63
الكامل في التاريخ ( ابن الاثير ) الجزء الثالث
ذكر خروج مطرف بن المغيرة بن شعبة
قيل: إن بني المغيرة بن شعبة كانوا صلحاء أشرافًا بأنفسهم مع شرف أبيهم ومنزلتهم من قومهم فلما قدم الحجاج ورآهم علم أنهم رجال قومهم فاستعمل عروة على الكوفة ومطرفًا على المدائن وحمزة على همدان وكانوا في أعمالهم أحسن الناس سيرةً وأشدهم على المريب وكان
مطرف على المدائن عند خروج شبيب وقربه منها كما سبق فكتب إلى الحجاج يستمده فأمده بسبرة بن عبد الرحمن بن مخنف وغيره وأقبل شبيب حتى نزل بهرسير وكان مطرف بالمدينة العتيقة وهي التي فيها إيوان كسرى فقطع مطرف الجسر وبعث إلى شبيب يطلبه إليه أن يرسل بعض أصحابه لينظر فيما يدعون فبعث إليه عدةً منهم فسألهم مطرف عما يدعون إليه فقالوا: ندعو إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن الذي نقمنا من قومنا الاستئثار بالفيء وتعطيل الحدود والتسلط بالجبرية.
فقال لهم مطرف: ما دعوتم إلا إلى حق وما نقمتم إلا جورًا ظاهرًا أنا لكم متابع فبايعوني على ما أدعوكم إليه ليجتمع أمري وأمركم.
فقالوا: اذكره فإن يكن حقًا نجبك إليه.
قال: أدعوكم إلى أن نقاتل هؤلاء الظلمة على إحداثهم وندعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وأن يكون هذا الأمر شورى بين المسلمين يؤمرون من يرتضون على مثل هذه الحال التي تركهم عليها عمر بن الخطاب فإن العرب إذا علمت أن ما يراد بالشورى الرضى من قريش رضوا وكثر تبعكم وأعوانكم.
فقالوا: هذا مالا نجيبك إليه وقاموا من عنده وترددوا بينهم أربعة أيام فلم تجتمع كلمتهم فساروا من عنده.
وأحضر مطرف نصحاءه وثقاته فذكر لهم ظلم الحجاج وعبد الملك وأنه ما زال يؤثر مخالفتهم ومناهضتهم وأنه يرى ذلك دينًا لو وجد عليه أعوانًا ذكر لهم ما جرى بينه
وبين أصحاب شبيب وأنهم لو تابعوه على رأيه لخلع عبد الملك والحجاج واستشارهم فيما يفعل.
فقالوا له: أخف هذا الكلام ولا تظهره لأحد.
فقال له يزيد بن أبي زياد مولى أبيه المغيرة بن شعبة: والله لا يخفى على الحجاج مما كان بينك وبينهم كلمة واحدة وليزادن على كل كلمة عشر أمثالها ولو كنت في السحاب لالتمسك الحجاج حتى يهلكك فالنجاء النجاء فوافقه أصحابه على ذلك فسار عن المدائن نحو الجبال فلقيه قبيصة بن عبد الرحمن الخثعمي بدير يزدجرد فأحسن إليه وأعطاه نفقةً وكسوةً فصحبه ثم عاد عنه ثم ذكر مطرف لأصحابه بالدسكرة ما عزم عليه ودعاهم إليه وكان رأيه خلع عبد الملك والحجاج والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين يرتضون لأنفسهم من أحبوه.
فبايعه البعض على ذلك ورجع عنه البعض.
وكان ممن رجع عنه سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف فجاء إلى الحجاج وقاتل شبيبًا مع أهل الشام.
وسار مطرف نحو حلوان وكان بها سويد بن عبد الرحمن السعدي من قبل الحجاج فأراد هو والأكراد منعه ليعذر عند الحجاج فجازه مطرف بمواطأة منه وأوقع مطرف بالأكراد فقتل منهم
وسار فلما دنا من همذان وبها أخوه حمزة بن المغيرة تركها ذات اليسار وقصد ماه دينار وأرسل إلى أخيه حمزة يستمده بالمال والسلاح فأرسل إليه سرًا ما طلب.
وسار مطرف حتى بلغ قم وقاشان وأصبهان وبعث عماله على تلك النواحي وأتاه الناس وكان ممن أتاه: سويد بن سرحان الثقفي وبكير بن هارون النخعي من الري في نحو مائة رجل.
وكتب البراء بن قبيصة وهو عامل الحجاج على أصبهان غليه يعرفه حال مطرف ويستمده فأمدة بالرجال بعد الرجال على دواب البريد وكتب الحجاج إلى عدي من الري فاجتمع هو والبراء بن قبيصة وكان عدي هو المير فاجتمعوا في نحو ستة آلاف مقاتل وكان حمزة بت المغيرة قد أرسل إلى الحجاج يعتذر فأظهر قبول عذره وأراد عزله وخاف أن يمتنع عليه فكتب إلى قيس بن سعد العجلي وهو على شرطة حمزة بهمذان بعهده على همذان ويأمره أن يقبض على حمزة بن المغيرة.
وكان بهمذان من عجل وربيعة جمع كثير فسار قيس بن سعد إلى حمزة في جماعة من عشيرته فأقراه العهد بولاية همذان وكتاب الحجاج بالقبض عليه وقال: سمعًا وطاعة.
فقبض قيس على حمزة وجعله في السجن وتولى قيس همذان وتفرغ قلب الحجاج من هذه الناحية لقتال مطرف وكان يخاف مكان حمزة بهمذان لئلا يمد أخاه بالمال والسلاح ولعله ينجده بالرجال.
فلما قبض عليه سكن قلبه وتفرغ باله ولما اجتمع عدي بن زياد الإيادي والبراء بن قبصة سارا نحو مطرف فخندقا عليه فلما دنوا منه اصطفوا للحرب واقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم أصحاب مطرف وقتل مطرف وجماعة كثيرة من أصحابه قتله عمير بن هبيرة الفزاري وحمل رأسه فتقدم بذلك عند بني أمية وقاتل ابن هبيرة ذلك اليوم وأبلى بلاء حسنًا وقتل يزيد بن أبي مولى المغيرة وكان صاحب راية مطرف وقتل من أصحابه عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف الأزدي وكان ناسكًا صالحًا.
وبعث عدي بن زياد إلى الحجاج أهل البلاء فأكرمهم وأحسن إليهم وآمن عدي بكير بن هارون وسويد بن سرحان وغيرهما وطلب منه الأمان للحجاج بن حارثة حتى عزل عدي ثم ظهر في إمارة خالد بن عتاب بن ورقاء.
وكان الحجاج يقول: إن مطرفًا ليس بولد للمغيرة بن شعبة إنما هو ولد مصقلة بن سبرة الشيباني وكان مصقلة والمغيرة يدعيانه فألحق بالمغيرة وجلد مصقلة الحد فلما أظهر رأي الخوارج قال الحجاج ذلك لأن كثيرًا من ربيعة كانوا من خوارج ولم يكن منهم أحد من قيس عيلان ذكر الإختلاف بين الأزارقة قد ذكرنا مسير المهلب إلى الأزارقة ومحاربتهم إلى أن فارقه عتاب بن ورقاء الرياحي ورجع إلى الحجاج وأقام المهلب بعد مسير عاب عنه يقاتل الخوارج فقاتلهم على سابور نحو سنة قتالًا شديدًا.
ثم إنه زاحفهم يوم البستان فقاتلهم أشد قتال وكانت كرمان بيد الخوارج وفارس بيد الهلب.
فضاق على الخوارج مكانهم لا يأتيهم من فارس مادة فخرجوا حتى أتوا كرمان وتبعهم المهلب بالعساكر حتى نزل بجيرفت وهي مدينة كرمان فقاتلهم قتالًا شديدًا.
فلما صارت فارس كلها في يد المهلب أرسل الحجاج العمال عليها فكتب إليه عبد الملك يأمره أن يترك بيد المهلب فسا ودار ابجرد وكورة إصطخر تكون له معونة على الحرب فتركا له وبعث الحجاج إلى المهلب البراء بن قبيصة ليحثه على قتال الجوارج ويأمره بالجد وأنه لا عذر له عنده فخرج المهلب بالعساكر فقاتل الخوارج من صلاة الغداة إلى الظهر ثم انصرفوا والبراء على مكان عال يراهم فجاء إلى المهلب فقال: ما رأيت كتيبة ولا فرسانًا أصبر ولا أشد من الفرسان الذين يقاتلونك.
ثم إن المهلب رجع العصر فقاتلهم كقتالهم أول مرة لا يصد كتيبة عن كتيبة وخرجت كتيبة من كتائب الخوارج لكتيبة من أصحاب المهلب فاشتد بينهم القتال إلى أن حجز بينهم الليل فقالت إحداهما للأخرى: من أنتم فقال هؤلاء: نحن من بتي تميم.
وقال هؤلاء: نحن من بني تميم.
وانصرفوا عند المساء.
فقال المهلب للبراء بن قبيصة: كيف رأيت قوما ما يعينك عليهم إلا الله جل ثناؤه فأحسن المهلب إلى البراء وأمر له بعشرة آلاف درهم.
وانصرف البراء إلى الحجاج وعرفه عذر المهلب.
ثم إن المهلب قاتلهم ثمانية عشر شهرًا لا يقدر منهم على شيء.
ثم إن عاملا لقطري على ناحية كرمان يدعى المقعطر الضبي قتل رجلًا منهم فوثبت الخوارج إلى قطري وطلبوا منه أن يقيدهم من المقعطر فلم بفعل وقال: إنه تأول فأخطأ التأويل ما رأى أن تقتلوه وهو من ذوي السابقة فيكم فوقع بينهم الإختلاف.
وقيل: كان سبب اختلافهم أن رجلًا كان في عسكرهم يعمل النصول المسمومة فيرمي بها أصحاب المهلب فشكا أصحابه منها فقال: أكفيكموه فوجه رجلًا من أصحابه ومعه كتاب وأمره أن يلقيه في عسكر قطري ولا يراه أحد ففعل ذلك ووقع الكتاب إلى قطري فرأى فيه أما بعد فإن نصالك قد وصلت وقد أنفذت إليك ألف درهم.
فأحضر الصانع فسأله فجحد فقتله قطري فأنكر عليه عبد ربه الكبير قتله واختلفوا.
ثم وضع المهلب رجلًا نصرانيًا وأمره أن يقصد قطريًا ويسجد له ففعل ذلك فقال له الخوارج: إن هذا قد اتخذك إلهًا.
ووثب بعضهم إلى النصراني فقتله فزاد اختلافهم وفارق بعضهم قطريًا ثم ولوا عبد ربه الكبير وخلعوا قطريًا وبقي مع قطري منهم نحو من ربعهم أو خمسهم وكتب المهلب إلى الحجاج بذلك.
فكتب إليه الحجاج يأمره أن يقاتلهم على حال اختلافهم قبل أن يجتمعوا فكتب إليه المهلب: إني لست أرى أن أقاتلهم ما دام يقتل بعضهم بعضًا فإن تموا على ذلك فهو الذي نريد وفيه هلاكهم وإن اجتمعوا لم يجتمعوا إلا وقد رقق بعضهم بعضًا فأناهضهم حينئذٍ وهم أهون ما كانوا وأضعفه شوكةً إن شاء الله تعالى والسلام.
فسكت عنه الحجاج وتركهم المهلب يقتتلون شهرًا لا يحركهم ثم إن قطريًا خرج بمن اتبعه نحو طبرستان وبايع الباقون عبد ربه الكبير.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق