحت‏:‏ واذلاه‏!‏ وجساس يراها ويسمع فخرج إليها فقال لها‏:‏ اسكتي ولا تراعي وسكن الجرمي وقال لهما‏:‏ إني سأقتل جملًا أعظم من هذه الناقة سأقتل غلالًا وكان غلال فحل إبل كليب لم ير في زمانه مثله وإنما أراد جساس بمقالته كليبًا‏.‏

وكان لكليب عين يسمع ما يقولون فأعاد الكلام على كليب فقال‏:‏ لقد اقتصر من يمينه على غلال‏.‏ولم يزل جساس يطلب غرة كليب فخرج كليب يومًا آمنًا فلما بعد عن البيوت ركب جساس فرسه وأخذ رمحه وأدرك كليبًا فوقف كليب‏.‏

فقال له جساس‏:‏ يا كليب الرمح وراءك‏!‏ فقال‏:‏ إن كنت صادقًا فأقبل إلي من أمامي ولم يلتفت إليه فطعنه فأرداه عن فرسه فقال‏:‏ يا جساس أغثني بشربة من ماء فلم يأته بشيء وقضى كليب نحبه‏.‏

فأمر جساس رجلًا كان معه اسمه عمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان فجعل عليه أحجارًا لئلا تأكله السباع‏.‏وفي ذلك يقول مهلهل بن ربيعة أخو كليب‏:‏ قتيلٌ ما قتيل المرء عمروٍ وجسّاس بن مرّة ذي صريم أصاب فؤاده بأصمّ لدنٍ فلم يعطف هناك على حميم فإنّ غدًا وبع غدٍ لرهنٌ لأمر ما يقام له عظيم جسيمًا ما بكيت به كليبًا إذا ذكر الفعال من الجسيم سأشرب كأسها صرفًا وأسقى بكأسٍ غير منطقة مليم ولما قتل جساس كليبًا انصرف على فرسه يركضه وقد بدت ركبتاه فلما نظر أبوه مرة إلى ذلك قال‏:‏ لقد أتاكم جساس بداهيةٍ ما رأيته قط بادي الركبتين إلى اليوم‏!‏ فلما وقف على أبيه قال‏:‏ ما لك يا جساس قال‏:‏ طعنت طعنة يجتمع بنو وائل غدًا لها رقصًا‏.‏

قال‏:‏ ومن طعنت لأمك الثكل‏!‏ قال‏:‏ قتلت كليبًا‏.‏

قال‏:‏ أفعلت قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ بئس والله ما جئت به قومك تأهّب عنك أهبة ذي امتناع فإنّ الأمر جلّ عن التلاحي فإنّي قد جنيت عليك حربًا تغصّ الشيخ بالماء القراح فلما سمع أبوه قوله خاف خذلان قومه لما كان من لائمته إياه فقال يجيبه‏:‏ فإن تك قد جنيت عليّ حربًا تغصّ الشيخ بالماء القراح جمعت بها يديك على كليبٍ فلا وكلٌ ولا رثّ السلاح سألبس ثوبها وأذود عني بها عار المذلة والفضاح ثم إن مرة دعا قومه إلى نصرته فأجابوه وجلوا الأسنة وشحذوا السيوف وقوموا الرماح وتيأوا للرحلة إلى جماعة قومهم‏.‏

وكان همام بن مرة أخو جساس ومهلهل أخو كليب في ذلك الوقت يشربان فبعث جساس إلى همام جارية لهم تخبره الخير فانتهت إليهما وأشارت إلى همام فقام إليها فأخبرته فقال له مهلهل‏:‏ ما قالت لك الجارية وكان بينهما عهد أن لا يكتم أحدهما صاحبه شيئًا فذكر له ما قالت الجارية وأحب أن يعلمه ذلك في مداعبة وهزل فقال له مهلهل‏:‏ است أخيك أضيق من ذلك‏!‏ فأقبلا على شربهما فقال له مهلهل‏:‏ اشرب فاليوم خمرٌ وغدًا أمرٌز فشرب همام وهو حذر خائف فلما سكر مهلهل عاد همام إلى أهله فساروا من ساعتهم إلى جماعة قومهم وظهر أمر كليب فذهبوا إليه فدفنوه فلما دفن شقت الجيوب وخمشت الوجوه وخرج الأبكار وذوات الخدور العواتق إليه وفمن للمأتم فقال النساء لأخت كليب‏:‏ أخرجي جليلة أخت جساس عنا فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا وكانت امرأة كليب كما ذكرنا فقالت لها أخت كليب‏:‏ اخرجي عن مأتمنا فأنت أخت قاتلنا وشقيقة واترنا فخرجت تجر عطافها فلقيها أبوها مرة فقال لها‏:‏ ما وراءك يا جليلة فقالت‏:‏ ثكل العدد وحزن الأبد وفقد خليل وقتل أخ عن قليل وبين هذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد‏.‏

فقال لها‏:‏ أويكف ذلك كرم الصفح وإغلاء الديات فقالت أمنية مخدوع ورب الكعبة‏!‏ ألبدنٍ تدع لك تغلب دم ربّها‏!‏ ولما رحلت جليلة قالت أخت كليب‏:‏ رحلة المعتدي وفراق الشامت ويلٌ غدًا لآل مرة من الكرة بعد الكرة‏.‏

فبلغ قولها جليلة فقالت‏:‏ وكيف تشمت الحرة بهتك سترها وترقب وترها‏!‏ أسعد الله أختي ألا قالت‏:‏ نفرة الحياء وخوف الأعداء‏!‏ ثم أنشأت تقول‏:‏ يا ابنة الأقوام إن لمت فلا تعجلي باللوم حتّى تسألي فإذا أنت تبيّنت الذي يوجب اللوم فلومي واعذلي إن تكن أخت امرئٍ ليمت على شفقٍ منها عليه فافعلي جلّ عندي فعل جسّاسٍ فيا حسرتا عمّا انجلى أو ينجلي لو بعينٍ فقئت عينٌ سوى أختها فانفقأت لم أحفل تحمل العين قذى العين كما تحمل الأمّ أذى ما تفتلي يا قتيلًا قوّض الدهر به سقف بيتّي جميعًا من عل هدم البيت الذي استحدثته وسعى في هدم بيتي الأوّل ورماني قتله من كثبٍ رمية المصمى به المستأصل يا نسائي دونكنّ اليوم قد خصّني الدهر برزءٍ معضلٍ خصّني قتل كليبٍ بلظىً من ورائي ولظىً مستقبل ليس من يبكي ليوميه كمن إنّما يبكي ليومٍ مقبل يشتفي المدرك بالثأر وفي دركي ثأري ثكل المثكل ليته كان دمًا فاحتلبوا دررًا منه دمي من أكحلي إنّني قاتلةٌ مقتولةٌ ولعلّ الله أن يرتاح لي وأما مهلهل واسمه عدي وقيل‏:‏ امرؤ القيس وهو خال امرؤ القيس بن حجر الكندي وإنما فخرجن حين ثوى كليبٌ جسّرًا مستيقناتٍ بعده بهوان فترى الكواعب كالظّباء عواطلًا إذ حان مصرعه من الأكفان يخمشن من أدم الوجوه حواسرًا من بعده ويعدن بالأزمان متسلّباتٍ نكدهنّ وقد ورى أجوافهنّ بحرقة ووراني ويقلن من للمستضيف إذا دعا أم من لخضب عوالي المرّان أم لاتّسارٍ بالجزور إذا غدا ريحٌ يقطع معقد الأشطان أمّن لإسباق الديات وجمعها ولفادحات نوائب الحدثان كان الذخيرة للزمان فقد أتى فقدانه وأخلّ ركن مكاني يا لهف نفسي من زمانٍ فاجعٍ ألقى عليّ بكلكلٍ وجران بمصيبةٍ لا تستقال جليلةٍ غلبت عزاء القوم والنّسوان هدّت حصونًا كنّ قبل ملاوذًا لذوي الكهول معًا وللشّبان أضحت وأضحى سورها من بعده متهدّم الأركان والبنيان فلأتركنّ به قبائل تغلبٍ قتلى بكلّ قرارة ومكان قتلى تعاورها النّسور أكفّهًا ينهشها وحواجل الغربان ثم انطلق إلى المكان الذي قتل فيه كليب فرأى دمه وأتى قبره فوقف عليه ثم قال‏:‏ إنّ تحت التراب حزمًا وعزمًا وخصيمًا ألدّ ذا معلاق حيّةً في الوجار أربد لا ين فع منه السليم نفث الراقي ثم جز شعره وقصر ثوبه وهجر النساء وترك الغزل وحرم القمار والشراب وجمع إليه قومه وأرسل رجالًا منهم إلى بني شيبان فأتوا مرة بن ذهل ابن شيبان وهو في نادي قومه فقالوا له‏:‏ إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناقة وقطعتم الرحم وانتهكتم الحرمة وإنا نعرض عليك خلالا أربعًا لكم فيها مخرج ولنا فيها مقنع إما أن تحيي لنا كليبًا أو تدفع إلينا قاتله جساسًا فنقتله به أو همامًا فإنه كفؤ له أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء لدمه‏.‏

فقال لهم‏:‏ أما إحيائي كليبًا فلست قادرًا عليه وأما دفعي جساسًا إليكم فإنه غلام طعن طعنة على عجل وركب فرسه فلا أدري أي بلاد قصد وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم فلن يسلموه بجريرة غيره وأما أنا فما هو إلا أن تجول الخيل جولة فأكون أول قتيل فما أتعجل الموت ولكن لكم عندي خصلتان‏:‏ أما إحداها فهؤلاء أبنائي الباقون فخذوا أيهم شئتم فاقتلوه بصاحبكم وأما الأخرى فإني أدفع إليكم ألف ناقة سود الحدق حمر الوبر‏.‏

فغضب القوم وقالوا‏:‏ قد أسأت ببذل هؤلاء وتسومنا اللبن من دم كليب ونشبت الحرب بينهم‏.‏

ولحقت جليلة زوجة كليب بأبيها وقومها واعتزلت قبائل بكر الحرب وكرهوا مساعدة بني شيبان على القتال وأعظموا قتل كليب فتحولت لجيم ويشكر وكف الحارث بن عباد عن نصرهم ومعه أهل بيته وقال مهلهل عدة قصائد يرثي كليبًا منها‏:‏ كليب لا خير في الدنيا ومن فيها إذ أنت خلّيتها فيمن يخلّيها كليب أيّ فتى عزٍّ ومكرمة تحت السقائف إذ يعلوك سافيها نعى النّعاة كليبًا لي فقلت لهم‏:‏ مالت بنا الأرض أو زالت رواسيها الحزم والعزم كانا من صنيعته ما كل آلائه يا قوم أحصيها القائد الخيل تردي في أعنّتها رهودًا إذا الخيل لجّت في تعاديها من خيل تغلب ما تلقى أسنّتها إلاّ وقد خضبوها من أعاديها يهزهزون من الخطّيّ مدمجةً صمًا أنابيبها زرقًا عواليها ليت السماء على من تحتها وقعت وانشقّت الأرض فانجابت بمن فيها فالتقوا أول قتال كان بينهم في قولٍ يوم عنيزة وهي عند فلجة وكانا على السواء فقال مهلهل‏:‏ كأنّا غدوةً وبني أبينا بجنب عنيزةٍ رحيا مدير ولولا الريح أسمع أهل حجر صليل البيض تقرع بالذكور فتفرقوا ثم بقوا زمانًا ثم إنهم التقوا بماء يقال له النهي كانت بنو شيبان نازلة عليه ويروى أنها أول وقعة كانت بينهم وكان رئيس تغلب مهلهل ورئيس شيبان الحارث بن مرة وكانت الدائة لبني تغلب وكانت الشوكة في بني شيبان واستحر القتال فيهم إلا أنه لم يقتل ذلك اليوم أحد من بني مرة‏.‏

ثم التقوا بالذنائب وهي أعظم وقعة كانت لهم فظفرت بنو تغلب وقتلت بكرًا مقتلة عظيمة وقتل فيها شراحيل بن مرة بن همان بن ذهل ابن شيبان وهو جد الحوفزان وجد معن بن زائدة وقتل الحارث بن مرة بن ذهل بن شيبان وقتل من بني ذهل بن ثعلبة عمرة بن سدوس ابن شيبان بن ذهل وغيرهم من رؤساء بكر‏.‏

ثم التقوا يوم واردات فاقتتلوا قتالًا شديدًا فظفرت تغلب أيضًا وكثر القتل في بكر فقتل همام بن مرة بن ذهل بن شيبان أخو جساس لأبيه وأمه فمر مهلهل فلما رآه قتيلًا قال‏:‏ والله ما قتل بعد كليب أعز علي منك وتالله لا تجتمع بكر بعدكما على خير أبدًا‏.‏

وقيل‏:‏ إنما قتل يوم القصيبات قبل يوم قضة قتله ناشرة وكان همام قد التقطه ورباه وسماه ناشرة وكان عنده‏.‏

فلما شب علم أنه تغلبي فلما كان هذا اليوم جعل همام يقاتل فإذا عطش جاء إلى قربة له يشرب منها فتغفله ناشرة فقتله ولحق بقومه تغلب وكاد جساس يؤخذ فسلم فقال مهلهل‏:‏ لو أنّ خيلي أدركتك وجدتهم مثل الليوث بسترغبّ عرين ويقول فيها‏:‏ ولأوردنّ الخيل بطن أراكة ولأقضينّ بفعل ذاك ديوني ولأقتلنّ جحاجحًا من بكركم ولأبكينّ بها جفون عيون حتّى تظلّ الحاملات مخافةً من وقعنا يقذفن كلّ جنين وقيل في ترتيب الأيام غير ما ذكرنا وسنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وكان أبو نويرة التغلبي وغيره طلائع قومه وكان جساس وغيره طلائع قومهم والتقى بعض الليالي جساس وأبو نويرة فقال له أبو نويرة‏:‏ اختر إما الصراع أو الطعان أو المسايفة‏.‏

فاختار جساس الصراع فاصطرعا وأبطأ كل واحد منهما على أصحاب حيه وطلبوهما فأصابوهما وهما يصطرعان وقد كاد جساس يصرعه ففرقوا بينهما‏.‏

وجعلت تغلب تطلب جساسًا أشد الطلب فقال له أبوه مرة‏:‏ الحق بأخوالك بالشام فامتنع فألح عليه أبو فسيره سرًا في خمسة نفر‏.‏

وبلغ الخبر إلى مهلهل فندب أبا نويرة ومعه ثلاثون رجلًا من شجعان أصحابه فساروا مجدين فأدركوا جساسًا فقاتلهم فقتل أبو نويرة وأصحابه ولم يبق منهم غير رجلين وجرح جساس جرحًا شديدًا مات منه وقتل أصحابه فلم يسلم غير رجلين أيضًا فعاد كل واحد من السالمين إلى أصحابه‏.‏

فلما سمع مرة قتل ابنه جساس قال‏:‏ إنما يحزنني أن كان لم يقتل منهم أحدًا‏.‏

فقيل له‏:‏ إنه قتل بيده أبا نويرة رئيس القوم وقتل معه خمسة عشر رجلًا ما شركه منا أحد في قتلهم وقتلنا نحن الباقين فقال‏:‏ ذلك مما يسكن قلبي عن جساس‏.‏

وقيل‏:‏ إن جساسًا آخر من قتل في حرب بكر وتغلب وكان سبب قتله أن أخته جليلة كانت تحت كليب وائل‏.‏

فلما قتل كليب عادت إلى أبيها وهي حامل ووقعت الحرب وكان من الفريقين ما كان ثم عادوا إلى الموادعة بعدما كادت الفئتان تتفانيان فولدت أخت جساس غلامًا فسمته هجرسًا ورباه جساس وكان لا يعرف أبًا غيره فزوجه ابنته فوقع بين هجرس وبين رجل من بكر كلام فقال له البكري‏:‏ ما أنت بمنتهٍ حتى نلحقك بأبيك‏.‏

فأمسك عنه ودخل إلى أمه كثيبًا حزينًا فأخبرها الخبر‏.‏

فلما نام إلى جنب امرأته رأت من همه وفكره ما أنكرته فقصت على أبيها جساس قصته فقال‏:‏ ثائر ورب الكعبة‏!‏ وبات على مثل الرضف حتى أصبح فأحضر الهجرس فقال له‏:‏ إنما أنت ولدي وأنت مني بالمكان الذي تعلم وزوجتك ابنتي وقد كانت الحرب في أبيك زمانًا طويلًا وقد اصطلحنا وتحاجزنا وقد رأيت أن تدخل في ما دخل فيه الناس من الصلح وأن تنطلق معي حتى نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا‏.‏

فقال الهجرس‏:‏ أنا فاعلٌ‏.‏

فحمله جساس على فرس فركبه ولبس لأمته وقال‏:‏ مثلي لا يأتي أهله بغير سلاحه فخرجا حتى أتيا جماعةً من قومهما فقص عليهم جساس القصة وأعلمهم أن الهجرس يدخل في الذي دخل فيه جماعتهم وقد حضر ليعقد ما عقدتم‏.‏

فلما قربوا الدم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسط رمحه ثم قال‏:‏ وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه ثم طعن جساسًا فقتله ولحق بقومه وكان آخر قتيل في بكر‏.‏

والأول أكثر‏.‏

ونرجع إلى سياقه الحديث‏.‏

فلما قتل جساس أرسل أبوه مرة إلى مهلهل‏:‏ إنك قد أدركت ثأرك وقتلت جساسًا فاكفف عن الحرب ودع اللجاج والإسراف وأصلح ذات البين فهو أصلح للحيين وأنكأ لعدوهم فلم يجب إلى ذلك‏.‏

وكان الحارث ابن عباد قد اعتزل الحرب فلم يشهدها فلما قتل جساس وهمام ابنا مرة حمل ابنه بجيرًا وهو ابن عمرو بن عباد أخي الحارث بن عباد فلما حمله على الناقة كتب معه إلى مهلهل‏:‏ إنك قد أسرفت في القتل وأدركت ثأرك سوى ما قتلت من بكر وقد أرسلت ابني إليك فإما قتلته بأخيك وأصلحت بين الحيين وإما أطلقته وأصلحت ذات البين فقد مضى من الحيين في هذه الحروب من كان بقاؤه خيرًا لنا ولكم‏.‏

فلما وقف على كتابه أخذ بجيرًا فقتله وقال‏:‏ بؤبشسع نعل كليب‏.‏

فلما سمع أبوه بقتله ظن أنه قد قتله بأخيه ليصلح بين الحيين فقال‏:‏ نعم القتيل قتيلًا أصلح بين ابني وائل‏!‏ فقيل‏:‏ إنه قال‏:‏ بؤبشسع نعل كليب فغضب عند ذلك الحارث بن عباد وقال‏:‏ قرّبا مربط النعامة منّي لقحت حرب وائل عن حيال قرّبا مربط النعامة منّي شاب رأسي وأنكرتني رجالي لم أكن من جناتها علم الل ه وإنّي بحرّها اليوم صالي فأتوه بفرسه النعامة ولم يكن في زمانها مثلها فركبها وولي أمر بكر وشهد حربهم وكان أول يوم شهده يوم قضة وهو يوم تحلاق اللمم وإنما قيل له تحلاق اللمم لأن بكرًا حلقوا رؤوسهم ليعرف بعضهم بعضًا إلا جحدر بن ضبيعة بن قيس أبو المسامعة فقال لهم‏:‏ أنا قصير فلا تشينوني وأنا اشتري لمتي منكم بأول فارس يطلع عليكم‏.‏

فطلع ابن عناق فشد عليه فقتله وكان يرتجز ذلك اليوم ويقول‏:‏ ردّوا عليّ الخيل إن ألّمت إن لم أقاتلهم فجزّوا لّمتي سائلوا عنّا الذي يعرفنا بقوانا يوم تحلاق اللمم يوم تبدي البيض عن أسوقها وتلفّ الخيل أفواج النّعم وفي هذا اليوم أسر الحارث بن عباد مهلهلًا واسمه عدي وهو لا يعرفه فقال له‏:‏ دلني على عدي وأنا أخلي عنك‏.‏

فقال له المهلهل‏:‏ عليك عهد الله بذلك إن دللتك عليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فأنا عدي فجز ناصيته وتركه وقال في ذلك‏:‏ لهف نفسي على عديٍّ ولم أعرف عديًّا إذ أمكنتني اليدان وكانت الأيام التي اشتدت فيها الحرب بين الطائفتين خمسة أيام‏:‏ يوم عنيزة تكافأوا فيه وتناصفوا ثم اليوم الثاني يوم واردات كان لتغلب على بكر ثم اليوم الثالث الحنو كان لبكر على تغلب ثم اليوم الرابع يوم القصيبات أصيب بكر حتى ظنوا أنهم لن يستقيلوا ثم اليوم الخامس يوم قضة وهو يوم التحالق وشهده الحارث بن عباد ثم كان بعد ذلك أيام دون هذه منها‏:‏ يوم النقية ويوم الفصيل لبكر على تغلب ثم لم يكن بينهما مزاحفة إنما كان مغاورات ودامت الحرب بينهما أربعين سنة‏.‏

ثم إن مهلهلًا قال لقومه‏:‏ قد رأيت أن تبقوا على قومكم فإنهم يحبون صلاحكم وقد أتت على حربكم أربعون سنة وما لمتكم على ما كان من طلبكم بوتركم فلو مرت هذه السنون في رفاهية عيش لكانت تمل من طولها فكيف وقد فني الحيان وثكلت الأمهات ويتم الأولاد ونائحة لا تزال تصرخ في النواحي ودموع لا ترفأ وأجسادٌ لا تدفن وسيوف مشهورة ورماح مشرعة‏!‏ وإن القوم سيرجعون إليكم غدًا بمودتهم ومواصلتهم وتتعطف الأرحام حتى تتواسوا في قبال النعل فكان كما قال‏:‏ ثم قال مهلهل‏:‏ أما أنا فما تطيب نفسي أن أقيم فيكم ولا أستطيع أن أنظر إلى قاتل كليب وأخاف أن أحملكم على الاستئصال وأنا سائر إلى اليمن وفارقهم وسار إلى اليمن ونزل في جنب وهي حي من مذحج فخطبوا إليه ابنته فمنعهم فاجبروه على تزويجها وساقوا إليه صداقها جلودًا من أدم فقال في ذلك‏:‏ أعزز على تغلب بما لقيت أخت بني الأكرمين من جشّم أنكحها فقدها الأراقم في جنبٍ وكان الحباء من أدم لو بأبانين جاء يخطبها ضرّج ما أنف خاطبٍ بدم الأراقم بطن من جشم بن تغلب يعني حيث فقدت الأراقم وهم عشيرتها تزوجها رجل من جنب بأدم‏.‏

ثم إن مهلهلًا عاد إلى ديار قومه فأخذه عمرو بن مالك بن ضبيعة البكري أسيرًا بنواحي هجر فأحسن إساره فمر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر وكان صديقًا لمهلهل فأهدى إليه وهو أسير زقًا من خمر فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكرًا وشربوا عند مهلهل في بيته الذي أفرد له عمرو‏.‏

فلما أخذ فيهم الشراب تغنى مهلهل بما كان يقوله من الشعر وينوح به على أخيه كليب فسمع منه عمرو ذلك فقال‏:‏ إنه لريان والله لا يشرب عندي ماء حتى يرد زبيب وهو فحل كان له لا يرد إلا خمسًا في حمارة القيظ فطلب بنو مالك زبيبًا وهو حراصٌ على أن لا يهلك مهلهل فلم يقدروا عليه حتى مات مهلهل عطشًا‏.‏

وقي‏:‏ إن ابنة خال المهلهل وهي ابنة المجلل التغلبي كانت امرأة عمرو وأرادت أن تأتي مهلهلًا وهو أسير فقال يذكرها‏:‏ طفلةٌ ما ابنة المجلّل بيضا ء لعوبٌ لذيذةٌ في العناق فاذهبي ما إليك غير بعيدٍ لا يؤاتي العناق من في الوثاق ضربت نحرها إليّ وقالت‏:‏ يا عديّ لقد وقتك الأواقي وهي أبيات ذوات عدد فنقل شعره إلى عمرو بن مالك فحلف عمرو أن لا يسقيه الماء حتى يرد زبيب فسأله الناس أن يورد زبيبًا قبل وروده ففعل وأورده وسقاه حتى يتحلل من يمينه ثم إنه سقى مهلهلًا من ماء هناك هو أوخم المياه فمات مهلهل‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق